الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا دخلنا محاكم القضاء في معظم البلاد الإسلامية وجدنا روح القوانين الأوربية هي النافذة فيها، وإذا دخلنا في أي مجال اقتصادي وجدنا أسس النظم الاقتصادي الأوربيّة اليهودية هي السائدة والمهيمنة على كل شيء فيها، وإذا راقبنا الأسس القائمة عليها سياسة معظم هذه البلاد الإسلامية وجدناها أسساً أوربية شرقية أو غربية، بعيدة عن الأسس الإسلامية التي كان بها مجد المسلمين وعزهم، وما زال تحقيق مجدهم وعزهم رهناً بتطبيقها.
وإن يوم الخلاص من تسلط أعداء الإسلام على المسلمين هو يوم عودة المسلمين إلى تطبيق نظم دينهم الشاملة لنواحي حياتهم كلها دون تجزئة، أو مساومة أو نفاق.
(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية
عقب خطة التحوير الذي دسه أعداء الإسلام في عبارة: (الدين لله) واستغلال هذا التحوير لتسلل القوانين الوضعية؛ واحتلالها معظم أجهزة الحكم والإدارة في البلاد الإسلامية، ومعظم مجالات الحياة فيها، وفي مرحلة من مراحل الغزو المباشر على الشريعة الإسلامية، اتجهت السلطات الاستعمارية إلى تغيير أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية في بلاد المسلمين، وإحلال قوانين مدنية غير إسلامية محلها، واتخذت لذلك وسائل مختلفة شتى.
ومن أمثلة ذلك ما فعلته السلطة الاستعمارية الفرنسية التي كانت تحكم سورية أيام الانتداب، إذ أصدرت قراراً بقانون يتعلق بالأحوال الشخصية، ليطق على الرعايا السوريين جميعاً مسلمين وغير مسلمين، واشتهر هذا القانون في حينه باسم قانون الطوائف.
وقد تضمن هذا القانون أحكاماً تناقض أحكام الشريعة الإسلامية، فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، إذ يسمح بموجب أحكام هذا القانون لأي رجل من أية طائفة أن يتزوج بأية امرأة، دون أن يستطيع أولياء المرأة الاعتراض على هذا
الزواج بمخالفته أحكام الشريعة الإسلامية، إلى غير ذلك من مواد تقنينية مسايرة للقوانين المطبقة في فرنسا.
وضج علماء المسلمين من هذا القانون، وتحركت الجماهير المسلمة بقيادة علمائها ثائرة عليه، مستنكرة له، تطالب بإلغائه فوراً، وتنذر بقيام ثورة، واضطرت السلطات المستعمرة إلى إلغائه قبل أن يوضع موضع التنفيذ، وانطوت صفحة من صفحات كفاح المسلمين.
وللتاريخ أذكر أن الذي أثار الحركة وقادها في حينها والدي سماحة الشيخ حسن حبنكة الميداني، وقد أيدته الجماهير المسلمة، وكتب الله له النصر في المعركة وتم إلغاء قانون الطوائف.
ولكن الدوائر الاستعمارية عملت ما هو أدهى وأمرّ من فرض أنظمتها وقوانينها بقرارات تصدرها هي، فقد قامت بتربية جيل حديث داخل صفوف المسلمين، متحلل من الإسلام، غير عابئٍ بأحكامه وشرائعه، يعمل على وضع قوانين وأنظمة للبلاد الإسلامية أفحش من قانون الطوائف الذي ثار عليه المسلمون من قبل، ويأتي إلى أسس الدين الإسلامي وأصوله، فيقتلعها من جذورها، ويضطهد علماء المسلمين، الذين كافحوا الاستعمار بالأمس، وقاوموه أشد المقاومة، وأججوا عليه نار الثورات التي نغصت عليه مقامه في البلاد.
وهكذا نفذ أعداء الإسلام ما يريدونه في المسلمين، دون أن يباشروا بأيديهم لهيب النار، أو يمسوا جمراتها، واتخذوا لذلك الوسائل الهادئة، والخطوط الطويلة الأمد، التي تحقق أغراضهم بعد حين، بينما تكون ضحاياهم غافلة عما يمكرون، مشغولة في دوامة المظاهر الغوغائية الخادعة، التي لا تلبث أن تجد نفسها في الفخ الذي نصبه العدو، لينطبق على فريسته في اليوم المقدر له. إنه لون عجيب من ألوان الكيد الذي يدبره أعداء الإسلام على اختلاف اتجاهاتهم، وتعدد بلدانهم، وينفذونه في صفوف المسلمين تنفيذاً بارعاً،! لا تنكشف فيه يد المجرم الحقيقي.
أما الذين يباشرون الجريمة فما هم في نظر العدو إلا أدوات، إن سلمت فربما سر العدو سلامتها ليتابع استخدامها مرة أخرى، وإن لم تسلم لم يحزن