الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعوب والقبائل شيء اقتضته طبيعة التقسيم للتعارف فقط، لا ليكون أساساً للتناكر والتخالف والعصبيات.
وفكرة الجماعة الإنسانية في الإسلام يحددها صدر الآية: {ياأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى} أي فكلكم من عرق واحد، ويحددها أيضاً قول الرسول:"كلكم لآدم وآدم من تراب" وغير ذلك من نصوص كثيرة.
وقد استطاع الغزاة وأجراؤهم أن يفجِّروا في صفوف المسلمين بهذه المغالطة الدائرة حول القومية والإسلام قنبلة ماكرة من قنابل التحويل الاعتقادي، وقد استطاعوا أن يستروا هذه القنبلة أول الأمر بالعقلانيات والفلسفات والغيبيات التي ليس لها أساس صحيح.
(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى
اختار الله الأمة العربية لتقوم بدور تاريخي تحمل فيه مجد الإسلام، وتحتل فيه الصف الأول الذي يقود معركة تحرير الإنسان من الوثنيات الفكرية والظلم الاجتماعي، وبناء حقيقة الإيمان بالله في عقول الناس وقلوبهم، وإقامة شرائعه التي أنزلها على رسوله محمد، واختار اللغة العربية لينزل بها كتابه المعجز الخالد، الذي تكفل بحفظه وصيانته من أن تعبث به أيدي التغيير والتحريف.
كان هذا الاختيار الرباني بينما كانت الأمة العربية في وضع فكري واجتماعي يجعلها أبعد ما تكون عن مسايرة ركب الحضارات التي كانت عليها الأمم الأخرى، فضلاً عن أن تقود الأمم إلى حضارة عظمى، هي في مركز القمة بين الحضارات المختلفة الفكرية والواقعية.
وتمت معجزة التحويل المفاجئ التي أجراها الله على يد خاتم رسله محمد صلوات الله عليه، فاجتمع متفرق الشعب العربي بسرعة تاريخية مذهلة، وارتقى في سلم المعرفة، واحتل مركز القيادة، وامتد على قلة عدده وعُدده فاتحاً العالم بحضارته الجديدة، التي كان دوره فيها مطبق التعاليم الإلهية، لا دور
مبتكر النظم، ومجرب الحياة، وانطلق باذلاً كل طاقاته، مستمداً من الله التأييد والعون والنصر، وكان له مجد هذا الاصطفاء الرباني، إنه اصطفاء بالرسالة، إذ اختار الله من هذا الشعب خاتم رسله، واصطفاء بالكتاب، إذ أنزل بلغة هذا الشعب خاتمة كتبه للناس، واصطفاء بالقيادة، إذ جعل من هذا الشعب المسلمين الأولين الذين احتلوا الصف الأول الذي قاد حركة الفتوحات في دنيا الناس، وأخذ أول جائزة من جوائز شرف الشهادة على الناس بتبليغ شريعة الله للناس بعد الرسل، فكانوا أول من تحقق فيهم قول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
فيأتون يوم القيامة شهداء على الناس بتبليغ دين الله، ويأتي الرسول شهيداً عليهم، ويأتي رسول كل أمة سلفت فيشهد عليها.
هذه هي حقيقة الأمة العربية، ولكن حاول دعاة القومية من أعداء الإسلام أن يحوروا هذه الحقيقة، فيجعلوا كل المجد الذي نالته الأمة هو ما ظفرت به من دولة كبرى وتقدم حضاري مادي، وأن يجعلوا ذلك ثمرة من ثمار القومية العربية، بمعنى أن العناصر العرقية الراقية، التي كانت أيام الجاهلية هي التي تفاعلت فأنتجت قائداً عبقرياً هو محمد، الذي استطاع في دوره التاريخي أن يقود هذه الأمة إلى مجد تاريخي وباستطاعة هذه العناصر العرقية المستمرة أن توجد في كل عصر عبقرياً جديداً مثل محمد.
إن هذا الكلام ينطوي على حيلة ماكرة تجذب إليها غرور الشباب، الذي يحلم بأن ينبغ في هذه الأمة قائد مجد جديد، وهذه الحيلة تضيف إلى حلم الشباب المقبول عنصراً جديداً مفسداً، إذ تدس فيه أن يحمل هذا القائد الجديد أسساً عصرية غير الأسس الدينية التي حملها محمد من قبل، وتتسع دائرة هذه الحيلة حتى تجعل رسالة محمد عملاً إنسانياً بحتاً، ويكفر المنخدعون بها برسالة محمد الربانية، ويقبلون أفكاراً زائفة مباينة للحقيقة المماثلة في وجه التاريخ، وفي وجه كل دراسة منصفة تنشد الحقيقة.