الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصاعد نسبة التصادم فأمر مريع جداً، والناس منه في حالة محزنة جداً، لا ترى فيها إلا القلق والاضطراب والتخبط على غير هدى، والضحايا المتناثرة أشلاءً أشلاءً.
(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية
من أساليب الخدع الكبرى التي خدع بها فريقٌ من أعداء الإسلام بعض أبناء المسلمين، ما أخذوا يعلنونه ويرددونه في صفوف المسلمين بأقوالهم وكتاباتهم وخطاباتهم عن شخصية محمد صلوات الله عليه من تمجيد بعبقريته، وثناء على حركته الإصلاحية الإنسانية، وإطراء لأقواله، وبعض مناهجه التي رفعت الأمة العربية من الحضيض الذي كانت فيه، ودعت الشعوب الأخرى إلى الخير والصلاح وسلوك سبيل المجد، وهم إذ يسوقون إليه عبارات التمجيد والمدح والثناء يعتمدون أن يبعدوا عنه كلّ وصف من أوصاف النبوة والرسالة الربانية، إذ يثبتون له وصف العبقرية الإنسانية فقط.
ثم أخذوا يكررون ذلك على أسماع الذين فتنوا بأقوالهم من أبناء المسلمين، ويدسون فيه ما يوحي إليهم بأن احتمال العبقرية ليس وقفاً على محمد، بل يمكن أن يأتي في كل عصر من بعده عبقري يستطيع أن يقود الناس إلى إصلاحٍ جديد، يناسب متطلبات العصور المتطور، أو أن تجتمع الأمة فتعادل قوة ذلك العبقرية، وغرضهم من ذلك أن ينقضوا عقيدة المسلمين الراسخة بأن محمداً خاتم رسل الله وأنبيائه.
ثم بعد هذا التمجيد الكبير لشخص محمد بوصفه بالعبقرية، ينتقلون إلى صيغة جديدة يغلفونها بمكر شديد، ويلبسونها أقنعة خادعة من العبارات التي تتصنع الفلسفة، فينسفون بها من عقول الذين يلقون إليهم السمع عقيدتهم بالوحي، وعقيدتهم بالمعجزات وعقيدتهم بأن القرآن كلام الله، ويوحون إليهم بأن كل ذلك من صنع محمد، وقد آزرته في ذلك طلائع الإصلاح العربية، إلى
آخر هذا التضليل الذي أخذوا يصوغون له العبارات المتنوعة، المشحونة بالأكاذيب والافتراءات الخالية من أي مستندٍ عقلي أو واقعي.
ولما انطلت حيلتهم هذه على ثُلَّة من أبناء المسلمين أدخلوا في روعهم أن رسالة الإسلام كانت ثورةً عربية على أوضاعٍ اجتماعية، تزعمها عبقري مصلح منهم، وأن رسالته ومبادئه كانت صالحة لشعوب تلك العصور، وقد أصبحت اليوم بالية بدائية غير مناسبة لأن تكون أسساً للإصلاح في القرن العشرين، من أجل ذلك يجب أن تقوم ثورات حديثة، تحمل أسساً جديدة للإصلاح، مناسبة لهذا القرن، يتزعمها عبقري جديد، يقوم في هذا العصر بمثل الدور الذي قام به محمد من قبل، وأطلقوا بين أتباعهم المفتونين بهم من أبناء المسلمين العرب مقالة قائلهم المشهورة:"من الطبيعي أن يستطيع أي رجل مهما ضاقت قدرته أن يكون مصغراً ضئيلاً لمحمد، ما دام ينتسب إلى الأمة التي حشدت كل قواها فأنجبت محمداً، أو بالأحرى ما دام هذا الرجل فرداً من أفراد الأمة التي حشد محمد كل قواه فأنجبها في وقت مضى، تلخصت في رجل واحد كل حياة أمته، واليوم يجب أن يصبح كل حياة هذه الأمة في نهضتها الجديدة تفصيلاً لحياة رجلها العظيم، كان محمد كل العرب، فليكن كل العرب اليوم محمداً".
وهكذا يصغ هذا الزيف في مثل هذا الكلام الذي يبتسم ظاهره ابتسامة عريضة، ولكن وراء هذه الابتسامة نهم شديد لافتراش الإسلام والمسلمين ، والإجهاز على كيان الأمة العربية، وضمن هذا الأخذ والرد في حيل العبارة الكلامية الخادعة للمغفلين أو الجاهلين يبدو للبصير الحاذق مبلغ الكيد العظيم للرسالة الربانية، التي لم يأت بها محمد صلوات الله عليه من تلقاء نفسه، وإنما تلقاها من الوحي، ولم تكن ثمرة عبقريته الخاصة، وإنما كانت تنزيلاً من عند الله، مع أنه صلوات الله عليه أوفر الناس عبقرية، وأكثرهم كمالاً إنسانياً.
ولكن هؤلاء المخربين يريدون أن يجعلوا محمداً نتاج الأمة العربية، وأن يجعلوا دينه ثمرة عبقريته الفذة، وأن يفتحوا الباب لعباقرة مُحدثين يأتون برسالة
جديدة من عند أنفسهم، تحتل مركز الرسالة الإسلامية الربانية.
ولا تخفى على المتأمل نفثة الكيد والحقد التي تقذفها عبارة قائلهم: "كان محمد كل العرب فليكن كل العرب اليوم محمداً". أي: فليصنع العرب اليوم رسالة جديدة تناسب العصر الحاضر غير رسالة الإسلام التي أنتجتها بحسب تضليلهم عبقرية محمد من قبل.
ولو صح هذا الكلام بالنسبة إلى رسالة محمد لكان أكثر صحة لو قيل بالنسبة إلى الرسالات الربانية التي جاء بها عيسى وموسى من قبل، ولا سيما معظم ما فيها محرف منتقد، لكنهم لا يحملون هذا التضليل إلا في صفوف المسلمين فقط، وبالنسبة إلى رسالة الإسلام فقط. فإذا أضفنا إلى هذا أن أصحاب هذه الدعوة صليبيون متعصبون سراً لصليبيتهم لم تخف علينا الدوافع التي تدفعهم إليها، ولا عتب عليهم أن يمكروا بالإسلام وهم يعادونه، إنما العتب كل العتب على أبناء المسلمين الذين تنطلي عليهم حيل الأعداء، فيجندون أنفسهم في صفوفهم، أو يضعون أنفسهم في الصفوف الأولى من صفوف الكتائب الموجهة لحرب الإسلام والمسلمين.
* * *