المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى - أجنحة المكر الثلاثة

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف [ووالده]

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى

- ‌الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌1ـ مولده ونسبه:

- ‌2ـ نشأته وطلبه للعلم:

- ‌3ـ مرحلة الدعوة والتعليم:

- ‌4ـ أسلوبه في التعليم:

- ‌5ـ مشاركاته العلمية:

- ‌6ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:

- ‌7ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:

- ‌8 ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:

- ‌9 ـ صفاته التربوية:

- ‌10 ـ وفاته:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌مولده وتعليمه:

- ‌من مؤلفاته:

- ‌من آرائه ومواقفه التاريخية:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

- ‌دعاء

- ‌القِسمُ الأول الغَزوُ بالحِيَل وَوَسَائل المَكْرِ غَيْر المبَاشِرَة

- ‌الفصل الأوّل من القسم الأول مقَدِّمَات عَامَّة

- ‌(1) الحروب الصليبية وخيبتها وتحول اتجاهها

- ‌(2) الغزو الفكري وخطره

- ‌(3) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري

- ‌(4) المهمات الرئيسية لأعداء الإسلام

- ‌(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري

- ‌(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري

- ‌(7) تعريفات للأجنحة الثلاثة

- ‌(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية

- ‌الفصْل الثاني المبشِّرون وأعمالهمْ

- ‌1- عرض موجز لتاريخ التبشير وأعمال المبشرين

- ‌(2) مؤتمرات المبشرين

- ‌(3) مجالات أنشطة المبشرين

- ‌(4) التآزر بين المبشرين والمستعمرين

- ‌الفصْل الثالث المستَشرقون وَأعمَالهمْ

- ‌(1) تعريف عام بالاستشراق والمستشرقين

- ‌(2) موجز تاريخ الاستشراق

- ‌(3) مدارس الاستشراق

- ‌(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم

- ‌(5) مجالات أنشطة المستشرقين

- ‌(6) أخطر وسائل المستشرقين الفكرية

- ‌(7) موازين البحث عند المستشرقين

- ‌(8) الجامعات الغربية وأثر المستشرقين فيها على المسلمين

- ‌(9) مقارنة بين التبشير والاستشراق وأعمالها

- ‌(10) المستشرقون يدركون قدرة الإسلام الذاتية

- ‌الفصْل الرابع الاسْتِعْمَار وَالمُسْتَعْمِرُون

- ‌(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار

- ‌(2) الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية العربية

- ‌(3) الاستعمار البريطاني للهند وآثاره

- ‌(4) أبرز أعمال الكيد التي قام بها الاستعمار في بلاد المسلمين

- ‌(5) وثيقة من دولة استعمارية لنصارى وطنيين

- ‌الفصل الخامس عناصر التلاقي والأهداف والأعمال المشتركة

- ‌(1) الالتقاء على الكراهية والحقد

- ‌(2) الالتقاء على كسب المغانم

- ‌(3) الالتقاء على محاربة الإسلام وتطبيقاته

- ‌(4) محاولات الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين

- ‌(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السادس وسائل الغزاة وحيلهم

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) وسائل الغزو غير المسلح

- ‌(3) شرح الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: الوجوه المستعارة

- ‌الوسيلة الثانية الخداع السياسي

- ‌الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي

- ‌الوسيلة الرابعة: الحصار الاقتصادي

- ‌الوسيلة الخامسة: الحصار العلمي والثقافي

- ‌الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي

- ‌الوسيلة السابعة: التمييز العنصري والقومي

- ‌الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري

- ‌الوسيلة التاسعة العبث النفسي

- ‌الوسيلة العاشرة: حيل السلب المالي

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: الإفساد الاجتماعي

- ‌الوسيلة الثانية عشرة الإفساد الخلقي والسلوكي

- ‌الفصْل السّابع منْ وَسَائل الغزو الفكري: التفريغ وَالملء

- ‌(1) مقدّمة

- ‌(2) عناصر الخطة

- ‌(3) وسائل التفريغ

- ‌(4) عمليات ملء الفراغ

- ‌(5) تسخير الجيش الجديد من أبناء الأمة

- ‌الفصْل الثامِن خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام

- ‌(1) خطة وغرض

- ‌(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله

- ‌(3) سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر

- ‌(4) محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله

- ‌الخطة الأولى: خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام

- ‌الخطة الثانية: خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل

- ‌الخطة الثالثة: اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي

- ‌الخطة الرابعة: اصطناع الفرق العميلة الأجيرة

- ‌الخطة الخامسة: خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة

- ‌الخطة السادسة: خطة التوريط والإحباط، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز

- ‌(5) محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة

- ‌(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية

- ‌(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة

- ‌(8) حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم

- ‌(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها

- ‌(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها

- ‌(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية

- ‌الفصْل التاسِع الغزاة وأعمالهم في هدم وحدة المسلمين

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) التجزئة باستغلال الخلافات السياسية

- ‌(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر

- ‌(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين

- ‌(5) التقسيم الطبقي

- ‌(6) هدم الخلافة الإسلامية

- ‌(7) مكيدة تحديد النسل

- ‌الفصْل العاشر الغزو بفكرة القوميّة

- ‌(1) خطة وأهداف

- ‌(2) مغالطة جدلية

- ‌(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى

- ‌(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية

- ‌(5) الأمة العربية بعد الإسلام وقبله

- ‌الفصْل الحَادي عشر أعمال الغزَاة ضِدّ اللغةِ العربيَّة

- ‌(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة

- ‌(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى

- ‌(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية

- ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

- ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

- ‌(6) دغدغة العواطف القومية القديمة للتحويل عن العربية الفصحى

- ‌(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي

- ‌(8) غزو الفصحى عن طريق العبث بقواعدها

- ‌(9) غزو اللغة العربية بالمفردات الأجنبية الدخيلة

- ‌(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى

- ‌(11) نحن والغزاة

- ‌الفصْل الثاني عشر الغزاة وتفصيل أعمالهم في الإفساد

- ‌(1) تكسير معاقد الترابط الاجتماعي وتقطيع أوصاله

- ‌(2) العبث بجذور الأخلاق

- ‌(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي

- ‌(4) الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال

- ‌الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء

- ‌الوسيلة الثالثة: الاهتمام بالمرأة في مجالات العلم والثقافة والفن

- ‌الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة

- ‌الوسيلة الخامسة: استخدام الآداب والفنون

- ‌الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم

- ‌الوسيلة السابعة: استخدام المسكرات والمخدرات

- ‌الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب

- ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

- ‌الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: سياسة المستعمرين غير الأخلاقية

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي

- ‌الفصْل الثالث عشر الغزو بالمذاهِبِ الاقتصَادية

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) بين اتجاهين متباينين

- ‌(3) وسائل إيقاف نشاط غزو المذاهب المخالفة للإسلام

- ‌(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران

- ‌(5) قدوم المذاهب الاقتصادية المخالفة لنظام الإسلام

- ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

- ‌(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي

- ‌(8) مقارنة بين الأسس العامة للنظام الاقتصادي في الإِسلام والنظم الأخرى

- ‌(9) فرية ربط التخلف الصناعي بنظام الإسلام

- ‌(10) اصطناع المناخات المناسبة لتقبل الأفكار والمذاهب الغازية

- ‌(11) التعلُّل بعدم وجود دولة تطبق نظم الإسلام وتحميها

- ‌الفصْل الرابع عشر مَا تُعانيه الحَركات وَالمؤسَّسّاتُ الإسْلَاميَّة

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) الكمين والإثارة

- ‌(3) الفقر الذي تعاني منه المؤسسات والحركات الإسلامية

- ‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

- ‌الفصْل الأوّل شُبهَاتٌ حَوْلَ المثَاليّةِ وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثاني شُبهَاتٌ حَوْلَ الرُّوحيَّة وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثالث شُبهَاتٌ حَوْلَ بَعْض العبَادات في الإسْلَام

- ‌الفصْل الرابع شُبهَاتٌ حَوْلَ الزَّكَاةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الخامس شُبهَاتٌ حَوْلَ العُقوبَات في الإسْلَام

- ‌الفصْل السادس شُبهَاتٌ حَوْلَ الرِّقِّ في الإسْلَام

- ‌الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثامِن أجوبَة أسئِلة تَشكيكيَّة

- ‌القِسمُ الثالِث نَظَراتٌ عَامَّة حَوْل دَوافِع الغزو في الناسِ

- ‌الفصْل الأوّل دَوافع الغزو

- ‌(1) ربانية أو عدوانية

- ‌(2) الجهاد المقدس

- ‌(3) أهداف محاولات التسلط المادي المرتبط بالدوافع العدوانية

- ‌(4) تآزر الغزاة لتحقيق الأهداف المشتركة

- ‌الفصْل الثاني خلَاصَة وتوجيه لِلمسْلمين

- ‌(1) مقدمة

- ‌(2) العناصر الغازية

- ‌(3) نتائج حققها الغزاة

- ‌(4) خطوات العمل الحميدة

الفصل: ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

الأزهر يومئذ الدكتور الشيخ عبد الحليم محمود بما جاء في هذا المشروع أعلن استنكاره، ووجه التحذير منه.

وكشف الدكتور "عمر فروخ" في تقريره عما دار في المؤتمر خيوط المكيدة المدبرة ضدَّ اللغة العربية والإسلام، إذ قال في تقريره:

"وفي أثناء الجلسات الرسمية للمؤتمر، وفي الفترات المتعددة بين الجلسات، جرت بحوث واقتراحات وملاحظات، جعلتني أوجس خيفة شديدة من المشروع.... إن كل ما دار في مؤتمر برمّانا كان يولد فيَّ شعوراً بأن الغاية الأولى والأخيرة من المؤتمر الاهتمام بالعامية.... لقد حضر هذا المؤتمر عدد قليل من اللبنانيين، ونفر من العرب غير اللبنانيين، (وكثرة) من الأجانب، لفت نظري أن جلَّهم من الرهبان اليسوعيين....".

(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

من جيد الردود المنطقية التي ظهرت إبان دعوة "ولكوكس" وأنصاره إلى العامية وهجر العربية الفصحى، رد للأستاذ "إبراهيم مصطفى" إذ بيَّن فيه أن العربية الفصحى تحتل - بحسب صفاتها الذاتية واستناداً إلى المقارنات الموضوعية بينها وبين سائر اللغات - أرقى درجة من درجات الكمال التي تحتلها اللغات المنتشرة في العالم.

لقد أشار إلى ما قام به علماء اللغات من تقسيم اللغات على تباينها إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: لغات أحادية المقطع، وهي خالية من حروف المعاني، وعدد كلماتها أقل من غيرها بكثير، ولا تتغير صيغتها، ولا تدل على النوع أو الكيفية أو العدد أو الزمن أو النسب بين الأشياء، ولكن كل ذلك يفهم من

ص: 370

تكييف الصوت بهذه المقاطع في الكلام المنطوق، أما في الكلام المكتوب فيمكن فهمه من مكان الكلمة في الجملة، ومن أمثلة هذا القسم اللغة الصينية، وعدد كلماتها قليل جداً، إلا أن هذه الكلمات تنطق على وجوه صوتية مختلفة للدلالة على المراد، ويتطلب التمييز بينها مهارة خاصة في السمع، وقد يعبَّر في هذا القسم من اللغات عن المعنى الواحد بعدد من الكلمات، كأن يعبَّر عن معنى الأسرة مثلاً بما يلي:(زوج - زوجة - أولاد) .

القسم الثاني: لغات مزجية، وهي لغات تعتمد على ضمِّ الكلمات بعضها إلى بعض للدلالة فيها على النسب الزمانية والمكانية وغيرها، مع محافظة كل كلمة منها على صيغتها وشكلها ومعناها، فالمعنى الذي يمكن تأديته بكلمة واحدة يحتاج للدلالة عليه في هذا القسم من اللغات إلى سطر طويل، مؤلف من عدة كلمات مرصوصة، ومن أمثلة هذا القسم اللغة اليابانية.

القسم الثالث: لغاتٌ اشتقاقية، وهي لغات تكون الدلالة فيها على مختلف النسب المتعلقة بالزمان أو المكان أو العدد أو الكيفية أو النوع أو غيرها، بتغيير صور كلماتها عن طريق التصريف والاشتقاق، مع المحافظة على المادة الأصلية للكلمة، وللغات هذا القسم حروف معانٍ تربط الألفاظ والتراكيب بعضها ببعض، ومن أمثلة هذا القسم اللغة العربية الفصحى، واللغات الأوربية، ولكن اللغة العربية تحتل المرتبة الأولى بينها، لأنها تمثل حالة راقية من حالات التقدم الحضاري في الميدان اللغوي.

إن القسم الأول من هذه اللغات إنما يمثل طوراً بدائياً من أطوار الحضارة اللغوية، ولا يفي بالتعبير عن كل حاجات الأمم المتقدمة حضارياً، ويتبعه القسم الثاني فيمثل طوراً أرقى نسبياً من الطور الأول، وهو مع ذلك لا يفي كل الوفاء بالتعبير عن كل حاجات الأمم المتقدمة حضارياً، وأما القسم الثالث فهو القسم الذي يمثل أرقى تطورٍ لغوي يفي بالتعبير عن جميع المعاني التي تحتوي عليها الحضارات الراقية.

ثم أجرى مقارنة بين العربية الفصحى وسائر اللغات الاشتقاقية، فأثبت أن العربية امتازات بخصائص تجعلها من أليق اللغات وأكثرها تلبية لحاجات

ص: 371

العلوم، فمن خصائصها الأمور التالية:

أولاً: سعتها، أي: كثرة عدد مفرداتها، فبينما نجد عدد كلمات اللغة الفرنسية نحواً من خمسة وعشرين ألفاً، وعدد كلمات اللغة الإنكليزية نحواً من مئة ألف، ومعظم هذا العدد اصطلاحات علمية وصناعية، وبسبب غنى العربية وسعتها نجد فيها للمعاني الشديد التقارب كلمات خاصة بكل معنى منها، مهما كانت درجة التفاوت، وبذلك لا يكون محلٌّ للالتباس أو الإبهام اللذين هما آفة العلم والأدب.

ثانياً: توغلها في ميدان الاشتقاق، متابعة للمعاني المترابطة ببعضها، فللمادة الواحدة مصدر للدلالة على المعنى مجرداً عن الزمن، وأفعال بعضها يدل على المعنى مقترناً حدوثه بالزمن الماضي، وبعضها يدل على المعنى مقترناً حدوثه بالزمن الحاضر أو المستقبل، وبعضها يدل على المعنى مقترناً بالأمر بفعله، وللمادة أيضاً صيغة تدل على الشخص الذي فعل ذلك المعنى أو قام به، وتسمى اسم الفاعل، وصيغة أخرى تدل على المفعول به، وثالثة تدل على زمانه، ورابعة تدل على مكانه، وخامسة تدل على النسبة، وسادسة على التفضيل، وسابعة على التعجب، وثامنة على التصغير، وهكذا.

وليس في أية لغة من لغات العالم هذا الانطلاق اللغوي المترابط في ميدان الاشتقاق اللفظي، المناظر والمناسب لترابط المعاني فكرياً.

ثالثاً: معظم مشتقاتها تقبل التصريف إلا فيما ندر منها، وهذا يجعلها في طوع أهلها أكثر من غيرها، ويجعلها أيضاً أكثر تلبية حاجة المتكلمين.

وبهذا نستطيع أن نجعل اللغات العالمية مرتبة من الأدنى إلى الأعلى على الوجه التالية:

1-

اللغات أحادية المقاطع، وهي في المرتبة الدنيا.

2-

اللغات المزجية، وهي في المرتبة الثانية.

3-

اللغات الأوربية، وهي في المرتبة الثالثة.

ص: 372

4-

العربية الفصحى، وهي أرقى اللغات وأمثلها بالعلم.

وعلى هذا التحليل العلمي المتين كان ردّ "إبراهيم مصطفى" على خصوم العربية الفصحى، إذن فالذين يحاولون أن يحلو العامية محلها يريدون أن ينحطوا بالأمة العربية في ميدان الحضارة اللغوية، إضافة إلى أغراضهم الأخرى الرامية إلى فصل المسلمين عن مصادر الإسلام، وتجزئة الأمة العربية.

أما الحجج الواهية التي يلوكها خصوم العربية الفصحى في محاولتهم إحلال العاميات محلها فلا تستطيع أن تقف في وجه حقيقة اللغة العربية إلا موقف اللص الجبان، الذي يحاول أن يسرق الإنسان من نفسه، ويجعله يتنازل طائعاً عن جزء من كيانه، وعنصر من عناصر قوته. إن حججهم لا تعدو أن تكون مخادعة كلامية لا أساس لها من الحقيقة.

وما مثل خصوم العربية الفصحى إلا كمثل جاسوس قوم معادين محاربين، اندسَّ بين صفوف قوم آمنين مسالمين، وكان لهؤلاء القوم المسالمين ميراث عظيم من قوة الحرب وآلاته، ولكن القليل منهم الذين يحسنون استعمال هذه الآلات العظيمة التي لا يملك العدو نظيرها، فلبس هذا الجاسوس الثعلب المندس فيه ثياب الناصحين، وجعل يطوف بين صفوفهم ويقول: إن هذه الآلات الحربية المخزونة عندكم معقدة وصعبة الاستعمال، والقليل منكم هم الذين يحسنون استعمالها، وإنكم إذا تركتكم هذه الآلات الصعبة جانباً، واستعملتم الأسلحة التي يُحسن استعمالها كل فرد فيكم، وهي العصي والسكاكين والحجارة، فإنكم ستتقدمون وتضاهون أعداءكم في قوتهم، لأن كل فرد منكم سيساهم في عمل من أعمال الدفاع على قدر استطاعته، وسينبغ بذلك فيكم أفذاذ قوة وأبطال شجاعة، وبهذه الطريقة ستتهيأ للجميع فرصة الاشتراك في إحراز التقدم، وإني ناصح لكم.

ثم أخذ هذا العدو المندس يكرر هذا الكلام، ويعيده مرة تلو المرة، ويقلبه على عدة وجوه.

فهل يقبل كلامه هذا أحدٌ من العقلاء المخلصين لأمتهم؟

ص: 373

هيهات.... ولكن سيقول الجميع إننا سندرب القادرين والقادرات من رجال أمتنا ونسائهم على استعمال هذه الآلات الحربية الضخمة التي يحويها ميراثنا العظيم، ولأن نؤخر المعركة مع عدونا مدّة من الزمن بالمطاولة والمراوغة، حتى نحسن استعمال ما لدينا من آلات حربية معقدة، خير لنا من أن نعرض أنفسنا لمواجهة التهلكة، إذ نخوض معارك القرن العشرين بأسلحة القرون الأولى من حجارة وعصيٍّ وسكاكين.

وما أظنني قد بالغت في ضرب هذا المثل، لإبانة وجه المكر الذي تنطوي عليه الدعوة التي أخذت تحاول أن تخدع الأمة العربية الإسلامية، لتهجر العربية الفصحى، لدى كتابة العلوم والآداب، ولِتُحِّل محلها العاميات المختلفة فيما بينها اختلافاً كبيراً، ولتستبدل الرسم اللاتيني برسمها.

وقد انكشف لنا تماماً أن هدف العدو من ذلك أن يقطع الصلة بين الأمة العربية الإسلامية وبين تاريخها ودينها وعلومها، ويقيم الحواجز اللغوية الغليظة بين أبناء الأقاليم والأقطار العربية، كما أقام بينهم من قبل الحواجز السياسية المصطنعة، وغاية ما لدى ثعلب النصيحة من حجج ما يلي:

الحجة الأولى: أن كثيراً من سكان الأقطار العربية لا يحسنون الكتابة والقراءة بالعربية الفصحى.

وقد غدت هذه الحجة بعد أقل من نصف قرن حجة ساقطة، إذ أخذت العربية المنضبطة وفق قواعد الفصحى تنتشر بين الأجيال العربية الحديثة، انتشاراً مواكباً لانتشار العلم بينها، حتى أصبح العامي الذي لا يحسن العربية الفصحى يمج بالذوق استماع النص الملحون، من الخطيب أو المحاضر أو مذيع الراديو، ويحسُّ بأن فيه خللاً وإن كان لا يعرف وجه ذلك الخلل.

الحجة الثانية: أن الاكتشافات العلمية والمخترعات الحديثة كثيرة، وليس في العربية الفصحى كلمات تدل عليها.

ويبدو أن هذه الحجة في منتهى الضعف أيضاً، وردها يكون من وجهين:

أولهما: أن لغات العالم كلها بما فيها العاميات الشائعة في الأقطار العربية، ليس فيها كلمات تدل على ما يحدث من مكتشفات علمية ومخترعات حديثة، وهي تلجأ إلى إدخال مصطلحات حديثة على لغاتها لتدل عليها.

وثانيهما: أن العربية الفصحى فاتحة بابها لضم أية مصطلحات جديدة لمعان علمية مبتكرة، وأسماء لمخترعات حديثة، مثلما اتسعت في عصور التدوين لألوف من المصطلحات النحوية والصرفية والبلاغية والفقهية والفلسفية والطبية والكيميائية والفيزيائية وغيرها.... وكل هذه المصطلحات لم تكن معروفة قبل العصور الإسلامية، والمجامع العربية مسؤولة عن توحيد المصطلحات الحديثة، واختيار الألفاظ العربية المناسبة للمستحدثات من المعاني الفكرية، والأشياء المادية، ومسؤولة عن تعميمها على الأقطار العربية.

ص: 374