الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
خير، وعن كل علم نافع، وعن كل عمل مثمر، وتبدد حياتهم بالمتالف.
وقد شهدت البلاد الإسلامية التي دخل إليها المستعمرون كيف أفسد هؤلاء سلوك الذين خالطوهم من أبناء المسلمين، وكيف صدوهم عن دينهم، وسلبوهم عقولهم، وبدّدوا طاقاتهم العملية بموائد الخمر والفحش والقمار، وما انفكوا يستدرجونهم حتى فاق تلاميذ الرذيلة أساتذتهم، ثم تسلّم هؤلاء التلاميذ قيادة الرذيلة في البلاد، وصاروا أساتذتها المحليين، وانبثوا في كل مجال يعلمون الأجيال الناشئة ما كانوا تعلموه بالأمس من أساتذتهم، وأشياء أخرى أضافوها من حصائل خبراتهم التي اكتسبوها بكثرة الممارسة.
أما المخدرات فقد عرفنا أنه كان للمستعمرين في نشرها نصيب واسع، ارتكبوا فيه جريمة إنسانية ما عرف التاريخ نظيرها في الجرائم الإنسانية العامة مع أن القانون الدولي العام يحرم تداولها وتجارتها. وقد سجل التاريخ أن وكلاءهم كانوا يقومون بتهريبها إلى داخل البلاد المغلوبة على أمرها بسلطانهم، وأنهم كانوا يؤازرونهم على ذلك، ويشاركونهم في أرباح تجارتها المحرمة، وأنهم كانوا يشجعون سرّاً على تناولها وإدمانها، بغية ابتزاز الأموال الحرام من جهة، وإماتة روح المقاومة في نفوس مدمنيها من جهةٍ أخرى، لأنهم يعلمون ما فيها من سم قاتل، يميت في مدمنها معظم القوى الفعالة التي تحرك الإنسان إلى الكفاح وطلب الخلاص من ذلّ الاستعباد، وتدفعه إلى كل تقدم صاعد.
* * *
الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب
من أخلاق المسلمين الأساسية الجد في الأمور، والعزوف عن اللهو واللعب والهزل والسفاسف، والبعدُ عن كل قواتل الأوقات دون ثمرات نافعات، إلا في حدود المُلَح اليسيرة التي تروح عن النفس ضمن لمحات خاطفة، وتخفف عنها ثقل العمل الجاد المثمر.
واللهو واللعب في الإسلام قسمان:
القسم الأول: حرام لا يجوز أصلاً، كالنرد ومهارشة الديكة ونحوها.
القسم الثاني: مباح باعتبار أصله، ولكن يشترط في هذا القسم المباح شروط، منها: أن لا يفوت حقاً، أو يضيّع واجباً، أو يستهلك العمر فيما لا جدوى منه.
فحين تسمح الأخلاق والآداب الإسلامية بقسط من اللهو واللعب فلا تسح بذلك لأن للهو واللعب غايتان في أنفسهما، وإنما تسمح بهما لكونهما وسيلتين قد تجدّدان نشاط العامل في عمله، وتنهضانه من كسل قد انتابه، أو تعب قد أصابه، مع اشتراط عدم تجاوزهما حدود كونهما وسيلتين لاستعادة النشاط إلى العمل الجاد النافع.
أما أن يكون اللهو واللعب غايتين في أنفسهما لتحقيق المتعة وقتل الوقت بهما، فليس ذلك من الأخلاق ولا من الآداب الإسلامية بحالٍ من الأحوال، وليس من المقبول في الإسلام شيء اسمه قتلٌ للوقت، لأن وقت الإنسان في الحياة هو رأس ماله، هو أجزاء وجوده، متى انتهت انتهى وجوده، وهذا يكشف للعاقل أن وقته وطاقاته التي هي قوام حياته أثمن ما لديه في هذه الحياة، فلا يصح مطلقاً أن تكون ثمناً للهو لا ثمرة له، أو لعب غير متجه لغاية تستحق ذلك الثمن.
فما اللهو واللعب بدون ثمرة نافعة أو غاية كريمة إلا عبث من عبث البطالة، والبطالة في نظر الإسلام صورة من صور الموت في الأجساد الحية، وقد أخبر الرسول لرجل وهو يعظه:"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك".
وعن ابن مسعود رضي الله عنه، عن النبي قال:"لا تزول قدما عبد حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم".
وفي ميادين اللهو واللعب تعرض المسلمون لغزوٍ كبير من قبل أعدائهم، إذ أرسلوا إليهم سيولاً متتابعة من دور اللهو، وأندية القمار، ومسارح الرقص والمجون، وأفلام اللهو والفحش والخلاعة، ووسائل التسلية، وأدوات اللعب القاتل للوقت، ومجلات الصورة الفاجرة والدعوة الجنسية الوقحة، والنكتة القذرة أو المستهزئة بالدين والفضيلة، وكتب القصة التافهة أو الماجنة، وتفاهات الموسيقى النابية والغناء الشاذ اللذين يخاطبان الغرائز ويثيران الشهوات الجانحة.
وقد ألبسوا كل ذلك أثواب العلم والفن زوراً وبهتاناً، وعمدوا إلى أن يمتصوا به أفكار المسلمين وعواطفهم وأخلاقهم وكل عاداتهم الكريمة، ليضعوا محلها ما شحنت به هذه الواردات المتدفقة من أرجاس فكرية وخلقية واجتماعية، وأرادوا أن يسرقوا بها أوقات المسلمين التي هي أعمارهم، ورؤوس أموالهم في هذه الحياة.
والقابضون على نواصي هذه الوسائل في العالم، المفسدون في الأرض، وفي مقدمتهم شياطين اليهود، الذين يقومون بتحويل جميع مجاري الأموال التي تبتزها هذه الوسائل من المغفلين والمخمورين لتصب آخر الأمر في الأحواض الكبيرة التي يمتلكها اليهود، ولا بأس عندهم أن ترشح قليلاً للذين يجمعونها إليهم، أو أن تمكث قليلاً في غير أحواضهم، فإنهم يعرفون كيف يفتحون سدودها بالحيلة والمكر، ويعرفون كيف يثقبون كل حوض يجمع ضدهم، وكيف يجعلون هذه الثقوب تصب في المسارب والمجاري التي تنتهي إلى أحواضهم وشياطين اليهود لا يواجهون الأمر بأنفسهم إلا نادراً ما دام لهم وكلاء يقومون عنهم بما يريدون مقابل أجر يعرف اليهود كيف يستردونه مضاعفاً.
ودسَّ الأعداء الغزاة من كلّ جهة أصابعهم في ميادين الرياضة البدنية التي يدعو إليها الإسلام، واستطاعوا أن يوجهوها لغير وجهتها السليمة، وأن يتلاعبوا بالغاية الحسنة التي تهدف إليها الرياضة المثلى، من تقويم الجسم وترويضه، وطرد الخمول والكسل وعوامل المرض عنه، وإعداده إعداداً حسناً للصمود في وجه العدو وإكسابه بعض فضائل الأخلاق، إلى كونها وسيلة تسلية لجماهير المشاهدين، يحترفها جماعة من الناس لا غاية لهم إلا المقامرة بأرواحهم بغية الوصول إلى الغلب أو السبق ثم الجائزة، ثم أدخلوا في الرياضة مفاسد عري الفتيات، وشوهوا اسم الرياضة الكريم، وخلطوا في العري بين الفتيان والفتيات، وألقوا النار على حبيس الجنس، لينفجر بالفجور، أو يصاب بالضعف ويفقد قوته ووجوده، أو يرمي صاحبه بأمراض جسدية أو فكرية أو نفسية، إضافة إلى ما في ذلك من إفساد خلقي عام، ومخالفة علنية وقحة لدين الله، وأمره ونواهيه.
وقد دخلت مجموعة هذه الوسائل بعواملها المدمرة دخولاً كاسحاً في بلاد المسلمين، الأمر الذي يوجب على عقلائهم أن يتداركوا واقعهم، فيقبضوا على نواصي هذه الوسائل كلها في بلادهم قبضاً محكماً، ويوجهوها لكل صالح نافع مفيد، يمنع عنها الفساد، ويبعد عنها شرور أعداء الإسلام والمسلمين، ويصعد بها حتى تسير في صراط الإسلام المستقيم، البعيد عن سبل الكفر، عن كل القناطر والجسور التي تؤدي إليها، أو تؤدي إلى تمكين العدو من قيادة المجتمعات الإسلامية، والسير بها إلى سوء المصير.
وإن أول الطريق إلى النتائج الوخيمة وعواقب الشر المستطير الذي يورد الأمة موارد الهلاك، ما نشاهد في كثير من فتياننا وفتياتنا من تعلق بالأمور التافهة، وعشق كبير لها، وانشغال كلي بها، وهي من الترهات التي لا ثمرة فيها لفرد أو جماعة.
لا بد أن ينفطر قلب المؤمن العاقل البصير حزناً على الشباب الضائع بين قواتل العمر من وسائل اللهو، وقواتل الطاقات من وسائل المجون "لهو وقمار - سكر وفجور - إضاعة للوقت بألعاب الورق والنرد والودع - تتبع للمحرمات