الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) خطة وأهداف
في خطة ملء الفراغ أو مزاحمة مالئ الفراغ وإزاحته، أراد أعداء الإسلام أن يضعوا محلّ المبادئ الإسلامية مبادئ أخرى، ليصرفوا المسلمين عن مبادئهم صرفاً كلياً.
فزيفوا لهم شعاراتٍ حسنوها في نظرهم بزخرفٍ من القول، وبدغدغة نزغات أنانيّةٍ تنشأ في الناس مع نشأة مجتمعات جاهلية بدائية، وهذه الشعارات لا تحمل من المقومات الفكرية ما يجعلها جديرة بتوحيد أمة، وتفجير طاقاتها إلى مجدٍ عظيم بين أمم الأرض.
إن المسلمين تجمعهم وحدة دينية ذات مقومات فكرية وعاطفية وتاريخية، وذات هدف أسمى يسعى إليه كل فرد مسلم، وهو يجني بعض ثماره في هذه الحياة الدنيا، ويدخر القسم الخالد منها إلى الحياة الأخرى، حياة الخلود في دار الجزاء.
وقد عمل أعداء الإسلام على تفتيت هذه الوحدة الدينية الكبرى بمختلف الوسائل فلم يظفروا، إلى أن عثروا على السلاح الخطير القادر على تفتيت وحدة المسلمين، مع ضعف الإسلام فيهم، إنه سلاح القومية، إنه المتفجر الهائل الذي يفرق المسلمين إلى قوميات شتى، ويعيدهم إلى أصولهم الأولى التي كانوا عليها، قبل أن تجمع بينهم الوحدة الإسلامية الكبرى.
وعلى إثر التفرق بين المسلمين على أساس قومي ستنمو عوامل الشقة فيما
بينهم، وستعمل مجموعة من الأحداث التاريخية على تعميم الفرقة، وترسيخ قواعد السدود بترسبات تصطنعها العصبيات القومية، وبعض الخلافات السياسية والاقتصادية.
ولكن القضية تحتاج إلى تجنيد جنود كثيرين يحسنون استخدام هذا السلاح، ويعملون على بث الفكرة القومية بين صفوف المسلمين، وقد استخدم أعداء الإسلام للوصول إلى هذه الغاية عدة وسائل:
1-
فكان منها أولاً العمل على هدم الخلافة الإسلامية، بإثارة نزعة القومية العربية، مستفيدين من الأخطاء الكثيرة التي انتهى إليها الحكم التركي، بفعل الدسائس اليهودية والأوربية التي أوحت بهذه الأخطاء، وأسهمت في انتشارها، ثم عرفت كيف تستفيد منها بتحريض القوميات غير التركية على السلطان التركي، ومنها الأمة العربية.
وكانت الخديعة الكبرى التي انزلقت فيها الشعوب العربية تحت شعار التحرر القومي، والتي انتهت بهم إلى التجزئة، وكانت هذه الخديعة سلّماً للمستعمرين حقق لهم فرصتهم الذهبية لفرض حكمهم المباشر على المجزءات العربية، فحكموها وأمعنوا في تجزئتها متابعة منهم للخط القومي الضيق، الذي يفصل هذه الأمة عن وطنها الأم الكبير، ألا وهو الوطن الإسلامي الواحد في مبادئه وعقائده وشرائعه وعاداته وتاريخه الطويل المجيد، وأسرع أعداء الإسلام يتناهبون التركة التي خلّفتها الخلافة الإسلامية بعد قتلها.
ووقعت المصيبة التي دبرها للمسلمين أعداؤهم، وتحققت النتيجة التي كان قد ذكرها من قبل الكولونيل (لورانس) في عام 1916م إذ قال في تقريره للمخابرات البريطانية:"إن أهدافنا الرئيسة تفتيت الوحدة الإسلامية بدحر الامبراطورية العثمانية وتدميرها، وإذا عرفنا كيف نعامل العرب فيسبقون في دوامة الفوضى السياسية داخل دويلات صغيرة حاقدة متنافرة غير قابلة للتماسك".
2-
وكان من هذه الوسائل أيضاً العمل على تأسيس الأحزاب القومية الضيقة
حيناً، والواسعة حيناً آخر، فمن الضيقة: الأحزاب التي أخذت تنادي بفكرة القومية السورية مثلاً، ومن الواسعة: الأحزاب التي حملت شعار القومية العربية، وكثيرٌ منها مؤسس في جذوره العميقة على خدمة أغراض أعداء الإسلام، وإبعاد الجماهير العربية عنه.
وقد تم تركيز الهدف في هذه الخطة على الأجيال المثقفة بالثقافات المعاصرة، وعلى أبناء الطوائف المنعزلة ضمن جسم المجتمع الإسلامي الكبير.
3-
وكان من هذه الوسائل استئجار كبار الكتاب والمفكرين وأصحاب الأقلام لإثارة النزعات القومية، التي إذا اتسعت شملت الأمة العربية، وإذا ضاقت كانت منحصرة في إقليم خاص، كالفرعونية، والسورية.
4-
وكان من هذه الوسائل أيضاً بث الإشاعات الكاذبة، التي تثير في الجماهير العصبيات القومية، وتحكم بناء الحاجز الكثيف بين أبناء القوميات المختلفة وأبناء شعوب القومية الواحدة الذين يدينون بشريعة الإسلام.
5-
وكان من هذه الوسائل إحياء الجاهليات القديمة، وتمجيد بطولاتها، ورفع شأن العناصر غير الإسلامية عبر تاريخ المسلمين، والاهتمام بدراسة آدابهم وآداب العصور الجاهلية في الجامعات وما دونها من معاهد ومدارس للصدّ عن الإسلام والمسلمين، وغرس فسائل الولاء لغيرهم في نفوس أبناء وبنات المسلمين.
ولم يتنبه معظم المسلمين إلى هذه المخططات المحكمة الدسائس حتى وجدوا أنفسهم فريسة تنشب فيها مخالب أعدائهم وأعداء دينهم.