الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم يتابع دعاة القومية من أعداء الإسلام تحوير حقيقة الواقع التاريخي للعرب من قبل الإسلام ومن بعد الإسلام، فيحاولون بفلسفاتهم الباطلة المموهة بحيل من زخرف القول أن يقنعوا أتباعهم من الشبان الطائشين بأن القرآن كتاب صنعته الأمة العربية من قبل، بما لديها من عناصر عرقية راقية، وباستطاعة هذه الأمة أن تصنع في كل عصر كتاباً جديداً يناسب ما تتطور إليه العصور، وتدور هذه الشبهة في نفوس الشبان الذين لم يتزودوا من المعارف الإسلامية الصحيحة، وتتمكن في نفوس بعض المغرورين الطامحين المنغمسين في أوحال مغريات أعداء الإسلام، فيحملون هذه الفكرة بحرارة وقناعة واندفاع.
وبعد أن يزحزح أعداء الإسلام بدعوة القومية العقيدة بأن محمداً رسول الله، وبأن القرآن كتاب منزل من عند الله، لا بد أن يسهل عليهم تفسير كل مجد حصل للمسلمين في تاريخهم الطويل بأنه أثر من آثار انطلاقة القومية العربية إلى المجد، بطاقاتها العرقية الأصيلة، التي تمتاز على الأعراق الأخرى بقوى الإبداع والابتكار، وتمتاز عليها بالبطولات.
وبهذه الفلسفة الباطلة، التي لا يدعمها من الواقع دليل تقبله العقول؛ يهيلون آخر كوم ترابي على ما يريدون وأده حياً من إسلام وعروبة معاً، في نفوس الذين يستجيبون لهم.
(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية
على إثر وأد الإسلام في نفوس حملة فكرة القومية العربية على الوجه الذي خطط له العدو الغازي، لا بد أن يجد الفرد من هؤلاء القوميين نفسه فارغة من المقومات الفكرية والروحية والنفسية والعاطفية الحقيقية، التي تصلح لأن ترتقي به وبقومه إلى قمة حضارية بين الأمم الأخرى، ذات السبق العلمي، والسبق المدني، والسبق العسكري، والسبق السياسي، إلى مختلف أنواع السبق الذي لا
يستطيع جيله أن يسايرها، بالنظر إلى الإمكانات المادية والبشرية التي يتمتع بها الواقع العربي الحاضر.
وحينما يجد هذا الإنسان القومي نفسه فارغة هذا الفراغ الظامئ الطالب للامتلاء، فإنه سيلجأ ضرورة إلى أن يرتمي في أحضان السابقين من شرقيين أو غربيين، ثم تهون في نفسه نزعة القومية شيئاً شيئاً، وهي التي بها أزاح العدو الغازي الإسلام من قلبه، بعد أن عمل على توهين قيمة الإسلام لديه، وعند ذلك سيصبح أجيراً تابعاً من أجراء أعداء دينه وقوميته معاً.
هذه هي الحيلة الحديثة الخبيثة التي خطط لها أعداء الإسلام في صفوف المسلمين العرب غير العرب، ليجهزوا على الإسلام بسلاح القومية، ثم ليجهزوا على القوميات بأسلحة المبادئ الأخرى التي لا تستطيع القوميات أن تقف أمامها، لأنها غير ذات محتوى فكري ونفسي وسلوكي يستمر مع الزمن، إنما هي عاطفة مؤقتة، ونزوة عابرة، تغري بأهداف براقة وهمية، ثم لا تلبث حقبة مع الزمن حتى ينكشف زيفها، فهي بمثابة الأشكال السحرية التي لا وجود لها إلا في حالة الخداع البصري، الذي يوجده الساحر الماهر بأعماله المؤقتة، وحينما ينتهي الساحر من نفثاته يظهر كل شيء على حقيقته، ويبدو ما كان على ما كان.
ولو أن أعداء الإسلام الذين خططوا لنشر فكرة القومية بين صفوف المسلمين بدأوا بنشر المبادئ المعدة لأن تكون هي الغاية المقصودة بالنشرة لتعثرت كثيراً، ولم تجد لها آذاناً سامعة، لأن الإسلام يمثل الدرع الحصين ضدها في نفوس أكثر المسلمين، وله في نفوسهم من الحجج القوية ما يدحضها، يضاف إلى ذلك تفوق الإسلام عليها بمبادئه الإلهية، التي تضمن للناس أوفر سعادة ترمي إلى تحقيقها النظم الإنسانية الوضعية بحسب ادّعاء أصحابها، مع المحافظة على أرقى فلسفة واقعية إصلاحية عرفها التاريخ، إنها الفلسفة الدينية والخلقية القائمة على أسس الإيمان بالله واليوم الآخر، والإيمان بالحساب والجزاء، والإيمان بشرائع الله لعباده، وهي الشرائع التي أنزلها في كتبه، وأمر رسله بتبليغها، وكلف عباده المؤمنين بالإسلام أن يحملوها ويبلغوها للناس أجمعين.