المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى - أجنحة المكر الثلاثة

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف [ووالده]

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى

- ‌الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌1ـ مولده ونسبه:

- ‌2ـ نشأته وطلبه للعلم:

- ‌3ـ مرحلة الدعوة والتعليم:

- ‌4ـ أسلوبه في التعليم:

- ‌5ـ مشاركاته العلمية:

- ‌6ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:

- ‌7ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:

- ‌8 ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:

- ‌9 ـ صفاته التربوية:

- ‌10 ـ وفاته:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌مولده وتعليمه:

- ‌من مؤلفاته:

- ‌من آرائه ومواقفه التاريخية:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

- ‌دعاء

- ‌القِسمُ الأول الغَزوُ بالحِيَل وَوَسَائل المَكْرِ غَيْر المبَاشِرَة

- ‌الفصل الأوّل من القسم الأول مقَدِّمَات عَامَّة

- ‌(1) الحروب الصليبية وخيبتها وتحول اتجاهها

- ‌(2) الغزو الفكري وخطره

- ‌(3) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري

- ‌(4) المهمات الرئيسية لأعداء الإسلام

- ‌(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري

- ‌(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري

- ‌(7) تعريفات للأجنحة الثلاثة

- ‌(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية

- ‌الفصْل الثاني المبشِّرون وأعمالهمْ

- ‌1- عرض موجز لتاريخ التبشير وأعمال المبشرين

- ‌(2) مؤتمرات المبشرين

- ‌(3) مجالات أنشطة المبشرين

- ‌(4) التآزر بين المبشرين والمستعمرين

- ‌الفصْل الثالث المستَشرقون وَأعمَالهمْ

- ‌(1) تعريف عام بالاستشراق والمستشرقين

- ‌(2) موجز تاريخ الاستشراق

- ‌(3) مدارس الاستشراق

- ‌(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم

- ‌(5) مجالات أنشطة المستشرقين

- ‌(6) أخطر وسائل المستشرقين الفكرية

- ‌(7) موازين البحث عند المستشرقين

- ‌(8) الجامعات الغربية وأثر المستشرقين فيها على المسلمين

- ‌(9) مقارنة بين التبشير والاستشراق وأعمالها

- ‌(10) المستشرقون يدركون قدرة الإسلام الذاتية

- ‌الفصْل الرابع الاسْتِعْمَار وَالمُسْتَعْمِرُون

- ‌(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار

- ‌(2) الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية العربية

- ‌(3) الاستعمار البريطاني للهند وآثاره

- ‌(4) أبرز أعمال الكيد التي قام بها الاستعمار في بلاد المسلمين

- ‌(5) وثيقة من دولة استعمارية لنصارى وطنيين

- ‌الفصل الخامس عناصر التلاقي والأهداف والأعمال المشتركة

- ‌(1) الالتقاء على الكراهية والحقد

- ‌(2) الالتقاء على كسب المغانم

- ‌(3) الالتقاء على محاربة الإسلام وتطبيقاته

- ‌(4) محاولات الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين

- ‌(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السادس وسائل الغزاة وحيلهم

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) وسائل الغزو غير المسلح

- ‌(3) شرح الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: الوجوه المستعارة

- ‌الوسيلة الثانية الخداع السياسي

- ‌الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي

- ‌الوسيلة الرابعة: الحصار الاقتصادي

- ‌الوسيلة الخامسة: الحصار العلمي والثقافي

- ‌الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي

- ‌الوسيلة السابعة: التمييز العنصري والقومي

- ‌الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري

- ‌الوسيلة التاسعة العبث النفسي

- ‌الوسيلة العاشرة: حيل السلب المالي

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: الإفساد الاجتماعي

- ‌الوسيلة الثانية عشرة الإفساد الخلقي والسلوكي

- ‌الفصْل السّابع منْ وَسَائل الغزو الفكري: التفريغ وَالملء

- ‌(1) مقدّمة

- ‌(2) عناصر الخطة

- ‌(3) وسائل التفريغ

- ‌(4) عمليات ملء الفراغ

- ‌(5) تسخير الجيش الجديد من أبناء الأمة

- ‌الفصْل الثامِن خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام

- ‌(1) خطة وغرض

- ‌(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله

- ‌(3) سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر

- ‌(4) محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله

- ‌الخطة الأولى: خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام

- ‌الخطة الثانية: خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل

- ‌الخطة الثالثة: اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي

- ‌الخطة الرابعة: اصطناع الفرق العميلة الأجيرة

- ‌الخطة الخامسة: خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة

- ‌الخطة السادسة: خطة التوريط والإحباط، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز

- ‌(5) محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة

- ‌(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية

- ‌(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة

- ‌(8) حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم

- ‌(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها

- ‌(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها

- ‌(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية

- ‌الفصْل التاسِع الغزاة وأعمالهم في هدم وحدة المسلمين

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) التجزئة باستغلال الخلافات السياسية

- ‌(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر

- ‌(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين

- ‌(5) التقسيم الطبقي

- ‌(6) هدم الخلافة الإسلامية

- ‌(7) مكيدة تحديد النسل

- ‌الفصْل العاشر الغزو بفكرة القوميّة

- ‌(1) خطة وأهداف

- ‌(2) مغالطة جدلية

- ‌(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى

- ‌(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية

- ‌(5) الأمة العربية بعد الإسلام وقبله

- ‌الفصْل الحَادي عشر أعمال الغزَاة ضِدّ اللغةِ العربيَّة

- ‌(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة

- ‌(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى

- ‌(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية

- ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

- ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

- ‌(6) دغدغة العواطف القومية القديمة للتحويل عن العربية الفصحى

- ‌(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي

- ‌(8) غزو الفصحى عن طريق العبث بقواعدها

- ‌(9) غزو اللغة العربية بالمفردات الأجنبية الدخيلة

- ‌(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى

- ‌(11) نحن والغزاة

- ‌الفصْل الثاني عشر الغزاة وتفصيل أعمالهم في الإفساد

- ‌(1) تكسير معاقد الترابط الاجتماعي وتقطيع أوصاله

- ‌(2) العبث بجذور الأخلاق

- ‌(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي

- ‌(4) الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال

- ‌الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء

- ‌الوسيلة الثالثة: الاهتمام بالمرأة في مجالات العلم والثقافة والفن

- ‌الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة

- ‌الوسيلة الخامسة: استخدام الآداب والفنون

- ‌الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم

- ‌الوسيلة السابعة: استخدام المسكرات والمخدرات

- ‌الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب

- ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

- ‌الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: سياسة المستعمرين غير الأخلاقية

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي

- ‌الفصْل الثالث عشر الغزو بالمذاهِبِ الاقتصَادية

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) بين اتجاهين متباينين

- ‌(3) وسائل إيقاف نشاط غزو المذاهب المخالفة للإسلام

- ‌(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران

- ‌(5) قدوم المذاهب الاقتصادية المخالفة لنظام الإسلام

- ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

- ‌(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي

- ‌(8) مقارنة بين الأسس العامة للنظام الاقتصادي في الإِسلام والنظم الأخرى

- ‌(9) فرية ربط التخلف الصناعي بنظام الإسلام

- ‌(10) اصطناع المناخات المناسبة لتقبل الأفكار والمذاهب الغازية

- ‌(11) التعلُّل بعدم وجود دولة تطبق نظم الإسلام وتحميها

- ‌الفصْل الرابع عشر مَا تُعانيه الحَركات وَالمؤسَّسّاتُ الإسْلَاميَّة

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) الكمين والإثارة

- ‌(3) الفقر الذي تعاني منه المؤسسات والحركات الإسلامية

- ‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

- ‌الفصْل الأوّل شُبهَاتٌ حَوْلَ المثَاليّةِ وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثاني شُبهَاتٌ حَوْلَ الرُّوحيَّة وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثالث شُبهَاتٌ حَوْلَ بَعْض العبَادات في الإسْلَام

- ‌الفصْل الرابع شُبهَاتٌ حَوْلَ الزَّكَاةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الخامس شُبهَاتٌ حَوْلَ العُقوبَات في الإسْلَام

- ‌الفصْل السادس شُبهَاتٌ حَوْلَ الرِّقِّ في الإسْلَام

- ‌الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثامِن أجوبَة أسئِلة تَشكيكيَّة

- ‌القِسمُ الثالِث نَظَراتٌ عَامَّة حَوْل دَوافِع الغزو في الناسِ

- ‌الفصْل الأوّل دَوافع الغزو

- ‌(1) ربانية أو عدوانية

- ‌(2) الجهاد المقدس

- ‌(3) أهداف محاولات التسلط المادي المرتبط بالدوافع العدوانية

- ‌(4) تآزر الغزاة لتحقيق الأهداف المشتركة

- ‌الفصْل الثاني خلَاصَة وتوجيه لِلمسْلمين

- ‌(1) مقدمة

- ‌(2) العناصر الغازية

- ‌(3) نتائج حققها الغزاة

- ‌(4) خطوات العمل الحميدة

الفصل: ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

وتظاهر هؤلاء المستشرقون بثياب الناصحين الشرفاء، إذ زعموا أنهم يريدون للأمة الخير، إذ أن فتح الباب للكتابة بالعامية سيطلق في الأفراد حوافز الاختراع والابتكار، دون أن تقف الضوابط والقواعد التي تشتمل عليها العربية الفصحى عائقاً في طريق تسجيل أفكارهم ونشرها، إلى غير ذلك من هذه المزاعم المغلَّفة بالمكر الشديد، والتي لا تستطيع أن تقف على أرجلها أمام مناظر جدية مخلصة، كما أنها لا تستطيع أن تحقق نفسها لدى التطبيق الفعلي.

فلكل أمة لغة راقية تسجل بها معارفها وعلومها وأفكارها، وهي لا تخلو من بعض الضوابط اللغوية التي تهيئ للمعاني أن تكون مصونة عن التحوير ضمن الألفاظ الكلامية التي تدل عليها، ولها أيضاً لغة دارجة سهلة لينة على الألسنة، يتخاطب أفرادها بها في شؤونهم اليومية، فإذا أرادوا تسجيل شيء من ذلك صاغوه باللغة الراقية المنضبطة، التي تحميها القواعد عن الاختلاف في المعاني.

وهذا لون حضاري رفيع من ألوان الحضارة التي تكسب الأمم مجداً لغوياً راقياً.

(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

أ- أول من حث على التحول عن الكتابة باللغة العربية الفصحى إلى الكتابة بالعاميات الإقليمية داخل البلاد العربية، المستشرق الألماني الدكتور "ولهلْم سبيتا" وقد كان مديراً لدار الكتب المصرية خلال الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، في كنف الاحتلال البريطاني ففي سنة (1880م) وضع في ذلك كتاباً سماه "قواعد اللغة العربية العامية في مصر" وقد أورد في هذا الكاب نبذة عن فتح العرب لمصر في سنة (19هـ) وانتشار لغتهم بين أهلها، وقضائها على اللغة القبطية، لغة البلاد الأصلية حسبما يرى، والتي لم يبق من آثارها سوى بعض المفردات، وحاول في هذا أن يثير

ص: 359

العنصرية العرقية المصرية ضد اللغة العربية، ثم اختتم مقدمة كتابه بشرح الفكرة التي راودته طويلاً، وهي اتخاذ العامية المصرية لغة أدبية إذ يقول:"وأخيراً سأجازف بالتصريح عن الأمل الذي راودني على الدوام طوال مدة جمع هذا الكتاب، وهو أمل يتعلق بمصر نفسها، ويمس أمراً هو بالنسبة غليها وإلى شعبها يكاد أن يكون مسألة حياة أو موت، فكل من عاش فترة طويلة في بلاد تتكلم العربية يعرف إلى أي حد كبير تتأثر كل نواحي النشاط فيها بسبب الاختلاف الواسع بين لغة الحديث ولغة الكتابة".

ثم أخذ يؤيد فكرته التي دعا إليها بمختلف الأدلة، فتارة بالنَيل من العربية الفصحى، وصعوبة قواعدها وطريقة كتابتها، وأخرى بإعلاء شأن العامية التي يزعم أنه بذل جهداً كبيراً في استنباط القواعد لتنظيمها، حتى يثبت صلاحها للاستعمال الكتابي، ثم يقول:

"وبالتزام الكتابة العربية الكلاسيكية القديمة لا يمكن أن ينمو أدب حقيقي ويتطور، لأن الطبقة المتعلمة القليلة العدد هي وحدها التي يمكن أن يكون الكتاب في متناول يدها، أما بالنسبة إلى جماهير الناس فالكتاب شيء لا يعرفونه بتاتاً، فإذا احتاج رجل عادي من عامة الشعب إلى كتابة خطاب أو تنفيذ وثيقة فعليه أن يضع نفسه وهو مغمض العينين تحت يدي كاتب محترف، ويجب عليه في ثقة عمياء أن يختم أهم الأوراق بختم لا يمكنه أن يقرأه، ومن الممكن تقليده، بل ويقلد في بعض الأحايين".

قال "ولهلْم سبيتا" كلامه هذا إذ كانت الأمية منتشرة يومئذ، فحاول تغشية الحقيقية، بأن نسب التخلف إلى عوامل ذاتية في اللغة العربية الفصحى، لا إلى عوامل أخرى ناشئة عن التخلف الاجتماعي والثقافي العام، الذي كان انتشار الأمية بعض مظاهره، ولو تسنى له الآن أن يطّلع وهو من وراء حجاب الزمن لرأى سيول الأجيال العربية، التي أصبحت بحمد الله وفضله تحسن القراءة والكتابة ضمن قواعد اللغة العربية الفصحى إجمالاً ولرأى أن أكثرهم قد غدا باستطاعته أن يكتب

ص: 360

بها ما يمر في خاطره، وما يختلج في نفسه، من أفكار ومعان علمية وأدبية وقانونية وعاطفية، دون الحاجة إلى المفردات العامية وأساليبها، ولرأى أن اللغة العربية الفصحى هي اللغة المشتركة الجامعة التي تتفاهم بها جميع الشعوب العربية مهما اختلفت لهجاتها الإقليمية المحلية، ولو أن الشعوب العربية قد أخذت بنصيحته التي هم في غنى عنها لكانوا اليوم أشتاتاً، ليس لهم لغة جامعة، ولعاش كل قسم منهم في عزلة تامة عن أخيه، ولأدى الأمر بين الشعوب الإسلامية العربية إلى قريب مما وصلت إليه الشعوب الإسلامية ذات اللغات المختلفة.

وأدرك الدكتور "ولهلْم سبيتا" أن اعتراضات مهمة ستتوجه على مشروعه الخطير، فحاول أن يقدم المبررات التخديرية التي ظن أنه قد يرضي بها الشعور الإسلامية عند المسلمين فقال:

"فلماذا لا يمكن تغيير هذه الحالة المؤسفة إلى ما هو أحسن؟ ببساطة لأن هناك خوفاً من تهمة التعدي على حرمة الدين إذا تركنا لغة القرآن تركاً كلياً".

وقد أجاب على ذلك فقال:

"ولكن لغة القرآن لا يكتب بها الآن في أي قطر، فأينما وجدت لغة عربية مكتوبة فهي اللغة العربية الوسطى، أي: لغة الدواوين، وحتى ما يدعى بالوحدة بين الشعوب الإسلامية لا يمكن أن يقلقها تبني لغة الحديث العامية، إذ أن لغة الصلاة والطقوس الدينية الأخرى ستظل كما هي في كل مكان".

من الظاهر أنه بهذا الكلام قد حاول تخدير العواطف الإسلامية، وذر الرماد في العيون، وذلك لأن الحقيقة التي يعلمها هو بخلاف ذلك، فلو أن العامية قد انتشرت انتشاراً واسعاً، وأبعدت لغة القرآن عن الاستعمال، لأمست لغة القرآن بعد قرون لغة مجهولة تماماً داخل الشعوب العربية، وتتبعها في ذلك الشعوب الإسلامية قاطبة، ولغدت العربية الفصحى شبيهة باللغات اللاتينية أو اليونانية القديمة أو السريانية

ص: 361

غير المفهومة التي يرددها بعض الكهنة في كنائسهم.

إن هذه الفكرة الخبيثة بمثابة خنجر مسموم حاول المستشرقون أن يغمسوه في قلب الإسلام، ولكن الله تبارك وتعالى حمى الشعوب العربية من شرها، فقامت النهضات المباركة التي تبنت نشر العربية الفصحى داخل هذه الشعوب، وسارت مع مسيرة محو الأمية وبث المعارف والعلوم المختلفة، ومهما كنا بحاجة ماسة إلى خطوات أخرى واسعة في هذا المضمار، فإن حالة اللغة أصلح بشكل عام من ذي قبل، وإن كان هناك تدن في الخيرة الممتازة من العلماء المتضلعين بالجوانب المختلفة للغة العربية الفصحى.

ب- وأيد المستشرق الألماني "ولهلْم سبيتا" اللورد "دوفرين" في تقرير وضعه عام (1882م) دعا فيه إلى هجر اللغة العربية الفصحى، وإحلال العامية المصرية محلها في مصر، واعتبارها حجر الزواية في بناء منهج الثقافة والتعليم والتربية، وقال في تقريره:

"إن أمل التقدم ضعيف في مصر طالما أن العامة تتعلم اللغة الفصيحة العربية - لغة القرآن - كما هو في الوقت الحاضر".

جـ- ثم تابع الدعوة إلى هذه الفكرة المستشرق الألماني الدكتور "كارْل فولرس" فقد تولى إدارة دار الكتب المصرية خلفاً للدكتور "ولهلْم سبيتا" وحمل بعده لواء الدعوة إلى هجر العربية الفصحى وإلى ضرورة الكتابة بالعامية الدارجة، ووضع كتاباً سماه "اللهجة العربية الحديثة" وجه العرب فيه لاستعمال الحروف اللاتينية لدى كتابة العامية، وحاول أن يدرس فيه قواعدها، ممثلاً بكثير من نصوصها.

أما مقدمة هذا الكتاب فقد تحدث فيها "كارل" عن اللهجات العربية الحديثة وتعددها بتعدد الأقطار التي انتشرت فيها العربية، وتحدث عن وجوب دراستها، لأنها بحسب زعمه لا تمثل حالة انحطاط وتدهور للعربية الفصحى، وإنما هي لهجات قديمة، كان لها تاريخ ونمو

ص: 362

منفصل يرجع إلى عصور بعيدة، وزعم أنها تختلف عن اللغة العربية الفصحى اختلافاً كلياً، وحاول أن يعطيها صورة تستطيع أن تنفذ بها إلى ميدان الكتابة في مختلف العصور والأقطار.

ثم أخذ يندد بجمود العربية الفصحى، ويشبهها باللاتينية الكلاسيكية، ويشبه العلاقة بينها وبين اللهجة العامية في مصر بالعلاقة التي بين اللاتنية الكلاسيكية والإيطالية.

وغرضه من ذلك حث العرب على أن تكون للغاتهم العامية الدارجة آداب مكتوبة، في جميع العلوم والآداب والفنون، لعلَّلها تنافس العربية الفصحى، وتحتلّ مكانها لديهم، وعندئذ تموت لديهم الفصحى بطريقة تدريجية، ويبتعدون عن المصادر الإسلامية الرائعة، وينقسمون إلى أوصال وأجزاء متباعدة بعدد لغاتهم الإقليمية.

وإذ زعم أنَّ اللهجات العامية الشائعة ذات جذور عميقة متصلة بلغات قديمة، فقد حاول بذلك أن يدغدغ في الناطقين بهذه اللهجات مشاعر إقليمية محليّة، مضادة للمشاعر الدينية المتعلقة بالعربية الفصحى تعلقاً روحياً وعلمياً وتاريخياً، وحاول أن يحتال في هذا بغير الحيلة التي احتال بها سلفه "ولهلْم سبيتا" وهي التي أورد فيها أن العرب الذين فتحوا مصر هم الذين نشروا لغتهم بين أهلها، وبذلك قضوا على اللغة القبطية لغة البلاد الأصلية، وظاهر من كلام "سبيتا" أن العامية الشائعة حالة من حالات الانحطاط والتدهور للعربية الفصحى، على خلاف كلام خلفه "فولرس".

د- وحمل أيضاً لواء الدعوة إلى العامية الدارجة المستشرق الإنكليزي "سِلْدُن ولمور" الذي كان قاضياً في المحاكم الأهلية بالقاهرة، إبَّان الاحتلال البريطاني، إذ أصدر في سنة (1901م) كتاباً سماه "العربية المحكية في مصر" اتجه فيه رائد الحملة المستشرق الألماني "سبيتا" فحاول دراسة العامية المصرية الشائعة، ووضع قواعد لها، ودعا إلى كتابتها بحروف لاتينية، وإلى اتخاذها لغة أدبية، واستغل دعوته هذه ليحقق بها هدفاً من

ص: 363

أهداف الغزاة، هو فصل المسلمين عن لغة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة وكنوز العلوم الإسلامية وإقامة الحواجز بينهم وبين ماضيهم المجيد، وتفتيت الوحدة اللغوية القائمة بين الشعوب الناطقة بالعربية الفصحى.

وقد استخدم هذا المستشرق في دعوته أسلوباً أكثر ذكاء من أسلوب من سبقه، إذ عرض إقناعه لاتخاذ العامية لغة أدبية، في صور تجعل معارضة الدعوة أمراً ذا خطر أكبر من الخطر الذي يتحاشونه، هذا الخطر هو انقراض العامية الشائعة والعربية الفصحى معاً، واحتلال لغة أجنبية محلها، إذ قال:

"ومن الحكمة أن ندع جانباً كل حكم خاطئ وجِّه إلى العامية، وأن نقبلها على أنها اللغة الوحيدة للبلاد، على الأقل في الأغراض المدنية التي ليست لها صبغة دينية، وهناك سبب يدعو إلى الخوف هو أنه إذا لم يحدث ذلك، وإذا لم نتخذ طريقة مبسطة للكتابة فإن لغة الحديث ولغة الأدب ستنقرضان، وستحل محلها لغة أجنبية، نتيجة لزيادة الاتصال بالأمم الأوربية".

ولكن هذا الخطر الذي حاول أن يخوف منه قد حل محله بفضل الله وحمده طمأنينة على العربية الفصحى، وذلك بعد نحو نصف قرن وأكثر من تحذيراته، إذ أخذت الفصحى تنتشر وتزدهر، ويُسهم انتشارها وازدهارها في ارتفاع مستوى العامية الشائعة، إلى درجات حسنة من الرقي اللغوي، وذلك بموت كثير من المفردات والأساليب النابية فيها، الأمر الذي جعل يدنيها شيئاً فشيئاً من قواعد الفصحى ومفرداتها، وإن كان ما يزال بينهما بون شاسع، فإن كثيراً من مظاهر انحطاط العاميات قد بدأ يختفي اختفاء يدعو إلى التفاؤل بالتطور إلى الكمال، والقرب من الأصل الفصيح.

وأصبح حفظ القرآن بحمد الله ظاهرة منتشرة في الأجيال العربية الناشئة، ولا يجد حفَّاظه صعوبة في حفظه، مع أنه قمة الأداء الفصيح

ص: 364

للعربية، ولا يعوقهم حفظه عن الأخذ بجوانب المعرفة، بل كثيراً ما يساعد على ذلك، فنجد كثيراً من المتفوقين في دراسة العلوم هم من حفظة القرآن.

هـ- وفي أثناء هذه الموجة التي أثارها "سلدن ولمور" نشر عالم أمريكي في فقه اللغة مقالة دعا فيها إلى اتخاذ العامية لغة أدبية، وإلى كتابتها بحروف لاتينية، وعبر فيها عن أمانيه بإدخال هذا التطور في بلد عربي مسلم، وسار على الخط الذي سار عليه "سبيتا" من قبل.

و وحمل أيضاً لواء هذه الدعوة المستشرقان الإنكليزيان "باول" و"فيلوت".

أما الأول فقد كان قاضياً في المحاكم الأهلية بالقاهرة، وأما الثاني فقد كان أستاذاً للغات الشرقية في جامعة "كمبردج" وجامعة "كلكتا" وقد اشتركا في وضع كتاب أسمياه "المقتضب في عربية مصر" حاولا فيه أن يضعا قواعد لتسهيل تعلم اللغة العامية المصرية، تلك اللغة التي ضاعت كرامتها على حد زعمها بتركها تنساب مفككة بدون ضوابط تربطها، حتى أصبحت كأنها لا وجود لها، لأن آدابها ليست مكتوبة، وأخذا يرددان الشكوى من صعوبة اللغة العربية الفصحى، ومن صعوبة كتابتها الخالية من حروف الحركة.

ز- وأخطر من اضطلع بكبر الدعوة إلى إقضاء العربية الفصحى عن ميدان الكتابة والآداب، وإحلال العامية الشائعة محلها، وأكثرهم إلحاحاً وطول نفس، المستشرق الإنكليزي، "وليم ولكوكس" الذي كان مهندساً للري في القاهرة إبان الاحتلال البريطاني، فقد وفد إلى مصر سنة (1883م) مع أوائل عهد الاحتلال، وتولى الإشراف على تحرير مجلة الأزهر سنة (1893م) أي: بعد عشر سنوات من قدومه، وذلك لمدة أشهر فقط.

وقد كان لهذا المستشرق نشاط ظهر وتحمّس ملحّ، في بث هذه الدعوة بين العرب، فلم يأل جهداً في ذلك.

ص: 365

ففي سنة (1893م) ألقى في نادي الأزبكية محاضرة بعنوان: "لم لم توجد قوة الاختراع لدى المصريين الآن".

وقد ضمَّن هذه المحاضرة الدعوة الملحة إلى الكتابة بالعامية، وهجر العربية الفصحى، ونشر هذه المحاضرة بالعربية في مجلة الأزهر، إذ كانت هذه المجلة تحت إشرافه، باعتباره ممثلاً لقوة الاحتلال الأجنبية.

وهذه المحاضرة تدور حول ربط انحطاط قوة الاختراع والابتكار في العصور المتأخرة عند العرب (وهو يخاطب في هذا عرب مصر) بسبب اضطرارهم إلى أن يتقيدوا بالعربية الفصحى، لدى الكتابة والتأليف، وأنهم متى كسروا هذا الحاجز، وصاروا يكتبون وينشرون باللغة العامية الشائعة نمت عندهم من جديد قوة الاختراع والإبداع.

وقد يبدو هذا الرابط غريباً، ولكنه استطاع أن يزور له سفسطة ينخدع بها أحداث الأحلام، ويجد الأجراء فيها مجالاً للبحث وتزويق الألفاظ، ولذلك حاولوا أن يروجوا لها في بعض صحفهم ومجلاتهم.

إنه ربط انحطاط قوة الاختراع والإبداع بتقيد الناس لدى الكتابة والتأليف بالعربية الفصحى، وحاول عن تعمد أن يتجاهل السبب الحقيقي الذي تكمن فيه مشكلة التخلف العام، وهو لا يمتُّ إلى اللغة بصلة ما، وإنما يرجع إلى أحاول اجتماعية كثيرة، أهمها الجهل العام، وانتشار الأمية، وانصراف الناس للسعي وراء لقمة العيش، وانشغالهم بالملذات المؤقتة، وتكالب أعدائهم عليهم، إذ أخذوا يفرضون عليهم ظروف التخلف بشكل مباشر أو غير مباشر، وكان من نتائج تراكب عوامل التخلف عليهم حملهم على السير في الطرق المتعرجة المنحدرة، بقوى متسارعة تتنامى كلما زادت نسبة الانحدار بعيداً عن مركز الانطلاق الكريم.

ويتضح من محاضرة "ولكوكس" أن هدفه من الدعوة إلى العامية هو القضاء على العربية الفصحى، ليحرم المسلمين من تراثهم العظيم

ص: 366

الديني والعلمي والأدبي، تنفيذاً للخطة الماكرة التي تهدف إلى طعن الإسلام في الصميم.

وفي سنة (1926م) نشر "ولكوكس" رسالة بعنوان: "سورية ومصر وشمال إفريقية ومالطة تتكلم البونية لا العربية".

وهذه الرسالة تدور حول مزاعم تحايل لإثباتها بأدلة واهية، وتقضي هذه المزاعم بأن اللغات العامية التي ينطق بها أهل الشام وأهل مصر وليبيا والمغرب وتونس والجزائر ومالطة هي اللغة الكنعانية أو الفينيقية، أو البونية السابقة للفتح الإسلاميِّ، ولا صلة لها بالعربية الفصحى، وهدفه من ذلك كهدف زملائه من دعاة هذه الفكرة إثارة العصبيات القومية لهذه اللغات العامية ضد العربية الفصحى، حتى يتشجع سكان هذه البلاد على اتخاذ لغاتهم العامية في كتاباتهم العلمية والأدبية والحقوقية وغيرها، كيما تحلّ محلّ الفصحى، وبتطاول الزمان تزداد الفروق اللغوية بينهم وبين الفصحى، فتنقطع صلتهم بها، وبذلك تنقطع صلتهم بمصادر الدين الإسلامي، كما تزداد الفروق اللغوية بين سكان الأقاليم العربية، ومع دسائس فكرية ونفسية وتاريخية تتأصل عصبيات إقليمية ضيقة الحدود، ثم تتحول هذه العصبيات الإقليمية تدريجياً حتى تكون عصبيات قومية، وعند ذلك يستطيع الغزاة أن يشحنوها بمقدار كبير من العداء والكراهة وعوامل الشقاق.

وقد بلغ العداء في نفس المستشرق "ولكوكس" للعربية الفصحى مبلغه، إذ جعل ينظر إليها وكأنها لغة جوفاء، لا تحمل أي معنى من المعاني لسامعيها، ممن يتحادثون بالعامية، وما هي إلا ألفاظ رنانة فقط، إذ يقول:

"ومن السهل جداً أن ترى في هذه البلاد ذلك التأثير المخدر، الذي تحدثه الألفاظ الرنانة، التي لا تفهم منها لفظة واحدة في نفس السامع، إن سماع مثل هذه الألفاظ يقتل في الذهن كل ابتكار بين أولئك الذين لا يقرأون، كما تقتله أيضاً في نفس الطالب تلك الدروس التي تلقى عليه

ص: 367

باللغة العربية الفصحى المصطنعة، التي تبلغ الرأس دون القلب، فتمنع من يتسمّون بالعلماء في هذه البلاد من التفكير البكر".

وهكذا سار في رسالته على هذا النسق من المغالطات الفاحشة التي يعزو فيها حالة التأخر إلى العربية الفصحى.

وكما هاجم "ولكوكس" في رسالته العربية الفصحى هاجم العرب بشتائم تكشف عن مبلغ حقده الصليبي عليهم، فهم في نظره كسالى، قتلة، لصوص، قطاع طرق، جبناء، ويستند في ذلك إلى مزاعم يسوقها على أنها تجارب شخصية، ويحاول بذلك أن يحكم الفصل بين سكان سورية ومصر والمغرب العربي ومالطة وبين عرب الجزيرة، تجزئة لهذه الأمة الواحدة في لغتها وتاريخها ورسالتها الدينية.

وتصدت الكثرة الكاثرة من الناطقين بالعربية لمهاجمة الدعوة إلى العامية وهجر العربية، وكان تصديهم مدعماً بالحجج القاطعة، ومؤيداً بالبراهين الصحيحة، وأخذوا يفندون المزاعم الواهية التي استند إليها حملة لواء هذه الدعوة، ويهتكون الأستار عن الأهداف الحقيقية منها، فلجأ "ولكوكس" إلى الإغراء بالمكافآت التشجيعية للذين يتبارون بكتابة الآداب والعلوم بالعامية، فلم يظفر من ذلك بطائل يشجعه على تحقيق أمنية الدوائر الاستعمارية والاستشراقية، ولما رأى أنه مُني بالفشل أعلن إغلاق المجلة التي أسسها لهذا الغرض، بعد أن أصدر العدد العاشر منها.

ح- وآزر الدعوة إلى العامية وترك الكتابة بالحروف العربية، منخدعون ومأجورون ومستغربون من أبناء اللغة العربية، وتحمس لها طائفة من رجال الكنيسة، وانتقلت هذه الدعوة من مصر إلى المغرب وإلى لبنان.

وانجرف في تيارها عدد من قادة الأدب العربي، ما بين مساير للمستشرقين مسايرة تامة، ومعتدل متوسط، ومتخذ بعض الخطوات التي أطلق عليها اسم الإصلاح.

فكان "لطفي سيد" من أوائل المصريين الذين حملوا لواء الدعوة

ص: 368

إلى العامية بعد أن مهد لها دعاتها من المستشرقين.

وفي إطار الدعوة إلى كتابة العربية بالحروف اللاتينية، أو إصلاح الكتابة العربية، قدمت عشرات من المشروعات، أخطرها مشروع قدمه "عبد العزيز فهمي باشا" لكن مشروعه قوبل بالسخط والنكير الشديدين من حماة اللغة العربية الذائدين عنها.

وكان من المتوسطين الذين دعوا إلى نشر اللغة الوسطى بين العامية والفصحى: "فريد أبو حديد - توفيق الحكيم - أمين الخولي".

ثم دعا "طه حسين" إلى شيء أسماه "تطوير اللغة" بتبديل الخط العربي أو إصلاحه وتهذيب قواعد النحو والصرف، ولا يخفى ما في ذلك من مكر يقوم على أسلوب التدرج في التحويل، لتحقيق الهدف الذي دعا إليه المستشرقون.

ثم حمل لواء الدعوة التي دعا إليها المستشرقون الذين سبق ذكرهم عدد من أدباء العرب في لبنان وغيره، منهم:"سعيد عقل - أنيس فريحة - ولويس عوض".

وقد لا نعجب كثيراً إذا وجدنا معظم المتحمسين للفكرة من النصارى، لأنهم يعبرون في ذلك عن كراهيتهم للإسلام ولغة القرآن، ولكن نعجب أشد العجب إذا رأينا من أحفاد السلالات العربية الإسلامية من يستأجر للدعوة إليها.

وعلى الرغم من أن الدعوة لم يكتب لها النجاح في العالم العربي، إلا أن الغزاة المقنعين لم ييأسوا من تكرير محاولاتهم، وتحريك أجهزتهم، لعلهم يحققون بعض أهدافهم الرامية إلى طعن العربية الفصحى، وطعن الإسلام من وراء ذلك، وتمزيق وحدة الأمة العربية المسلمة.

ففي حزيران سنة (1973م) انعقد مؤتمر في "برمّانا" بلبنان، وفي هذا المؤتمر تقدمت بعض الهيئات الأجنبية بمشروع "العربية الأساسية" ويشتمل هذا المشروع على عناصر هدم لمعالم اللغة العربية، ولما علم شيخ

ص: 369