الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على أنه ليس من المستحيل أن تتحول كثبان الرمل إلى جبال راسخة متينة ، تصمد في وجه العاتيات من الريح ، ولكن يشترط لذلك شروط يعرفها البناؤون بالإسمنت المسلح. وعلى مثل ذلك يكون للكثبان المفككة من البشر ، فإن المادة التي تعقد بينها هي الأخلاق الإسلامية الفاضلة ، المدفوعة بقوة الإيمان بالله واليوم الآخر ، ويتم ذلك بإعادة بناء الأخلاق الإسلامية في هذه المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام وتترعرع في أمجاده ، وهذه المادة العظيمة المدفوعة بهذه القوة الهائلة تحتاج إلى وسيط يحلل عناصرها ، ويحكم تغلغلها في الأفراد ، وارتباط بعضها ببعض ، ألا وهو وسيط التربية والتعليم على الأصول الإسلامية ، يضاف إلى ذلك شبكة حكم قوي إداري حازم تشبه شبكة القضبان الحديدية في أبنية الإسمنت المسلح ، وذلك لحماية الأمة من الهزات السياسية أو الاقتصادية العنيفة ، التي قد تكسر من تماسكها ، وتقطع من أوصالها وروابطها.
(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي
وكان من أخطر أنواع الغزو الذي غزتنا به جيوش الأعداء ما فعلته من تهديم للأخلاق الفاضلة وأنواع السلوك الإسلامي ، وقد هيأ هذا الغزو الخطير المجتمعات الإسلامية لتقبل الوافدات الفكرية من كل جهة. وقلب الأوضاع الاجتماعية للمسلمين رأساً على عقب، وجعل كثير منها صورة للنقائص الموزعة في البيئات المعادية للإسلام، شرقية أو غربية.
ولو كان الأمر واقفاً عند حدود اقتباس ما هو نافع ومفيد منها، مما فيه تقدم علمي أو صناعي أو تحسين مدني، وطرح ما هو ضار ومفسد مما هو منافٍ لمكارم الأخلاق ومخالف للعقائد الحقة لكان الأمر من الفضائل التي يدعو إليها الإسلام.
لكن الأمر قد كان في بعض الأحيان اقتباساً عاماً للنافع والضار، وتبعية عمياء، وكان في معظم الأحيان اقتباساً للضار فقط، مما تنزلق إليه الشهوات
والأهواء، فالناظر في معظم المجتمعات الإسلامية يلاحظ مباينة معظم أخلاقها وعاداتها لمكارم الأخلاق التي يحث عليها الإسلام، ويفرض على أتباعه التزامها، والتقيد بحدودها، وكان من عوامل هذا الانحطاط الخلقي سياسة الغزاة الذين وضعوا أيديهم على معظم بلاد المسلمين حقبة من الدهر، وانغماس المسلمين في الدعة والترف وشؤون دنياهم الخاصة، وانشغالهم بالتنازع والخلاف، وتعلقهم بالدنيا، وإخلادهم إلى الأرض، وغفلتهم عن الله والدار الآخرة.
لقد وجد الأعداء الغزاة أن الأخلاق الإسلامية التي هي من الظواهر التطبيقية للإيمان بالله واليوم الآخر، من أكبر العوامل الفعالة التي منحت المسلمين قوتهم الهائلة في تاريخهم المجيد، فأرادوا أن يهدموا فيهم هذه العوامل، ليوهنوا قوتهم، ويشتتوا شملهم، فعملوا على أن يقذفوا في المجتمعات الإسلامية العناصر الفكرية والسلوكية التي تفسد تماسكها الاجتماعي، وتقطع الأربطة التي تعقد الصلات المحكمة ما بين وحداتها، وتسلبها سر قوتها.
وقد سلكوا لتحقيق هذا الهدف طريقين:
الطريق الأول: التضليل الفكري الذي ينشأ عنه تغيير في السلوك، لأن العوامل الفكرية ذات أثر فعال في النفس الإنسانية، والنفس الإنسانية هي مصدر التوجيه إلى أنواع السلوك المختلفة في الحياة، ويدخل في هذا الطريق جميع عناصر الغزو الفكري الذي جندوا له قسطاً كبيراً من طاقاتهم العلمية والإعلامية. وأخطره الخطط الماكرة الموجهة لتنشئة الأجيال التنشئة المعادية للإسلام عقيدة وعملاً، منذ نعومة أظفارهم، في المدارس، وفي المنظمات الخاصة والعامة.
الطريق الثاني: الاستدراج إلى الانحراف السلوكي وأخطر صوره، الغمس في البيئات الفاسدة، وإيجاد المناخات المفسدة المضلة، التي تسري فيها العدوى سريان النار في الهشيم.