الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة
تتمثل اللغة في الأمة الناطقة بها الصورة التعبيرية الثابتة لثرواتها الفكرية والحضارية والدينية، وذلك لأن تداول الخاطرة العلمية لدى أمة من المم هو الذي يملي عليها الصيغة التعبيرية الملائمة، كما أن تداول الصور الحضارية بينها - سواء أكانت مشاعر وجدانية أو آداباً اجتماعية أو منتجات مادية - لا بد أن يملي عليها ألواناً من الصيغ الكلامية، التي تستطيع أن تكون بها دقيقة التعبير عن مشاعرها، وآدابها، ومنتجاتها، يتولى ذلك النخبة الممتازة من أصحاب المهارات الفكرية والقدرات اللسانية، القادرين على تطوير الأوضاع اللغوية، وابتكار ألوان التعبير، ذات الدلالات الدقيقة الرائعة على المراد.
كما أن تداول الحقائق الدينية - سواء كانت أفكاراً ومبادئ عقلية أو وجدانية، أو كانت تشريعاً عملياً، أو أخلاقاً وآداباً، أو أخباراً وأنباءً، أو تنبؤات بما سيأتي - لا بد أن يملي عليها أيضاً ألواناً أخرى من المفردات والصيغ التعبيرية الدينية، التي تستوعب المعاني المرادة، وتدل عليها دلالات صحيحة.
وهذه الصيغ التعبيرية المؤلفة من حروف الهجاء والمفردات والجمل والقواعد والأساليب البيانية هي التي تتكون منها لغة الأمة التي تنطق بها، وتعطي صورة حالية عنها، وصورة ثابتة عن تاريخها.
ونستطيع لدى التحليل أن نقول: إن اللغة هي الجزء المشترك من كيان الأمة، وهي الوطن المعنوي الواحد لحركة اللسان المعبرة عن حركة الفكر والنفس والوجدان، وهي في هذا تشبه حدود الأرض التي تحوي داخل محيطها
الوطن المادي لحركة جسم كل فرد من أفراد الأمة، إذ يعبر بذلك عن مطالبه الفكرية والنفسية والوجدانية، وعن آماله وتطلعاته لنفسه وأهله وذرياته وأمته.
ولذلك نجد الباحثين يلجأون إلى اللغة ليستنبطوا منها خصائص أمة من الأمم، كلما عجزت الدلائل الأخرى عن أن تعطيهم صورة صحيحة عنها.
ورقي لغة من اللغات عنوان رقي الأمة الناطقة بها، كما أن انطاط لغة من اللغات عنوان انحطاط الأمة الناطقة بها، والثروة العلمية والثقافية والأدبية والفنية، التي تقدمها لغة من اللغات، متمثلة فيما أنتجه العلماء والمثقفون والأدباء الناطقون بها، أعظم مجد يتمتع به تاريخها الذي يكسو الأمة صاحبة هذه اللغة بحلل من المجد العلمي والحضاري.
ولدى البحث المقارن في تاريخ اللغات العالمية نلاحظ أن للعربية الفصحى أكبر نصيب عرفته لغة واسعة الانتشار في العالم، منذ فجر التاريخ حتى عصر النهضة الأوروبية الحديثة. تشهد بذلك هذه الكنوز العلمية والثقافية والحضارية الدينية والمدنية، المنبثة في المكتبة الإسلامية العربية الجامعة لعشرات الألوف من المؤلفات الضخمة النافعة، في شتى العلوم ومختلف الفنون والآداب، والتي يقع في منزلة الرأس منها كتاب الله المنزل، ثم من دونه كلام الرسول العربي محمد صلوات الله عليه، ثم تأتي ذخائر الكتب النفيسة التي تستطيع أن تتوج الأمة الإسلامية والعربية بتاج المجد العظيم بين أمم الأرض.
ومع الحزن الذي يقرّح الفؤاد نجد أن هذه الأمة قد وصلت إلى مرحلة تاريخية رمت فيها هذا التاج العظيم عن رأسها، وذلك بأسباب شتى، بعضها قد كان من إهمالا وتقصيرها، وبعضها قد كان من الغزو المركز المحكم الذي تداهمها به جيوش أعداء الإسلام، المسلحة بالأسلحة الحديثة المشحونة بدهاء ومكر شديدين.
لقد أدرك أعداء الإسلام أن الشعوب الإسلامية ما دامت على صلة وثيقة باللغة العربية، فإنها ستظل مرتبطة بالإسلام وبالقرآن، وستظل متمسكة بفكرة الوحدة الإسلامية الكبرى.