الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أمثلة ذلك الفتن الطائفية التي أشعلوا نيرانها في النصف الثاني من القرن العشرين في لبنان ، والفتن التي يوقدون نيرانها في الهند.
وإلى جانب هذه الأعمال التي سجلها التاريخ على المستعمرين ، تقدم لنا السجلات حشداً كبيراً من أقوال المبشرين والمستشرقين ، الدالة على اهتمام الأجنحة الثلاثة بالتسديد على هذا الهدف الخطير ، فمن أقوالهم الكثيرة ما يلي:
1_
يقول "لورانس براون" وهو أحد زعماء المبشرين ، في كتابه "الإسلام والإرساليات":"إذ اتحد المسلمون في امبراطورية عربية أمكن أن يصبحوا لعنة على العالم وخطراً ، وأمكن أن يصبحوا نعمة له أيضاً ، أما إذا بقوا متفرقين فإنهم يظلون حينئذ بلا قوة ولا تأثير".
2_
ويقول القسيس "كالهون سيمون" وهو أحد زعماء المبشرين: "إن الوحدة الإسلامية تجمع آمال الشعوب السود ، وتساعدهم على التملص من السيطرة الأوربية ، ولذلك كان التبشير عاملاً مهماً في كسر شوكة هذه الحركات ، ذلك لأن التبشير يعمل على إظهار الأوربيين في نور جديد جذاب ، وعلى سلب الحركة الإسلامية من عنصر القوة والتمركز فيها".
وعلى هذا النسق تسير أقوالهم التعليمية ، ونصائحهم ، وتوجيهاتهم ، وتوصياتهم ، لعناصر العمل في مؤسساتهم وجمعياتهم ، وللقوى العسكرية والسياسية الاستعمارية ، وذلك لتلتقي الأجنحة المختلفة المهمات على هدف تفتيت وحدة المسلمين ، وتجزئة دولهم إلى دويلات صغيرة لا حول لها ولا طول ، مع تمكين الخلاف والفرقة بينها ، وإثارة النعرات القومية والإقليمية والطائفية والمذهبية ، وشحنها بالمقدار المدمر من الحقد والكراهية والبغضاء ، ومدها بمختلف عناصر الخلاف وتباين المصالح.
(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين
جاء في كتاب (الحياة السرية للورنس العرب) ما يلي:
"ذكر الكولونيل لورنس في تقريره الذي رفعه إلى المخابرات البريطانية في
كانون الثاني (1916م) بأن أهدافنا الرئيسية تفتيت الوحدة الإسلامية ، بدحر الإمبراطورية العثمانية وتدميرها ، وإذا عرفنا كيف نعامل العرب فسيبقون في دوّامة الفوضى السياسية ، داخل دويلات صغيرة حاقدة متنافرة غير قابلة للتماسك". هامش
وقد سلك المستعمرون شتى الوسائل الماكرة للتفريق بين المسلمين وبث عوامل التجزئة.
فكان من صور هذه الوسائل التي مهروا اصطناعها في بلاد المسلمين ، أنهم إذا أرادوا تنفيذ أمرٍ يثير النقمة الشديدة في بعض البلاد الإسلامية التي استعمروها أمروا بعض موظفيهم من بلد آخر واقع تحت سلطانهم ، أن يباشروا تنفيذ هذا الأمر المثير للنقمة ، فيذهب هؤلاء الموظفون وهم يجهلون سياسة المكر التي يدبرها المستعمرن ، فيقومون بتنفيذ ما أمروا به ، وحينما تشتد النقمة وتبلغ غايتها ، تتدخل السلطات الاستعمارية ، فتعرب عن سخطها واستنكارها لما حصل من بعض موظفيها ، وتحمل موظفيها الذين أرسلتهم هي مسؤولية إساءة التصرف ، وتتبرّأ من الأمر ، كما وصف الله الشيطان بقوله في سورة (الحشر / 59 مصحف / 101 نزول) :
{ {
كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} .
وتنطلي الخديعة على الجماهير التي ليس لها بصر بألاعيب السياسة فتشحن قلوبها بالضغينة على هؤلاء الموظفين ، ومع تكرار مثل هذه الحوادث تنصب النقمة على جميع سكان البلد الذي ينسب إليه هؤلاء الموظفون ، ومع الزمن يتولد بين رعايا البلدين حقد موروث ، أو شقاق مستحكم ، يجني المستعمرون منه ثمرة الاستقرار والسيادة على الأجزاء المتفرقة ، التي قذفوا بينها عوامل العداء والشقاق.
ومن أمثلة ذلك ما كان يفعله الاستعمار الإنكليزي ، إذ يأمر بعض
موظفي الشرطة أو الجيش من المصريين بتنفيذ أمر على بعض السودانيين ، وهذا الأمر يثير النقمة ، كأمر مصادرة ، أو تحصيل ضريبة ، أو قبض على ذي وجاهة دينية أو اجتماعية أو سياسية ، يقلق راحة السلطات المستعمرة ، بنضاله ضد أعمالهم المسيئة لأهل البلاد ، وتشدد هذه السلطات المستعمرة أوامرها الموجهة لهؤلاء الموظفين بأن يستعملوا كل ما في أيديهم من قوة وحزم وخشونة ، ويدعون النقمة تربو حتى تبلغ أشدها ، وحينما يلاحظون بوادر انفجار النقمة ، يرسلون إلى الناقمين من يقنعهم برفع الشكوى إلى صاحب السلطة العليا الإنكليزي ، وذلك لينظر في أمرهم ، ويدفع عنهم عنت موظفي الشرطة أو الجيش ، وحينما يرفعون إليه شكواهم مما حصل ، ويشدد تعنيفه لموظفي الشرطة أو الجيش المصريين ، وهم الذين باشروا الأمر المثير للنقمة ، ليوهموهم أن هذا التصرف تصرف مصري لا تصرف استعماري ، وبذلك يلقون في قلوب السودانيين جرثومة الكراهية الشديدة التي تباعد الشقة بين المسلمين.
ويفعل المستعمرون مثل ذلك بين سكان مدينة وسكان مدينة أخرى داخل قطر واحد ، وبين سكان المدن وسكان الريف ، كأن يسلطوا الموظفين الدمشقيين على سكان مدينة حلب ، والعكس ، والموظفين البغداديين على سكان الموصل ، والعكس ، والموظفين القاهريين على سكان الاسكندرية ، وكذلك العكس ، والموظفين من سكان المدن على سكان القرى وسكان البادية ، وكذلك العكس.
وهكذا بين كل بلد وبلد ، وبين كل مدينة وقرية ، وبين كل حي وحي آخر ضمن البلد الواحد ، وكذلك يفعلون بين المنتسبين إلى قوميات مختلفة ، مع اشتراكهم في وحدة دينية ، تفريقاً بين المسلمين ، فيسلطون الشراكس أو الأتراك أو الأكراد على العرب ، ويسلطون العرب على الشراكس أو الأتراك أو الأكراد كي يملأوا قلوب كل قوم منهم بالحقد والضغينة على المنتسبين إلى القوميات الأخرى ، إذ يوهمونهم أن الأذى الذي أصابهم لم يكن من أوامر المستعمرين المشددة ، وإنما كان من دوافع خاصة لدى القوم الذين يباشرون التنفيذ.