الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتجديد، وتطلعها إلى تذوق ما لا تملك، أمور لا حد لها، كما أنه ما من ذي حسن من جهة إلا وله نقائص من جهات، وهذه الفتنة معروفة لا ترى إلا من جهة حسنها، أما نواقصها فمطلية بالأصباغ، ومحجوبة بالتصنع.
ثم سرى الداء إلى غير المثقفات، فزعمن أن تقدم المرأة وعلمها وثقافتها تعني في الحياة خروجها متهتكة حاسرة، متحللة من جميع القيود الدينية والخلقية، فأخذن يتسابقن في التهتك وإفساد المجتمعات، زاعمات أنهن يسرن في طريق صاعدة، وقد زاغت أبصارهن ببهرج الحياة الجديدة السامة القاتلة، التي يقدمها الأعداء على أطباق مزينة مزخرفة ، فيها ما تشتهي النفوس المريضة ، ويسر الأعين الكليلة ، وفيها السم القاتل المدفون في مظهر الغذاء الطيب الدسم.
لقد أدرك أعداء الإسلام خطورة المرأة في إصلاح الأسرة أو إفسادها ، وإصلاح المجتمع أو إفساده ، فركزوا خططاً مختلفة لتوجيهها إلى ما يضمن تحقيق أهدافهم في المجتمعات الإسلامية ، واعتمدوا على تسخيرها في تحقيق أهدافهم في مجالات وأعمال كثيرة.
ولو أدرك المسلمون خطورة الأمر منذ بدء تعليم المرأة وفق خطط الأعداء الغزاة لأمسكوا بأيديهم أزمة المبادهة ، ولو وضعوا بمحض إرادتهم خطط التربية والتعليم ، وفق الأسس الإسلامية التي تضمن للمجتمع الإسلامي التقدم العلمي والحضاري والمدني السليم النافع ، واقتبسوا بمحض إراداتهم ودراساتهم الحرة كل نافع مفيد ، مما توصلت إليه الحضارة الحديثة ، غربية كانت أو شرقية.
* * *
الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة
كان الخلط بين الفتيان والفتيات في معاهد العلم ، من الأسباب الكبرى التي هدمت حصناً عظيماً من حصون الأخلاق والآداب الإسلامية ، في
المجتمعات التي انتشر فيها هذا الخلط.
وكان ذلك بفعل دسائس الأعداء الغزاة ، وفراخهم وأجرائهم من داخل بلاد المسلمين ومن خارجها.
ورافق هذا الغزو العملي غزو فكري يزين الاختلاط ويحسنه ، ويصطنع له المبررات الخادعة ، ضمن أطر علم النفس ، وعلم الاجتماع ، وعلم التربية ، والتربية الجنسية ، وأكد الميل إليه الدافع الغرزيُّ بين الجنسين ، لا سيما في فترة المراهقة التي تتفتح فيها الغريزة الطائشة الرعناء ، مع البعد عن دراسة العلوم الإسلامية ، وضعف الوازع الديني في القلوب.
ومع اختلاط الجنسين في معاهد العلم فشت مفاسد كثيرة ، في الأخلاق والآداب وكثير من أنواع السلوك ، وتطلعت الأجيال الحديثة إلى تقليد الحياة الأوربية بمجونها ، بعد أن انغمست في حمأة البيئات الجديدة ، التي تسهل طريق الرذيلة ، وتهون أمر ممارسة اللذة المحرمة ، ولا تعتبر العفة من فضائل الأخلاق ، كما لا تعتبر صيانة الأسرة القائمة على الطهارة من الأمور ذات القيمة في المجتمعات الإِنسانية.
وانزلق كثير من الشبان والشوابّ يتسكع في دروب المهانة مندفعاً بنوازع الأهواء ، ولواهب الغرائز ، وتطالبه ظروف اللذة المحرمة بأن يقدم للشره طاقاته الجسدية ، ويقدم للأوهام قواه الفكرية ، ويقدم للقلق والحيرة والشتات عواطفه وانفعالاته ، ثم يضحي في وادي الغريزة البهيمية بعقله الحصيف وبإرادته الإِنسانية الشريفة.
وآخرون من الشبان والشوابّ اصطرعت فيهم عوامل الفضيلة وقواسر الغريزة المشبوبة ، في هذه البيئات المختلطة الداعية إلى الخطيئة والفجور ، فكانت أفكارهم وقلوبهم ونفوسهم كأنها في ساحة حرب شديدة ، يصيبها من دواهي الحرب أكثر مما يصيب المتقاتلين بالأسلحة المادية ، وطبيعي أن يَسُرَّ هذا الوضع الأعداء الغزاة ، ويثلج صدورهم ، وأن يكون ملحوظاً لديهم منذ البداية.
لقد عرف الغزاة بالتجربة المتكررة أن اختلاط الجنسين في مختلف مجالات الحياة من أسباب انهيار المجتمعات ، وانحرافها عن فضائل السلوك ، ومتى انهارت المجتمعات فقدت أثقال قوتها الحقيقية ، التي تمكنها من الصمود أمام جيوش الغزاة ، والارتقاء إلى قمم المجد ، ومنافسة كل سابق في علم أو حضارة أو مدنية أو قوة.
ولو دخل المسلمون في هذا السباق بقواهم الإسلامية الحقيقية لاستطاعوا أن يختصروا الزمن ، ويجتازوا في عقود من السنين ما تخلفوا عن السير فيه خلال قرون ، ولو راجعوا صفحات تاريخهم لرأوا أن من أسباب تخلفهم انغماسهم في الشهوات ، وسعيهم وراء اللذات ، وإخلادهم إلى الأرض.
ويظن الطائشون الغافلون أن الانطلاق من القيود الدينية ، والتحرر من الشرائع الربانية والفضائل الخلقية ، سبيل من سبل التقدم الذي أحرز فيه كلٌّ من الشرق والغرب السبق في العلوم المدنية ، وفي الصناعات ، مع أن الحقيقة بخلاف ذلك ، إن العقلاء المنصفين في كل من الشرق والغرب ، يتخوفون من المصير المدمر الذي تسير في طريقه أجيالهم الحديثة ، بتحللها من ضوابط الأخلاق الشخصية والاجتماعية ، واستهانتها بالفضائل الإنسانية ، ويعتبرون الإباحية التي أخذت تشيع في مجتمعاتهم نذير الانهيار الخطير ، والدمار الشامل.
وسرى داء الاختلاط العام بين الرجال والنساء في مجتمعات الأسر ، وفي الحفلات العامة والخاصة ، وفي نوادي التسلية والفن والثقافة والرياضة ، وفي المسابح العامة ، ورافق الفن والرياضة والسباحة العري الكامل أو شبهه ، وسرى داء التهتك إلى مختلف المجامع ، وتسابق النساء في اتخاذ وسائل الإغراء ، وأخذت تنهار مقاومات الأفراد والجماعات ، وأمست جاهليات كثيرة متطرفة أموراً واقعة مألوفة غير مستنكرة.
وانطلق الغزو المدمر للقيم الإسلامية ، التي كان بها كيان المسلمين الذاتي ، وكان بها مجدهم التليد.
وحينما يراقب الباحث الاجتماعي هذه المجتمعات المختلطة ، التي ليس
لها حوافظ من الضوابط الدينية والخلقية ، يرى فيها نذير الخطر الذي لامست جذوته الهشيم ، فالتهمت جوانب منه ، تؤازرها الرياح الكونية التي تهب في جهة النار ، لتزيد توقدها وسرعة امتدادها إلى كل معاقل المسلمين.
والمنغمسون في هذه المجتمعات المختلطة المفتوحة تشغلهم بوارق فتنتها ، وتسكرهم كؤوس متعتها ، وتخدعهم ألوان بهارجها عن إدراك الخطر الكامن فيها ، عليهم وعلى أمتهم وعلى بلادهم ، وتنسيهم ما وراء ذلك من عقوبة كبرى ، مؤجلة إلى يوم الجزاء ، بسبب تجاوزهم حدود الله ، وارتكابهم ما يوجب سخطه.
ويرى الباحث الاجتماعي أيضاً في هذه المجتمعات المختلطة طائفة من السيئات الاجتماعية ، التي من شأنها أن تفقد المجتمع الإسلامي تماسكه ، وتواده ، وتراحمه ، وإخاءه ، ثم تفقده في آخر الأمر وجوده كله ، ومعظم هذه المجتمعات المختلطة قائمة في عناصرها غير الظاهرة على الرياء والنفاق والمخادعة والتفاخر والتكاثر والتحاسد والحيلة وتناهب النعم ، وقائمة في عناصرها الظاهرة على التصنع ، والمظاهر الكاذبة ، والزينة المترفة ، والإسراف والتبذير ، واللهو واللعب والتسلية ، وملء البطون ، وإمتاع الحواس باللذات المحرمة ، يضاف إلى ذلك ما قد يندرج فيها من قمار ومراهنات وما أشبه ذلك من مبتكرات الشياطين.
وتُعدّ لهذه المجتمعات المختلطة الثياب الفاخرة التي تبذل فيها الثروات الكثيرة ، ولا يجوز في عرف النساء أن يلبسن الثوب الواحد في اجتماعات متعددة ، إن التفاخر والتكاثر وموجبات الأناقة عندهن تفرض عليهن التجديد الدائم ، مهما أنفقن في سبيل ذلك وبذَّرن ، كما أن تصنيع الشعور والوجوه والأجساد وفق أحدث المبتكرات وعند أمهر ذوي الفن من الأمور الضرورية لديهن كالماء والهواء للحياة.
ويلاحظ في هذه المجتمعات المختلطة المترفة الماجنة أن بذل الأموال الضخمة على موائد الترف والخمر والقمار من الأمور الهينة المعتادة ، وكم يكون وراء هذا التبذير الماجن ضرورات ملحة تكتوي بنيرانها أسر هؤلاء المبذرين
المترفين ، ويكتوي بنيرانها ذوو حاجات كثيرون آخرون ، فربّ أطفال يهملون بلا رعاية ، ويفرض عليهم تقشف الفقراء ، وربّ شيوخ محتاجين عاجزين عن العمل ، وربّ نساء لا يجدن ضرورات عيشهن ، والمسؤولون عن النفقة عليهم من ذويهم تائهون في دروب الشياطين ، يبددون الأموال في مجتمعات اللهو واللذة المحرمة بلا حساب.
وتبلد حسّ النخوة والغيرة والرجولة في هذه المجتمعات المختلطة الماجنة ، وأمست مناخات ملائمة لتجديد الهوى والإعجاب ، والتنقل في اللذات ، ومد الأعين إلى حظوظ الآخرين ، ومدّ شباك الحيلة للصيد ، وما يتبع ذلك من مشكلات نفسية واجتماعية ، وفتنة في الأرض وفسادٍ عريض ، وفي كل ذلك نُذُر خطر كبير ، تفقد به الأمة الإسلامية مقومات وجودها التي تؤهلها للصمود عند كل أزمة من أزماتها الداخلية والخارجية.
لقد أراد الأعداء الغزاة دفع المجتمعات الإِسلامية إلى المباءات المهلكة ، التي تزيد في تخلفهم وانهيارهم ، في الوقت الذي يحلم فيه المسلمون أن يستعيدوا مجدهم التليد ومكانتهم بين شعوب الأرض.
وما على العقلاء الراشدين إلا أن يدركوا الخطر المحدق بالمسلمين ، إذا هم استمروا في سبل الانحلال والتفلت ، وأن يعملوا على اتخاذ كافة الوسائل المادية والمعنوية لرد المسلمين إلى رشدهم ، والسير بهم في الطريق المستقيمة الصاعدة إلى مرضاة الله والمجد الخالد.
تهمة وخديعة للمتحجبات
انتشرت بين النساء المسلمات خديعة كبيرة عمل على بثها وترويجها بغاة الفتنة والفساد ، وقد تضمنت هذه الخديعة اتهام الحجاب بأنه قد صار شعار كثير من الفاسقات اللواتي يتعرضن للفحش ، ويجتذبن إليهن الفاسقين من الرجال ، أما الحاسرات اللواتي يعرضن مفاتنهن لكل ناظر فلا يتعرض أحدٌ لهن ، والغرض من هذه الخديعة تحريض المسلمات العفيفات الشريفات على أن يخرجن سافرات حاسرات.
وسارت هذه الخديعة وانطلت على كثير من المؤمنات العفيفات في بعض بلاد المسلمين ، فأخذن يخلعن ألبستهن الساترة ، ويظهرن في الأسواق العامة حاسرات عن رؤوسهن وأذرعهن ، وما وراء ذلك ، ويتبعن في ذلك مسيرة الفتنة الضالة التي مشت على عرض الشوارع العامة في معظم المدن الإِسلامية.
ولتمكين هذه الخديعة عمل بغاة الفتنة على اصطناع الشواهد التطبيقية لفكرتها الماكرة ، التي أشاعوها بين صفوف المسلمات ، فاتخذوا لذلك وسيلتين:
الوسيلة الأولى: توجيه بعض العواهر الفواجر أن يتسترن بمثل الألبسة التي تتستر بها المؤمنات العفيفات الشريفات ، وأن يسرن في الأسواق العامة ويتعرضن للفساق ، وهن في هذه الألبسة الساترة المزورة.
والغرض من ذلك تأكيد الخديعة بشواهد واقعية ، ليتقبلها المنخدعون والمنخدعات ، ويتأثروا بها ، وعندئذ لا يبقى لدعاة الستر والحشمة كلمة مسموعة.
الوسيلة الثانية: توجيه فريق من الفساق المأجورين أن يتعرضوا للمتسترات العفيفات في الطرقات العامة ، ويؤذوهن في عفافهن بفسق من القول ، أو الغمز ، أو اللمز ، أو اللمس ، أو الإشارات ، أو تثبيت النظر ، أو الملاحقة في الطرقات ، أو نحو ذلك من رفث متسكع حقير ، لتصير هذه القبائح المنكرة عادة لازمة للفساق ، فتلجأ المرأة المتسترة العفيفة إلى خلع ألبستها الساترة ، فراراً من مضايقات الفساق وأذاهم ، وبذلك يتحقق لأعداء الإسلام ما يعملون لنشره بين صفوف المسلمين والمسلمات ، ثم يتدرجون بعد ذلك بالمرأة المسلمة حتى يغمسوها في الانحراف والرذيلة كما فعلت المرأة الأوربية.
وبذلك ينقطع فرع تطبيقي من فروع شجرة الإِسلام.
لكن المرأة المسلمة العاقلة التي تخشى الله تعالى والدار الآخرة ، لا تنطلي عليها هذه الخديعة ، بل تنظر في أوامر الله التي توجب عليها الستر ، وتعلم أن الله لم يأمرها بذلك عبثاً وهو العليم الحكيم ، ولم يكلفها ذلك ليلقيها في العنت أو الحرج ، وإنما شرع لها ما شرع ليكون أطهر لقلبها ، وأحصن لشرفها ، وأبعد لها عن الأذى وأقوم للمجتمع كله ، وأكثر صيانة له من الفساد.
إن المرأة المسلمة العاقلة تقرأ في كتاب الله آيات العفة والستر ، فتسرع