الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) مقدمة عامة
هال أعداء الإسلام ذلك التماسك الصلب والترابط المتين ما بين المسلمين ، على اختلاف أعراقهم ولغاتهم وبلدانهم ، وعرفوا أن تماسكهم وترابطهم قائمان على أساس العقيدة الواحدة ، والأخوة الإيمانية ، وتأملوا طويلاً في ذلك الطود البشري الراسخ المنيع ، المتراص من اتحاد الشعوب الإسلامية ، وانصهارها في بوتقة الإيمان بالعقيدة الإسلامية ، والتآخي في الله ، وعجزوا عن مقاومته خلال قرون ، حتى أوحت لهم شياطينهم أن يعمدوا إلى تفتيته بوسائل التجزئة المختلفة ، ضمن خطة مرسومة ، وبدأوا يضربون في ذلك الطود الهائل أسافين الشقاق ، ويسقونها جرثومة الفساد والضغينة والعصبية والخلافات المتنوعة ، ويعطون للزمن فرصة تمكين الشقاق والخلاف وتعميقه ، حتى يفعل تطاول العهد بهذه الأمة الإسلامية الواحدة من التمزيق والتشقيق والتفتيت ما لم تفعله الحروب المسلحة الكبرى.
أما وسائل التجزئة فكثيرة ومختلفة: لقد عمدوا إلى التجزئة والتفتيت ، بعناصر الاختلاف السياسي ، ثم بعناصر الاختلاف الطائفي ، وذلك بإلقاء جرثومة الخلاف في العقائد ، ثم بعناصر الاختلاف المذهبي ، وذلك بتشجيع التعصب المذهبي وبتغذيته ضد المذاهب المخالفة ، وقد لعبت هذه العناصر دورها في جميع الشعوب الإسلامية على اختلاف قومياتهم.
ثم عمدوا إلى التجزئة بعناصر الاختلاف العرقي والقومي واللغوي ، مع تمكين التجزئة بعناصر الاختلاف الأخرى ، حتى تصطرع فيما بينها عناصر
الشقاق المختلفة ، لتزيد منه وتمكن له.
ثم أوغلوا في التجزئة بعناصر الاختلاف الإقليمي ، بين أهل الأقاليم التي تجمعها عقيدة واحدة ، وقومية واحدة ، ولغة واحدة.
ثم انتقلوا إلى التجزئة بعناصر الاختلاف القطري ، والاختلاف بين بلد وبلدٍ داخل إقليم واحد أو قطر واحد.
وهكذا تتسلسل هذه العناصر حتى تصل إلى عناصر الاختلاف الأسري ، ثم إلى عناصر الاختلاف الشخصي داخل الأسرة الواحدة ، كل ذلك بجرثومة الأنانية التي تتسع حيناً وتضيق حيناً آخر.
وقد اتخذت كتائب الغزاة لهذا التفتيت وسائل عملية كثيرة جداً ، وجندوا له طاقات ضخمة استخدموها في أعمال الإفساد ، حتى تم لهم تمزيق وحدة الأمة الإسلامية من الناحية التطبيقية العامة ، وإن كانت عواطف الوحدة بين الشعوب المسلمة ، التي تغذيها العقيدة الإسلامية والتعاليم الربانية ، ما يزال لها الأثر الكبير في نفوس أفراد هذه الشعوب ، وإن كانت حبيسة في مواقع تجزئاتها ، فهي لا تستطيع أن تعطي آثاراً عملية فعلية على الصعيد السياسي الرسمي ، والتطبيق العام ، وذلك بفعل ضواغط التجزئة الجاثمة على صدورهم ، والتي عمل أعداء الإسلام على ترسيخها وإلقاء الأثقال عليها خلال قرون.
وما تزال أعمال التجزئة ومخططاتها مستمرة على نطاق واسع ، وقد يسير في تيارها كثيرون من أفراد الشعوب الذين يقاومون التجزئة بين المسلمين ، ويدعون إلى جمع كلمتهم ، وتوحيد صفهم ، دون أن يعلموا أنهم في تيارها سائرون ، وضمن مخططاتها يعملون ، وذلك لأن الأعداء قد أحكموا خطة مكرهم إحكاماً ينطلي على كثير من أهل الوعي والبصر النافذ ، فضلاً عن الأغبياء والمغفلين.
وأول أبواب الحذر التي يجب أن يراقبها المسلمون هو الشك بكل فكرة
يوحي بها أعداء الإسلام ، أو يرتاحون لها ، ولو أعجبت المسلمين في ظاهرها ، ثم إذا رأوا بعد تأمل طويل أن من الخير العمل بها ، فعليهم أن يخططوا بأنفسهم طريقة العمل وأسلوبه ، ويحددوا بأنفسهم غايته ، وينتقوا بإرادتهم الحرة عناصره ، وأن يكونوا فوق كل ذلك على حذر من مزالق قد تفاجئهم على حين غرة ، من جهة ربما كانوا قد غفلوا عنها ، أو كانت محجوبة عنهم بأستار خادعة.
وليست قضايا المسلمين بالقضايا السهلة ، فأعداؤهم كثيرون ، وقواهم كبيرة في الأرض ، ولكنهم مع ذلك يستطيعون بإمكاناتهم الحالية ، مع حكمة عالية ، وإخلاص في العمل ، ودأب لا ينقطع ، وقيادة رشيدة ، والتجاء إلى الله ، واعتماد عليه أن يظفروا بإفساد كل مخططات أعدائهم ، وبالانتصار على كل مكر يبيتونه لهم ، وكل كيد يكيدونهم به ، مهما تظاهرة دول الأرض ضدهم ، لأن صدق التوكل على الله مع صدق الجهاد في سبيله ، وبذل كل طاقة ممكنة مادية ومعنوية ، لا بد أن يجازي الله عليه بتحقيق النصر ، فقد وعد الله المؤمنين به ، متى حقق المؤمنون شروطه في أنفسهم ، بموجب قوله تعالى في سورة (الحج /22مصحف/103نزول) :
فهذا وعد من الله ، والله لا يخلف الميعاد ، ولئن كان التفوق في القوة يعتمد على الوسائل المادية فإن تحقيق النصر لا يكون إلا من عند الله ، ودليل ذلك في قول الله تعالى في سورة (آل عمران / 3 مصحف / 89 نزول) :
{وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ}
وفي قوله تعالى في سورة (الأنفال / 8 مصحف / 88 نزول) :
{
وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}
وحوادث التاريخ تشهد بذلك ، وحسبنا من الله شواهد وآيات ، وحسبنا من مقاديره عبر وعظات ، وانطلاقة التضامن الإسلامي على يد المغفور له الملك