الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين
عن أبي أمامة عن النبي قال:
((لتنقضن عرا الإسلام عروةً عروة ، فكلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها ، فأولهن نقضاً الحكم ، وآخرهن الصلاة)) .
حينما لا يتمكن الأعداء الغزاة من إحداث الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين ويتعذر عليهم تحقيق هذا المطلب ، يكتفون بمحاولات إحداث الفصل الجزئي. وتتخذ محاولات إحداث هذا الفصل طابع الفصل الفكري ، الذي يلازمه باستمرار الفصل التطبيقي ، نظراً إلى أن التطبيق ثمرة العقائد والمفاهيم الفكرية ، فإن لم يتحقق لهم ذلك اكتفوا بمحاولات الفصل التطبيقي الذي ينجم عنه بعد طول العهد ضعف الارتباط الفكري ، ثم ذبوله ، حتى لا يبقى منه إلا الذكرى ، ثم انقطاعه انقطاعاً تاماً ، وعندئذ يتم الانفصال الفكري انفصالاً ذاتياً ، أو يتم الفصل بأدنى جهد.
والخطط التي تهدف إلى إحداث هذا الفصل الجزئي تعتمد على توجيه مختلف الأسلحة الفكرية والمادية إلى بعض أركان الإسلام العملية ، وأحكامه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، التي يهم الأعداء الغزاة إلغاؤها ، لأنها تمثل عقبات كبرى في طريق تحقيق أغراضهم العدوانية ، الرامية إلى الاستيلاء والاستعباد واستنزاف الخيرات والطاقات الأرضية والبشرية داخل البلاد الإسلامية ، والرامية إلى دفع المسلمين للمسير في الركب المعادي للإسلام والمناهض له.
وهم في هذه الخطط يحاولون أن يأتوا الإسلام فينقصوه من أطرافه ، وينهشوا منه على قدر استطاعتهم ، مزينين للمسلمين ذلك ، متخذين في تزيينهم كل صور الخداع ، فمنها ما يكون بقالب نفسي ، ومنها ما يكون بقالب علمي ،
ومنها ما يكون على وجه النصيحة والرغبة بمساعدة المسلمين على التقدم والرقي ، إلى غير ذلك من صور.
وكل دارس لتاريخ المسلمين المعاصر يلاحظ أن أعداء الإسلام الغزاة قد عملوا على الفصل بين المسلمين وبين العناصر التالية من إسلامهم:
العنصر الأول: الجهاد في سبيل الله ، لأن هذا الركن التشريعي في الإسلام يمثل القوة الهائلة لصيانة المسلمين من أعدائهم ، واستغلالهم لهم ، واحتلالهم أرضهم ، ويمثل القوة الهائلة أيضاً لإزاحة العقبات من طرق انتشار الإسلام بين مختلف الأمم والشعوب في طول الأرض وعرضها ، وللمحافظة عليه من التخلخل والضعف داخل الأمم والشعوب الإسلامية.
العنصر الثاني: نظام الحكم في الإسلام ، ويلح الأعداء الغزاة على اتخاذ الوسائل المختلفة الكثيرة للفصل بين هذا النظام وبين المسلمين ، لأنه يمثل الدرع الواقي ، الذي يمنع تسرب أعداء الإسلام أو أجرائهم إلى سدة حكم المسلمين.
العنصر الثالث: نظام المال في الإسلام ، ويلح الأعداء الغزاة أيضاً على اتخاذ الخطوات الجبارة لإحداث الفصل بين هذا النظام وبين المسلمين ، لأنه متى طبق على صورته الصحيحة وعلى الوجه الأتم ، ورافقت تطبيقه خشية الله ومراقبته الدائمة أعطى الثمرات التاليات:
1-
تخفيف الفوارق الفاحشة في التملك المالي ، الأمر الذي يؤدي إلى توزيع ثروات البلاد توزيعاً يحقق الكفاية للجميع ، ويحقق الرفاه للنسبة العظمى من جماهير الأمة ، وهذه الثمرة تسيء إلى مطامع أعداء الإسلام ، أما الشرقيون منهم فيجدونها درعاً يقي المسلمين من تسرب مذاهبهم الاقتصادية الملحدة إلى صفوفهم ، وهي المذاهب التي تمثل طلائع الجيش الشرقي الطامع بغزو البلاد الإسلامية ، وأما الغربيون فيجدونها أيضاً درعاً بقي المسلمين من تكالب مطامع كل الطامعين باستغلال خيراتهم وابتزاز أموالهم ، وهم يريدون شعوباً تفتح كل خزائنها لهم حتى يرضوا مطامعهم بسلبها.
2-
الازدهار الاقتصادي الذي يعتمد على حشد مختلف طاقات الأمة في العمل والإنتاج والاستثمار ، وهذه الثمرة لا ترضي أيضاً مطامع أعداء الإسلام ، الذين يريدون استغلال هذه الطاقات لأنفسهم ، كما لا ترضيهم من وجه آخر ، وهو أن الازدهار الاقتصادي أحد سبل القوة التي تتمتع بها الشعوب ، والأعداء الغزاة يحرصون على أن تظل الشعوب الإسلامية بعيدة عن كل سبيلٍ من سبل القوة.
3-
إبراز المجتمع الإسلامي بواقع اقتصادي محبب جذاب ، يقدم للناس أفضل صورة تطبيقية حيةٍ لنظامٍ تامٍ ، يحقق للناس الكفاية والرفاهية والتعاون ، الأمر الذي يفتح للإسلام ولأنظمته الربانية طرق التوسع والانتشار ، وضرورة انجذاب الشعوب وتقبلها لكل صالح ونافع فيه الخير والسعادة ، وذلك متى شهدت له صورة تطبيقية حية ، تدعمها قوة مادية ، وهذه الثمرة تسوء أيضاً أعداء الإسلام الذين يعملون جهدهم لإلغائه ومحوه من الوجود وتنفير الناس عنه.
العنصر الرابع: التعليم الديني الصحيح لأبناء المسلمين وبناتهم ، ويتخذ الأعداء الغزاة الخطوات الجبارة لإحداث الفصل بين الشعوب المسلمة وبين تعلم العلوم الإسلامية المختلفة تعلماً صحيحاً مقروناً باطلاع واسع على الثقافات المعاصرة ، لأن دراسة هذه العلوم على الطريقة المثلى تشكل في نفوس المسلمين منطقاً ثقافياً واعياً ، لديه ما يكفي من قوة المحاكمة للأمور ، وقوة الحجة ، وقوة الجدل والدفاع ، وقوة تجلية الحق وإبرازه بالتعبير المؤثر الجذاب ، كما أنها تمثل قوة الحماية لعقول المسلمين وقلوبهم من أن تتسرب إليها الدسائس الفكرية ، التي يحاول الأعداء الغزاة إقناعهم بها ، وتمثل أيضاً قوة التوعية الدائمة والتحذير من مكايد أعداء الإسلام والمسلمين على اختلاف اتجاهاتهم وأغراضهم.
وكل واحد من هذه الأمور يغيظ أعداء الإسلام الذين يعملون ويكدحون لهدمه ، ويعملون ويكدحون لابتزاز خيرات المسلمين وتسخير طاقاتهم واستعبادها.
العنصر الخامس: أحكام المعاملات المختلفة ، التي اشتمل عليها نظام الإسلام وهي الأحكام التي يجب أن يتقيد بها الحكم والقضاء.
ويتخذ الأعداء الغزاة الخطوات الجبارة لإحداث الفصل بين الشعوب المسلمة وبين تطبيق الأحكام الإسلامية في حكمها وقضائها ، ولإحلال القوانين المدنية محلها ، لأن الأحكام الإسلامية تمنع تصرف أعداء الإسلام في بلاد المسلمين بحسب أهوائهم ، نظراً إلى الحصانة الكبرى التي يتمتع بها القضاء الإسلامي والأحكام الشرعية ، ونظراً إلى ثبات أسس الأحكام الشرعية ، وعدم قابليتها لأن تتبدل بتبدل أهواء الحكام ومصالحهم إذ هي تستند إلى مصادر التشريع الإسلامي الثابتة كما يحقق تطبيقها العدل والاستقرار ، بما فيها من اتباعٍ للحق ، واعتصام بالحزم ، وأخذ بجوانب الرحمة التي لا تشجع المفسدين ، ولا تظلم أحداً ، ولا تهضم حقاً.
والثمرات العظيمة التي تقدمها الأحكام الإسلامية التي يتقيد بها القضاء الإسلامي السليم النزيه ، تسيء إلى أعداء الإسلام إساءات بالغات ، إذ تحرمهم من سلطة التلاعب بالقوانين حسب أهوائهم ومصالحهم ، كما تبقي للإسلام نوعاً من السلطة التنفيذية ، إذ يظل المسلمون عن طريقها مرتبطين بإسلامهم ، يضاف إلى ذلك ما يمنحه تطبيق أحكام الإسلام من طمأنينة واستقرار وتخفيف من المشكلات الاجتماعية ، نظراً إلى شعور المسلمين بأن الأحكام الربانية هي التي تطبق عليهم ، وهذا الشعور يفرغ على قلوبهم رضى بها ، وسر ذلك أن الأحكام الإسلامية الموضوعة قيد التطبيق في الحكم تجمع في وقت واحد السلطة المادية والسلطة الروحية.
العنصر السادس: أحكام الأحوال الشخصية ، الشاملة لأنظمة بناء الأسرة وحقوقها وواجباتها.
ويتخذ الأعداء الغزاة الخطوات الجبارة لإحداث الفصل بين المسلمين وبين تطبيق الأحكام الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية ، التي تتناول أحكام عقد الزواج وحله ، وتتناول ضوابط العفة ، وأصول الأسرة ، وأسس روابطها ، وواجبات أعضائها وحقوقهم ، وتتناول أحكام تكافلهم ، وحدود النفقة
الواجبة ، ومن يتحمل مسؤوليتها ، ومن يستفيد منها ، ويلحق بذلك أحكام المواريث.
ويحاول الأعداء الغزاة أن يحلوا محل أحكام الإسلام المتعلقة بالأحوال الشخصية فوضويات مختلفة ، وقوانين فاسدة أو ناقصة من أوضاع الناس ، بغية خلخلة بناء الأسرة الإسلامية ، وإحداث الفصل الجزئي بين المسلمين والإسلام ، تمهيداً لإحداث الفصل الكلي بينهم وبينه.
إنه متى فقدت الأسرة المسلمة نظامها المحكم القائم على التعاليم الإسلامية انحلت روابطها ، وانتزعت منها روح التعاطف والمودة والثقة المتبادلة ، ونمت الأنانية الفردية ، وشعر كل فرد بأن مسؤولياته نحو أفراد أسرته أعباء لا موجب لها ، وتمسي علاقات الأسرة إذا وجدت علاقات مادية صرفة قائمة على أسس تبادل المصالح والمنافع ، كالأسس التي تقوم عليها التجارة ، والمعاملات الاقتصادية الأخرى ، وهذا ما وصلت إليه الأسرة الأوربية التي أخذت في طريق الانحدار ، مستهينة بتقاليدها وأنظمتها الموروثة ، المستقاة أصولها من بقايا التعاليم الدينية القديمة.
وحينما يفقد عقد الزواج قدسيته وأحكامه الربانية ، وتقوم الارتباطات الأسرية على اتفاقات فوضوية ، تتحكم بكل من الرجل والمرأة أهواؤهما ونزواتهما العارضة التي ينحل بها الارتباط ، ليقوم مقامه صفقة ارتباط آخر ، ثم تنشأ مشكلة المسؤولية نحو الأولاد إذا وجدوا ، وعندها تتوارد مشكلات اجتماعية كثيرة ، تستدعي إنشاء دور اللقطاء ، وملاجئ المشردين الذين لا أسر لهم ، ويكثر أطباء الإجهاض الذين يقتلون الأجنة ، ويتفشى في الفتيات تعاطي حبوب منع الحمل ، وتتفشى في الناس الأمراض الخطيرة ، التي تمثل العقاب الإلهي للفوضى الجنسية.
وحينما تفقد أعضاء الأسرة ضوابط العفة التي أمرت بها الشرائع الربانية كلها ، تمسي العلاقات قائمة على أساس فقد الثقة ، ومع فقد الثقة يذبل الشعور بالمسؤولية نحو الأولاد ، والشعور بالعطف والمودة نحوهم ونحو التي أنجبتهم ، ومع هذه الخاطرات النفسية القلقة تنمو الأنانية الذاتية وتفقد الأسرة
جزءاً كبيراً من أركانها المعنوية ، وهذا ما يريده أعداء الإسلام للمجتمعات الإسلامية.
وحينما تفقد الأسرة أصول تكوينها وأسس روابطها تتدفق سيول المشكلات الحقوقية ، التي تدفع معها كتلاً صلبة كثيرة من الجرائم الإنسانية المؤلمة ، وهذا ما يريده أيضاً أعداء المسلمين للمجتمعات الإسلامية.
وحينما تمسي واجبات أعضاء الأسرة واجبات غير ربانية ، وتكون عرضة للتحولات والتبدلات بحسب آراء المقننين ينحل من نفوس الأفراد عنصر كبير من العناصر المحرضة على الالتزام ، الدافعة له بقوة ، ألا وهو عنصر مراقبة الله وخشيته ، وعندئذ تنشأ آلام اجتماعية كثيرة ، ويتهرب الناس من تأدية الحقوق متى وجدوا إلى ذلك سبيلاً يحميهم من عقاب السلطة الحاكمة.
ونظام الميراث يمثل رابطاً قوياً من الروابط المادية للأسرة ، إضافة إلى الروابط المعنوية الأخرى ، وبانقطاع هذا الرابط تفقد عوامل بناء الثروة العامة شطراً كبيراً من عناصرها النفسية ، لأن معظم الناس يضاعفون كدحهم في الحياة رغبة في إسعاد وإغناء أولادهم وذرياتهم من بعدهم ، فإذا انقطعت آمالهم من ذلك تضاءلت القوى المحرضة لهم على العمل والإنتاج ، وأمست قاصرة على تحقيق المطامع التي تتعلق بأشخاصهم فقط.
ويتخذ أعداء الإسلام لهدم الأنظمة الإسلامية المتعلقة بالأحوال الشخصية عدة وسائل ، منها الوسائل التالية:
1-
التلاعب بالنظريات الحقوقية ، وبث نظريات مختلفة مزخرفة ، يلبسونها أثواب التحرر.
2-
نشر المذاهب الفكرية الإلحادية القائمة على أساس إلغاء نظام الأسرة وضوابط العفة ، وبث المجتمعات الإنسانية بثاً بهمياً.
3-
الغزو بأنواع السلوك المقرون بالفوضى الجنسية ، وهذا الغزو قد جاءت أمواجه إلى أبناء المسلمين وبناتهم متدفقةً من الغرب ومن الشرق.
4-
وكان من الوسائل خطط تهدف إلى إفساد الوضع التطبيقي للقضاء الإسلامي والقضاة المسلمين ، أو إيجاد العقبات دون إصلاح وضعه الفاسد ، والغرض من ذلك أن يحمل هذا الوضع الفاسد مبررات إلغائه ، وبعد إلغائه يتم إلغاء أصوله وأحكامه ، وإحلال القوانين المدنية محله ، وهذا ما جرى فعلاً في بعض البلاد الإسلامية.
العنصر السابع: الأخلاق الإسلامية ، وسائر أنواع السلوك الإسلامي الفردي والجماعي ، فعملوا على نشر الفساد الخلقي والسلوكي بين المسلمين.
واهتموا اهتماماً بالغاً بإفساد المرأة عن طريق نظريات تحريرها ، وإغرائها بالانطلاق من قيود العفة ، ورقابة الأسرة ، ونقد المجتمع ، وخدعوها بشعارات الحرية والمساواة ، وحرضوها هم وأجراؤهم على السفور والاختلاط ، حتى انجرفت إلى مزالق كثيرة.
العنصر الثامن: العبادات الإسلامية الفردية والجماعية ، وسائر شرائع الإسلام وأحكامه ، ومفاهيمه المتعلقة بشتى شؤون النفس والحياة والفكر والعمل.
العصر التاسع: لب دائرة الإسلام الذي ترتكز فيه أركان العقيدة الإيمانية ، وهو الهدف الأخير.
ويحاول الأعداء الوصول إلى هدم هذا العنصر الذي هو أساس الدين ، بعد عمليات الفصل الجزئي للعناصر السابقة ، ومتى تم هدم هذا العنصر فقد تم هدم الإسلام كله ، بحل آخر عروة من عرا الإسلام.