الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا ظهروا في سورية ولبنان والأردن حاولوا أن يدغدغوا في سكان هذه البلاد عواطف القومية السورية الواسعة، مستغلين أمل شعوب هذه البلدان بالوحدة الكبرى، التي يرون من خطواتها أنواع الانضمام الجزئي مهما كان نوعه، وفي ضمن هذه القومية السورية يحاولون أن يحيوا قوميات قديمة سابقة للفتح الإسلامي، وأن ينبشوا المقابر المهجورة عن عظامها النخرة البالية، كالفينيقية، والكنعانية، إلا أن جهودهم في إحياء القوميات السورية قد باءت بالفشل أيضاً، فلم يكتب لها النجاح الذي يرجونه منها، ولم يؤت الثمرة المتوخاة، للتناقض التام بين شعوب هذه البلدان وبين هذه الدعوة التي ولدت ميتة، بعد أن كانت هذه البلدان صاحبة لواء الدعوة إلى وحدة الأمة العربية، يضاف إلى ذلك ارتباط معظم سكانها بالإسلام ارتباطاً عاطفياً قوياً.
وإذا ظهروا بين الأكراد أثاروا فيهم القومية الكردية، وهو أمر لا بد أن يظهر مع التعصب للقومية العربية، وقالوا هم: هؤلاء العرب قد أحيوا قوميتهم العربية غير مبالين بالإسلام، فما بالكم أنتم لا تفعلون مثل ذلك، فتحيون قوميتكم الكردية، وتعملون لها، وتبرزون كيانكم المستقل بين شعوب الأرض.
وكذلك يفعلون، ففي كل شعب لهم وجه، وفي كل أمة لهم طريقة، وفي كل حالة لهم لبوس.
والهدف الذي يرمون إليه على اختلاف وجوههم واحد، والغاية التي يعملون لها واحدة، ألا وهي هدم الإسلام، وإبعاد الشعوب الإسلامية عنه، وتفتيت وحدة هذا الجيل المنيع الذي يضمُّ الشعوب الإسلامية برابطة الإسلام القوية المتينة.
(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي
أما دسائس النصيحة الكاذبة التي تدور حول إصلاح رسم الخط العربي، فما تزال رياح المستشرقين والمستغربين تدير فيها بين حين وآخر طواحين هوائية
مثيرة للجعجعة، داخل عدد من العواصم العربية، كأن في هذا الرسم العربي مشكلة كبرى تعوق الناطق العربي عن التقدم، وتعرقل المسيرة العلمية والإنتاجية المطلوبة.
أ- فمرة ينادون بإصلاحه عن طريق استبدال الحروف اللاتينية به، مع أن الحروف اللاتينية قاصرة عن استيفاء حروف الهجاء العربية، كما يعترف بذلك المستشرق الإيطالي "نالينو" رغم عداوته للإسلام وكتابته ضده، إذ يقول في اعترافه:
"إن الخط العربي موافق لطبيعة اللغة العربية، ولو أدرنا استبدال الحروف اللاتينية بالحروف العربية لتحتم علينا إيجاد حروف جديدة نضيفها إلى الأبجدية اللاتينية الحالية، لكي تعبر عن الأصوات العربية التي تمثلها حروف: ج - ح - خ - ش - ط - ظ - ص - ض - ع - غ - ولاحتجنا كذلك إلى التمييز بين الحروف المتحركة الممدودة وبين الحروف المقصورة" إهـ.
ونحن نعلم أن الغرض الدفين من هذه الدسيسة ليس هو تسهيل القراءة على المتعلمين، وإنما الغرض منه - كما سبق أن عرفنا - فصل الشعوب العربية عن ثرواتها الإسلامية، وقطع الصلة بين الأجيال القادمة وبين القرآن الكريم، وأحاديث الرسول العظيم، وسائر الكتب الإسلامية المرسومة بالخط العربي، وتكليف الأجيال العربية جهوداً عظيمة جديدة لا داعي لها، بعد أن تفقد كل كنوزها دفعة واحدة.
ولست أدري لماذا يطالبنا المستشرقون الاستعماريون وأجراؤهم بإصلاح الرسم العربي الموجز، المساير للمنطوق من الحروف إلا فيما ندر جداً، مع ترك ضبط حركاتها لحفظ الناطق العربي لمفردات لغته، ويساعده الشكل على ذلك في بعض المراجع المشكولة، كما يساعده الضبط التام في المعاجم.
وعلى فرض التسليم بأن هذا نقص في الرسم العربي، ففي اللغات الأجنبية ما هو أفحش منه، مع أننا لم نجد واحداً من الناطقين بتلك اللغات، ولا واحداً من المستغربين الذين يردّدون أقوال المستشرقين، ينادي بإصلاح الرسم فيها، فما هذه المفارقات التي تنم عن العداء للإسلام ومصادره؟.
إن متعلم اللغة الإنكليزية مثلاً يعاني من عيوب كتابتها ما لا يعانيه متعلم الكتابة العربية، ففي كثير من كلماتها حروف لا تنطق بحال من الأحوال، ويكلف متعلم هذه اللغة أن يكتب هذه الكلمات مع زوائدها التي ليس فيها ما يعقل المعنى، وليس لها قاعدة ثابتة، ومن الواجب عليه أن يحفظها حفظاً حسبما يلقن طريقة رسمها.
فمثلاً: الكلمة الإنكليزية التي يجب أن تكتب كما يلي: "write" يجب أن تقرأ "rit" بمعنى يكتب، وأن يحذف القارئ اعتباطاً دلالة حرف "w" وحرف "E". والكلمة الإنكليزية الأخرى المماثلة لها لفظاً والمخالفة لها معنى، يجب أن تكتب كما يلي "right" بمعنى صحيح أو صواب، وأن يحذف القارئ اعتباطاً دلالة حرفي "GH". والكلمة التي يجب أن تكتب كما يلي "know" يجب أن تقرأ "now" بمعنى يعرف مع حذف حرف "k" اعتباطاً. والكلمة التي يجب أن تكتب كما يلي:"light" يجب أن تقرأ "lit" بمعنى يضيء أو ضوء، وأن يحذف القارئ اعتباطاً دلالة حرفي "GH". والكلمة التي يجب أن تكتب كما يلي:"laugh" يجب أن تقرأ "laf" بمعنى يضحك، وأن يبدل القارئ بذهنه الحروف "ugh" بحرف "F". ونظير ذلك كثير جداً.
والحروف الصوتية عندهم ليس لها صفة صوتية ثابتة، وقراءتها وكتابتها يجب أن يكون كل منهما معتمداً على السماع والحفظ.
فلماذا لا ينادي المستشرقون بضرورة إصلاح رسم الكتابة الإنكليزية وغيرها من اللغات، التي هي بحاجة إلى الإصلاح أكثر من حاجة الكتابة العربية، حينما ينادون فيما بينهم بإصلاح رسم الكتابة العربية؟!
ألا يكشف هذا عن أهدافهم السيئة ضد الإسلام واللغة العربية من أساسها؟
وبهذه المناسبة يطيب لي أن أنصح مخلصاً بإصلاح الكتابة الإنكليزية وغيرها من اللغات اللاتينية.
ولدى اختبار النتائج على واقع حال دارسي العلوم باللغة العربية،
ودارسي العلوم باللغات الأجنبية؛ نلاحظ أن رسم الكتابة العربية لم يكن في يوم من الأيام عائقاً لأي ناطق عربي عن متابعة العلم، ولم نجد أجيالنا العربية الحديثة التي شقت طريقها إلى العلم تتخلف دراسياً عن مستوى الوسط العام الذي عليه الأجيال الأوربية، مع أن أبناءنا في معظم الأحيان يدرسون لغتين أجنبيتين، إلى جانب دراستهم علومهم باللغة العربية المنضبطة على قواعد الفصحى، وبرسم الكتابة العربية.
ب- ومرة ينادون بإصلاح رسم الكتابة العربية عن طريق إدخال عناصر جديدة في بنية كلماتها.
وهذه حيلة غير خافية من حيل المراوغة، أرادوا بها مداراة الشعور القومي عند الشعوب العربية مداراة مؤقتة، لأن هذا الاقتراح يحمل من عوامل الهدم مثل الذي يحمله الاقتراح الأول سواءً بسواء، إذ سيؤدي أيضاً إلى قطع الصلة بين الأجيال العربية القادمة وبين كنوزهم العظيمة، التي تحتوي ثرواتهم العلمية الدينية والدينية، وهي مكتوبة ومطبوعة بالرسم العربي المتبع.
كما أنه سيكون مرحلة تمهيدية تعطي المبررات لتحويل الكتابة إلى الحروف اللاتينية، ما دامت الصلة قد انقطعت فعلاً كلها أو بعضها بالتحوير الجديد، الذي يريدون له أن يتم عن طريق المجامع العربية.
وقد تقدمت طائفة بعضها حسن النية وبعضها مجهول الهدف بمقترحات لهذا الإصلاح، ولكن هذه المقترحات قد باءت بالفشل أمام وعي أكثرية الشعوب العربية، وبسبب صعوبة المجازفة بخطوة خطيرة من هذا النوع، من شأنها أن تعبث بجزء ذي أهمية بالغة من كيان الأمة العربية في جميع أقطارها وأمصارها، إذ لا يخص بلداً بعينه، أو قطراً واحداً داخل الوطن العربي والإسلامي الكبير.
وأخيراً اقتصرت بعض المقترحات على تسهيل الكتابة المطبعية فقط، دون تغيير في أساس الرسم العربي، وسيظل هذا الاقتراح أيضاً بعيداً عن مجال التنفيذ، لأنه اقتراح من شأنه أن يسهل على عمال المطابع فقط ولا علاقة