الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهكذا نفذ أعداء الإسلام إلى مراكز القوة داخل كثير من البلاد الإسلامية، وتعطلت طاقات الكثرة المسلمة غير المنتظمة، وأمست القلة المسيرة هي صاحبة السلطان المهيمن، وأخذت تفرض ما حملته من مذاهب الغزاة ومبادئهم على الناس بقوة السلطان.
(6) لا تكفي الكلمة وحدها
إن الكلمة وحدها لا تكفي مهما كانت ذات أثر بياني؛ إذا لم تكن مصحوبة بالتطبيق العملي المقنع للجماهير بمضمونها، في صد غزو فكري يحمل شعار التطبيق، مسلح بأسلحة القرن العشرين الإعلامية وغيرها.
إن كلمة الموعظة الآسرة تعطي سحراً إقناعياً مؤقتاً، لكنها لا تلبث أن تنطلق من نفس سامعها مع الأثير، كما انطلقت من لسان قائلها، ما لم يدعمها العمل المستمر، الذي تنفعل به الحواس الظاهرة والباطنة في الإنسان، مع مشاهدة ثمراته النافعة.
الكلمة هي النافذة التي يطل منها نظر الفكر لمشاهدة الحقيقة، ولكنها ليست هي الحقيقة، إن الحقيقة هي الصورة الواقعية التي ترشد إليها الكلمة، فإذا أطل نظر الفكر من نافذة الكلمة فلم يشاهد الصورة الواقعية التي أرشدت إليها أقفل النافذة، وبحث عن الحقيقة بنفسه، أو من خلال كلمة أخرى.
ومما يؤسف له أن المسلمين في واقعهم الحالي الذي انحدروا إليه، لا يستعملون لصد الغزو العملي على الإسلام والمسلمين، إلا سلاح الكلمة العاطفية غير المدعمة بالبيان الكافي، والمجردة عن التطبيق العملي لها.
إن هذا السلاح بهذا الشكل قد غدا مثل الأسلحة الخلَّبية التي تسمع صوتاً ولا تحدث أثراً، وقد عرفت الجماهير المسلمة نوع هذا السلاح الخلبي، وتبلد حسها نحوه، لكثرة الاستماع إليه، فلم تعد تنفعل به، ولا تتأثر بمضمونه.
لو لبث أصحاب الكلمات قروناً يمتدحون النظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، في حال أنهم يخالفونه في التطبيق، أو يجاملونه مجاملة صورية لا تنفذ إلى أعماق مشكلة الحياة التي يعيشها الناس، أو ينافقون له ببعض أعمال طفيفة يؤدونها، وأجسامهم إليها ثقيلة، ونفوسهم بها شحيحة، فإنهم لن يستطيعوا أن يدخلوا إلى قلوب الناس بأقوالهم المجردة عن الأعمال، ولن يستطيعوا أن يملكوا مشاعرهم ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، ولن يستطيعوا أن يقفوا في وجه الغزو الفكري الذي يحمل إليهم المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، القادمة من وراء الحدود، والتي تمنيهم بالأماني العريضة، وتضع على بوابة الطريق الذي تدعوهم إليه أقواس الورد والريحان، وتفرش مقدمته بالخمائل الزمردية. ومهما يكن وراء هذه الخمائل الخادعة من جوع وظمأ وأسر وعذاب، فإن كلمة التحذير وحدها لا تكفي لردهم عن دخول هذه البوابة المغرية، ما دامت مشكلة العيش تنهش في بطونهم، وتغلي في أكبادهم، وما دام الواقع الذي يعيشون فيه مخالفاً للنظام الذي يُدعَوْن للمحافظة عليه.
هذه هي التجربة التي عاشت في ظروفها بعض البلاد الإسلامية، واكتوت بنيرانها.
وعظة هذه التجربة تتلخص بوجوب تدارك الأمة الإسلامية في كل بلاد المسلمين بالتطبيق الفعلي لنظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال، قبل أن يفلت زمام الأمر في سائر بلاد المسلمين، من الأيدي الحارسة للإسلام المؤمنة به الحريصة على إعلاء كلمة الله في الأرض، لا سيما في هذا العصر الذي نجد فيه الغزو الثقافي القادم من وراء حدود البلاد الإسلامية يكتسح الأجيال الناشئة بسرعة فائقة.
وللتطبيق الفعلي شروطه ومراحله وأسبابه، وعلى المسلمين أن يخططوا لذلك بفكر عميق وبصر نافذ، ثم يباشروا بالتنفيذ دون إهمال ولا تسويف، فإن دولاب الزمن المتسارع بأحداثه لا ينتظرهم.
إن كل الذين يعيشون في المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام،
يلاحظون مدى بعد هذه المجتمعات عن التطبيق الإسلامي، وهذا هو السبب الذي جعل المذاهب الأخرى تغزو بلاد المسلمين، وفيما يلي صورة مقتضبة عن واقع الانحراف:
1-
من أبرز العناصر التي اهتم بها نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال تحريم الربا وإيجاب الزكاة.
أما تحريم الربا فهو وقوف في وجه نوع كبير من أنواع الإثراء غير المشروع الذي لا يوافق عليه الإسلام في نظامه العادل.
وأما إيجاب الزكاة فهو وسيلة كبرى من وسائل حل مشكلة الفقر، الذي لا بد أن يتعرض إليه بعض أفراد الأمة.
والمسلمون الذين يغارون على إسلامهم، ويحذرون من أن تغزو بلادهم المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، يخالفون بشكل عام في هذين الأمرين معاً.
فيتعاملون بالربا ضمن أسس النظام الرأسمالي اليهودي في العالم، ولذلك نشاهد أن معظم النشاطات الاقتصادية في بلاد المسلمين لا تتورع عنه، مع أنهم يتترَّسون بالانتساب إلى الإسلام، حينما تغير عليهم هجمات المذاهب المخالفة، التي تنازعهم كل شيء مما يملكون.
ويمنعون الزكاة التي من شأنها أن تسكت عنهم البطون الجائعة بسبب الفقر الذي أصابها، من جراء العجز عن العمل، أو عدم تيسر أسبابه، أو من جراء عدم تطبيق نظام الإسلام في المجتمع، بشكله الكامل المتطور مع ظروف الأحوال الاجتماعية.
2-
وصورة الاستغلال الفاحش هي العملية السائدة التي تواضعت عليها مفاهيم الناس بشكل عام.
فنرى الاحتكار المحرم في الإسلام وسيلة منتشرة من وسائل هذا الاستغلال داخل كثير من المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام، ويُعمي الطمع
المستغلين، ويطمس بصائرهم، فلا يخشون عقاب الله، ويسارعون إلى الاحتكار، ليتحكموا بالأسعار، وليجمعوا ثروات كبيرة فاحشة، على حساب ذوي الحاجات الذين ألجأتهم الضرورات إلى دفع الأثمان العالية، لأنهم لا يجدون حاجاتهم إلا عند المحتكرين.
ونرى الغش المحرم في الإسلام وسيلة منتشرة من وسائل هذه الاستغلال، وهو في منطق الحقيقة سرقة مغلفة بغلاف التجارة الحرة، والرسول قال فيه:"من غشّ فليس منا".
ونرى الغبن الفاحش الذي يدفع إليه عامل الشره وحب الإثراء على حساب الآخرين دون بذل جهد مكافئ، وسيلة منتشرة من وسائل هذا الاستغلال، مع أنه غير مشروع في نظام الإسلام.
إن انتشار هذه الأمور وأشباهها مما هو مخالف لنظام الإسلام يهيئ للغزاة بيئة صالحة لنشر مذاهبهم، واجتذاب المظلومين إلى صفوفهم، واستخدامهم مطايا يمتطونها لتحقيق أغراضهم في بلاد المسلمين، وجنوداً متطوعين لهدم حصون أمتهم من داخلها.
وهذا ما مرت بتجربته القاسية بعض البلاد الإسلامية، وقد عرف الغزاة من تجاربهم الطويلة كيف يستفيدون من الأخطاء المنتشرة في الأمة، لإحكام خطتهم وتنفيذها، وقد يعملون في بعض البيئات على توسيع دائرة هذه الأخطاء وتشجيعها بشكل غير مباشر، ليسهل عليهم توجيه الانتقادات الشديدة، وإثارة النقمة في صفوف الجماهير عليها وعلى كل واقعهم، وإقناعهم بضرورة التغيير الجذري لكل الأسس التي عليها الأمة، تخلصاً من هذا الواقع المنحرف، ويوحون لهم بحتمية التحويل الثوري الذي ينسف كل القيم السائدة في المجتمع.
ويأتي دور العمل الإسلامي الواعي، لتدارك وضع المسلمين قبل أن يستفحل الخطر ويتجاوز الحدود، ويغدو من العسيرة إقامة السدود في وجه سيله المدمر.
وعلى كل عمل إسلامي واعٍ أن يضع في حسابه تغيير هذا الواقع المخالف لنظام الإسلام، ضمن خطة مقاومة جيوش الغزو الفكري للعالم الإسلامي، القادم بالمذاهب الاقتصادية المبنية على أسس معادية للإسلام، تعمل على هدمه، واجتثاثه من أصوله.
ولا يحتمل أمر هذا الخطر الداهم التهاون والتواني، أو اليأس والخنوع، فلكل عمل نتيجة، ولكل جهد ثمرة، وحسب باذل الجهد ابتغاء مرضاة الله أن ينال رضوان الله ثمرة لما بذل من عمل.
كيف يتسنى الظفر بصدد هجمات المذاهب الاقتصادية المعادية للإسلام، والمسلمون منغمسون في مخالفاتهم لنظامه، وتجاوزهم لحدود أحكامه؟!.
كيف تحجز الجماهير التي تشعر بالنقمة من الواقع المؤلم المخالفة لأحكام الإسلام،عن أن تسير في ركب الذين يفتحون لها أبواب الأماني العريضة، ويذللون في طريقها مقدمات الانزلاق، ولو كان من وراء السير في ركاب هذه المغريات الخادعة البلاء المدمر؟؟
كثير من الناس قصيرو النظر، تطيش بهم الآمال، وتسوقهم بوارق الطمع، وتجمعهم كل ضجة محدثة، لا سيما حينا تستحكم بهم الحاجة، وتزوغ أبصارهم لما يظمؤون إليه.
وقد عرف الغزاة بدراساتهم النفسية كيف يتصيدون مطاياهم من المسلمين.
لو قيل للشاة التي عض عليها الجوع الشديد وهي في حظيرتها المحصنة، إن الذئب في الوادي يوزع العلف على الشياه الجائعة لصدقت ذلك، وهبطت إلى الوادي، لتأخذ نصيبها من العلف، ولأنساها جوعها الشديد أنها ستنزل لتكون هي العلف للذئب.
وكذلك كثير من الناس حينما تلح عليهم الحاجة وتنبح في أحشائهم الضرورة، تضطرب مداركهم، وتستخذي إرادتهم، ويفقدون توازنهم الفكري فيسلمون رقابهم إلى أيدي أعدائهم الذين سيقتلونهم حتماً، وذلك