المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها - أجنحة المكر الثلاثة

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف [ووالده]

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى

- ‌الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌1ـ مولده ونسبه:

- ‌2ـ نشأته وطلبه للعلم:

- ‌3ـ مرحلة الدعوة والتعليم:

- ‌4ـ أسلوبه في التعليم:

- ‌5ـ مشاركاته العلمية:

- ‌6ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:

- ‌7ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:

- ‌8 ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:

- ‌9 ـ صفاته التربوية:

- ‌10 ـ وفاته:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌مولده وتعليمه:

- ‌من مؤلفاته:

- ‌من آرائه ومواقفه التاريخية:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

- ‌دعاء

- ‌القِسمُ الأول الغَزوُ بالحِيَل وَوَسَائل المَكْرِ غَيْر المبَاشِرَة

- ‌الفصل الأوّل من القسم الأول مقَدِّمَات عَامَّة

- ‌(1) الحروب الصليبية وخيبتها وتحول اتجاهها

- ‌(2) الغزو الفكري وخطره

- ‌(3) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري

- ‌(4) المهمات الرئيسية لأعداء الإسلام

- ‌(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري

- ‌(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري

- ‌(7) تعريفات للأجنحة الثلاثة

- ‌(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية

- ‌الفصْل الثاني المبشِّرون وأعمالهمْ

- ‌1- عرض موجز لتاريخ التبشير وأعمال المبشرين

- ‌(2) مؤتمرات المبشرين

- ‌(3) مجالات أنشطة المبشرين

- ‌(4) التآزر بين المبشرين والمستعمرين

- ‌الفصْل الثالث المستَشرقون وَأعمَالهمْ

- ‌(1) تعريف عام بالاستشراق والمستشرقين

- ‌(2) موجز تاريخ الاستشراق

- ‌(3) مدارس الاستشراق

- ‌(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم

- ‌(5) مجالات أنشطة المستشرقين

- ‌(6) أخطر وسائل المستشرقين الفكرية

- ‌(7) موازين البحث عند المستشرقين

- ‌(8) الجامعات الغربية وأثر المستشرقين فيها على المسلمين

- ‌(9) مقارنة بين التبشير والاستشراق وأعمالها

- ‌(10) المستشرقون يدركون قدرة الإسلام الذاتية

- ‌الفصْل الرابع الاسْتِعْمَار وَالمُسْتَعْمِرُون

- ‌(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار

- ‌(2) الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية العربية

- ‌(3) الاستعمار البريطاني للهند وآثاره

- ‌(4) أبرز أعمال الكيد التي قام بها الاستعمار في بلاد المسلمين

- ‌(5) وثيقة من دولة استعمارية لنصارى وطنيين

- ‌الفصل الخامس عناصر التلاقي والأهداف والأعمال المشتركة

- ‌(1) الالتقاء على الكراهية والحقد

- ‌(2) الالتقاء على كسب المغانم

- ‌(3) الالتقاء على محاربة الإسلام وتطبيقاته

- ‌(4) محاولات الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين

- ‌(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السادس وسائل الغزاة وحيلهم

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) وسائل الغزو غير المسلح

- ‌(3) شرح الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: الوجوه المستعارة

- ‌الوسيلة الثانية الخداع السياسي

- ‌الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي

- ‌الوسيلة الرابعة: الحصار الاقتصادي

- ‌الوسيلة الخامسة: الحصار العلمي والثقافي

- ‌الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي

- ‌الوسيلة السابعة: التمييز العنصري والقومي

- ‌الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري

- ‌الوسيلة التاسعة العبث النفسي

- ‌الوسيلة العاشرة: حيل السلب المالي

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: الإفساد الاجتماعي

- ‌الوسيلة الثانية عشرة الإفساد الخلقي والسلوكي

- ‌الفصْل السّابع منْ وَسَائل الغزو الفكري: التفريغ وَالملء

- ‌(1) مقدّمة

- ‌(2) عناصر الخطة

- ‌(3) وسائل التفريغ

- ‌(4) عمليات ملء الفراغ

- ‌(5) تسخير الجيش الجديد من أبناء الأمة

- ‌الفصْل الثامِن خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام

- ‌(1) خطة وغرض

- ‌(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله

- ‌(3) سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر

- ‌(4) محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله

- ‌الخطة الأولى: خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام

- ‌الخطة الثانية: خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل

- ‌الخطة الثالثة: اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي

- ‌الخطة الرابعة: اصطناع الفرق العميلة الأجيرة

- ‌الخطة الخامسة: خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة

- ‌الخطة السادسة: خطة التوريط والإحباط، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز

- ‌(5) محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة

- ‌(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية

- ‌(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة

- ‌(8) حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم

- ‌(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها

- ‌(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها

- ‌(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية

- ‌الفصْل التاسِع الغزاة وأعمالهم في هدم وحدة المسلمين

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) التجزئة باستغلال الخلافات السياسية

- ‌(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر

- ‌(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين

- ‌(5) التقسيم الطبقي

- ‌(6) هدم الخلافة الإسلامية

- ‌(7) مكيدة تحديد النسل

- ‌الفصْل العاشر الغزو بفكرة القوميّة

- ‌(1) خطة وأهداف

- ‌(2) مغالطة جدلية

- ‌(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى

- ‌(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية

- ‌(5) الأمة العربية بعد الإسلام وقبله

- ‌الفصْل الحَادي عشر أعمال الغزَاة ضِدّ اللغةِ العربيَّة

- ‌(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة

- ‌(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى

- ‌(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية

- ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

- ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

- ‌(6) دغدغة العواطف القومية القديمة للتحويل عن العربية الفصحى

- ‌(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي

- ‌(8) غزو الفصحى عن طريق العبث بقواعدها

- ‌(9) غزو اللغة العربية بالمفردات الأجنبية الدخيلة

- ‌(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى

- ‌(11) نحن والغزاة

- ‌الفصْل الثاني عشر الغزاة وتفصيل أعمالهم في الإفساد

- ‌(1) تكسير معاقد الترابط الاجتماعي وتقطيع أوصاله

- ‌(2) العبث بجذور الأخلاق

- ‌(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي

- ‌(4) الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال

- ‌الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء

- ‌الوسيلة الثالثة: الاهتمام بالمرأة في مجالات العلم والثقافة والفن

- ‌الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة

- ‌الوسيلة الخامسة: استخدام الآداب والفنون

- ‌الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم

- ‌الوسيلة السابعة: استخدام المسكرات والمخدرات

- ‌الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب

- ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

- ‌الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: سياسة المستعمرين غير الأخلاقية

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي

- ‌الفصْل الثالث عشر الغزو بالمذاهِبِ الاقتصَادية

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) بين اتجاهين متباينين

- ‌(3) وسائل إيقاف نشاط غزو المذاهب المخالفة للإسلام

- ‌(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران

- ‌(5) قدوم المذاهب الاقتصادية المخالفة لنظام الإسلام

- ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

- ‌(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي

- ‌(8) مقارنة بين الأسس العامة للنظام الاقتصادي في الإِسلام والنظم الأخرى

- ‌(9) فرية ربط التخلف الصناعي بنظام الإسلام

- ‌(10) اصطناع المناخات المناسبة لتقبل الأفكار والمذاهب الغازية

- ‌(11) التعلُّل بعدم وجود دولة تطبق نظم الإسلام وتحميها

- ‌الفصْل الرابع عشر مَا تُعانيه الحَركات وَالمؤسَّسّاتُ الإسْلَاميَّة

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) الكمين والإثارة

- ‌(3) الفقر الذي تعاني منه المؤسسات والحركات الإسلامية

- ‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

- ‌الفصْل الأوّل شُبهَاتٌ حَوْلَ المثَاليّةِ وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثاني شُبهَاتٌ حَوْلَ الرُّوحيَّة وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثالث شُبهَاتٌ حَوْلَ بَعْض العبَادات في الإسْلَام

- ‌الفصْل الرابع شُبهَاتٌ حَوْلَ الزَّكَاةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الخامس شُبهَاتٌ حَوْلَ العُقوبَات في الإسْلَام

- ‌الفصْل السادس شُبهَاتٌ حَوْلَ الرِّقِّ في الإسْلَام

- ‌الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثامِن أجوبَة أسئِلة تَشكيكيَّة

- ‌القِسمُ الثالِث نَظَراتٌ عَامَّة حَوْل دَوافِع الغزو في الناسِ

- ‌الفصْل الأوّل دَوافع الغزو

- ‌(1) ربانية أو عدوانية

- ‌(2) الجهاد المقدس

- ‌(3) أهداف محاولات التسلط المادي المرتبط بالدوافع العدوانية

- ‌(4) تآزر الغزاة لتحقيق الأهداف المشتركة

- ‌الفصْل الثاني خلَاصَة وتوجيه لِلمسْلمين

- ‌(1) مقدمة

- ‌(2) العناصر الغازية

- ‌(3) نتائج حققها الغزاة

- ‌(4) خطوات العمل الحميدة

الفصل: ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

وهكذا نفذ أعداء الإسلام إلى مراكز القوة داخل كثير من البلاد الإسلامية، وتعطلت طاقات الكثرة المسلمة غير المنتظمة، وأمست القلة المسيرة هي صاحبة السلطان المهيمن، وأخذت تفرض ما حملته من مذاهب الغزاة ومبادئهم على الناس بقوة السلطان.

(6) لا تكفي الكلمة وحدها

إن الكلمة وحدها لا تكفي مهما كانت ذات أثر بياني؛ إذا لم تكن مصحوبة بالتطبيق العملي المقنع للجماهير بمضمونها، في صد غزو فكري يحمل شعار التطبيق، مسلح بأسلحة القرن العشرين الإعلامية وغيرها.

إن كلمة الموعظة الآسرة تعطي سحراً إقناعياً مؤقتاً، لكنها لا تلبث أن تنطلق من نفس سامعها مع الأثير، كما انطلقت من لسان قائلها، ما لم يدعمها العمل المستمر، الذي تنفعل به الحواس الظاهرة والباطنة في الإنسان، مع مشاهدة ثمراته النافعة.

الكلمة هي النافذة التي يطل منها نظر الفكر لمشاهدة الحقيقة، ولكنها ليست هي الحقيقة، إن الحقيقة هي الصورة الواقعية التي ترشد إليها الكلمة، فإذا أطل نظر الفكر من نافذة الكلمة فلم يشاهد الصورة الواقعية التي أرشدت إليها أقفل النافذة، وبحث عن الحقيقة بنفسه، أو من خلال كلمة أخرى.

ومما يؤسف له أن المسلمين في واقعهم الحالي الذي انحدروا إليه، لا يستعملون لصد الغزو العملي على الإسلام والمسلمين، إلا سلاح الكلمة العاطفية غير المدعمة بالبيان الكافي، والمجردة عن التطبيق العملي لها.

إن هذا السلاح بهذا الشكل قد غدا مثل الأسلحة الخلَّبية التي تسمع صوتاً ولا تحدث أثراً، وقد عرفت الجماهير المسلمة نوع هذا السلاح الخلبي، وتبلد حسها نحوه، لكثرة الاستماع إليه، فلم تعد تنفعل به، ولا تتأثر بمضمونه.

ص: 457

لو لبث أصحاب الكلمات قروناً يمتدحون النظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، في حال أنهم يخالفونه في التطبيق، أو يجاملونه مجاملة صورية لا تنفذ إلى أعماق مشكلة الحياة التي يعيشها الناس، أو ينافقون له ببعض أعمال طفيفة يؤدونها، وأجسامهم إليها ثقيلة، ونفوسهم بها شحيحة، فإنهم لن يستطيعوا أن يدخلوا إلى قلوب الناس بأقوالهم المجردة عن الأعمال، ولن يستطيعوا أن يملكوا مشاعرهم ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، ولن يستطيعوا أن يقفوا في وجه الغزو الفكري الذي يحمل إليهم المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، القادمة من وراء الحدود، والتي تمنيهم بالأماني العريضة، وتضع على بوابة الطريق الذي تدعوهم إليه أقواس الورد والريحان، وتفرش مقدمته بالخمائل الزمردية. ومهما يكن وراء هذه الخمائل الخادعة من جوع وظمأ وأسر وعذاب، فإن كلمة التحذير وحدها لا تكفي لردهم عن دخول هذه البوابة المغرية، ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، وما دام الواقع الذي يعيشون فيه مخالفاً للنظام الذي يُدعَوْن للمحافظة عليه.

هذه هي التجربة التي عاشت في ظروفها بعض البلاد الإسلامية، واكتوت بنيرانها.

وعظة هذه التجربة تتلخص بوجوب تدارك الأمة الإسلامية في كل بلاد المسلمين بالتطبيق الفعلي لنظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، قبل أن يفلت زمام الأمر في سائر بلاد المسلمين، من الأيدي الحارسة للإسلام المؤمنة به الحريصة على إعلاء كلمة الله في الأرض، لا سيما في هذا العصر الذي نجد فيه الغزو الثقافي القادم من وراء حدود البلاد الإسلامية يكتسح الأجيال الناشئة بسرعة فائقة.

وللتطبيق الفعلي شروطه ومراحله وأسبابه، وعلى المسلمين أن يخططوا لذلك بفكر عميق وبصر نافذ، ثم يباشروا بالتنفيذ دون إهمال ولا تسويف، فإن دولاب الزمن المتسارع بأحداثه لا ينتظرهم.

إن كل الذين يعيشون في المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام،

ص: 458

يلاحظون مدى بعد هذه المجتمعات عن التطبيق الإسلامي، وهذا هو السبب الذي جعل المذاهب الأخرى تغزو بلاد المسلمين، وفيما يلي صورة مقتضبة عن واقع الانحراف:

1-

من أبرز العناصر التي اهتم بها نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال تحريم الربا وإيجاب الزكاة.

أما تحريم الربا فهو وقوف في وجه نوع كبير من أنواع الإثراء غير المشروع الذي لا يوافق عليه الإسلام في نظامه العادل.

وأما إيجاب الزكاة فهو وسيلة كبرى من وسائل حل مشكلة الفقر، الذي لا بد أن يتعرض إليه بعض أفراد الأمة.

والمسلمون الذين يغارون على إسلامهم، ويحذرون من أن تغزو بلادهم المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، يخالفون بشكل عام في هذين الأمرين معاً.

فيتعاملون بالربا ضمن أسس النظام الرأسمالي اليهودي في العالم، ولذلك نشاهد أن معظم النشاطات الاقتصادية في بلاد المسلمين لا تتورع عنه، مع أنهم يتترَّسون بالانتساب إلى الإسلام، حينما تغير عليهم هجمات المذاهب المخالفة، التي تنازعهم كل شيء مما يملكون.

ويمنعون الزكاة التي من شأنها أن تسكت عنهم البطون الجائعة بسبب الفقر الذي أصابها، من جراء العجز عن العمل، أو عدم تيسر أسبابه، أو من جراء عدم تطبيق نظام الإسلام في المجتمع، بشكله الكامل المتطور مع ظروف الأحوال الاجتماعية.

2-

وصورة الاستغلال الفاحش هي العملية السائدة التي تواضعت عليها مفاهيم الناس بشكل عام.

فنرى الاحتكار المحرم في الإسلام وسيلة منتشرة من وسائل هذا الاستغلال داخل كثير من المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام، ويُعمي الطمع

ص: 459

المستغلين، ويطمس بصائرهم، فلا يخشون عقاب الله، ويسارعون إلى الاحتكار، ليتحكموا بالأسعار، وليجمعوا ثروات كبيرة فاحشة، على حساب ذوي الحاجات الذين ألجأتهم الضرورات إلى دفع الأثمان العالية، لأنهم لا يجدون حاجاتهم إلا عند المحتكرين.

ونرى الغش المحرم في الإسلام وسيلة منتشرة من وسائل هذه الاستغلال، وهو في منطق الحقيقة سرقة مغلفة بغلاف التجارة الحرة، والرسول قال فيه:"من غشّ فليس منا".

ونرى الغبن الفاحش الذي يدفع إليه عامل الشره وحب الإثراء على حساب الآخرين دون بذل جهد مكافئ، وسيلة منتشرة من وسائل هذا الاستغلال، مع أنه غير مشروع في نظام الإسلام.

إن انتشار هذه الأمور وأشباهها مما هو مخالف لنظام الإسلام يهيئ للغزاة بيئة صالحة لنشر مذاهبهم، واجتذاب المظلومين إلى صفوفهم، واستخدامهم مطايا يمتطونها لتحقيق أغراضهم في بلاد المسلمين، وجنوداً متطوعين لهدم حصون أمتهم من داخلها.

وهذا ما مرت بتجربته القاسية بعض البلاد الإسلامية، وقد عرف الغزاة من تجاربهم الطويلة كيف يستفيدون من الأخطاء المنتشرة في الأمة، لإحكام خطتهم وتنفيذها، وقد يعملون في بعض البيئات على توسيع دائرة هذه الأخطاء وتشجيعها بشكل غير مباشر، ليسهل عليهم توجيه الانتقادات الشديدة، وإثارة النقمة في صفوف الجماهير عليها وعلى كل واقعهم، وإقناعهم بضرورة التغيير الجذري لكل الأسس التي عليها الأمة، تخلصاً من هذا الواقع المنحرف، ويوحون لهم بحتمية التحويل الثوري الذي ينسف كل القيم السائدة في المجتمع.

ويأتي دور العمل الإسلامي الواعي، لتدارك وضع المسلمين قبل أن يستفحل الخطر ويتجاوز الحدود، ويغدو من العسيرة إقامة السدود في وجه سيله المدمر.

ص: 460

وعلى كل عمل إسلامي واعٍ أن يضع في حسابه تغيير هذا الواقع المخالف لنظام الإسلام، ضمن خطة مقاومة جيوش الغزو الفكري للعالم الإسلامي، القادم بالمذاهب الاقتصادية المبنية على أسس معادية للإسلام، تعمل على هدمه، واجتثاثه من أصوله.

ولا يحتمل أمر هذا الخطر الداهم التهاون والتواني، أو اليأس والخنوع، فلكل عمل نتيجة، ولكل جهد ثمرة، وحسب باذل الجهد ابتغاء مرضاة الله أن ينال رضوان الله ثمرة لما بذل من عمل.

كيف يتسنى الظفر بصدد هجمات المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، والمسلمون منغمسون في مخالفاتهم لنظامه، وتجاوزهم لحدود أحكامه؟!.

كيف تحجز الجماهير التي تشعر بالنقمة من الواقع المؤلم المخالفة لأحكام الإسلام،عن أن تسير في ركب الذين يفتحون لها أبواب الأماني العريضة، ويذللون في طريقها مقدمات الانزلاق، ولو كان من وراء السير في ركاب هذه المغريات الخادعة البلاء المدمر؟؟

كثير من الناس قصيرو النظر، تطيش بهم الآمال، وتسوقهم بوارق الطمع، وتجمعهم كل ضجة محدثة، لا سيما حينا تستحكم بهم الحاجة، وتزوغ أبصارهم لما يظمؤون إليه.

وقد عرف الغزاة بدراساتهم النفسية كيف يتصيدون مطاياهم من المسلمين.

لو قيل للشاة التي عض عليها الجوع الشديد وهي في حظيرتها المحصنة، إن الذئب في الوادي يوزع العلف على الشياه الجائعة لصدقت ذلك، وهبطت إلى الوادي، لتأخذ نصيبها من العلف، ولأنساها جوعها الشديد أنها ستنزل لتكون هي العلف للذئب.

وكذلك كثير من الناس حينما تلح عليهم الحاجة وتنبح في أحشائهم الضرورة، تضطرب مداركهم، وتستخذي إرادتهم، ويفقدون توازنهم الفكري فيسلمون رقابهم إلى أيدي أعدائهم الذين سيقتلونهم حتماً، وذلك

ص: 461