الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) الوسائل
وقد عمد الغزاة في حملاتهم للإفساد الخلقي والسلوكي إلى استخدام العناصر التالية: (المال - النساء - الحكم ومطامعه - المسكرات والمخدرات - وسائل الترف والرفاهية - الآداب والفنون - اللهو واللعب، وغير ذلك) .
وجندوا كل ما يستطيعون تجنيده لإفساد المجتمعات الإسلامية بهذه العناصر، وسهلوا سبل فتح الدور التي تستدرج إليها طلاب اللذة المحرمة، وعشاق المال الحرام وحرضوا المتطلعين إلى الرياسة أن يغامروا ويتصارعوا على مظاهر فارغة لا طائل تحتها، ويبددوا قواهم بالصراع فيما بينهم، حتى يظفر العدو بهم جميعاً، ويسخرهم بألاعيبه وحيله لما يريد فيهم وفي جميع المسلمين، من توهين وتشتيت، وتغيير جذري لكل مقوّم من مقومات وجودهم، ووجهوا أجراءهم للقيام بعملية التحويل الكلي لوجود الأمة الإسلامية.
والأعمال تتوالى وتتكاثر، والخطط وتطبيقاتها في تجديد مستمر، والأخطار تتفاقم، والتحويل المراد يجري تنفيذه بدقة تامة، وسرعة هائلة.
فهل من مدكر؟ وهل يتنبه المسلمون إلى وضع الخطط المعاكسة لخطط أعدائهم ويباشرون تنفيذها، مجندين كل طاقاتهم العلمية والمالية والبشرية القادرة على العمل؟
وباستطاعة الباحث أن يوجّه ملاحظاته للوسائل التالية من وسائل الغزاة.
* * *
الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال
المال عنصر خطر فعال، كم اشتري به رجال، وكم استُذل به أبطال، وكم غُيِّرت به أحوال.
وقد استطاع الأعداء الغزاة أن يستخدموه على نطاق واسع في إفساد سلوك وأخلاق كثير من المسلمين، داخل البلاد التي بسطوا عليها سلطان احتلالهم المباشر أو غير المباشر.
لقد عملوا حتى اشتروا بالمال أصحاب النفوس الضعيفة، وأخذوا يوجهونهم كما يريدون، وعملوا على نشر الرشوة والتشجيع على اختلاس الأموال العامة، ودعم الاحتكارات المحرمة، والتغاضي عن الغش، وتهريب المحظورات الدولية، أو تشجيعها من طرفٍ خفي، أو المشاركة السرية في تجارتها الممنوعة قانوناً.
ولئن صادف أن أمسك بعض الموظفين الأمناء مجرماً من هؤلاء المجرمين، وساقه إلى القضاء بسلطة القانون، فإن كان هذا المجرم ولاّجاً خرَّجاً، في دهاليز كبار ذوي السلطة، ومن الذين دفعتهم إلى مراكزهم الأيدي الخفية للأعداء الغزاة، استطاع أن يكون بريئاً، وأن يوقع الموظف الأمين في ورطة كبرى تنتهي به إلى التسريح، أو إلى عقوبة مادية مهلكة، وإن لم يكن كذلك أصابته العقوبة القانونية الخفيفة التي تغريه بتكرار جرمه مرة أخرى، أو أسرعت إليه الأيدي الخفية فاشترته بالعفو عنه، وجندته في كتائبها المعادية للأمة.
وخلال ربع قرن استطاع الأعداء الغزاة أن يفسدوا من سلوك المسلمين وأخلاقهم موروثات عريقة كريمة منتشرة في مجتمعاتهم منذ قرون. حتى أمست الرشوة المفسدة لأخلاق الموظفين في كثير من البلاد التي تأثرت بخطط الغزاة من الأمور المنتشرة انتشاراً فاحشاً، إلى حد أن أكثر الأعمال الإدارية في دوائر هذه البلاد لا تذلل لأصحابها ما لم يضيفوا فيها إلى طابع الدولة القانوني وضريبتها المحددة رشوة تناسب أهميتها، يضعونها سراً وراء المعاملة، حتى صارت نفقات كثير من الموظفين تبلغ ضعف مرتباتهم الشهرية أو أكثر، وقد بلغ الأمر ببعضهم أن يكون له أموال كثيرة وعمارات ضخمة، وأصل راتبه لا يكاد يكفيه لنفقاته العادية، كل ذلك بسبب الواردات الإضافية من الرشوات التي يتقاضونها من أصحاب المعاملات.
وهكذا سرى الداء وانتشر، ونجم عنه سيئات اجتماعية كثيرة، هضمت فيها حقوق كثيرة، وتحولت فيها وسائل كسب المال عند كثيرين من الوجوه المشروعة إلى الوجوه المحرمة، واضطرت سلطات كثيرة قضائية وإدارية أن تسكت عن المجرمين ذوي النفوذ، لانغماسها بمثل جرائمهم، أو بما هو شر منها.
وقد رأينا أن السلطات الاستعمارية قد سهلت سبيل اختلاس الأموال العامة، ثم استخدمت ذلك سلاحاً فعالاً لتنفيذ أغراضها في البلاد، وذلك بأن تشعر المختلسين بأنهم على بوابة الإدانة القضائية والفضيحة العامة، وبأنهم لا يستطيعون أن يستروا أنفسهم ويتابعوا إشباع مطامعهم الخاصة ما لم يحققوا لهذه السلطات مطالبها في البلاد، ويخدموا مصالحها بإخلاص، وقد كان للسلطات الاستعمارية في نشر هذه السيئة الاجتماعية ميدان واسع، وقد استدرجت إليها كثيراً من ذوي النفوذ، وكان لها في ذلك عدة أغراض:
1-
فمنها تسخير الذين انطبق عليهم الفخ في تحقيق أهداف الأعداء الغزاة.
2-
ومنها إفساد أخلاق المجتمع الإسلامية، حتى تنحل عُراه، ويتناثر عقده.
3-
ومنها إضعاف ثقة الأمة المستعمرة بنفسها وبصلاحيتها لحكم نفسها بنفسها.
وقد عمل الأعداء الغزاة أيضاً على دعم الاحتكارات المحرمة، والتغاضي عن كل وسائل الكسب غير المشروع، حتى يهيئوا لأنفسهم داخل البلاد طبقة من المنتفعين ترى أن استمرار منافعها رهن باستمرار سلطان هؤلاء الغزاة، لذلك فهي مدفوعة بدافع المنافع المادية إلى دعم وجودهم في البلاد، وتهيئة الاستقرار لهم.
ومن أخطر ما شجع عليه الغزاة الاستعماريون تهريب المحظورات الدولية، كالمخدرات، وذلك بالتغاضي عنها، وقبول الرشوات فيها، والمشاركة السرية في تجارتها المحرمة، ثم العمل على نشر تعاطيها بين الناس، بغية إماتة