الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالوعد والرشوة ونحو ذلك من رذائل.
وكان لهذه الرذائل من الغالبين ردود أفعال مماثلة من المغلوبين، وكانت ردود الأفعال هذه في أول الأمر أسلحة مضادة، قاومت بها الشعوب سياسة المستعمرين، ومع طول العهد وكثرة الممارسة صارت ردود الأفعال عادات مكتسبة، وسرى داء الانحرافات الخلقية فتمكن من النفوس، وسيطر على كثير من ظواهر السلوك.
وحل أسلوب الكذب محل خلق الصدق، وأسلوب الخيانة محل خلق الوفاء بالعهد، وأسلوب الإخلاف بالوعد محل الصدق فيه، وأسلوب الرشوة لشراء الضمائر محلّ التعامل بالحق والعدل، إلى غير ذلك من أمور كثيرة من هذا القبيل.
وفشا الداء من الدوائر الحكومية إلى المشتغلين بالسياسة، ثم إلى الأسواق التجارية، ثم إلى داخل الأسر، وإلى العلاقات المادية والأدبية بين الأفراد، حتى غدت التربية التي ينشأ عليها الأطفال تعتمد على كثير من هذه الأساليب غير الأخلاقية، وبدأت الأجيال تكتسب من بيئتها هذه الانحرافات، وتمارسها في حياتها، وفقدت هذه الشعوب كنوزاً عظيمة من كنوز الأخلاق الكريمة التي توارثتها كابراً عن كابر، وعمل الإسلام على تأصيلها في نفوسهم وفي أعمالهم.
إن الهدم سهل ونتائجه سريعة، ولكن الصعوبة كل الصعوبة في البناء.
* * *
الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي
على الرغم من أن أجنحة المكر الثلاثة تسير على خط معارض لخط الفكر الإلحادي، فإنها لم تجد بأساً بنشر الفكر الإلحادي الذي تحمل لواءه المادية الشيوعية، لإفساد الشعوب الإسلامية في عقائدها وأخلاقها وآدابها وسائر أنواع سلوكها في الحياة.
قد يبدوا هذا عجيباً في أساليب من ينتسبون إلى دين سماوي، ويبشرون به بين الناس، ولكن الواقع قد أثبته، ومبرِّره لديهم أن المسلمين لا يمكن أن يرتدوا عن دين الإسلام الحق، ليدخلوا في أديان محرفة جاء الإسلام فكشف زيف تحريفاتها، وإنما يمكن أن يرتدوا عن الإسلام إلى الإلحاد المطلق، والكفر بكل دين، وهذه مرحلة ترضي أجنحة المكر الثلاثة، لأنها تزيح من طريقهم منافسين خطيرين يحملون ديناً حقاً تقبله العقول والنفوس.
ومكنت أجنحة المكر الثلاثة لدعاة الإلحاد أن ينتشروا بين المسلمين، وكان ذلك في بعض الأحايين عن اتفاق معهم، وكان في أحايين أخرى بتدبير منهم واستئجار عناصر لبث الإلحاد، يضاف إلى ذلك إغضاؤهم عن تحركات الشيوعيين، وهم خصومهم لتحقيق هذه الغاية، وفي المراحل الأخيرة ظهر اتفاق ضمني بين المعسكرين المتناقضين في العالم، على نشر الإلحاد بين الشعوب الإسلامية، والعمل على تحويل هذه الشعوب عن أخلاقها وآدابها وفضائل أعمالها.
من الواضح أنه متى قطعت الصلة بين الإنسان وبين الغاية المثلى من وجوده في هذه الحياة أمسى مادياً أنانياً دنياوياً صرفاً، وهذه المادية التي لا تخشى الله يرافقها باستمرار بواعث الجريمة، لتلبية مطالب النفس وأهوائها وشهواتها.
وحين وجد قادة المذاهب السياسية المادية في الأرض الذين يحاولون فرض سلطانهم المباشر أو غير المباشر على كثير من الشعوب أن طريقهم إلى غايتهم هذه مملوءة بالعقبات الأخلاقية، السائدة في معظم المجتمعات الإنسانية، عمدوا إلى إلغاء فكرة المبادئ الأخلاقية، واعتبارها خرافة من الخرافات السائدة، واستحدثوا نظرية الأخلاق المتطورة التي لا ثبات لها في مفاهيم الناس وأعرافهم، وبعد هذا وجدوا أن المبادئ الأخلاقية متمكنة في نفوس الناس نظراً إلى ارتباطها بعقيدة الجزاء الرباني، التي أملتها تعاليم الأديان الإلهية، فعمدوا إلى إنكار عقيدة الجزاء، ثم إلى إنكار الخالق جل وعلا، لأن الإيمان بالله وفق العقائد السليمة لا بد أن يستدعي في نفس المؤمن الاتجاه نحو الحق والخير والفضيلة، والإيمان بحكمة الله وعدله وجزائه.
إنهم لم يجدوا وسيلة يدفعون بها الحشود البشرية إلى القيام بأعمال الظلم والقتل وسائر الجرائم التي تخدم غايتهم ما دامت هذه الحشود تؤمن بمبادئ الأخلاق الفاضلة، والحق الثابت، والجزاء الرباني، وما دام الخوف من الإثم يحجزهم عن ذلك، وما دامت عقيدة الإيمان بالله جاثمة على قلوبهم.
من أجل ذلك نادوا بأن الدين أفيون الشعوب، وذلك ليسقوا أتباعهم بهذه العبارة أفيون الجريمة والظلم واستباحة القتل، واستباحة كل قبيحة تعارفت عليها الأمم والشعوب، وليجرعوا بها كؤوس الحقد والحسد والكيد لكل خير وفضيلة.
وجاءت إعلاناتهم الكثيرة توضح مذهبهم المستند إلى إلغاء الأخلاق والأديان والقوانين واعتبارها أوهاماً موضوعة لمصالح طبقية، وفيما يلي طائفة من أقوال قادتهم:
1-
جاء في البيان الشيوعي الذي أصدره معلم الشيوعية الأول اليهودي "كارل ماركس" ورفيقه "إنجلز" ما يلي: "إن القوانين والقواعد الأخلاقية والأديان أوهام بورجوازية تتستر خلقها مصالح بورجوازية".
2-
وقال "إنجلز": "إننا نرفض شتى المحاولات التي تحاول أن تفرض علينا أخلاقاً تستند إلى المثاليات، ذلك لأننا نؤمن أن الأخلاق هي نتاج الأوضاع الاجتماعية، ولما كانت الأوضاع الاجتماعية متغيرة، فإن مفاهيم الأخلاق التي نؤمن بها هي كل عمل يؤدي إلى تحقيق انتصار مبدئنا مهما كان هذا العمل منافياً للأخلاق".
3-
وقال "لينين": "يجب على المناضل الشيوعي الحق أن يتمرس بشتى ضروب الخداع والغش والتضليل، فالكفاح من أجل الشيوعية يبارك كل وسيلة تحقق الشيوعية".
وقال أيضاً: "إذا لم يكن المناضل الشيوعي قادراً على أن يغير أخلاقه وسلوكه وفقاً للظروف مهما تطلب ذلك من كذب وتضليل وخداع؛ فإنه لن يكون مناضلاً ثورياً حقيقياً".
وقال أيضاً: "إن المناضل الشيوعي الثوري الحق هو ذلك الذي يبذل كل
تضحية يفرضها عليه تحقيق الهدف الشيوعي ولو تطلب الأمر التضحية بالأخلاق والكرامة والضمير، فالهدف المثالي الحق هو تحقيق المجتمع الشيوعي وتدعيمه".
وقال أيضاً: "ويجب علينا أن نتوسل بكل أنواع الحيل والمناورات والوسائل غير القانونية لتحقيق أهدافنا الشيوعية".
4-
وقال "ستالين": "الأخلاق الصالحة في نظرنا هي تلك التي تيسر لنا القضاء على النظام القديم، وهي تلك التي تدعم النظام الشيوعي، ولا شيء غير هذا يمكن أن يسمى أخلاقاً فاضلة".
5-
وقال "مالينكوف": "إن الأخلاق الفاضلة في نظرنا هي كل الوسائل التي تؤدي إلى القضاء على النظام القديم، بينما تؤدي في الوقت ذاته إلى تدعيم النظام السوفياتي".
وقد أصبحت هذه الأقوال مشهورة شهرة تغني عن نسبتها إلى مصادرها، وقد ألح القادة اليساريون في العالم على محاربة الأخلاق والدين بهذا الشكل العنيف لينزعوا من نفوس أتباعهم كل ما تبقى فيها من وجدان، وكل ما خلفته الموروثات الفاضلة فيها، حتى لا تبطئهم عن ارتكاب أية جريمة في الشعوب، متى كانت الجريمة سبباً لتحقيق أهداف القادة اليساريين في استعباد الشعوب.
وبعد هذه الأقوال التعليمية وأشباهها التي واجهها القادة الماركسيون إلى جميع الأحزاب الشيوعية في العالم قامت التطبيقات لها على نطاق واسع.
ففي سنة (1923م) أعلن المؤتمر الشيوعي الذي عقد للبدء بالحرب ضد الأديان ما يلي: "يوجد داخل اتحاد الجمهوريات السوفياتية ثلاثون مليوناً من المسلمين كانوا يعيشون إلى الآن دون أن يمسهم شيء، كما أنهم يحافظون على عقائد باطلة، وخرافات من العصور الوسطى لها صلة بالدين، وغايتها الإضرار بالثورة، وبعد أن نظرنا في هذا كله ودرسنا خصائص كل أمة على حدة، قررنا القيام بالخطط والتدابير الواجب عملها لإزالة هذه العقائد الباطلة من أوساط هذه الأمم".
وكان من ثمرة هذا القرار الشيوعي منع التعليم الإسلامي داخل الاتحاد السوفياتي وإغلاق المساجد، حتى تم إغلاق خمسة وعشرين ألف مسجد وتحويلها إلى مراكز لكثير من الأمور الحقيرة.
وهكذا نجد في أقوالهم وأعمالهم التي لا تحصى عداءً شديداً لعقيدة الإيمان بالله ، والتمسك بجميع المبادئ والتعاليم والأخلاق الدينية والإنسانية، والعمل على إطلاق الوحش البشري ليفتك في العالم، محققاً مصالح القادة الشيوعيين في العالم، وممهداً للصهيونية العالمية أن تحقق حلمها في إخضاع كل شعوب العالم لدولتها الخفية أو الظاهرة.
* * *