الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تتكون لديهم عقدة استعلاء نفسي، يرافقها واقع جهل بكل العلوم العملية النافعة، التي ينحصر فيها تقدم الشعوب المتخلِّفة للأخذ بأسباب المدنية المزدهرة المتطورة.
ويكافح نفر من أبناء المسلمين الملتزمين بإسلامهم حتى يجتازوا مرحلة الدراسة الجامعية، ويطمحون إلى خدمة أمتهم بمتابعة الدراسات العليا لتحصيل شهادات الدكتوراه في العلوم العملية المثمرة، فتظهر في طريقهم عقبات ذات مستوى رفيع، تصدهم بالمناورات والمداورات وفرض الشروط التي لا يطالب بمثلها نظراؤهم من المجندين في كتائب مناهضة الإسلام وعرقلة سبيل المسلمين، وتصدهم أحياناً بعدم الاعتراف بثمرات جهدهم التي لو قدمها غيرهم لكانوا في نظر مانحي الدرجات العلمية عباقرة وممتازين، إلا أنهم يتلقونها من هؤلاء المسلمين بسمع موصود، وضمير مفقود، فيرفضونها أو يسرقونها، أو يوجهون ضدها الدعاوي الكاذبة، وسر ذلك أنهم لا يريدون لمسلم ملتزم بإسلامه، متحمس له، أن يحمل لقباً علمياً عالياً يخدم به أمته.
أما الذين يبيعون ضمائرهم من أبناء المسلمين للغزاة الأعداء، فيُمنحون الألقاب العلمية الرفيقة التي لا يستحقونها، دون أن يبذلوا جهداً، أو يكتسبوا علماً، وعن طريق هؤلاء يستطيع الغزاة تحقيق أغراضهم في الشعوب الإسلامية وفي بلاد المسلمين، إذ يستخدمونهم في الأعمال كما يريدون، وهم في ألقابهم العلمية لا يخدمون أمتهم شيئاً، لأنها لم تمنح لهم وهم يستحقونها، ثم يدفعون بهم إلى المراكز الكبيرة في بلادهم، لينفذوا ما يُملى عليهم من قبل الذين منحوهم ما لا يستحقون، واشتروهم بما يشتهون.
* * *
الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي
من وسائل الغزو غير المسلح التمييز الطائفي، ويظهر هذا التمييز بتقديم غير المسلمين على المسلمين في مختلف المجالات، تعبيراً عن الكراهية
للمسلمين، وإلجاءً لهم إلى حتى ينفذوا الرغبات الاستعمارية، ويحققوا المطالب التبشيرية المعادية للإسلام، والرامية إلى هدم أبنيته وقواعده، وتوهين المسلمين وتشتيت شملهم وتمزيق وحدتهم.
ففي المجالات الاقتصادية تحاول أجهزة الغزو غير المسلح بكل ما تستطيع من جهد أن تفتح أبواب الاستثمارات المختلفة لغير المسلمين، بينما توصها في وجوه المسلمين، وقد عانت الشعوب الإسلامية من صور هذا التمييز في معظم البلاد التي كان للاستعمار فيها يد حاكمة سافرة أو مقنعة، وكان للمبشرين فيها أيادٍ تعبث بشكل سافر أو مقنع، وما زال كثير من المسلمين يعانون من هذا التمييز بنسب مختلفة باختلاف قوة تسلط الأجهزة الاستعمارية والتبشيرية، الأمر الذي نشأ عنه تضخم ثروات غير المسلمين على حساب استثمارهم واستغلالهم للأكثرية المسلمة.
ومن أمثلة ذلك تسهيل أعمال الاستيراد والتصدير للأفراد والشركات والمؤسسات الاقتصادية غير المسلمة، وعرقلة أعمال المسلمين فيهما، والسماح بإنشاء الشركات الصناعية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى لغير المسلمين، وعدم السماح للمسلمين بمثل ذلك، ما لم يكن النصيب الأكبر لغيرهم.
وفي مجالات التوظيف في الدوائر والمؤسسات الرسمية تحاول الأجهزة الاستعمارية والأجهزة السائرة في مخططها أو تسُند معظم الوظائف المهمة لغير المسلمين، وحينما تلح عليها الضرورة أو المجاملة أن تسند بعض الوظائف للمسلمين فإنها تختار من المسلمين الضعفاء، أو غير الملتزمين بإسلامهم، أو تختار لهم الأعمال البعيدة عن مراكز القيادة والتوجيه، والبعيدة أيضاً عن الأعمال المفيدة في اكتساب خبرات فنية، وعن سائر الأعمال التي ترى الأجهزة المتعصبة تعصباً طائفياً ضد المسلمين ضرورة تسليط غير المسلمين عليها.
والهدف واضح وهو إبقاء المسلمين في مناطق التخلف، يضاف إلهي ما في التمييز الطائفي من التنفيس عن الكراهية والحقد، وإلجاء أبناء المسلمين حتى يخرجوا عن دينهم وينفذوا في أنفسهم وفي أمتهم وبلادهم مخططات أعدائهم الطامعين.
ويصنعون نظير ذلك داخل المؤسسات العسكرية، حيث تتجمع أثقال القوى المسلحة، ولهم في هذا المجال أهداف أخرى تضاف إلى أهدافهم العامة، وهذه الأهداف تمليها مخططات الأجهزة السياسية والعسكرية الاستعمارية الرامية إلى تسخير جيوش البلاد الإسلامية في تحقيق مصالح أعداء الإسلام بطرقٍ سلبية تارة وإيجابية أخرى.
ومن الطرق السلبية تجميد الجيوش الإسلامية عن القيام بأي عمل يفيد المسلمين أو يعمل على تحريرهم من عدوهم، ومن الطرق الإيجابية تحريض هذه الجيوش أو عناصر منها على ضرب العناصر المسلمة باسم الإصلاح، وتوجيهها ضد كل إصلاح وتعمير للمسلمين. ويستغل الأعداء الغزاة من وراء الستار رغبات التسلط التي يشعر بها من تتجمع لديهم قوى مسلحة قادرة على التسلط.
ويتجلى التمييز الطائفي أيضاً في معظم المجالات العلمية، لا سيما مجالات العلوم العملية، ومجالات اكتساب الخبرات الفنية والصناعية والمهارات الإنتاجية المختلفة، ولا تخفى أهداف التمييز الطائفي في هذا المجال، منها محاولة إبقاء المسلمين في مناطق التخلف والضعف.
وحينما نمرّ على المواد القانونية الصادرة في ظل الاستعمار نلاحظ فيها أمثلة كثيرة للتمييز الطائفي المتعمد. ففي القوانين الجمركية نلاحظ إعفاءات خاصة بالمستوردات ذات الطابع الطائفي، وبمستوردات المؤسسات التبشيرية التعليمية والصحية وغيرها، في حين أن كثيراً من هذه المستوردات قد كان ينزل إلى الأسواق التجارية العامة ليباع بأسعار البضائع التي يدفع المستهلكون ضرائبها الجمركية لصندوق الدولة، بينما تضيف المؤسسات الطائفية نسب الضريبة إلى أربحاها النقدية، في حين أن معظم المؤسسات الإسلامية لم تكن تتمتع بهذه الإعفاءات من الضريبة بشكل قانوني أو بشكل عملي. ونجد مثل ذلك أيضاً في قوانين الضرائب المختلفة.
ويظهر التمييز الطائفي في الحريات السياسية، وفي الحريات الدينية، وفي نسبة مقاعد التمثيل النيابي، كلما وجدت السلطات الاستعمارية سبيلاً إلى