الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحق ، ولعادوا إلى سبيل الرشاد ، ولعلموا أن مفترق الطريق الذي بدأ عنده الانشقاق قد كان خلافاً سياسياً على تولي الحكم ، يحدث نظيره في كل عصر ، وفي كل أمة ، ويجب أن يطويه الزمن مع ما يطوي من أحداث جسام ، ويجب أن لا تخلفه أحقاد متوارثة ، مهما كانت صورة الخلاف تحمل استحقاق جهة ما من جهات النزاع بالسلطان ، وعدوان الجهة الأخرى لتستأثر به ، وذلك لأن قضية الخلاف السياسي في الأمة الواحدة قضية شخصية زمنية ، ولا يجوز بحال من الأحوال أن تكون قضية دينية اعتقادية ، أو قضية إنسانية يتوارثها جيل لاحق عن جيل سابق.
إلا أن أعداء مندسين مقنعين قد أرادوا أن يتلاعبوا فيها فيجعلوها قضية دينية متوارثة ، وقد وقع تحت تأثيرهم كثيرون من ذوي النيات السيئة ، ثم تحولت مع الزمن فدخل فيها عنصر التعصب
(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر
إن هدف تفتيت وحدة المسلمين ، وتفريق كلمتهم ، وتسليط طاقاتهم المختلفة بعضها على بعض ، لإضعاف القوة الجماعية التي يتمتعون بها ، وتوهين قواهم الأخرى المادية والمعنوية ، وتبديدها في الفتن الداخلية ، وفي أشكال الصراع التي تثار فيما بينهم ، هدف تلتقي عليه الأجنحة الثلاثة لجيش الغزو ، ومعها سائر أعداء الإسلام.
والدليل على اشتراكهم في هذا الهدف ظاهر من تاريخ المستعمرين ، ودسائس المستشرقين وأقوال المبشرين وأعمالهم.
لقد دخل المستعمرون معظم البلاد العربية الإسلامية ، فكان أول عمل باشروه تجزئة الأمة العربية ذات الأكثرية الإسلامية ، إلى دويلات صغيرة ، وأقاموا بينها الحدود والحواجز المصطنعة ، وحاولوا أن يغرسوا بينها تبايناً في المصالح الاقتصادية والسياسية والثقافية ، ثم تبايناً آخر في القوميات والعصبيات الإقليمية ، مضافاً إلى ذلك إيجاد التنافر بين الكتل الطائفية ، وأمعنوا في ذلك إمعاناً بالغاً ، إذ كانوا يأتون إلى الكتل الطائفية القليلة العدد ، التي بدأت تنسى عزلتها الطائفية ، وتنصهر في الجماعة الواحدة الكبرى ، فيشجعونها على أن تعود إلى أصولها ، وتوجد لنفسها تكتلاً مضاداً حاقداً على الأكثرية المنتشرة في البلاد ، وذلك في ظل التسامح العام الذي تشعر به الأكثرية المسلمة ، على أسس وطنية بحتة أخذت تنادي بها هيئاتها السياسية وغيرها ، وهي غافلة عن المكيدة المدبرة.
وإمعاناً في التجزئة على أساس التفرقة الطائفية نشط المستعمرون في مد عناصر الطوائف القليلة بالمساعدات المختلفة ، والتسهيلات الاقتصادية ، والإغضاء عن الجرائم والمخالفات ، ونفخ روح العزلة والحقد والكراهية في نفوس أفرادها وقادتها ، ضد الأكثرية ، وضد الطوائف الأخرى ، وإشعارها بضرورة انفصالها بحكم ذاتي خاص بطوائفها.
وأقاموا بينهم وبين هذه الطوائف علاقات تتسم بطابع الصداقة والمودة التي تستتبع تبادل زيارات عائلية ، وجلسات فكاهة وسمر وأكل وشرب ، ورحلات متنوعة ، وهكذا إلى آخر ما يدخل في هذا الجدول الاجتماعي ، وعقدوا معهم صلات مناظرة للصلات التي عقدوها مع مجموعة من كبار الأسر السياسية والاقتصادية المنتمية إلى الطائفة التي تشكل في البلاد الأكثرية العددية ، ولكن دسائسهم في كل زمرة منها تختلف عن دسائسهم في الأخرى. وذلك ليتم لهم بناء الجدار الغليظ بينهما ، وليوسعوا الهوة الفاصلة بين الطوائف ، ويزرعوها بالألغام الكثيرة ، من الكراهية ، وتباين المصالح ، والأحقاد التاريخية الموروثة ، والعصبيات المختلفة ذات الدوائر الضيقة.