الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تفهم الجماهير المسلمة له، ولكن الأنظمة الأخرى التي غزت عالمنا الإسلامي قد استخدم الغزاة في نشرها جميع أسلحة القرن العشرين الإعلامية، وأسلحة أخرى غير إعلامية، فيها من الضغط الشديد على المسلمين ما تنهار أمامه الجدران المتآكلة في واقعهم.
من أجل ذلك اقتضت ظروف المقاومة الحديثة مقابلة السلاح بمثله أو بما يقاربه، ومن أجل ذلك اقتضت الحرب الفكرية الحديثة تجنيد كل طاقات المسلمين الفكرية، لإبراز نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال كسباً وإنفاقاً واستثماراً، بالأسلوب المشرق الذي تبدو الأنظمة الأخرى أمامه كما يبدو قزم قميء ضعيف أمام عملاق وسيم الطلعة ذي بأس شديد، أي: تبدو كما هي في واقع حالهم، ويبدو نظام الإسلام كما هو في واقع حاله.
ومن الحسن في تجنيد هذه الطاقات الفكرية بذل الجوائز السخية للعاملين في هذا الميدان، وتشكيل اللجان المتنوعة، من باحثين إسلاميين، ومن ذوي علم واسع وخبرات طويلة في شؤون المال والاقتصاد والاستثمار في مختلف بلدان العالم الإسلامي، يرافقها مؤتمرات عامة للمناقشة والبحث، ثم تختم بلجان عليا للتنسيق والتصفية، ثم يصدر عنها الإعلان النهائي بتحديد الأسس العامة لنظام الإسلام المتعلق بشؤون المال، والتوصيات بمشاريع قوانين إسلامية، تعالج مشكلات العصر المتعلقة بهذا الجانب من جوانب نظم الحياة.
(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران
إن مثل الإسلام في عقائده ومبادئه ونظمه كمثل صراط مستقيم على قمة المفاهيم للحقائق الكبرى، وللفلسفة الراقية لحياة الإنسان بدءاً ومعاشاً ومعاداً، وهو الارتفاع الأسمى البارز من الخط الوسط، ولهذا الصراط جانبان عن اليمين وعن اليسار، فمن تجاوز يمين الصراط أخذ يتجه منحدراً من وراء اليمين ومن تجاوز يسار الصراط أخذ يتجه منحدراً من وراء اليسار، وغاية كلا
الانحدارين الوصُولُ إلى السحيق المليء بالعذاب الأليم، البعيد البعيد عن الطريق الموصل إلى رضوان الله وسعادة الدارين، الدنيا والآخرة، طريق الله الحق الذي يبدأ في دار الدنيا بالعمل الصالح والتزام شريعة الله، وينتهي في الجنة بالجزاء الأوفى عند مليك مقتدر كريم.
وفي نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال نجد هذا الصراط الذي حددت شريعة الله جانبيه، وحذرت من تجاوز حدّيه، وأنذرت من تسوِّل له نفسه المعصية والمخالفة بالخسران في الدنيا والعقاب في الآخرة.
وفي المنحدر من وراء يمين هذا الصراط تجد شتى المذاهب الاقتصادية المسماة بالمذاهب الرأسمالية، وفي المنحدر من وراء يسار هذا الصراط نجد شتى المذاهب الاقتصادية المسماة بالمذاهب الاشتراكية.
وليس الإسلام في نظامه شيئاً من هذه ولا من تلك، ولكنه نظام فذ متكامل بذاته، ربما نجد في بعض أجزاء الأنظمة الرأسمالية شبهاً ببعض أجزاء منه، وربما نجد أيضاً في بعض أجزاء الأنظمة الاشتراكية شبهاً ببعض أجزاء منه، ولكنه في مجموعة كائن مستقل نابض بحياة راقية قويمة.
ولست أجد لهذا التشابه الجزئي بينه وبين أجزاء من الأنظمة الأخرى، مثلاً أقرب من التشابه الذي نلاحظه بين الإنسان المخلوق في أحسن تقويم، وبين المخلوقات الأخرى المنحدرة عنه في المرتبة التكوينية انحداراً كبيراً.
فلو أن جماعة من الذئاب المفترسة الغادرة حاولت أن تثبت أنها هي الكائن الأقوم بين الحيوانات، واستغلت قوة بطشها أمام عائلة بشرية ضعيفة منعزلة في طرف غابة الذئاب، وفرضت عليها أن تنضم إلى فصيلة الذئاب، أفيجعلها من فصيلة الذئاب وجود التشابه بين الإنسان والذئب، في أن لكل منهما عينين وأذنين، ولساناً وشفتين؟ أم يظل الإنسان كائناً غير الذئب ولو كان بينهما تشابه في كثير من أجزاء الجسد؟.
إن أحداً لا يمكن أن يقبل هذه الفرية المستندة إلى حجة هذا التشابه الجزئي.
لكننا مع الأسف نجد في المسلمين من ينطلي عليهم مثل هذا التحوير والتحريف في الحقيقة، بالنسبة إلى نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال، والأنظمة الأخرى التي هي من أوضاع الناس.
وأعداء الإسلام يحاولون أن يتصيدوا بعض المسلمين، إلى اعتناق مذاهبهم بشبكة التشابه الجزئي بين النظام الإسلامي والأنظمة الأخرى.
فأصحاب النظم الرأسمالية يتصيدون بهذه الشبكة بعض المسلمين لتطبيق نظامهم، وأصحاب النظم الاشتراكية العلمية الملحدة يتصيدون بهذه الشبكة أيضاً بعض المسلمين لتطبيق أنظمتهم الاشتراكية العلمية، وليس الإسلام في حقيقة نظامه المتعلق بشؤون المال باشتراكي ولا برأسمالي، وإن كان لكل منهما شبه ببعض ما في الإسلام.
فالذي يقول: رأسمالية الإسلام، أو اشتراكية الإسلام، معتمداً في ذلك على بعض التشابه الجزئي، يقع تحت تأثير وهْمٍ كبير، وهذا القول شبيه في مضمونه بقول قائل: ذئبية الإنسان، معتمداً في قوله هذا على وجود أجزاء متشابه بين الإنسان والذئب، كوجود العيون مثلاً في كلٍّ من النوعين.
وسبب الوقوع في هذا الوهم عدم تصور الوحدة التامة المتكاملة في نظام الإسلام، المباينة في هيئتها التركيبية للأنظمة الأخرى.
لذلك كان على الباحثين أن يعرضوا نظام الإسلام عرضاً كاملاً، يبين حقيقته المستقلة الفذة، التي اختارها الله في شريعته لعباده.
وشاعت المغالطات الخطيرة، التي أخذ مطلقوها يحاولون صبغ الإسلام بصبغة مذاهبهم، ليسهلوا نفوذ مذاهبهم إلى صفوف المسلمين، دون أن تصطدم بعقبة معارضة المسلمين لها، بوصفها تناهض مبادئ الإسلام، وتسعى إلى تقويض دعائمه.
وحاول أنصار كل مذهب من هذه المذاهب أن يجد في الإسلام تأييداً لجانب من جوانبها، ليلبِّس بذلك على المسلمين، ويجعل الإسلام وكأنه صاحب هذه المذاهب، أو يوافق عليها.
وفي دوامة هذه المغالطات الرامية إلى تشويه حقيقة الإسلام، واصطناع الجو الملائم لتسلل المذاهب المخالفة له إلى صفوف المسلمين، نجد مثلاً في مجموعة المذاهب الاقتصادية المتعارضة في العالم، أن أنصار المذاهب الرأسمالية في البلاد الإسلامية يختبؤون وراء الإسلام ليحميهم من هجمات أنصار المذاهب الاشتراكية، ويدرأ عنهم ضرباتها، بحجة أن الإسلام يعترف بالملكية الفردية ويحميها، ويفسح مجال حرية العمل والكسب والتجارة، ولا يسد أبواب المنافسة الشريفة في تحصيل الثروات، كما أن أنصار المذاهب الاشتراكية يقدمون الإسلام إلى الصف الأول في معركتهم مع أنصار المذاهب الرأسمالية، بحجة أن الإسلام يحتوي على مبادئ اشتراكية تتجه إلى تحقيق العدالة بين الناس.
وبين صراع الرأسماليات والاشتراكيات التي يزج كل منهما بالإسلام في أتون معركتهما، يتلقى الإسلام في بلاد المسلمين معظم الضربات، مع أن الإسلام بريء من الفريقين المتصارعين، وأي منهما انتصر فالإسلام خاسر، وإن صح وجوده في حلبة الصراع فإما أن يكون فريقاً وحده ضد الفريقين معاً، وإما أن يكون حكماً عدلاً يسجل على كل فريق منهما خطأه وصوابه، ويحاول أن يرد كل مخطئ إلى وجه الصواب. ولكن مسكين هذا الحَكَم العدل ذو العقل الراجح الناضج في الجسم واهن ضعيف، لا يقوى على كبح جنون المتصارعين، وقد تآمرت عليه أندية الفريقين ليقوضوا دعائم مدرسته القديمة، التي لو تهيأ لها أن تنهض نهضة حديثة لأخذت بطولة العالم.
مسكين هذا الحَكَم العدل على الأنظمة في العالم، يتَترَّسُ به الرأسماليون في بلاد المسلمين، فيتلقى ضربات الاشتراكيين على الرأسمالية، ويتترس به الاشتراكيون، فيتلقى ضربات الرأسماليين على الاشتراكية.
فمن للإسلام يحمله باسمه الحقيقي، وتطبيقه الحقيقي، حتى يستطيع أن يصرع به سائر الأنظمة في العالم، وينال به كأس البطولة التاريخية، التي لا ينافسها منافس على مر العصور، مع سعادة الدنيا للفرد وللجماعة الإنسانية، وسعادة الأخرى بالظفر برضوان الله والجنة، والنجاة من سخط الله والنار؟؟.
إن الإسلام الرأسمالي وفق مفهوم الرأسماليين إسلام مزيف، أرادوا أن