الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وخليق أيضاً بالمساعدات العسكرية التي يقصد منها صد عدوان المعتدين وإقامة الحق والعدل أن تكون وجهاً من الوجوه الإنسانية المشرقة ، ولكنها حينما تكون وسيلة للتسلط ، أو تكون مصحوبة بشروط تمس كرامة الأمة ، أو سيادتها ، أو عقائدها أو أخلاقها ، أو كيانها المتماسك القوي ، أو تكون مقيدة بقيود تحجزها عن الحركة الفعلية في صد العدوان أو استرداد الحق المغصوب ، فإنها لا بد أن تسفر عن وجه من الوجوه المتجهمة المتوحشة المفترسة ، التي تتصنع لفريستها ، فتلبس أمامها وجهاً مستعاراً تأنس به وتميل إليه ، وذلك لتتمكن من تحقيق أهدافها دون أن تثير حذر فريستها ، وتلجئها إلى المخابئ.
وهكذا تتنوع الوجوه المستعارة التي تخفي وراءها وجوهاً مختلفة شتى ، يلاحظ أهل البصر النافذ فيه وجوه الثعالب ، والذئاب ، والضباع ، والثعابين ، والتماسيح ، والفهود ، والنمور وغير ذلك من وحوش البر والبحر.
أما الموقف الحزين فهو موقف الإنسانية الكريمة ، التي تقف ذليلة مهينة متألمة تنظر شطر السماء ، وتتحرق خجلاً من انتساب هذه الوحوش الضارية إلى سلالتها البشرية.
الوسيلة الثانية الخداع السياسي
مراقبو الأحداث يشاهدون كم نكبت البلاد الإسلامية بحيلٍ مختلفة من حيل الخداع السياسي الذي مهره الغزاة الطامعون الغربيون والشرقيون مهارة فائقة.
وعناصر الخداع السياسي ترجع إلى مجموعة من الرذائل الخلقية ، كالكذب والنفاق والرياء والخيانة ونقض العهد وعدم الوفاء بالوعد ونحو ذلك.
وتاريخ المآسي التي اكتوى المسلمون بنارها على أيدي الأعداء الغزاة والطامعين مشحون بأمثلة الخداع السياسي ، ومنها الأمثلة التالية:
أ - الخديعة التي وقعت الأمة العربية في فخها على أيدي الاستعماريين خلال الربع الأول من القرن العشرين للميلاد ، فأدت إلى قصم ظهر الوحدة
الإسلامية ، بقيام الثورة العربية ضد الشعب التركي المسلم ، لا ضد سلطاته الحاكمة فقط ، وذلك في عام (1916م) ، ثم إلى تقسيم الأمة العربية إلى دويلات ، وبسط النفوذ الاستعماري عليها ، وقد رافق هذه الأحداث الجسام سلسلة متعاقبة من حلقات الخداع السياسي الذي تصيد به المستعمرون مشاعر الأمة العربية أولاً ، واستغلوا به ضعفهم وغفلتهم وجهلهم بألاعيب السياسة الدولية وحيلها وأكاذيبها ، ونقضها للعهود ، وعدم وفائها بالوعود ، ومطامعها بالاستغلال وبسط السلطات ، ونهب خيرات البلاد ، وابتزاز أموالها وثرواتها وطاقاتها.
وقد بدأت الخديعة بإثارة مشاعر الاستقلال والتحرر في شعوب الأمة العربية ، ثم انتقلت إلى خديعة تقديم المساعدات المالية والعسكرية ، لإشعال الثورة العربية ، ثم انتقلت إلى خديعة التحالف مع زعماء الشعب العربي يومئذ.
وبينما كانت بنود التحالف تنص على تأسيس دولة عربية موحدة تضم الجزيرة العربية وفلسطين وشرق الأردن ولبنان وسورية والعراق ، كانت تجري مباحثات ((سايكس - بيكو)) بين فريقين من الدول الاستعمارية ، بغية تقسيم البلاد العربية وإخضاع دول الهلال الخصيب لسلطة الانتداب ، فكانت العراق وفلسطين والأردن من نصيب بريطانيا ، وكانت سوريا ولبنان من نصيب فرنسا.
وفي الوقت نفسه كانت الترتيبات تهيأ لإعلان وعد ((بلفور)) الذي يتضمن العطف على اليهود لإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ، فكان ذلك الإعلان في الثاني من شهر تشرين الثاني لعام (1917م) ، ثم بدأت السلطات الاستعمارية تهيئ ما يلزم لتنفيذ الوعد ، ثم قامت دولة اليهود ، وسارعت الدول الكبرى للاعتراف بها ، وحلت المصيبة بالعالم العربي والعالم الإسلامي أجمع.
ب - ومن أمثلة الخداع السياسي الدولي الهدنة التي فرضت على الدول العربية المحيطة بالدولة اليهودية المصطنعة في قلب الأمة العربية عام (1948م) ،
وقد فرضت هذه الهدنة لتهيئة الفرصة الكافية لهذه الدولة الغاصبة كي تتمكن في الأرض ، وتنشئ في جوٍ من الطمأنينة دولتها العدوانية داخل جسم الأمة العربية ، ومن حولها سائر الشعوب الإسلامية ، وقد استثمر اليهود والدول المساندة لهم هذه الخديعة أو في استثمار ، وكان ذلك على حساب الأمة العربية والشعوب الإسلامية الأخرى.
جـ - ومن أمثلة الخداع السياسي الوعود السرية بتحقيق آمال الأمة العربية أو بعض المطامع الشخصية أو الحزبية ، وهي الوعود التي تقدمها بعض الدول الكبرى مقابل إثارة اضطرابات وثورات ، ونزعات متباينة متناقضة ، ومقابل رج الأوضاع المختلفة داخل البلاد العربية ، أملاً بتصحيح الأمور الفاسدة المنتشرة فيها ، فتقدم الأمة العربية - وهي الطرف الضعيف - الثمن الباهظ المفروض عليها ، وتنفذ ما يملى عليها تنفيذاً دقيقاً ، مع زيادات تقتضيها ظروف الهدم لم تكن تتوقعها ، حتى إذا قدمت من جانبها كل شيء وجدت نفسها في فخ الخديعة مقبوضاً عليها من كل جانب ، وعندئذ تلبث تجتر الندم ، ولكن حيث لا ينفع الندم ، إذ تكون الآلام الكثيرة قد انتشرت ، والأوضاع الفاسدة السيئة قد زادة فساداً وسوءاً ، وأضيفت إليها عناصر فساد جديدة لم تكن تعرفها الأمة العربية من قبل.
وأما الآمال المنشودة الأولى التي كانت تملأ أنوارها عرض الأفق فإنها تنطفئ فجأة بخيبة قاتلة ، لتحل محلها آمال جديدة هي آمال الخلاص من عضة الفخ.
والذي أوصل إلى هذه النتائج سلسلة من المؤامرات الدولية الكبرى ، التي يظهر تنفيذها بشكل مفاجئ بعد خداع سياسي طويل ، والتي تسوق الطرف الضعيف المقصود بالمكيدة إلى مزالق خطيرة ، قد تلجئه إلى أن يرمي نفسه في أتون المهالك وهو يحسب أنه يحسن صنعاً.
د - ومن أمثلة الخداع السياسي التطمينات والتحذيرات والتهديدات الدولية الكاذبة ، التي تباشرها الدول الكبرى الطامعة ، مصحوبة ببعض
الإمدادات العسكرية وغير العسكرية ، وما هي إلا حفنة من الحيل التي يعرفها الصيادون السياسيون ويستخدمونها في تحقيق مطامعهم.
وربما دار الزمن دورته التاريخية على أحداث هذه الحقبة التي يعاصرها جيل الربع الثالث من القرن العشرين للميلاد ، فاستطاع العالم الإسلامي الذي يغط في سبات الآلام الجاثمة ، والآمال المقهورة أن يطلع على أكداس السجلات الدولية المشحونة بأمثلة الخداع السياسي ، الذي عانت الأمة الإسلامية منه مصائب كثيرة انطبقت عليها فخاخه الخانقة المؤلمة ، بعد أن اندفعت بشعاراته المحببة البراقة ، بكل طاقاتها الفكرية والجسدية والمادية.
وإذا كتب الله لهذه الأمة الإسلامية الخلاص من نكباتها هيأ لها من يقود سفينتها قيادة حكيمة ، وجمع كلمتها على الحق والتمسك بدينها ووحدتها.
د- ومن أمثلة الخداع السياسي تظاهر الاتحاد السوفياتي بمساعدة الدول العربية التي سارت في فلكه ضد الدولة الإسرائيلية المعتدية، لاكتساب مغانم مادية وسياسية وتحقيق أهداف فكرية مذهبية هادمة للإسلام، مع وجود اتفاق سري بين الاتحاد السوفياتي وأمريكا على خطة عمل واحدةٍ في منطقة الشرق الأوسط.
وكان من مظاهر هذا الخداع أحداث كثيرة، ولا ننسى أن إسرائيل لما قررت هجومها على البلاد العربية المتاخمة لها في حرب خاطفة عام (1967م) وكانت أمريكا وروسيا على علم بذلك، سارعتا بتقديم نصائحهما وتهديداتهما للقيادة العربية يومئذ بعدم البدء بالهجوم على إسرائيل، والاعتصام بضبط النفس، وكان الغرض الضمني من ذلك تمكين إسرائيل من الظفر بتحطيم القوى العربية، واستجابت القيادة العربية لذلك، وتمت الخديعة، وتحطمت القوى العربية خلال ساعات معدودات من أول المعركة، وتحملت الشعوب العربية والإسلامية آلام نتائج هذه الخديعة وما رافقها من خيانات.
وفي معركة رمضان عام (1973م) سارعت أمريكا لإنجاد