المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌القسم الثاني الغزو بالهجوم المباشر على الإسلام - أجنحة المكر الثلاثة

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف [ووالده]

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى

- ‌الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌1ـ مولده ونسبه:

- ‌2ـ نشأته وطلبه للعلم:

- ‌3ـ مرحلة الدعوة والتعليم:

- ‌4ـ أسلوبه في التعليم:

- ‌5ـ مشاركاته العلمية:

- ‌6ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:

- ‌7ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:

- ‌8 ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:

- ‌9 ـ صفاته التربوية:

- ‌10 ـ وفاته:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌مولده وتعليمه:

- ‌من مؤلفاته:

- ‌من آرائه ومواقفه التاريخية:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

- ‌دعاء

- ‌القِسمُ الأول الغَزوُ بالحِيَل وَوَسَائل المَكْرِ غَيْر المبَاشِرَة

- ‌الفصل الأوّل من القسم الأول مقَدِّمَات عَامَّة

- ‌(1) الحروب الصليبية وخيبتها وتحول اتجاهها

- ‌(2) الغزو الفكري وخطره

- ‌(3) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري

- ‌(4) المهمات الرئيسية لأعداء الإسلام

- ‌(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري

- ‌(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري

- ‌(7) تعريفات للأجنحة الثلاثة

- ‌(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية

- ‌الفصْل الثاني المبشِّرون وأعمالهمْ

- ‌1- عرض موجز لتاريخ التبشير وأعمال المبشرين

- ‌(2) مؤتمرات المبشرين

- ‌(3) مجالات أنشطة المبشرين

- ‌(4) التآزر بين المبشرين والمستعمرين

- ‌الفصْل الثالث المستَشرقون وَأعمَالهمْ

- ‌(1) تعريف عام بالاستشراق والمستشرقين

- ‌(2) موجز تاريخ الاستشراق

- ‌(3) مدارس الاستشراق

- ‌(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم

- ‌(5) مجالات أنشطة المستشرقين

- ‌(6) أخطر وسائل المستشرقين الفكرية

- ‌(7) موازين البحث عند المستشرقين

- ‌(8) الجامعات الغربية وأثر المستشرقين فيها على المسلمين

- ‌(9) مقارنة بين التبشير والاستشراق وأعمالها

- ‌(10) المستشرقون يدركون قدرة الإسلام الذاتية

- ‌الفصْل الرابع الاسْتِعْمَار وَالمُسْتَعْمِرُون

- ‌(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار

- ‌(2) الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية العربية

- ‌(3) الاستعمار البريطاني للهند وآثاره

- ‌(4) أبرز أعمال الكيد التي قام بها الاستعمار في بلاد المسلمين

- ‌(5) وثيقة من دولة استعمارية لنصارى وطنيين

- ‌الفصل الخامس عناصر التلاقي والأهداف والأعمال المشتركة

- ‌(1) الالتقاء على الكراهية والحقد

- ‌(2) الالتقاء على كسب المغانم

- ‌(3) الالتقاء على محاربة الإسلام وتطبيقاته

- ‌(4) محاولات الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين

- ‌(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السادس وسائل الغزاة وحيلهم

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) وسائل الغزو غير المسلح

- ‌(3) شرح الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: الوجوه المستعارة

- ‌الوسيلة الثانية الخداع السياسي

- ‌الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي

- ‌الوسيلة الرابعة: الحصار الاقتصادي

- ‌الوسيلة الخامسة: الحصار العلمي والثقافي

- ‌الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي

- ‌الوسيلة السابعة: التمييز العنصري والقومي

- ‌الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري

- ‌الوسيلة التاسعة العبث النفسي

- ‌الوسيلة العاشرة: حيل السلب المالي

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: الإفساد الاجتماعي

- ‌الوسيلة الثانية عشرة الإفساد الخلقي والسلوكي

- ‌الفصْل السّابع منْ وَسَائل الغزو الفكري: التفريغ وَالملء

- ‌(1) مقدّمة

- ‌(2) عناصر الخطة

- ‌(3) وسائل التفريغ

- ‌(4) عمليات ملء الفراغ

- ‌(5) تسخير الجيش الجديد من أبناء الأمة

- ‌الفصْل الثامِن خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام

- ‌(1) خطة وغرض

- ‌(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله

- ‌(3) سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر

- ‌(4) محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله

- ‌الخطة الأولى: خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام

- ‌الخطة الثانية: خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل

- ‌الخطة الثالثة: اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي

- ‌الخطة الرابعة: اصطناع الفرق العميلة الأجيرة

- ‌الخطة الخامسة: خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة

- ‌الخطة السادسة: خطة التوريط والإحباط، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز

- ‌(5) محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة

- ‌(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية

- ‌(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة

- ‌(8) حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم

- ‌(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها

- ‌(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها

- ‌(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية

- ‌الفصْل التاسِع الغزاة وأعمالهم في هدم وحدة المسلمين

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) التجزئة باستغلال الخلافات السياسية

- ‌(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر

- ‌(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين

- ‌(5) التقسيم الطبقي

- ‌(6) هدم الخلافة الإسلامية

- ‌(7) مكيدة تحديد النسل

- ‌الفصْل العاشر الغزو بفكرة القوميّة

- ‌(1) خطة وأهداف

- ‌(2) مغالطة جدلية

- ‌(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى

- ‌(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية

- ‌(5) الأمة العربية بعد الإسلام وقبله

- ‌الفصْل الحَادي عشر أعمال الغزَاة ضِدّ اللغةِ العربيَّة

- ‌(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة

- ‌(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى

- ‌(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية

- ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

- ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

- ‌(6) دغدغة العواطف القومية القديمة للتحويل عن العربية الفصحى

- ‌(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي

- ‌(8) غزو الفصحى عن طريق العبث بقواعدها

- ‌(9) غزو اللغة العربية بالمفردات الأجنبية الدخيلة

- ‌(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى

- ‌(11) نحن والغزاة

- ‌الفصْل الثاني عشر الغزاة وتفصيل أعمالهم في الإفساد

- ‌(1) تكسير معاقد الترابط الاجتماعي وتقطيع أوصاله

- ‌(2) العبث بجذور الأخلاق

- ‌(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي

- ‌(4) الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال

- ‌الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء

- ‌الوسيلة الثالثة: الاهتمام بالمرأة في مجالات العلم والثقافة والفن

- ‌الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة

- ‌الوسيلة الخامسة: استخدام الآداب والفنون

- ‌الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم

- ‌الوسيلة السابعة: استخدام المسكرات والمخدرات

- ‌الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب

- ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

- ‌الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: سياسة المستعمرين غير الأخلاقية

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي

- ‌الفصْل الثالث عشر الغزو بالمذاهِبِ الاقتصَادية

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) بين اتجاهين متباينين

- ‌(3) وسائل إيقاف نشاط غزو المذاهب المخالفة للإسلام

- ‌(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران

- ‌(5) قدوم المذاهب الاقتصادية المخالفة لنظام الإسلام

- ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

- ‌(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي

- ‌(8) مقارنة بين الأسس العامة للنظام الاقتصادي في الإِسلام والنظم الأخرى

- ‌(9) فرية ربط التخلف الصناعي بنظام الإسلام

- ‌(10) اصطناع المناخات المناسبة لتقبل الأفكار والمذاهب الغازية

- ‌(11) التعلُّل بعدم وجود دولة تطبق نظم الإسلام وتحميها

- ‌الفصْل الرابع عشر مَا تُعانيه الحَركات وَالمؤسَّسّاتُ الإسْلَاميَّة

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) الكمين والإثارة

- ‌(3) الفقر الذي تعاني منه المؤسسات والحركات الإسلامية

- ‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

- ‌الفصْل الأوّل شُبهَاتٌ حَوْلَ المثَاليّةِ وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثاني شُبهَاتٌ حَوْلَ الرُّوحيَّة وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثالث شُبهَاتٌ حَوْلَ بَعْض العبَادات في الإسْلَام

- ‌الفصْل الرابع شُبهَاتٌ حَوْلَ الزَّكَاةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الخامس شُبهَاتٌ حَوْلَ العُقوبَات في الإسْلَام

- ‌الفصْل السادس شُبهَاتٌ حَوْلَ الرِّقِّ في الإسْلَام

- ‌الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثامِن أجوبَة أسئِلة تَشكيكيَّة

- ‌القِسمُ الثالِث نَظَراتٌ عَامَّة حَوْل دَوافِع الغزو في الناسِ

- ‌الفصْل الأوّل دَوافع الغزو

- ‌(1) ربانية أو عدوانية

- ‌(2) الجهاد المقدس

- ‌(3) أهداف محاولات التسلط المادي المرتبط بالدوافع العدوانية

- ‌(4) تآزر الغزاة لتحقيق الأهداف المشتركة

- ‌الفصْل الثاني خلَاصَة وتوجيه لِلمسْلمين

- ‌(1) مقدمة

- ‌(2) العناصر الغازية

- ‌(3) نتائج حققها الغزاة

- ‌(4) خطوات العمل الحميدة

الفصل: ‌القسم الثاني الغزو بالهجوم المباشر على الإسلام

‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

من قبل الغزاة وأنصارهم والسّائرين في ركابهم

وفيه مقدمة وثمانية فصول:

الفصل الأول: شبهات حول المثالية والواقعية في الإسلام

الفصل الثاني: شبهات حول الروحية والماديّة.

الفصل الثالث: شبهات حول بعض العبادات في الإسلام

الفصل الرابع: شبهات حول الزكاة

الفصل الخامس: شبهات حول العقوبات في الإسلام

الفصل السادس: شبهات حول الرق

الفصل السابع: شبهات حول حقوق المرأة في الإسلام

الفصل الثامن: أجوبة أسئلة تشكيكية موجهة من قبل منظمة الآباء البيض التبشيريّة

ص: 487

المقَدّمَة

تفاعلت عوامل الحنق في نفوس أجنحة المكر الثلاثة، وفي نفوس سائر أعداء الإسلام، على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم الدينية أو الإلحادية، فزينت لهم أن يسلكوا سبيل مهاجمة أسسه وقواعده، وأحكامه العظيمة، ونظمه وتشريعاته الحكيمة، والطعن بكتاب الله، والطعن بالرسول محمد صلوات الله عليه، وبالسنة المطهرة المروية عنه.

ولكنهم بعد عراك عنيف وصراع مديد كان مثلهم:

كناطحٍ صخرة يوماً ليوهنها فلم يَضِرْها وأوهى قرنه الوعلُ

والسبب في ذلك لا يعود لجيوش الدفاع الكثيرة التي أعدّها المسلمون لمقاومة هجمات أعداء الإسلام بتركيز وإحكام، وإنما يعود لحقيقة الإسلام القوية الثابتة المشرفة، التي لا تزعزعها التمويهات والتشويهات والتلفيقات وإثارة الشبهات، والأكاذيب والافتراءات، والتي لا تطفئ أنوارها أفواه الأفاكين، ولا تغشيها السحب الدخانية التي تطلقها متفجرات الشياطين، إلا تغشية يسيرة، ثم يمر عليها الزمان فتنقشع، ويظهر لكل عين مبصرة دفقات الإشراق الكاسح للظلمات، التي تتفجر بها حقيقة الإسلام المضيئة، ويتحقق بذلك البيان القرآني إذ يقول الله تعالى في سورة (التوبة/9 مصحف/113 نزول) :

{يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُواْ نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَاّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}

ص: 489

ولقد كان خيراً لهم - لو كانوا منصفين - أن يبحثوا عن الحق بحث العالم المتجرد عن كل عامل أناني ذاتي، وأن يتبعوه وينصروه، دون أن ينظروا إلى حملة هذا الحق، سواء أكانوا أعداءً لهم أو أصدقاءً، فالحق من شأنه أن يؤاخي بين طلابه وعشاقه وحملته والمستمسكين به، ويجعلهم أحبة متصافين، ولو كانوا بالأمس أعداءً متحاربين.

ما بالهم في شؤون الدنيا لا يغمطونها ولا يجحدون حقائقها، مهما طرحت بين أيديهم من حقائق، فإذا طرح الإسلام حقيقة من الحقائق بين أيديهم حاصوا، وأخذوا يسددون لها السهام، ويجرحونها، ويجحدونها، ويثيرون حولها المطاعن الكاذبة والشبهات الملفقة؟!.

إنهم ينظرون إلى المسلمين نظرة عداء، فلو عرض عليهم المسلمون منجماً من مناجم الذهب في بلادهم، أو حقلاً من حقول النفط، أفلا يتسارعون إليه بحثاً وتنقيباً، ويستخرجون خيراته وينتفعون بها؟.

أفيقولون بعد أن يشاهدوا الذهب الحقيقي: هذا شَبَه وليس بذهب، ثم يزهدون به وينصرفون عنه؟

أم يتنافسون على استخراجه وربما يتقاتلون عليه؟

إننا وجدناهم من أكثر الناس بحثاً عن الجواهر والمعادن وأشباهها وكل نافع مفيد من كنوز الأرض، في أي بلد من بلاد الدنيا، ويقدرونها حق قدرها، ويعرفون قيمتها الحقيقية.

فما دلهم إذ عُرضت عليهم حقيقة من حقائق الإسلام تشهد لها دلائل الفكر ودلائل التجربة والواقع اضطغنت قلوبهم، وثارت فيهم عصبيّات جاهلية موروثة، وأخذتهم العزة بالإثم، ونفروا نفرة الباطل من الحق؟

لماذا لا تكون إراداتهم سائرة على وتيرة واحدة في كل قضايا الحق، ما يتعلق منها بدنياهم ويخدم شهواتهم، وما يتعلق منها بآخرتهم ويخالف أهواءهم؟!

ص: 490

ألأن الذهب والنفط وما أشبههما وسيلة ثرائهم وقوتهم في الدنيا؟ . إنهم لو أنصفوا لعلموا أن الحقائق الدينية أعظم لهم ثروة وقوة، وأخلد لهم حضارة ومجداً، ولكن ليصدق فيهم قول الله تعالى في سورة (الروم/30 مصحف/84 نزول) :

{وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِراً مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ} .

إنهم حين يهاجمون أحكام الإسلام وشرائعه العظيمة، لا يقدمون بدلها إلا أحكاماً ناقصة غير ملائمة للواقع الإنساني، ولا كفيلة بتحقيق أفضل صورة ممكنة لإسعاد الناس، وإقامة الحق والعدل بينهم.

وينطبق عليهم فيا يفعلون قصة المثل التالي:

سكنت عائلة بشرية في غابة معظم من فيها قرود وثعالب، وأخذت هذه العائلة البشرية تمارس عيشها داخل هذه الغابة وفق طريقتها البشرية، إلا أن جماعات القرود والثعالب أخذت تسخر من هذه العائلة ومن طريقة عيشها، ومن أنظمة حياتها وأخذت القرود تقهقه بأصواتها المنكرة العالية متهكمة بها ساخرة منها، ثم أخذت نابغات من القرود والثعالب تعرب عن أسباب استغرابها من هذه العائلة البشرية، وأسباب استنكارها لها.

قال فريق منها: ياللعجب العجاب، إن هؤلاء الساكنين معنا في هذه الغابة يمشون على أقدامهم، مع أن الوضع الملائم الذي تقتضيه الطبيعة أن يكون المشي على أربع، وترددت في الغابة أصداء موجات متعاقبة من قهقهة القرود وعواء الثعالب.

ثم قال فريق آخر: وأعجب من ذلك أنهم لا أذناب لهم، مع أن الوضع الذي تقتضيه الطبيعة أن يكون لهم أذناب، إذ إن معظم ساكنات الغابة من ذوات البأس والشدة وذوات أذناب، فعلق على ذلك ثعلب خبيث، وقال: لعل أذناب هؤلاء مقطوعة.

وكثرت الانتقادات على هذه العائلة البشرية المسكينة بين هذه الجموع البهمية الكثيرة. القرود تسخر منها لأنها لا تستطيع أن تتسلق الأشجار الباسقة الشاهقة بالسرعة التي يستطيعها القرد، والثعالب تسخر منها لأنها لا تعرف

ص: 491

كيف تصيد الدجاج والبطَّ بأسنانها وأظفارها، ولا تستطيع ابتلاعها وازدرادها بلحمها وريشها وعظمها وحشوها، وهكذا إلى آخر الفروق بينها وبين الناس، والذي يقوي مركز هذه القهقهات الساخرات أنها ذات قوة وكثرة في الغابة.

وبسب كثرة الانتقادات التي هي من هذا النوع، وبسبب تتابع مظاهر السخرية والتهكم تأثر بعض صغار العائلة البشرية من ذكور وإناث، فأخذوا يتنازلون عن صفاتهم البشرية، وطرائق عيشهم الخاصة وأنظمة حياتهم.

فمنهم من تعلم المشي على أربع، ومنهم من ذهب يستجدي من القرود والثعالب أذناباً ليضيفها إلى جسده، وبعضهم حلا له أن يرتدي جلوداً من جلود موتاها، ليبدو مظهره مثل مظهرها، وأخذ يتعلم طريقة عيشها وفوضى حياتها، ولما انغمش هؤلاء الصغار في هذا العالم الجديد، عادوا إلى أهليهم بنظريات التحويل وبتنكيس الأوضاع الإنسانية داخل أسرتهم، لتساير سكان الغابة في فوضها وبهميتها، هرباً من نظرات الاستنكار وقهقهاته التي تستقبلها بها جماعات القرود والثعالب.

هذا هو مثل الإسلام العظيم في عقائده وأحكامه ونظمه، بين مجموعات الفوضويات والنظم العرجاء العوراء المذنبة الوحشية، ومثل الشبهات والانتقادات التي يقذفها التافهون والمغرضون شطر الإسلام، بغية أن يشوهوا صورته الرائعة الجميلة في تناسقها المتكامل البديع، وبغية أن يسوقوا أتباعه وأنصاره أو أبناءهم وذريّاتهم إلى عالم الفوضى الذي يعيشون فيه، أو إلى مباءات النظم الناقصة المشوّهة التي حسنها في نظرهم ممارستهم الطويلة لها، ولا بدّ أن نذكر هنا قول الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول) :

{أَفَمَن يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّن يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ}

وقول الله تعالى في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول) :

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَاّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَاّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَاّ يَسْمَعُونَ بِهَآ أُوْلَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}

ص: 492