الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويفعل المستعمرون مثل ذلك بين المنتسبين إلى الفرق والطوائف والمذاهب الإسلامية ، فيمعنون في التفرقة مثلاً بين سني وشيعي من المسلمين ، وبين كل طائفة وأخرى ، وكل أتباع مذهب وأتباع مذهب آخر ، وهكذا إلى غير حد من وسائل التجزئة ، التي مهروا في اصطناعها مهارة بلغت الغاية من المكر والدهاء ، والكيد للإسلام والمسلمين.
فهل يتيقظ المسلمون فينفوا عنهم عوامل التفرقة ، ويجتثوا ما زرعه أعداؤهم فيهم؟
(5) التقسيم الطبقي
ومن التجزئة التي تعمل لها جيوش الغزاة لهدم وحدة المسلمين ، ما يدسونه في صفوفهم من بواعث فوارق طبقية مختلفة ، من شأنها أن تجزئ الأمة إلى وحدات وفرق وطبقات تتصارع فيما بينها ، فتبدد بأيديها طاقاتها التي كان من الممكن أن تتجمع وتتوحد ، وتكون قوة ذات شأن في الأرض ، تعيد إلى المسلمين مكانهم الطبيعي القيادي بين الأمم.
فمن الغزاة من يحمل بين صفوف المسلمين شعار وحدة الطبقة العاملة ، ومنهم من يهمس بين صفوفهم بوحدة الطبقة المستغلة ، وكلا الاتجاهين يهدفان إلى غاية واحدة ، هي هدم البنيان الواحد الذي يمسك بعضه بعضاً ، ويكوِّن الأمة الإسلامية الواحدة ، وهدم هذا البنيان المعقود عقداً محكماً قد يكون بنزع القفل الصلب الذي يمسكه ، كما لو نزع قفل البرج العظيم انهارت جوانبه ، وتناثرت أحجاره ، وتهاوى يحطم بعضه بعضاً ، بعد أن كان يشد بعضه بعضاً. وقد لا يكون الفرق بين موجبات الاستمرار ومسببات الانهيار كبيراً ، إذ يكفي إيجاد خلل يسير لهدم صرح شامخ.
وكثيراً ما يستغفل أعداء الإسلام بعض المسلمين لتبني أمر يؤدي في النتيجة إلى هدم بناء الأمة الإسلامية ، ثم يسخرونهم عمالاً يحملون عنهم
معاول الهدم ، فيهدمون بنيان أمتهم لصالح أعدائهم ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
إن المجتمع الإسلامي المتقيد بتعاليم الإسلام مجتمع متماسك البنيان ، قوي الأركان ، متسامي الذروات ، تبدو المجتمعات الأخرى أمامه كركامٍ من الصخر ، أو كثيب من الرمل المتناثر ، أو أقزامٍ من الأبنية المخلخلة التي تتلاعب بها الرياح ، ومهما ارتقت فإنها لا تدانيه قوة وتماسكاً وسمواً ، وذلك لأن كل عضو من أعضاء المجتمع الإسلامي العام المتقيد بتعاليم الإسلام يعمل في مكانه وموقعه من الجماعة بما يجب عليه تجاهها ، ويؤدي واجب الطاعة لأولي الأمر من المسلمين ، وتصل إليه حقوقه موفورة ، ويبتغي بكل أمر من أموره مرضاة الله تعالى وثوابه ، وتربطه بالمجتمع وبكل فرد من أفراده مجموعة من الأربطة المتينة ، منها الأربطة التالية: الأخوة الإيمانية ، والمودة المتبادلة ، والحب في الله ، والعدل ، والإيثار ، والتضحية ، وتأدية الواجب ، والمصاحبة والمعاشرة بالمعروف ، والصدق ، والأمانة ، والوفاء بالعهد ، والصدق في الوعد ، وإفشاء السلام ، واحترام الأخ المسلم وتكريمه ، والصدق في الوعد ، وإفشاء السلام ، واحترام الأخ المسلم وتكريمه ، والصدقة ، والهبة والهدية ، وإكرام الضيف ، والتزاور في الله ، وعيادة المريض ، والإصلاح بين المتخاصمين ، والتسامح ، والعفو ، وإبراء الذمة؛ ورحمة الكبير للصغير ، وتوقير الصغير للكبير ، إلى غير ذلك من أربطة اجتماعية.
ومعظم هذه الأربطة تنقطع بفصل المجتمع إلى طبقتين أو طبقات متنازعة على مصالح مادية ، تدخل فيها عناصر الأنانية ، والاستئثار ، والطمع ، وتفضيل الفرد نفسه بغير حق ، والحقد ، والحسد ، والبغضاء.
إن التقسيم الطبقي من أخطر المسببات التي تأتي إلى القوة الحقيقية الكامنة ، في مجتمع من المجتمعات فتبددها ، وتجعلها كالهباء المنثور.
وكلا طرفي منحدر اليمين ومنحدر اليسار في العالم يحملان دسائس هذا التقسيم الطبقي ، على أسس مادية بحتة اقتصادية وسياسية ، وكلاهما يدركان خطورة تماسك المجتمعات الإسلامية على أسس روابطها المتينة الدينية والمادية والأدبية والوجدانية والعقلية ، لذلك فهما يحاولان دائماً تقسيم هذه الوحدة ،