الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام
شُبهَاتٌ حَوْلَ حقوق المرأة في الإِسلام
وأطلق أعداء الإسلام شبهات متعددة حول حقوق المرأة في الإسلام، ومكانتها في المجتمع المسلم، ويكفينا لدفع شبهاتهم أن نقدم دراسة تحليلية لحقوق المرأة في الإسلام، ولمكانتها في المجتمع المسلم، مع مقارنة ذلك بما لدى مطلقي هذه الشبهات وغيرهم من الناس.
أ- تنوع الخصائص والاستعدادات الفطرية ومقتضياتها:
على الرغم من كل الزوابع المصطنعة، التي يجلب رياحها وموادها ويثيرها أعداء الإسلام، حول موضوع المرأة وحقوقها ومساواتها بالرجل مساواة تامة، يجد الباحثون عن أحوال المرأة في الإسلام صوراً رائعة من صور العدل والتكريم والإنصاف، فلم يحرمها الإسلام حقاً يقتضيه تكوينها الفطري، ولم يكلفها واجباً لا تطيقه، ولم يبعدها عن دائرة المسؤولية الشخصية والمسؤولية الاجتماعية، ولم يجعلها بمعزل عن التمتع بالحقوق المدنية التي تؤهلها لها استعداداتها الفطرية الذاتية، وظروفها الاجتماعية.
إلا أنه لما كان للمرأة طائفة من الخصائص الجسدية والنفسية، تخالف فيها من بعض الوجوه الخصائص الجسدية والنفسية الممنوحة للرجل بوجه عام، كان من كمال نظام الإسلام أن يلاحظ هذه الخصائص، ويقرر لها طائفة من الأحكام تناسبها، لأن التسوية في الأحكام من كل وجه مع الاختلاف في الخصائص نقص لا ترتضيه العقول السليمة، فضلاً عن أن تقبل به الشرائع الربانية الحكيمة.
ومن يلتزم هذه التسوية من كل الوجوه طرداً وعكساً، يجب عليه حينما يضع الأنظمة الوضعية، أن يقرر منح الرجل إجازة أبوة كما يقرر منح المرأة إجازة أمومة، وأن يلغي في التعليم مبدأ التخصص بحسب الاستعدادات الفطرية، ويجعل النساء والرجال جميعاً شركاء في الفنون النسوية وفي صناعات الحدادة والنجارة والأعمال الثقيلة الشاقة، وأن يحمل المرأة المسؤولية الكسب والنفقة كما يحمل الرجل، ويحمل الرجل مسؤولية إرضاع الأطفال وتدبير شؤونهم، وأن يهمل القوامة في الأسرة ويجعلها نزاعاً مستمراً بين الرجل والمرأة، أو يجعلها على التناوب اليومي أو الأسبوعي أو الشهري أو نحو ذلك من الأمور التي تضطرب فيها الحياة، ويفسد فيها نظام المجتمع الإنساني وجماله.
إن فكرة التسوية التامة في كل الأمور بين الرجل والمرأة، قد يروج لها مضلل يحاول أن يفسد أوضاعاً اجتماعية سليمة، ولكن لا يطيقها على نفسه أو أمته إنسان عاقل يفهم الخير، ويريده لنفسه ولأمته.
والحكمة الراقية لا بد فيها من ملاحظة بعض الفروض التنظيمية، المناسبة للفروق التكيوينية بين كل من صنفي الرجال والنساء، وهذا ما سلكه الإسلام.
وأخذاً بهذا الأساس السليم، يرى التربويون من الخطأ البالغ إلزام الطالب بنوع من الدراسة، في حين أنه لا تتوافر لديه الأهلية الكافية ليكون بارعاً فيها، بينما لديه استعداد مناسب لدراسة من نوع آخر يمكن أن يكون فيها بارعاً لو حول جهده إليها.
ونظرتهم هذه تستند إلى الحرص على تحقيق الإنتاج الأفضل الذي تستغل فيه الخصائص أحسن استغلال، بالموازنة الدقيقة بين الاستعدادات والأهداف المرجوة، فليس من الحكمة أن يكلف من لديه استعداد عال للحفظيات، أن يكون عالماً بارعاً بالحساب والهندسة والجبر والرياضيات العالية التي ليس لديه ميل إليها، ولا استعداد ليكون بارعاً فيها.
وأخذاً بهذا الأساس أيضاً، اتجه الباحثون الزراعيون إلى دراسة أنواع الأتربة الموزعة في الأرض، وإرشاد المزارعين في كل منها إلى أنواع الزراعات
التي يكون نجاحها فيها أكثر من نجاح أنواع أخرى، ابتغاء تحقيق الإنتاج الأفضل، وساتثمار الأرض أحسن استثمار، وقد انتهى الدور الذي كانت تزرع فيه كل أنواع الزراعات في أي نوع من أنواع التربة.
فما بال دعاة التسوية التامة بين الرجل والمرأة يحاولون أن يرجعوا بالناس إلى الوراء، فيدفعوا كلاً من الرجل والمرأة إلى المشاركة في كل مهمة من مهمات الحياة، سواء أكانت مناسبة للتكوين الفطري أو غير مناسبة، وسواء أكانت ملائمة لخصائص الصنف أو لم تكن ملائمة له؟!
إنهم يحاولون بهذا أن يخلطوا المجتمع الإنساني خلطاً تضيع فيه الحكمة، وتحرم فيه الخصائص من تلبية مطالبها الفطرية، وتصبح الحياة معه مكفهرة كالحة، إذ تصاب النفوس من جراء ذلك بالتذمر، والسأم، والكراهية، والظمأ الروحي والنفسي إلى نفحات السعادة التي لا تمر في أجواء مشحونة بالنفور والإحساس بعدم الملاءمة.
هؤلاء هم الرجعيون حقاً، الذين ينادون بالرجعة الفكرية والنفسية والروحية، الفردية والاجتماعية، إلى المنحدرات من دون القمم.
ب-الإسلام ينقذ المرأة من مفاهيم الناس وظلمهم لها:
إنهم لا يريدون الخير للمرأة، ثم يظلمون الإسلا حين يشككون به، ويحرضون المرأة على التحرر من أنظمته، طلباً لوضع أفضل لها من الوضع الذي كرّمها الإسلام به.
ألا فليعلم النساء أن المرأة كانت محل جد بين العلماء، وبين الفلاسفة، وبين أصحاب الملل والنحل، حول مسائل تتعلق بها، إذ تدور بحوثهم حول ما يلي:
1-
هل للمرأة روح أو ليس لها روح؟
2-
إذا كانت لها روح فهل هي روح إنسانية أو روح حيوانية؟
3-
وعلى ارتفاض أنها ذات روح إنسانية، هل وضعها الاجتماعي والإنساني بالنسبة إلى الرجل كوضع الرقيق، أو شيء آخر أرفع قليلاً من الرقيق؟
4-
ثم هل هي ذات روح خبيثة شيطانية خلقت للإفساد والإغواء أو ماذا؟
وحينما كانت المرأة محل جدال حول هذه المسائل المتعلقة بها كان الإسلام ينادي بأن النساء شقائق الرجال، وأن الأصل التكويني للرجال والنساء واحد، فالإنسان بدأ وجوده منذ خلق الله آدم، ومن آدم خلق الله الشطر الثاني للإنسان فاجتمع منهما زوجان، ثم بث الله منهما عن طريق التناسل المتتابع إلى أن تقوم الساعة ذكراناً وإناثاً، في سلسلة متكاثرة، وفق مشيئة الله وحكمته، وسنته التي أراد أن يخلق عن طريقها الأحياء في هذه الأرض جيلاً بعد جيل.
ومن لطيف إشارات الله في قرآنه أنه بدأ سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول) بقوله تعالى:
{
يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً....} .
أفلسنا نلاحظ أن الله يعلن أن الأصل التكويني للناس ذكوراً كانوا أو إناثاً هو أصل واحدة، وهي التي خلق منها زوجها، ولا يؤثر في وحدة النفس أن أحد الصنفين يمتاز ببعض الخصائص التي تتلاءم ومهماته ووظائفه في الحياة، وأن الصنف الآخر يمتاز ببعض خصائص أخرى تتلاءم ومهماته ووظائفه، ليتكامل الشطران في تأدية وظائف النفس الإنسانية في هذه الحياة الدنيا.
إن إعلان الإسلام لهذه الحقيقة - في الوقت الذي لم تكن المرأة فيه إلا مخلوقاً للمتعة أو الخدمة عند مختلف أمم الأرض، باستثناء حالات نادرة لا تعطي صورة قاعدة ثابتة - لهو كافٍ في إثبات أن الإسلام شريعة ربانية، تحكم بالعدل.
بخلاف الأنظمة الإنسانية، التي ينحاو فيها واضعوها ذات اليمين أو ذات الشمال وفق أهوائهم، ليمنحوا أنفسهم والنصف الذي هم بعض أفراده من الميزات والخصائص ما يجعلهم سادة وآلهة، ويجعل الصنف الآخر بين أيديهم محكوماً حكم الرقيق المهان.
وقد كرر القرآن الإعلان عن هذه الحقيقة في مناسبات متعددة، منها قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
فالنفس الواحدة التي كان منها الإنشاء هي نفس آدم، ثم تسلسل الإنشاء ما بين مستقر ومستودع، فظهور الآباء مستقر الذريات، وأرحام الأمهات مستودعها، ولا يتبصر بدقائق هذا التكوين الرباني إلا قوم يفقهون، أي: يتعمقون بالبحث عن المعرفة الدالة على عظيم حكمة الله وقدرته.
ومنها قول الله تعالى في سورة (الأعراف/7 مصحف/39 نزول) :
{
هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا....} .
فأضاف سبحانه وتعالى في هذه الآية معنى السكن الدال على أنه بحكمته قد جعل في المرأة من الخصائص ما يحببها لنفس الرجل حتى يسكن إليها.
ألا فلتطمئن النساء إلى التكريم العظيم الذي كرمهن به الإسلام، إذ أعلن بصريح نصوصه أنهن مع الرجال من نفس واحدة، فالعنصر التكويني لكل منهما واحد، إلا أن الرجال تفردوا ببعض خصائص تناسب المهمات والوظائف المهيئين للقيام بها، وأن النساء تفردن ببعض الخصائص التي تناسب المهمات والوظائف المهيئات للقيام بها، وكمال كل من الصنفين يكون باستيفائه لخصائص صنفه، فلا يكمل الرجل ما لم لم تكمل ذكورته، ولا تكمل المرأة ما لم تكمل أنوثتها، وأخذ كل منهما من خصائص الآخر نقص مشين له، ما لم يتحول نهائياً إلى الصنف الآخر.
والذين يريدون من المرأة أن تنافس الرجل في خصائصه إنما يدفعونها إلى أقبح حالات النقص التي تعتري بعض النساء، ومحرضو المرأة حتى تتجاوز واقعها التكويني، ومهماته التي اصطفاها لها الإسلام بحسب خصائصها، إنما يريدون منها أن تركع لأهوائهم وأنانياتهم، وتقع في الفخاخ التي نصبتها لصيد
النساء عوامل شح نفوسهم التي تجعلهم يكزون عن كفالة المرأة ورعايتها والنفقة عليها، ويتذمرون من الإسلام، لأنه كرم المرأة وصانها، واختار أن يخفف عنها أعباء الكسب، لتتفرغ لأعباء تهيئة الحياة السعيدة في منزلها، دون أن يمنعها منه إذا اختارته هي لنفسها.
ويتغنى بعض أعداء الإسلام بالجاهلية العربية، وهم يلمزون في الوقت نفسه أحكام الشريعة الإسلامية المتعلقة بالمرأة، زاعمين أن الإسلام انتقصها من حقها بعض ما يريدون دفع المرأة المسلمة إليه، ليفسدوها ويفسدوا المجتمعات الإسلامية بها، مع أن الإسلا حينما جاء قلب المفاهيم السائدة في المجتمعات العربية المتعلقة بالمرأة قلباً جذرياً، نشأ عنه تحول عجيب لصالح مجد المرأة وكرامتها، وعلمها، وجوانب إنسانيتها المختلفة.
أما واقع المرأة في الجاهلية فقد كان في معظم أحواله واقعاً يرثى له بحق، إذ كانت عرضة للتسخير والإهانة والحرمان من جهة، ومحلاً لمتعة الرجل مع إحقار وازدراء لها من جهة أخرى.
ولم يكن حالها في كثير من أمم الأرض وشعوبها بأحسن من حاله عند أهل الجاهلية من العرب.
فبين الخوف من عار سبيها والأنفة من تزويجها في غيرة سخيفة منتنة، والفرار من أعباء النفقة عليها، كانت الإناث في المجتمع العربي الجاهلي قد يتعرضن للقتل الشنيع عن طريق الوأد أو غيره، وذلك من قبل أوليائهن آبائهن أو إخانهن أو غيرهم، دون أ، يجدن من ينصرهن فيما يتعرضن له من ظلم شنيع، وعدوان على حقهن في الحياة فظيع.
وهذا ما جعل معظم العرب الجاهليين يكرهون الإناث من مواليدهم كراهية شديدة، فإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسوداً من شدة ألمه، كاظماً غيظه لأنه لا يجد من ينتقم منه، يتوارى من القوم من سوء ما بُشر به، حتى لا تتوجه إليه نظرات الشامتين به من قومه، أو المشفقين عليه.
وكانوا بين رجلين: رجلٍ تأخذه الشفقة فيبقي الأنثى التي ولدت له،
وهو كاظم غيظه وحزنه غير رافع الرأس في المجتمع الجاهلي، ورجلٍ تضرب في رأسه الجاهلية المنتنة، فيتخلص من الأنثى الت يولدت له واستأمنه الله عليها، بأن يدسها في التراب وهي على قيد الحياة فيقتلها، وهذا هو الوأد الجاهلي.
ولقد صوّر القرآن هذه الحالة التي كان عليها العربي قبل الإسلام بقوله تعالى في سورة (النحل/16 مصحف/70 نزول) :
كيف يفرقون بين الذكر والأنثى هذا التفريق، وهما شطرا النفس الإنسانية دون أن يكون لهم في ذلك سند من العقل أو سنة الحياة وطبيعتها؟!
لو تبصروا قليلاً لعرفوا أن حكمة الله وقاعدة التكوين اقتضتا أن تنشأ الحياة بل المخلوقات كلها من زوجين اثنين، ذكر وأنثى، قال الله تعالى في سورة (الحجرات/49 مصحف/106 نزول) :
وقال تعالى في سورة (الرعد/13 مصحف/96 نزول) :
{وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ} .
وقال تعالى في سورة (الذاريات/51 مصحف/67 نزول) :
{وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} .
فمحا الإسلام بذلك مفاهيم الجاهلية، وأوضح للناس أن الذكور والإناث على صعيد واحد بين يدي الابتلاء الرباني في هذه الحياة، وأ، أكرم الناس عند الله أتقاهم. وحرّم ظلم المرأة تحريماً شديداً، وندد بوأد البنات تنديداً بالغاً، فقال الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
وقال تعالى في سورة (التكوير/81 مصحف/7 نزول) :
{وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} .
وكانت دوافع وأد البنات في الجاهلية ثلاثة:
الدافع الأول: مخافة تعرّض أوليائهن للعار إذا سُبين في الحروب أو الغزوات.
الدافع الثاني: الأنفة من تزويجهن بغيرة سخيفة منتنة.
الدافع الثالث: التخلص من النفقة عليهن بسبب الفقر الحاصل، أو مخافة وقوع الفقر في المستقبل بسبب النفقة عليهن.
عن قتادة في تفسير قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
{قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ....}
قال: هذا صنع أهل الجاهلية، كان أحدهم يقتل ابنته مخافة السباء والفاقة، ويغذو كلبه.
وقد نهى القرآن عن قتل الأولاد من الفقر الحاصل أو خشية وقوع الفقر في المستقبل في آيتين:
الأولى: قول الله تعالى في سورة (الأنعم/6 مصحف/55 نزول) :
{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ....}
والثانية: قوله تعالى في سورة (الإسراء/17 مصحف/50 نزول) :
{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ} .
والإملاق هو الفقر، والمقصود بالأولاد البنات بالدرجة الأولى، لأن هذا كان من عادة بعض العرب في عصور الجاهلية. ومن روائع البيان القرآني أن الله تعالى قال في سورة (الأنعام) :{نحن نرزقكم وإياهم} عقب النهي عن
قتل الأولاد من الفقر الواقع، وذلك حينما يكون الولي هو المسؤول عن النفقة على أولاده وأما في سورة (الإسراء) فعكس الترتيب، فقال تعالى:{نحن نرزقهم وإياكم} إذ كان ذلك عقب النهي عن قتل الأولاد خشية حصول الفقر في المستقبل، وعكس الترتيب في آية (الإسراء) يشعر باحتمال أن يكبر الأولاد قبل حصول الفقر، وحينئذ يكونون هم المرزوقين الذين ينفقون على أوليائهم وبذلك يكونون سبباً للكفاية أو الغنى، لا سبباً لحصول الفقر الذي يخشى أن يكونوا سبباً فيه.
وفي صور الوأد الذي عرفته البيئات الجاهلية جاءت عدة آثار:
فعن عكرمة في تفسير قول الله تعالى: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفهاً بغير علم} قال: نزلت فيمن كان يئد البنات من مضر وربيعة، كان الرجل يشترط على امرأته أن تئد بنتاً وتستحيي أخرى، فإذا جاء دور التي توأد غدا من عند أهله أو راح، وقال:"أنت علي كأمي إن رجعت إليك ولم تئديها" فترسل إلى نسوتها فيحفرن لها حفرة فيتداولنها بينهن، فإذا بصُرنَ به مقبلاً دسسنها في حفرتها ويسوّين عليها التراب.
وعن ابن عباس قال: كانت الحامل إذا قربت ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة، فإذا ولدت بنتاً رمت بها في الحفرة، وإذا ولدت ولداً حبسته، وكانوا يفعلون ذلك لخوف لحوق ال عار بهم من أجلهن، أو خوف الإملاق، كما قال تعالى:{ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق} .
وذكر المؤرخون أنه قد افتن العرب في ظلم البنات وإهانتهن، فمنهن من كان إذا ولدت له بنت ألبسها جبة من صوف أو شعر وأرسلها في البادية ترعى إبله، وإن أراد أن يقتلها تركها، حتى إذا بلغت من العمر ست سنوات، قال لأمها: طيبيها وزينيها حتى أذهب بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئراً في الصحراء، حتى إذا بلغها قال لها:"انظري فيها" ثم يدفع من خلفها ويهيل عليها التراب، حتى تسوّى البئر بالأرض، ومنهم من كان يفعل ما هو أنكى من ذلك وأقسى.
وقد ذهب في هذا الوأد ضحايا كثيرات من الإناث البريئات، حتى جاء
الإسلام فرفع الظلم عنهن وأعطاهن كامل حقوقهن.
عن قتادة قال: جاء قيس بن عاصم التميمي إلى النبي فقال: إني وأدت ثماني بنات في الجاهلية، قال:"فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة" قال: يا رسول الله، إني صاحب إبل، فقال له:"أهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت".
وهكذا كانت حال المرأة في الجاهلية، أما في الأمم الأخرى فقد أدركنا إلى عهد قريب أن من العار على المرأة الهندوسية أن لا تحرق نفسها في النار التي تحرق فيها جثة زوجها المتوفى.
وتمر القرون ويظل نظام الإسلام محتفظاً بقمة المجد التي دعا الناس إليها، بكل مواده، مهما حاول أعداء الإسلام تشويه صورته الرائعة بالمطاعن والمغامز، أو بالزيادات المضرة التي يتجاوزون فيها حدود المصلحة الإنسانية، والحكمة التي تقتضيها فطرة التكوين البشري.
فما بال الذين يتغنون بالجاهلية العربية، ويلمزون الإسلام، لا ينظرون إلى هذه الحقائق التي ترشدهم إلى سواء السبيل؟
أسرهم أن تعميهم كراهيتهم للإسلام، وتبعيتُهم لأجنحة المكر المختلفة، عن معرفة الحقيقة البينة، والإذعان لها والتسليم بها؟؟
جـ- مسؤولية المرأة الدينية:
يقرر نظام الإسلام أن المرأة كالرجل مسؤولة مسؤولية كاملة عن الأمور الدينية تجاه ربها، وتجاه المجتمع الإسلامي، وأن حكمها حكم الرجل في الإيمان والكفر، والطاعة والمعصية، والثواب والعقاب، فهي مخلوق مكلف، لأنها مزوّدة بكل العناصر التي تؤهلها للتكليف، وهذه العناصر هي:
1-
العقل الذي تدرك فيه خطابات التكليف، ودلائله التي أقامها الله في كونه، وتدرك فيه الحق والباطل، والخير والشر، والمفاسد والمصالح، والقبح والجمال.
2-
الإرادة الحرة التي يناط بها التكليف.
3-
طائفة من القوى الجسدية والنفسية والفكرية تستخدم في تنفيذ أوامر التكليف ونواهيه.
والمرأة في مجال التكليف مثل الرجل سواءً بسواء، لا تكلف إلا وسعها، ويشملها ويشمل الرجل معاً عبارة النفس الواردة في نصوص قرآنية كثيرة، كقول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} .
وقوله تعالى في سورة (الطلاق/65 مصحف/99 نزول) :
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} .
وقوله تعالى في سورة (الأعراف/7 مصحف/99 نزول) :
{
وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} .
وقوله تعالى في سورة (المؤمنون/23 مصحف/39 نزول) :
{وَلا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ} .
من أجل ذلك كانت مسؤولة عن إعلان الإسلام، وهي في ذلك تقف مع الرجل في مرتبة واحدة، وتعامل مثل معاملته، ومتى أعلنت إسلامها فنطقت بالشهادتين عصمت دمها ومالها إلا بحق الإسلام وحسابها على الله تعالى، وإذا ارتدت أصابتها جميع أحكام المرتدين دونما تفريق أو تمييز، لأن وسعها في هذا المجال مثل وسع الرجل.
والمنافقات من النساء كالمنافقين من الرجال، والمشركات منهن كالمشركين منهم، والكوافر منهن كالكفار منهم، يستقبلون جميعاً عند الله نصيبهم من العذاب، قال الله تعالى في سورة (الأحزاب/33 مصحف/90 نزول) :
وقال الله تعالى في سورة (الفتح/48 مصحف/111 نزول) :
فالنساء والرجال بين يدي أركان العقيدة الإسلامية سواء تكليفاً وجزاء، ولولا تقرير الإسلام أن الصنفين مستويات من حيث العموم في تزويدهما بعناصر التكليف لما جعلهما الإسلام على صعيد واحد، ولما خاطبهما بخطاب واحد، تبشيراً أو إنذاراً، أو إرشاداً وموعظة.
ولذلك قال علماء الإسلام: إن النصوص الإسلامية التي ويجه فيها الخطاب للرجال هي موجهة للنساء أيضاً، في كل الأحكام والعظات والتكاليف وأنواع التربية الإسلامية، ما لم يكن مضمون الخطاب مما يتعلق بخصائص الرجال التكوينية، وما لم يصرح في الخطاب بأنه خاص بالرجال دون النساء.
هذا هو واقع المرأة في الإسلام، بينما نجد أمماً يخرجون المرأة عن مجال التكاليف الدينية، اعتقادية كانت أو عملية، ويجعلونها أشبه بالبهائم التي لا تعقل مسائل الدين ويحقرون تكوينها، وينزلون بها عن مرتبة الإنسانية التي كرمها الله بها، وإن أشبهت في الصورة تكوين الرجل، أو يجعلونها شيطانة إغراء وإغواء، أو دمية متعة وخدمة.
ودعاة تحرير المرأة، الذين يحاولون أن يدفعوها إلى ما وراء الحدود الإسلامية إنما يخادعونها، ليهبطوا بها عن مرتبة الإنسان الذي كرّمه الله بالعقل والإرادة، ووضعه موضع الامتحان، فكلفه الإيمان والعمل الصالح، والبعد عن الشر والإثم.
وهدفهم من ذلك أن يقذفوا بها إلى سوق الرذيلة المشاعة لكل فاسق، ويزجوا بها في أتون الخدمة والعمل والكدح الشاق، لتكسب لقمتها وكساءها ومأواها، وهذا ما انتهت إليه حرية المرأة في كثير من البلاد التي تتحلى بشعارات
تحرير المرأة، فقد أمست المرأة فيها لا تجد أباً ولا أخا يعيلها متى غدت فتاة قادرة على الكسب، وساد عندهم شعور عام أنه من الواجب أن تخدم الفتاة في أي عمل، ولو بذلت فيه عفافها لأي طالب.
وهذا ما يريدون أن يحولوا إليه المرأة المسلمة بدعاياتهم المضللة.
د- المرأة والتكاليف الدينية الفرعية:
وإذا انتقلنا بالمرأة من مرحلة الإيمان والإسلام – وهي أول مرحلة وأعلاها – تبدؤها النفوس المكلفة ذكوراً وإناثاً على صعيد واحد – إلى مرحلة التكاليف الدينية الفرعية، فإننا نجد قاعدة التسوية الإسلامية بين الرجال والنساء مضطردة في جميع التكاليف الإسلامية، إلا فروقاً تستدعيها خصائص التكوين الجسدية والنفسية، إذ راعى الإسلام في المرأة نسبة استطاعتها بشيء من التخفيف، التزاماً بالعدل الذي تقتضيه الحكمة.
فلما كانت المرأة عرضة لوهن جسدي ملازم لفترة حيضها أسقط الله عنها ضمن هذه الفترة فريضتي الصلاة والصوم، دون أن يلزمها بقضاء الصلوات التي تتركها، لأنها ستقوم بأداء اصلوات اليومية الجديدة، وتكليفها قضاء ما فاتها في أيام الحيض يعني تحميلها مسؤوليتي عبادة من نوع واحد في فترة واحدة، دون أن يكون لها كسب في ذلك، أما الصيام فتقضيه، لأنها ستكون خلال أحد عشر شهراً في السنة فارغة من أداء عبادة صوم مفروض عليها، فإذا قضت أيام الصيام التي فاتتها في شهر رمضان بسبب الحيض لم يصعب عليها ذلك، ولم يجتمع عليها في فترة واحدة عبادتان من نوع واحد.
ولما كانت المرأة أيضاً عرضة لوهن جسدي ملازم لتفرة حملها وإرضاعها رخص الشارع لها أن تفطر في رمضان، وأن تعوض عن هذه العبادة بالقضاء أو بالكفارة، حسب تفصيلات فقهية مناسبة لمختلف الأحوال.
وفي فريضة الزكاة لا نجد في الإسلام فرقاً في الأحكام بين الذكور والإناث، إلا فرقاً واحداً راعى الله فيه جانب المرأة، وأعانها فيه على تلبية فطرتها، وهذه المراعاة تتعلق بحيلها التي هي مادة أساسية من مواد زينتها، لأن الزينة للمرأة عنصر ترتبط به غريزتها ارتباطاً ملحاً، وهي أيضاً صورة من صور
تمكين رابطة المودة بينها وبين زوجها. من أجل ذلك أذن الله لها أن تتخذ من الذهب والفضة حلياً ت تزين به لزوجها، وهذه الحلي لا بد أن تتعطل عن النماء، لذلك أعفاها الله من أن تدفع الزكاة عما تتخذه لزينتها بالمعروف، فإذا زدت على المقادير المعروفة تهرباً من الزكاة فهو كنز لا إعفاء معه، وللفقهاء في هذا الموضوع تفصيلات وآراء مختلفة بحسب اجتهاداتهم.
أما فريضة الحج فالمرأة والرجل فيها سواء، تسافر كما يسافر، ولكن مع محرم لها صيانة لشرفها وعرضها، وتنفق كما ينفق، وتؤدي مناسكها كما يؤديها، إلا أن طبيعة أنوثتها والحرص على سلامة المجتمع من الفتنة تقضيان بأن لا تكلف خلع ثيابها المخيطة، وأن تقتصر في إحرامها على كشف وجهها وكفيها.
وأمّا واجب الجهاد في سبيل الله فعلى المرأة أن تجاهد بلسانها داعية إلى الله، وأن تجاهد بمالها، ولكن أعفيت المرأة في معظم الأحوال من الخروج إلى قتال الأعداء، رعاية لحالتها الجسدية، ولا تكلف ذلك إلا في حالة النفيرة العام، وتؤدي حينئذ من الأعمال على قدر استطاعتها، وليس معنى إعفائها في الأحوال العادية عدم ترغيب الإسلام بأن تشارك في مساعدة المقاتلين، وتضميد جرحاهم، وجلب الماء وإعداد الطعام لهم، ونحو ذلك مما تحسنه وتجيده من الأعمال.
ولما كانت النساء يقفن مع الرجال على صعيد واحد بين يدي التكاليف الإسلامية الاعتقادية والعملية - إلا ما تقتضيه فروق الخصائص التكوينية الجسدية والنفسية، من فروق في الأحكام والتكاليف - كانت النصوص الإسلامية صريحة في إبراز هذه الحقيقة، بشكل يحق معه للمرأة املسلمة أن تفخر بالمجد الذي كرمها الله به، فجعلها شقيقة الرجل في التكوين، وجعلها شقيقته في التكريم، ثم جعلها شقيقته في التكليف، وأخيراً فلها من الجزاء ثواباً أو عقاباً نظير ماله، قال الله تعالى في سورة (النحل/16 مصحف/70 نزول) :
وقال تعالى في سورة (الأحزاب/33 مصحف/90 نزول) :
فالإسلام والإيمان والقنت والصدق والصبر والخشوع والتصدق والصيام وحفظ الفروج وذكر الله كثيراً وجزاء هذه الصالحات عند الله كل أولئك يستوي فيها الرجال والنساء.
والمؤمنة مثل المؤمن ليس من شأن أي واحد منهما أن يكون له اختيار في ترك الأحكام الإسلامية، التي يقضي الله بها ورسوله عليهما، لأن بواعث الإيمان في قلوبهما لا بد أن تكون محرضة لهما على الطاعة والامتثال، دون أن يجدا في صدرهما أيّ حرج، ومن يعص الله ورسوله ذكراً كان أو أنثى فقد ضلّ ضلالاً مبيناً.
وأما الفروق في الاستعدادات فالعدل الإلهي يضعها في الحساب لدى تقويم أعمال الناس، وتقدير الجزاءات عليها، ومثلها في الصنفين كمثل الفروق الفردية الموجودة لدى الرجال، والفروق الفردية الموجوةد لدى النساء، فالله سيحاسب كل إنسان ذكراً كان أو أنثى حساباً خاصاً به يناسب ما وهبه في الدنيا من استعدادات واستطاعة وخصائص.
ومن تسوية الإسلام بين صنفي الرجال والنساء تسويته بينهما في المحرمات والجنايات، فحدود مسؤولية المرأة في ذلك هي حدود مسؤولية الرجل نفسها، لأن خطاب الشارع متوجه للإنسان المكلف، باعتبار كونه إنساناً، ذكراً كان أو أنثى.
فالإشراك بالله، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والسرقة، والزنى، وعقوق الوالدين، والكذب، والغيبة، والنميمة، والظلم، وعمل الميسر،
وشرب الخمر وأكل الميتة ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، وتناول سائر المأكولات والمشروبات المحرمة، والإفساد في الأرض، والصد عن سبيل الله، والقذف، وأكل أموال الناس بالباطل، والحقد والحسد، والغش والإضرار بالناس في العقود، وسائر المحرمات في الإسلام، يستوي فيها الرجال والنساء تحريماً وعقوبة.
ذلك لأن نسبة عناصر التكليف في كل من الصنفين - وهي العقل والإرادة والاستطاعة - متكافئة، كما أن دواعي المعصية في نفوس كل من الصنفين - وهي الغرائز والشهوات والمطامع - مكتافئة أيضاً، ومن أجل ذلك كانت المسؤولية على وجه العموم متكافئة، ولا يؤثر على قاعدة التكافؤ وجود الفروق الفردية، لأن هذه الفروق نفسها موجودة أيضاً في أفراد كل صنف منهما، وأمر هذه الفروق الفردية متروك لمجرى الحساب الرباني يوم القيامة كما سبق بيانه، أما في الدنيا وجزاءاتها وحدودها فالمسؤولية المنوطة بكل فرد من أفراد المكلفين واحدة.
ومن أمثلة المرحمات التي أبرزت النصوص الإسلامية تكافؤ المسؤولية فيها بين الرجال والنساء: السرقة، قال الله تعالى في سورة (المائدة/5 مصحف/112 نزول) :
} وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فقد تكافأ السارق والسارقة جريمة وعقوبة، كما فتح الله لهما جميعاً باب التوبة والإصلاح والمغفرة والرحمة بنسبة واحدة.
ذلك لأن الدواعي النفسية للسرقة متشابهة بين الصنفين، وهي الطمع بأموال الآخرين، مع الاستهانة بالعدوان على حقوقهم، ولأن نسبة الجريمة مت شابهة في كل منهما، وهي استشراف النفس إلى الظلم والعدوان بعزم وتصميم، ولأن معرفة التحريم العقوبة في كل منهما متشابهة، لكل ذلك كان من العدل تساويهما وتكافؤهما.
ومن الأمثلة أيضاً: الزنى، قال الله تعالى في سورة (النور/24 مصحف/102 نزول) :
{
الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} .
فقد تكافأ الزاني والزانية جريمة وعقوبة، وذلك لأن الدواعي النفسية للزنى متناظرة بين الصنفين، إذ تدعو إليه غريزتان متناظرتان متجاذبتان، إحداهما في الرجل والأخرى في المرأة، ولأن نسبة الجريمة، وهو تجاوز حدود الله وعصيان نواهيه بعزم وتصميم في كل منهما متشابهة، ولأن معرفة التحريم والعقوبة في كل منهما متش ابهة، لكل ذلك كان من العدل تساويهما وتكافؤهما، وتقديم الزانية على الزاني في النص على خلاف النصوص الأخرى يشعر بأن فعل المرأة أكثر شناعة، وتعليل ذلك أن لديها من دواعي الصيانة الاجتماعية أكثر مما لدى الرجل، كما أن حياءها وضعف جرأتها في هذا الموضوع يساعدانها على التزام سبيل العفة أكثر من الرجل.
ومن الأمثلة أيضاً: القتل، فالمسؤولية فيه متكافئة، والحد فيه واحد، وذلك لأن الناس جميعاً سواء في حق الحياة، إلا من اعتدى على حياة غيره من دون حق، أو ارتكب جرماً يهدر دمه في نظر الإسلام، فيقتل به، وتتولى قيادة الحكم الإسلامي إقامة حدود الله. وإعلاناً عن التكافؤ في المسؤولية في مقابل تكافؤ دماء المسلمين والمسلمات، قال رسول الله:"المؤمنون تتكافأ دماؤهم" وقال الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
وعلى ما في هذه الآية من اجتهادات فقهية فإنها ظاهرة في معنى التكافؤ في المسؤولية، وتكافؤ المسلمين.
وعلى هذا النسق تسير تسوية الإسلام بين صنفي الرجال والنساء في المحرمات والجنايات وحدود المسؤولية، بينما كانت أمم كثيرة لا تعترف بهذا التساوي ولا تقره.
هـ- حقوق المرأة الشخصية والاجتماعية:
ومن تسوية الإسلام بين صنفي الرجال والنساء تسويته بينهما في الأحكام المتعلقة بالتصرفات المالي والشخصية.
فالمرأة في نظام الإسلام تنجز لنفسها عقود البيوع والرهن والإجارة والصلح والشركة والمساقاة والمزارعة بحرية تامة كالرجل. كما أنها تهب وتوصي وتتصدق وتسب السبل وتقف الأوقاف وتعتق الأرقاء، حكمها في ذلك كحكم الرجل.
ثم هي تعقد زواج نفسها بحرية تامة، ولها حق الموافقة أو الرفض.
كل هذه التصرفات المالية أو الشخصية تتولاها المرأة بنفسها في حرية كاملة، أو توكل عنها من يقوم لها بها، دون أن يكون عليها وصي أ، حاجر، ما دامت مستوفية شروط أهلية التصرف، وهي في هذا كالرجل، وإشراك وليها في عقد نكاحها نوع من أنواع الصيانة والتكريم وضمان الحقوق لها، حتى لا تستغل أو تستغفل أو يغرر بها أو يجحد حقها نظراً إلى الحياء الذي يعتري المرأة المؤدبة بآداب الإسلام في موضوع الزواج، يضاف إلى ذلك حق الأسرة في مصاهرة من يلائمها اجتماعياً.
وأموال المرأة في نظام الإسلام ملك لها، ومهرها الذي تستحقه بالزواج ملك لها أيضاً، وليس لأحد من الناس أن يعتدي عليها في شيء من ذلك، وإذا تزوجت المرأة لم تفقد شيئاً من شخصيتها المدنية، ولا من أهليتها في التعاقد، ولا من حقها في التملك، بل تظل بعد زواجها محتفظة بكامل حقوقها المدنية، وأهليتها في تحمل الالتزامات، وإجراء العقود، وحقها في التملك تملكاً مستقلاً.
ولم يبح الإسلام لزوجها أن يأخذ شيئاً من مالها إلا عن طيب نفس منها، قال الله تعالى في سورة (السناء/4 مصحف/92 نزول) :
وقال أيضاً فيها:
فإذا كان المال الذي سبق أن قدمه الزوج مهراً لزوجته بهذه المثابة، فالأموال الأخرى التي ملكتها بميراث أو كسب أو غير ذلك مما أباح الله أحق بأن تكون صاحبة استقلال تامٍ فيها.
هذا هو نظام الإسلام في رقيه وسموّه وضمانه لحقوق المرأة، بينما نجد في أحدث القوانين الأوربية نصوصاً تنزع عن المرأة صفة الأهلية في كثير من الشؤون المدنية، إذ نجد مثلاً نصوصاً فيها تقرر:"أن المرأة المتزوجة لا يجوز لها أن تهب ولا أن تنقل ملكيتها ولا أن ترهن ولا أن تملك بعوض أو بغير عوض بدون إشراك زوجها في العقد أو موافقته عليه موافقة كتابيّة".
وهذا ما تضمنته المادة (217) من القانون المدني الفرنسي.
أليس هذا حجراً على تصرفات المرأة لا يعدو أن يكون من رواسب استرقاق الرجال للنساء في أوربا، على خلاف وضع المرأة المسلمة، وهو الوضع الذي ما زالت تتمتع به منذ ظهر فجر الإسلام، فمنح النساء حقوقهن بالعدل.
وأما ما تعانيه بعض النساء في بعض البيئات التي تنتسب إلى الإسلام فما هو إلا انحراف تطبيقي عن نظامه وتعاليمه البينة الصريحة، بعادات دخيلة، أو بتأثير رواسب جاهلية.
وتعلن النصوص الإسلامية أن المؤمنين والمؤمنات على صعيد سواء في أن بعضهم أولياء بعض، وفي أنه ميتآمرون بالمعروف ويتناهون عن المنكر، ويؤدون واجباتهم الدينية، ويطيعون الله ورسوله، وفي أنهم جميعاً مشمولون بوعد الله بالجنات التي تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها، وبالرضوان من الله الذي هو أكبر من كل أنواع النعيم المادي في الجنات.
قال الله تعالى في سورة (التوبة/9 مصحف/113 نزول) :
) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} .
فالمرأة في المجتمع الإسلامية تنصر الرجل على نفسه فتأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر، كما أن الرجل ينصر المرأة على نفسها، فيأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر، ويشترك الرجال والنساء جميعاً في إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وطاعة الله والرسول في كل ما يقضي به الله ورسوله من أمر.
وليس يمنع المرأة حياؤها ولا جلبابها، في المجتمع الإسلامي الخالي من التضييق الذي لم يأت به الإسلام، والخالي من قبائح التحلل والتبذّل التي لا يرضى عنها، من أن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتوجه نصا ئحها للمسلمين والمسلمات، ما وجدت إلى ذلك سبيلاً كريماً.
وهذا ما عرفته ودرجت عليه النساء المسلمات في العصر الإسلامي الأول، والعصور من بعده التي اهتدت بهديه، واستمسكت بطريقته، حتى جاءت عصور انحطاط انتشر فيها بين المسلمين مفاهيم غريببة عن الإسلام، فعزلت المرأة عزلاً تاماً عن العلم والمعرفة، وصدتها عن واجباتها الإسلامية التي تأمرها بالدعوة إلى الله، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، على قدر استطاعتها، وضمن حدود الحشمة والآداب الإسلامية المطلوبة منها.
ومن شواهد ذلك الحادثة المشهور، حادثة المرأة التي وقفت في مسجد المدينة، وتصدت لخليفة المسلمين عمر بن الخطاب، إذ نهى عن المغالاة في المهور، فقالت له: ليس ذلك لك يا عمر، إن الله تعالى يقول:{وآتيتم إحداهن قنطارا} فقال عمر: "امرأة خاصمت عمر فخصمته" وجاء في رواية أخرى أنه قال: "امرأة أصابت ورجل أخطأ".
إن هذه المرأة قد نبهت عمر إلى حكم الإذن الشرعي بأن يقدم الرجل من المهر ما يشاء لمن يريد الزواج منها، فلما سمع عمر منها ذلك لم تأخذه عزة الخلافة، ولم تصده كبرياء النفس عن أن يستمع لقولها، ويعلن على جمهور المسلمين صواب المرأة.
وهكذا كانت التربية الإسلامية تكافلاً في المجتمع الإسلامي، لا يعزل منه نساء ولا صبيان ولا هرمون، والكل يشتركون في بناء هذا المجتمع على طاعة الله.
وهذه التربية هي التي جعلت عائشة أم المؤمنين راوية سفر كبير من لأحاديث والسير عن رسول الله ومثلها كثير من الصحابيات رضوان الله عليهن، كما جعل كثيراً من النساء المسلمات عالمات وأديبات وواعظات ومشاركات في كثير من أمور المسلمين العامة والخاصة.
وما أظن المدنية الحديثة التي تتبجح بإعطاء المرأة حقوقها، وتهاجم الإسلام ظلماً وعدواناً قد ارتقت بعد إلى هذا المرتقى الحضاري الذي رفع الإسلام إليه الأمم الهمجية بسرعة خاطفة، فكأنما نقلها من عالم إلى عالم، وكأنما أعاد صياغتها على الوجه الذي يريد، دون أن يصبر على سنن التطور ذات الأمد الطويل، وذلك لأنه استطاع أن ينفذ إلى أعماق القلوب فيغير ما فيها، ولم يكتف بالعمل على إكساب الناس بالمهارات العملية التجريبية فقط في ميادين التربية الإسلامية.
ألا فليعلم النساء، أن أعداء الإسلام الذين يريدون صرفهن عن الإسلام، بشعاراتهم البراقة، إنما يريدون أن يجعلوا المرأة سلعة كاسدة، ومتعة رخيصة، وخادمة مهانة.
ومع ما في الإسلام من رقي وسمو، وضمان لحقوق المرأة، وحقوق الرجل بالعدل، وسلامة المجتمع، بشكل لم ترق إلى مثله أحدث النظم الوضعية، تحاول الفتيات المسلمات في الأجاي الحديثة أن يلحقن بركب المرأة الأوربية، وهن يتسابقن في مضرات أنفسهن، متهالكات تهالك الفراشات على النار.
ويلوح لهن أعداء الإسلام بالمناديل البراقة التي تخدع الأعين بأصباغها وزخارفها، ولكن إلى أين الطلب؟
إنه إلى الشقاء والعذاب والعقد النفسية القاتلة، والكدح والمهانة، والكساد في سوق الرذيلة.
و ميراث المرأة في الإسلام:
قالوا: إن الإسلام لم يسوِّ في الميراث بين الذكر والأنثى، بل جعل نصيب الأنثى في معظم الأحوال على مقدار النصف من نصيب الذكر، وهذا تفريق ينافي العدل.
إن أعداء الإسلام يقذفون هذه الشبهة في صفوف الأجيال المسلمة بشكل غامض، لإثارة العواطف الأنانية الصرفة عند ألإناث.
مع أن البحث التحليلي المتجرد النزيه، يكشف أن الإسلام قد كرم الإناث كثيراً بهذا العطاء السخي في الميراث، إذا وضعنا هذا التوزيع للتركات في مقابل الأعباء الاقتصادية الملقاة على كل من الرجل والمرأة، فالعدالة في التوزيع يجب أن تلاحظ المسؤوليات والأعباء، وليس من العدل أن يعطى المكفي بنفقة غيره عليه، والذي يأخذ المال غالباً لأجل رفاهية نفسه، مثل ما يعطى المسؤول عن نفقة نفسه وزوجه، ونفقة أصوله وفروعه إذا كانوا محتاجين للنفقة.
فلا يصح بحال من الأحوال أن ينظر إلى قضية الميراث، دون أن ينظر في الوقت نفسه إلى مسؤوليات النفقة، والأعباء الاقتصادية التي يقررها الإسلام بشكل عام. إن النظر إلى جانب واحد من النظام دون النظر إلى الجوانب
الأخرى المكلمة له، كالنظر إلى طرف واحد من أطراف أي كائن في الوجود، دون النظر إلى الأطراف الأخرى على وجه الشمول.
والجاهلون قصيرو النظر هم وحدهم الذين ينظرون إلى الأنابيب الفرعية لتوزيع المياه، بمقياس النظرة السطحية التي ينظرون فيها إلى الأنابيب الرئيسة، فيقولون: إن مصلحة المياه لم تكن عادلة، إذ جعلت هذه الأنابيب التي تمددها في الشوارع الرئيسة للمدينة، أكبر وأقوى من الأنابيب التي تمددها في أطراف المدينة. ولا شك أن العقلاء يسخرون من منطق هؤلاء الجهلاء، لأنهم يعلمون أن وظيفة الأنابيب الرئيسة تقتضي أن تكون كذلك. وهو ما توجبه القواعد الهندسية السليمة.
وكذلك فرق نظام الإسلام في توزيع التركات بين نصيب الذكور ونصيب الإناث في معظم الأحوال، ملاحظاً حاجة الأعباء الملقاء على كل منهما.
والنظرة الفكرية والواقعية الشاملة في هذا الموضوع، لا بد أن تلاحظ الأمور التالية كلها في وقت واحد حتى تكون أحكامها صحيحة:
أولاً: لقد كرم الإسلام المرأة في نظامه، فرحمها وحدب عليها، ونظر إلى أعباء حملها ورضاعها وتربية أبنائها وتدبير منزل الزوجية وخدماتها فيه، فأعفاها من واجبات السعي لاكتساب الرزق، ولم يحملها مسؤوليات أعباء المعيشة، لا لنفسها ولا لغيرها، لئلا يجمع عليها عبثين في الحياة، وليصونها عن التبذل، وليقيها متاعب الكدح خارج منزلها، وألقى كل هذه الأعباء والمسؤوليات على الرجل، دون أن يمنعها من العمل الشريف إذا هي اختارت ذلك.
فنفقة المرأة في نظام الإسلام واجبة على زوجها، وإن كانت غنية، أو على ذوي قرابتها إن كانت فقيرة، ضمن قواعد وأحكام مفصلة في الفقه الإسلامي، فإن لم يكن لها زوج أو أقرباء ينفقون عليها وكانت فقيرة، فنفقتها واجبة على بيت مال المسلمين، تتقاضاها من صندوق الزكاة أو من الصندوق العام.
ثانياً: لدى الزواج يتحمل الرجل أعباء دفع مهر للزوجة، وأعباء سائر النفقات التي يتطلبها الزواج، في حين أن المرأة هي المستفيدة من المهر ومعظم
نفقات الزواج، دون أن تكون مسؤولة ن شيء من ذلك.
ثالثاً: الرجل هو المسؤول عن العمل لكسب الرزق، والنفقة على زوجته وعلى أولاده، بينما لا تكلف المرأة شيئاً من هذه الأعباء، إلا أن تقدم شيئاً من ذلك تطوعاً، يضاف إلى ذلك أن الرجل مسؤول أيضاً عن النفقة على طائفة من ذوي قرابته الفقراء، ضمن تفصيلات موضحة في الفقه الإسلامي.
وبموجب هذا النظام تصبح الأموال التي تملكها المرأة معدة في أكثر أحوالها لزينتها، ورفاهيتها الخاصة، الزائدة عن حدود النفقة الواجبة، ولعطاءاتها التي تحبو بها من تشاء من أولادها وبناتها وأقاربها، ولصدقاتها التي تكسب بها عند الله أجراً، ولتدخر منها ما تسعف به نفسها ومن تحب عند مفاجآت الضروروات والنوائب.
وهنا قد يقول قائل: لقد زاد الإسلام إذن في نصيب المرأة من الميراث، إذا لاحظنا أحكامه الأخرى في نظام النفقات، ونجيبه بأن الميراث فيه معنيان:
المعنى الأول: أنه غطاء للتكافل الاجتماعي داخل الأسرة الواحدة، إذ يكون غرم النفقة الواجبة مقابلاً لغنم الميراث.
المعنى الثاني: أن الميراث فيه دعم للترابط الاجتماعي المشعر بوحدة الأسرة، ففيه مواساة للأقارب مما تركه ميتهم.
وحين ندرك كل ذلك نستطيع أن ندرك حكمة التشريع التي تظهر فيها ميزة الإسلام وعظمته.
ولقد كانت نظرة الجاهليين قبل الإسلام مادية بحتة، نشأ عنها أن لا يورثوا النساء ولا الأطفال، وكانوا يقولون:"لا يرث إلا من طاعن بالرماح، وذاد عن الحوز، وحاز الغنيمة" وكانوا يقولون عن المرأة معللين عدم توريثها: "لا تركب فرساً، ولا تحمل كلاًّ، ولا تنكي عدوّاً".
وبهذا يظهر لنا عظمة الإسلام في هذا المجال، كشأنه في كل مجال، ومع ذلك يحاول أعداء الإسلام قذف شبهاتهم في صفوف الأجيال المسلمة، ليصدوها عن دين الله الحق.
ز- الإسلام وتعليم المرأة:
يموه بعض المغرضين ويزعم بعض الجاهلين: أن الإسلام لا يشجع على تعليم المرأة، وأنه يفضل أن تبقى جاهلة أو أقرب إلى الجهل.
وهذا محض افتراء ظاهر على الإسلام، فما من دين ولا مذهب في الحياة دفع الإنسان إلى العلم كما دفعه إليه الإسلام،إنّه دفع الإنسان كلَّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى إلى مجالات العلم المختلفة، وإلى ميادين المعرفة والبحث عن الحقائق، بكل وة، إلعلاناً منه أن الطريق الصحيح إلى معرفة الله والإيمان به، والاستسلام لشرائعه إنما هو طريق العلم.
أليس في الآيات التي بدأ الله بها الوحي لرسوله محمد إعلان قوي لهذه الحقيقة؟
إن أول ما بدئ به من الوحي قول الله تعالى لرسوله محمد في سورة (العلق/96 مصحف/1 نزول) :
{
اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} .
إنه لأمر بالقراءة باسم الرب الخالق، الذي خلق الإنسان كلَّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى من علق، وفي هذا إشارة إلى أن المخلوقات هي مجالات المعرفة التي تأخذ بيد الإنسان إلى معرفة الله، والبحثُ فيما خلق الله هو السبيل الأقرب والأقوم لطلاب المعرفة ومتتبعي الحقائق، أين كانوا وفي أيّ منهج علمي سلكوا.
ولقد بدأ الوحي بالأمر بالقراءة لأنهم أهم وسائل تثبيت المعارف، ومتابعة حلقاتها، والقراءة إنما تكون بعد الكتابة، ومن أجل ذلك أ؟ هر الله منّته على عباده إذ علّم بالقلم، أداة الكتابة الكبرى، فعلّم الإنسان كلّ الإنسان بشطريه الذكر والأنثى مالم يعلم.
وهذه الدعوة التي دعا الله بها الإنسان إلى العلم، منذ اللحظات الأولى التي بدأ بها إنزال تعاليم الإسلام، أكبر برهان يدلّ على التسوية التامة بين
شطري الإنسان الذكر والأنثى، في ميدان دعوتهما إلى العلم والمعرفة، والتأمل فيما خلق الله، والدعوة إلى استخدام الوسيلتين المترابطتين ببعضهما، وهما القراءة والكتابة.
ولما كان العلم هو الطريق إلى معرفة الله والإيمان به، والطريق إلى معرفة الأحكام الدينية التي يكلفها الإنسان ذكراً كان أو أنثى، كان من المتحتم على كل مسلم ومسلمة أن يتعلم ما يهديه إلى هذه الأمور المسؤول عنها مسؤولية شخصية أمام الله.
فالإنسان كل الإنسان ذكره وأنثاه مبتلىً في هذه الحياة الدنيا، ومسؤول عن تصرفاته الإرادية كلها مسؤولية تامة، ما دام متمتعاً بأهلية التكليف، وهي العقل والإرادة والاستطاعة.
ومسؤولية الإنسان عن تصرفاته تستلزم تكليفه ما يعرف به الحق والباطل، والخير والشر، والنفع والضر، والقبح والجمال، وحدود مسؤوليته أمام الله.
فهل في أي مذهب من مذاهب العالم المتحضر مسؤولية عن العلم، تتناول بشكل شخصي كل إنسان لديه ما يستطيع أن يتعلّم به، ذكراً كان أو أنثى، أدقّ وأشدّ وأحزم من هذه المسسؤولية الت يناطها الإسلام بكل إنسان؟
إنها مسؤولية تضع الإنسان كل الإنسان على مفترق طريقين: أما أحدهما فيصعد به إلى النعيم المقيم، والسعادة الخالدة في جنات عدن، وأما الآخر فينحدر به إلى العذاب الأليم والشقاء الدائم في نار جهنم.
وهذه المسؤولية الشخصية عن الأعمال الإرادية - مع ملاحظة أن العلم شرط أساسي فيها - قد دلّت عليها معظم النصوص الإسلامية دلالات لا تخفى على أقل الناس بصراً فيها.
فممّا جاء منها مجملاً قول الله تعالى في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) :
وعبارة "كل نفس" تشمل الذكر والأنثى بنسبة واحدة.
ومنها قول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
وقوله تعالى فيها أيضاً:
{لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ}
ومما جاء منها مفصلاً قول الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول) :
وقد حرص الإسلام كل الحرص على تعليم المرأة ما تكون به عنصر صلاح وإصلاح، في مجتمع إسلاميّ متطور إلى الكمال، متقدّمٍ إلى القوة والمجد، آمن مطمئن سعيد.
ولتحقيق هذا الهدف حرص على اشتراكها في المجامع الإسلامية العامة الكبرى منها والصغرى، فرغب بأن تحضر صلاة الجماعة، وأن تشهد صلاة الجمعة وخطبتها، وأن تشهد صلاة العيد وخطبتها وإن كانت في حالة العذر المانع لها من أداء الصلاة، وأمرها بالحج والعمرة، وحثها على حضور مجالس العلن ، وخاطب الله النساء بمثل ما خاطب به الرجال، وجعلهنّ مندرجات في عموم خطاب الرجال في معظم الأحوال، حرصاً على تعليمهن وتثقفيهن وتعريفهن أمور دينهن، ومشاركتهن في القضايا العامة للمسلمين.
ونظرة إلى واقع الحياة تبدي لنا أهمية صلاح المرأة علماً وخلقاً وسلوكاً داخل أسرتها، ثم في المجتمع الكبير، فمبقدار صلاح المرأة في الأسرة يكون غالباً صلاح النشء، والذرية فيها، وبمقدار فسادها يكون غالباً فسادهم.
يضاف إلى ذلك مالها من تأثير بالغ على الرجل، زوجاً كان أو أباً أو أخاً، وأهمية صلاح المرا' لصلاح الأسرة أكثر من أهمية صلاح الرجل لصلاحها، لأن المرأة تستطيع أن تكون ذات أثر فعال مرشد أو مفسد، في تكوين أخلاق الأطفال الصغار وطبائعهم وعاداتهم أكثر من الرجل بكثير، وذلك لعدة أسباب:
1-
منها ما وهبها الله غالباً من عاطفة متدفقة، ولين في الطبع، وقابلية للاندماج والمشاركة في أمور الصغار على مقدار طبائعهم ونفوسهم، مما له أثر كبير في اكتساب حبهم وإحراز ثقتهم، حتى يخذوها قدوة لهم في أقوالها وأعمالها وأخلاقها وسائر تصرفاتها.
2-
ومنها واقع حال ملازمتها لأطفالها في أكثر أوقات نشأتهم، وهم ما يزالون بعدُ فطرة نقية، وعجينة لينة، قابلة للتكيف بالتقليد، أو بالعادة، فما يُطبع في هذه العجينة في فترة قابليتها للتكيف من خير تجف عليه، وما فيه من فاسدٍ تجف عليه، ثم يعسُر عند جفافها وتصلبها التغيير والتبدييل، ومن شبّ على شيءٍ شاب عليه.
ولما كان للمرأة كل هذا الأثر في تربية الطفولة داخل أسرتها أو خارجها، كان لا بد من العناية بتكوينها تكويناً راقياً، والعمل على جعلها قدوة صالحة وأسوة حسنة، وذلك لا يتم إلاّ بتعليمها ما تكون به المربية الفاضلة، وتربيتها تربية إسلامية حسنة، والاستفادة مما وهبها الله من عاطفة رقيقة، لملء قلبها ونفسها بالإيمان والخير، حتى تغذي بهما الجيل الذي تتولى تنشئته وتربيته.
ولذلك كثيراً ما نلاحظ أولاداً فاضلين مهذبين ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمّاً مربية فاضلة، تقية مهذبة، وإن لم يكن أبوهم على مثل ذلك، ونلاحظ أيضاً أولاداً فاسدين منحرفين، ثم نبحث عن سر الأمر فنعلم أن لهم أمّاً فاسدة، وقد يكون أبوهم صالحاً فاضلاً.
فلا عجب بعد هذه الموجبات لإصلاح المرأة علماً وعملاً وخلقاً حتى تكون مربية فاضلة، أن نجد الإسلام يحرص على تعليم المرأة، وأن يخصص
الرسول للنساء أياماً يجتمعن فيها، ويعلمهن مما علمه الله، إضافة إلى الأيام التي يحضرن فيها مع الرجال، ليتزودن من العلم ما يخصهن، ويتعلق بشؤونهن، مما ينفردن به عن الرجال، بمقتضى تكوينهن الجسدي والنفسي، إذ بلغت عندهن الجرأة الأدبية الطيبة أن يطلبن ذلك من الرسول، فاستجاب لهن صلوات الله عليه.
يروي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري قال: جاءت امرأة إلى رسول الله فقالت: يا رسول الله، ذهب الرجال بحديثك، فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه، تعلمنا مما علمك الله، قال: اجتمعن يوم كذا وكذا، فاجتمعن، فأتاهن النبي فعلمهن مما علمه الله، ثم قال:"ما منكن من امرأة تقدم ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجاباً من النار" قالت امرأة: واثنين؟ فقال رسول الله: "واثنين".
فهذه امرأة من الصحابيات تأتي الرسول صلوات الله عليه بجرأة أدبية مشكورة وتخاطبه برباطة جأش، فتقول له: يا رسول الله ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا من نفسك يوماً نأتيك فيه تعلمنا مما علمك الله.
وذلك لأن الرجال كانوا يحتلون مكان المقدمة من مجالس الرسول، فتوجه إليهم أكثر كلماته وعظاته وبياناته، ولئن كان الإسلام في دعوته وأحكامه وتكاليفه ومواعظه يتناول الرجال والنساء على السواء، فإن بعض مسائله وأحكامه خاص بالرجال، وبعضها خاص بالنساء.
أما الرجال فينالون حظهم من التعرف على ما يخصهم، إذ ليس بينهم وبين الرسول حجاب، ولديهم من الجرأة ما يسألون عن كل أمر من أمور دينهم، فهم يسألون الرسول عن ذلك أينما حلوا وأينما راتحلوا، لكن النساء لا يستطعن دائماً أن يسألن عما يخصهن من أمور الدين، ويحللن به مشكلاتهن، ولئن كن يحضرن مجالس الرسول مع الرجال من دون اختلاط فإنهن ربما يستحيين أمام الرجال أن يسألن عنها.
لذلك كان تعليمهن ما يخصهن وحل مشكلاتهن، لا بد فيه من تخصيص مجالس لهن تعالج فيها أمورهن، وتوجه لهن فيها الأحكام والمواعظ بحسب
خصائصهن النفسية والفكرية والخلقية والاجتماعية، وبحسب مسؤوليتهن في الحياة، داخل أسرتهن وخارجها ولكل هذه الأمور طالبت هذه المرأة بتخصيص أيام للنساء يتلقين فيها ما يخصهن من معارف ديينة، ومن أجل ذلك استجاب لها الرسول صلوات الله عليه.
وهذا هو الحل الذي يتم فيه تعليم النساء، وإخراجهن من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة، حتى يؤدين رسالتهن في الحياة على أحسن وجه وأفضله، وحتى يحملن مسؤوليتهن كما يجب أن يحملنها، مع المحافظة على عفافهن وأخلاقهن، وعدم قذفهن إلى مجتمع مختلط تسرع إليه مفاسد الم جتمعات المختلطة، وتشب فيه نيران الشهوات العارمة، التي تنتشر معها المعاصي والآثام ومفاسد كثيرة أخرى.
لأن العلم الصحيح هو الوسيلة الأولى التي لا بد منها لإصلاح كل مجتمع، رجاله ونسائه، كباره وصغاره.
ولما كانت النساء المسلمات في الصدر الإسلامي الأول متلهفات لمعرفة أمور دينهن، وتبين مشكلاتهن الخاصة، فقد تبادرن إلى مجالس الرسول الخاصة بهن، فاجتمعن، وأتاهن النبي في المواعيد المحددة، فعلمهن مما علمه الله، وبيَّن لهن ما بيَّن، وسألنه عن مسائل وأجابهن صلوات الله عليه.
ولما كانت في صحابيات الأنصار جريئات في السؤال عما يتعلق بأحوال النساء وخصائصهن، أثنى الرسول عليهن، ودعا لهن بالرحمة، فقال:"رحم الله نساء الأنصار لا يمنعهن حياؤهن أن يسألن عن أمور دينهن".
وعلى هذا المستوى الرفيع كانت سياسة الإسلام التعليمية للنساء، فهل بعد تبيان هذه الحقائق كلام يضلل به أعداء الإسلام الناس في موضوع تعليم المرأة، إذ يحاولون أن يصوروا الإسلام بغير صورته الحقيقة؟ وهل بعد هذه التسوية التامة بين الرجال والنساء في طريقي العلم والعمل يظل رغاء المشوهين لصورة الإسلام الرائعة يؤذي الأسماع بما تنفر منه الأطباع؟.
ح- المرأة والمبايعة في الإسلام:
لم يكن حظ النساء من مبايعة الرسول بأقل من حظ الرجال، بل كان لهن منها مثل نصيبهم، مع إعفائهن من الالتزام بما أعفاهن الله منه، كالقتال في سبيل الله، وكانت تسمى البيعة على السمع والطاعة وسائر الأمور عدا القتال، بيعة النساء.
والمبايعة في الإسلام تشمل المبايعة على العمل بدستور الإسلام، والمبايعة على السمع والطاعة للقيادة الإسلامية فيما لا معصية لله فيه، وهذه المبايعة تتضمن بالدرجة الأولى التزام كل من الطرفين الجنود والقائد بأسس الشريعة الإسلامية وبأحكام فروعها، وتتضمن بالدرجة الثانية التزام الجود بأن يطيعوا من اختاروه وأذعنوا له بالقيادة، ضمن أحكام الإسلام، في كل أمر أو نهي لا معصية لله فيه.
وكلمة المبايعة مشتقة من البيع المعروف، وهو إنشاء تبادل الثمن والمثمن بين المتبايعين.
وتطبيق ذلك على المبايعة يعني أن المسلم يبيع نفسه وماله بإرادته الحرة لله تعالى، ومعنى هذا البيع إخضاع المسلم إرادته وطاقته وهواه لأوامر الله ونواهيه، سواء أكان جندياً أو قائداً، وإنما يكون ذلك بالطاعة على مقدار الاستطاعة، ثم إخضاع الجندي المسلم إرادته وطاقته وهواه لتكاليف قائده المسلم الملتزم معه في عقد المبايعة بالشطر الأول من ركنيها، ويظل الجندي بعد ذلك متلزماً بالسمع والطاعة بشكل تطبيقي في كل أمر لا معصية لله فيه، ولا يخلع ربقة بيعته إلا أن يرى من قائده كفراً بواحاً له من الله فيه برهان.
وفي مقابل هذا البذل الذي يقدمه المسملمون في مبايعتهم - سواء كانوا جنوداً أو قادة - يقدم الله تعالى لهم ثمن ذلك الجنة، والأجر العظيم في الدنيا والآخرة، والنصر المؤزر على عدوهم.
ولذلك تكون يد الله فوق أيدي المتبايعين من المؤمنين ترعاهم وتباركهم، لأن المبايعة بينهم إنما هي مبايعة مع الله، ولذلك كان الله هو الملتزم بتقديم
الثمن، ويدل على ذلك قوله تعالى لرسوله في سورة (الفتح/48 مصحف/111 نزول) :
فقد أعلن الله في هذه الآية أن مبايعة المؤمنين للرسول إنما هـ مبايعة لله، لأن أهم شطر فيها إنما هو التزام الجنود وقائدهم بأوامر الله ونواهيه، التي يحتوي عليها الإسلام دين الله للناس، ولذلك كانت يد الله فوق أيديهم، تعقد هذه المبايعة، وتباركها، وتتكفل بدفع الثمن لمن أوفى بما عاهد عليه الله، وكل مبايعة بعد الرسول لأي قائد عام من المسلمين لها حكم مبايعة ال مسلمين للرسول، إذا توافرت فيها شروط البيعة الإسلامية.
وإعلاناً عن صدق مبايعة المؤمنين للرسول قال الله تعالى في سورة (الفتح/48 مصحف/111 نزول) أيضاً:
وأحد طرفي المبايعة يمكن أن يسمى شراء، وإعلاناً عن نفاذ الشراء من قبل الله سبحانه، لكل بيعة صحيحة صادقة، قال الله تعالى في سورة (التوبة/9 مصحف/113 نزول) :
وهذه هيه صفات المؤمنين المبايعين، الذين اشترى الله منهم أنفسهم
وأموالهم بأن لهم الجنة، وقد اشترك النساء في المبايعة على التسليم بالسلطتين الدينية والزمنية في عهد رسول الله كما سبق بيان ذلك، فبايع المؤمنات رسول الله على مثل المبايعة التي كانت من المؤمنين له، باستثناء الالتزام بالقتال في سبيل الله، وبذلك أسهمن بالاعتراف للرسول بالسلطة الزمنية، والالتزام بحقوقها، مع إذعانهن إلى السلطة الدينية، التي هي لله وحده، والرسول فيها مبلغ عن ربه ومبين ما أنزل إليه، والسلطة الدينية سلطة عامة، تحكم على كل من الجنود وقائدهم الزمني، والجميع مسؤولون عن الالتزام بها مسؤولية مباشرة.
ودليل مبايعة النساء من القرآن قول الله تعالى في سورة (الممتحنة/60 مصحف/91 نزول) :
وقد جئن إلى الرسول وبايعهن ولكن دون مصافحة.
فالمساواة بين الرجال والنساء في المبايعة، على الإذعان للسلطة الزمنية وفق أحكام الشريعة الإسلامية، قضية تشهد لها نصوص الكتاب والسنة شهادة واضحة، يسقط معها كل تضليل يشوه به أعداء الإسلام وجه النظام الإسلامي الجميل المشرق.
وقريب من هذا ما يسمى في الأنظمة الحديثة بحق المرأة في الانتخاب، وجدير بالتأمل أن هذا موجود في نظام الإسلام منذ كانت المرأة في العالم عند غير المسلمين أشبه ما تكون بالأشياء التي تقتنى.
ط- المرأة والعاطفة بين الحضانة والشهادة:
تؤكد الدراسات النفسية والملاحظات المستمرة لطبائع النساء، أن المرأة - بصفة عامة - تغلب جوانب العاطفة لديها الجوانب العقلية في معظم أحوالها، مهما كانت متمتعة بذكاءٍ علمي راقٍ وإرادة قوية، فهي بهذا التكوين القائم على الرجحان العاطفي مؤهلة لأن تكون مربية ومسعدة للطفولة الأولى بشكل ممتاز،
ولأن تكون مؤنسة ومسلية ومسعدة للرجول على اختلاف مراحلها بشكل ممتاز كذلك.
فالرجحان العاطفي لديها جزء من كمال أنوثتها، وحينما تنعكس في المرأة هذه الخصائص، فتكون الجوانب العقلية لديها راجحة على الجوانب العاطفية، فإنها تفقد لا محالة جزءاً كبيراً من كمال أنوثتها المؤهلة لوظائف اجتماعية لا يحسنها على الوجه الأكمل غيرها.
إلا أن الرجحان العاطفي الذي يمنحها كمال أنوثتها، ويؤهلها أحسن تأهيل لوظائفها الاجتمايعة ألأساسية، لا بد أن يكون على حساب خصائص نفسية أخرى إذ تكون إرادتها واقعة تحت تأثير عواطفها أكثر من أن تكون واقعة تحت تأثير جوانب العقل وإدراك الحقائق، وكذلك الرجحان العقلي عند الرجل، لا بد أن يكون على حساب خصائص نفسية من نوع آخر، إذ تكون إرادته واقعة تحت تأثير جوانب العقل فيه أكثر من أن تكون واقعة تحت تأثير جوانب العاطفة، وهذا ما يجعله يقسو أحياناً على من يحب حرصاً على منفعته، سواء أكان ذلك في مجال التعليم والتربية، أو في مجال العلاج الصحي، أو في أي مجال آخر من مجالات الحياة.
وتدعو مراعاة هذه الخصائص المتقابلة بين المرأة والرجل - والتي يملأ الارتفاع في كل منهما الانخفاض في الآخر، أن يكون كل منهما أقدر على بعض وظائف الحياة وأصلح من الصنف الآخر.
من أجل ذلك راعى الإسلام في نظامه الرفيع خصائص كل من الرجل والمرأة في عدة أمور، حرصاً منه على توسيد وظائف الحياة لمن يكون أكثر كفاية للقيام بها، ومن هذه الأمور ما يلي:
أولاً: الحضانة منذ الولادة حتى سن التمييز وظيفة من وظائف الجماعة الإنسانية، ولدى التبصر بهذه الوظيفة نلاحظ أنها بحاجة إلى حاضن تترجح لديه الجوانب العاطفية على الجوانب العقلية.
ولما كانت المرأة بفطرته متمتعة بهذا النوع من الاختصاص كانت أحق بالحضانة من الرجل، وتقوم هذه المشكلة حينما ينفصل الأب عن الأم، ولذلك قرر الإسلام في نظامه منحها هذا الحق دون الرجل، وقرر تكليف الرجل النفقة وأجر الحضانة.
أما بعد سن التمييز الذي تنتهي به فترة الحضانة، فإن البنين والبنات بحاجة حينئذ إلى مربٍ تترجح لديه الجوانب العقلية على الجوانب العاطفية.
ولما كان الرجل بفطرته متمتعاً بهذا النوع من الاختصاص كان أحق من المرأة بأن يتولى هذه الوظيفة، ولذلك قرر الإسلام في نظامه منح هذا الحق دون المرأة، حرصاً على سلامة تربية البنين والبنات من الانحراف الذي قد تساعد عليه عواطف المرأة، التي تجعلها تتساهل بواجبات التربية الحازمة الحكيمة.
ثانياً: الشهادة على الحقوق المالية وظيفة من وظائف الجماعة الإنسانية التي تثبت بها الحقوق، ولدى التبصر بهذه الوظيفة الاجتماعية، نلاحظ أنها بحاجة إلى إنسان تترجح لديه الجوانب العقلية على الجوانب العاطفةي، لئلا تساهم العاطفة الغالبة في الميل إلى أحد الخصمين على حساب حق الخصم الآخر.
ولما كان الرجل بفطرته العامة متمتعاً بهذا النوع من الاختصاص كانت شهادته أثبت من شهادة المرأة، التي تترجح لديها الجوانب العاطفية على الجوانب العقلية.
وفي جعل شهادة الرجل أثبت وأرجح من شهادة المرأة ضمان للحقوق، ولكن لما كان من المستبعد إجمالاً اتفاق امرأتين في الميل نحو عاطفة واحدة في هذا المضمار، كان لشهادتهما معاً قوة تساوي قوة شهادة رجل، ولذلك رفع الإسلام نصاب الشهادة الواحدة إلى امرأتين بدل امرأة واحدة، لتتكامل شهادتهما، فتكون في قوة شهادة واحدة، وقرر الإسلام مع ذلك في مضمار الحقوق أن يُستهشد عليها ذوا عدل من رجال المسلمين، وبذلك كان النصاب شهادتين لا شهادة واحدة، فإذا أضيف إلى هذا الأمر أن شهادة امرأتين بقوة واحدة، نظراً إلى الملاحظة السابقة، التي تهدف إلى ضمان الحقوق، تبين لنا وجه الدقة التامة في تأدية هذه الوظيفة الاجتماعية الموضحة في قول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
أي: خشية أن تضل إحداهما فتميل بعاطفتها عن وجه الحق، وعند ذلك تذكرها الأخرى به، وتتكامل بهما شهادة معتبرة.
وليس في هذا تنزيل من قيمة المرأة، ما دام تكوينها الفطري معداً للقيام بوظائف اجتماعية، لا تكون مثالية فيها ما لم تكن الجوانب العاطفية لديها غالبة على الجوانب العقلية.
أما في الأور الأخرى التي يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية، فإن شهادة المرأة فيها مثل شهادة الرجل، وذلك حينما يكون الاعتماد على مجرد الذكاء والحفظ، ومن أجل ذلك قبلت التعاليم الإسلامية رواية املرأة لنصوص الشريعة وأخبارها في التاريخ والعلوم، وساوتها في ذلك بالرجل، وقبلت أيضاً شهادة المرأة الواحدة في إثبات الولادة والرضاع، وجعلتها مثل شهادة الرجل، إلى غير ذلك من أمور يضعف فيها تدخل العواطف الإنسانية.
وأعداء الإسلام الذين يحاولون إثارة المرأة في هذا الجانب يظلمون جانب الحقوق ظلماً كبيراً، وهم يعصبون أعينهم عن الحقيقة النفسية التي عليها المرأة، وعن الحقيقة القانونية التي يجب مراعاتها لتثبيت الحقوق لأهلها.
ي- القوامة في الأسرة:
يتخذ أعداء الإسلام من كون الرجال هم القوامين على النساء بمقتضى أحكام الشريعة الإسلامية مجالاً للثرثرة ضده، ولتحريض المرأة المسلمة حتى تتمرد على تعاليمه، وتنفر منه، مع أن قوامة الرجال على النساء مسألة تفرضها ضرورة الحياة الفضلى من الناحيتين الفطرية والفكرية.
أما الناحية الفطرية: فإن الخصائص النفسية، المزود بها كل من الرجل والمرأة بصفة عامة، تؤهل الرجل بشكل أمثل لتحمل مسؤوليات إدارة شؤون الأسرة، والقيام على رعايتها، والتصدي لزعامتها، والتفكير الدائم بشؤونها، وتوجيه الأمر والنهي لأعضائها، وإحكام حبات عقدها، والربط فيما بينها بنظام
متين من التعاطف والمودة والعدل، وفي مقابل الخصائص التي تؤهل الرجل بصفة عامة لهذه الأمور تأهيلاً أمثل، نلاحظ أن خصائص المرأة بشكل عام تحبب إليها أن تجد لدى الرجل ملجأ وسنداً، وقوة إرادة، واستقرار عاطفة، وحكمة في تصريف الأمور، وسلطاناً ترى في الانضواء إليه أنسها وطمأنينتها وأمنها وصلاح بالها وراحتها من أعباء المسؤوليات الجسام.
ولذلك نلاحظ أثر هذا التكوين الفطري ظاهراً في كل مجموعة إنسانية، ولو لم تلزمها به أنظمة أو تعاليم، وربما شذ عنه نفر قليل اختلت فيهم مقادير خصائص الذكورة والأنوثة، فتجاوزت حدودها السوية، وهذه الحالات الشاذة لا تسحق تعديلاً في أصل القاعدة الفطرية التي تشمل معظم الرجال والنساء في المجتمع الإنساني.
ولا يلزم من كون الرجال مزودين بخصائص تؤهلهم لأن يكونوا هم القوامين على النساء، أن تكون قوامتهم استبدادية استقلالية ظالمة آثمة، فالقوامة في الأسرة ولاية صغرى يجب على متوليها ما يجب على ذوي الولايات الكبرى من مشورة وعدل، وتقيد بحدود الله، والمستشارون في هذه الولاية الصغرى هم أعضاء الأسرة، وأمين سرها المخلص الغيور زوجة الرجل، وهنا تستطيع المرأة العاقلة الحكيمة أن تكون صاحبة السلطان الخفي على قلب صاحب السلطان الظاهر، دون أن تتحمل مسؤوليات القوامة ومشكلاتها، وأعباءها وأخطاءها.
وهذا ما اختارته المرأة لنفسها واطمأنت إليه في مختلف العصور الغابرة، وحتى زمان الناس هذا في القرن العشرين الذي بلغت فيه المرأة من التحرر والانطلاق في الغرب والشرق مبلغاً لا تحلم بأكثر منه.
إن هذه الظاهرة الاجتماعية لا بد أن تكون أثراً من آثار التكوين الفطري للنفوس الإنسانية ذكورها وإناثها.
وأما الناحية الفكرية: فإن الحكمة في المجتمعات الإنسانية تقضي بأن يكون لكل مجتمع صغر أو كبر قيّم يقوده ويدير شؤونه، حماية له من الفوضى والتصادم والصراع الدائم، والأسرة أحد هذه المجتمعات التي تحتاج إلى قيِّم
منها، تتوافر فيه مؤهلات القوامة بشكل أمثل.
ولدى أهل الفكر في مسألة القوامة داخل الأسرة مجموعة من الاحتمالات:
الاحتمال الأول: أن يكون الرجل هو القيّم في الأسرة باستمرار.
الاحتمال الثاني: أن تكون المرأة هي القيّم في الأسرة باستمرار.
الاحتمال الثالث: أن يكون كلّ من الرجل والمرأة قيّماً على سبيل الشركة المتساوية.
الاحتمال الرابع: أن يتناوبا القوامة وفق قسمة زمنية.
الاحتمال الخامس: أن يتقاسما القوامة، بأن يكون لكلٍ منهما اختصاصات يكون هو القيم فيها.
أما الشركة في القوامة سواء أكانت في كل شيء وفي كل وقت، أو كانت على سبيل التناوب الزمني، أو كانت على سبيل التقاسم في الاختصاصات، فإنها ستؤدي حتماً إلى الفوضى والتنازع ورغبة كل فريق بأن يعلو على صاحبه ويستبد به، ما لم يكن شيء من ذلك برأي صاحب القوامة الفرد، وطوعه واختياره، وبدافع من التفاهم والتواد والتراحم بين الزوجين.
وقد أيدت تجارب المجتمعات الإنسانية فساد الشركة في الرياسة، ولذلك نلاحظ تركز المسؤولية الكبرى في رئيس واحد، لدى أي نظام اجتماعي من الأنظمة التي عرفها الناس، ولو كانت تتسم بسيما القيادة الجماعية، وعمل الجماعة القائدة لا يعدو أن يكون عملاً أقرب إلى المشورة منه إلى ممارسة السلطة، سواء أكانت المشورة ذات طابع إلزامي أو غير إلزامي، لأن من تتركز بيده السلطة الفعلية يستطيع أن يجعل رأي الأكثرية موافقاً لما يريد.
وأما إسناد القوامة إلى المرأة دون الرجل فهو أمر ينافي ما تقتضيه طبيعة التكوين الفطري لكل منهما، وهو يؤدي حتماً إلى اختلال ونقص في نظام الحياة
الاجتماعية، لما فيه من عكس لطبائع الأشياء، فلم يبق إلا الاحتمال الأول، وهو أن يكون الرجل هو القيم في الأسرة.
فأهم خصائص القوامة المثلى رجحان العقل على العاطفة، وهذا الرجحان متوافر في الرجال بصفة عامة أكثر من توافره في النساء، لأن النساء بمقتضى ما هن مؤهلات له من إيناس للزوج وحنانٍ عليه، وأمومة رؤوم، وصبر على تربية الطفولة، تترجح لديهن العاطفة على العقل، ولن تكون قوامة مثلى لأن مجتمع إنساني صغيراً كان أو كبيراً إذا كانت العاطفة فيها هي الراجحة على العقل.
ولما كانت القوامة في كل أسرة وظيفة ضرورية من الوظائف الاجتماعية، كان من الحكمة العقلية والواقعية توجيهها لمن يتمتع برجحان العقل على العاطفة، وهو الرجل غالباً، ولئن كان بعض الرجال تتحكم بهم عواطفهم أكثر من عقولهم، وبعض الناس تتحكم بهن عقولهن أكثر من عواطفهن، فذلك أمر نادر لا يصح أن تتغير من أجله قاعدة عامّة.
ومن مرجحات إسناد القوامة في الأسرة إلى الرجل، أنه هو المسؤول في نظام الإسلام عن النفقة عليها، ومسؤوليته عن النفقة على أسرته تجعله أكثر تحفظاً واحتراساً من الاستجابة السريعة للشهوات العابرة، والانفعالات الحادة الرعناء، بخلاف المرأة في ذلك، لأنها بحكم عدم مسؤوليتها عن النفقة، وعن السعي لاكتساب الرزق يقل لديها التحفظ والاحتراس، وتكون في أغلب أحوالها ذات استجابة سريعة لشهواتها وانفعالاتها، التي قد تتطلب منها نفقات مالية باهظة، أو تدفعها إلى الشحّ المفرط، ومن أجل ذلك أيضاً كان الرجل أصلح من المرأة لوظيفة القوامة في الأسرة.
وقد أشار القرآن الكريم إلى هذين السببين المرجحين حينما أعلن أن الرجال قوّامون على النساء، فقال الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول) :
وقال تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
فالرجال أولاً يمتازون برجحان العقل على العاطفة، وهم ثانياً مسؤولون عن النفقة على أسرتهم، وهذان السببان يجعلان الرجال أصلح للقيام بوظيفة القوامة من النساء، بينما نجد النساء أصلح من الرجال للقيام بوظائف اجتماعية أخرى، جعلهن الإسلام المسؤولات عنها، والمكلفات بها.
وأولى من القوامة في الأسرة القوامة العامة، سواء أكانت إمارة أو رئاسة أو خلافة أو نحو ذلك، فالرجال بصفة عامة هم الأصلح لتحمل مسؤوليات القوامة العامة، والأقدر على إدارتها وتدبير شؤونها، وهذا هو ما اختاره الإسلام في نظامه للمسلمين.
ويحاول أعداء الإسلام خداع الأجيال المسلمة لا سيما الفتيات المسلمات، إذ يقذفون شبهاتهم الظالمة الآثمة، فيغمزون الإسلام بأنه لم يسوّ بين الرجال والنساء في مسألة القوامة، مع أن ما يريدون اتخاذه مغمزاً هو في حقيقة أمره من مفاخر الإسلام الفكرية الواقعية، ومن أمجاده التشريعية، التي ساهمت في منح الشعوب المسلمة في عصورها الذهبية سعادتها واستقرارها ورغد عيشها.
وما مثل الذين يحاولون أن يسوّوا بين المرأة والرجل في كل وظيفة من وظائف الحياة، إلا كمثل من يحاول أن يسوّي بين أعضاء الجسد الواحد في وظائفها الجسدية والنفسية، فيكره الأيدي مثلاً على أن تساعد الأرجل في المشي، دون أن تقوم ضرروة لذلك، ويريد للأرجل أن تشارك الأيدي في صنعات الكتابة والخياطة وأعمال البنان المختلفة، ويريد للفكر أن يحب ويشتهي، ويريد لشهوات النفوس أن تعقل وتفكر، ويتحسَّر على العيون لأنها لا تسمع، وعلى الآذان لأنها لا تبصر، وتهفو نفسه إلا التلاعب بطبائع كل عضو من الأعضاء، بغية أن يكون له خصائص الأعضاء الأخرى، إلى آخر هذا العبث الذي يعتبره العقلاء ضرباً من الجنون.
أفلا يجب على رجالنا ونسائنا، وفتياننا وفتياتنا، أن يعودوا إلى النظر السديد، والرأي الرشيد، ويبتعدوا عن كلّ عبث وهراء، وثرثرة وافتراء، بعد أن يكتشفوا أغراض المضللّين، ويعلموا أن أعداء الإسلام قد مهروا في تزوير الحقائق لصد المسلمين عن دينهم، وسلبهم كنوز مجدهم وقوّتهم؟؟..
ك- مستلزمات القوامة:
تستلزم قوامة الرجال على النساء أن تكون في سلطة القيم ما يتخذه لردِّ زوجته إلى الطاعة إذا نشزت أو خاف نشوزها، وقد أرشد الله في ذلك إلى اتخاذ وسائل التربية والتأديب المختلفة، ابتداء من الأخف، وترقياً في الدرجات إلى الشديد فالأشد، حتى درجة الضرب غير المبرح، وذلك قبل حدوث الشقاق بينهما الذي قد يؤدي إلى الفراق، قال الله تعالى في سورة (النساء/4 مصحف/92 نزول) :
ويتصيد أعداء الإسلام من قوله تعالى في هذا النص: "واضربوهن" شبهة ينتقدون بها تعاليمه، ليضللوا بها الأجيال الناشئة من فتيان المسلمين وفتياتهم، مع أن التحليل المنطقي والتجارب الواقعية يثبتان عظمة تعاليم القوامة الزوجية، التي تضمنها هذا النص، ويثبتان كمالها ومثاليتها.
إنه لما اقتضت الحكمة في توزيع مسؤوليات الأسرة أن يكون الرجل هو القيم على زوجته وولي أمرها، اقتضت أيضاً أن يكون لكل منهما حقوق على الآخر وواجبات نحوه.
ومن حقوق الزوج على زوجته أن لا تكون ناشزاً خارجة عن طاعته، ما لم يأمرها بما فيه معصية لله، أو هضم لحقوقها التي شرعها الله لها.
وأية مؤسسة اجتماعية لا بد أ، يكون في يد صاحب الأمر فيها وسائل يضبط بها نظام هذه المؤسسة، حتى لا تتعرض للفوضى، فالفساد فالتفكك والانحلال.
وأبرز عناصر وحدة مؤسسة اجتماعية إنما هو عنصر طاعة أعضائها لصاحب الأمر فيها، والخروج عن هذه الداعة نشوز يجعل المؤسسة منحلة أو بحكم المنحلة.
ولما كان في طبائع الناس نزوع إلى التحرر من قيود الطاعة، كانت المؤسسات الاجتماعية الإنسانية عرضة للانحلال والتفكك باستمرار،ما لم تهيمن على أفرادها الضوابط الاجتماعية المعنوية والمادية، ومن الضوابط الاجتماعية التي تصون وحدة الجماعة وسائل التربية والتأديب، عند حدوث بوادر النشوز والخروج على الطاعة، ويدخل في التأ>يب أنواع العقاب التي تسمح بها الأعراف الإنسانية الكريمة.
وقد أرشدت الحكمة النظرية والتطبيقية الناس إلى استخدام طائفة من وسائل التربية والتأديب، للمحافظة على استمرار عنصر الطاعة مهيمناً على أفراد الجماعة وتتفاوت هذه الوسائل فيما بينها رغبة ورهبة، ورفقاً وشدة، ولطفاً وعنفاً.
ويختار بعض أولي الأمر أسلوب العنف والقسوة فيفشلون، مهما اضطهدوا رعيتهم، ويختار بعضهم أسلوب الرفق واللين باستمرار، فيتطاول عليهم الباغون المنحرفون، فينتزعون منهم سلطانهم، أو يلجئونهم إلى التغاضي عن الفوضى،التي يستغلونها استغلالاً ظالماً آثماً.
أما الحكماء العقلاء فيستخدمون الوسائل كلها، إلا أنهم يضعون كلاً منها في موضعه، وبذلك يسلم لهم الأمر، وتسعد بهم الجماعة.
وهذا ما أرشد إليه الإسلام أولياء الأمور بشكل عام، كما أرشد إليه ذوي الولايات الخاصة الصغيرة، ومنهم القوامون على الأسر.
وبعداً عن الإنصاف، أو بعداً عن الروية، ينتقد أعداء الإسلام
والمنخدعون بهم المتأثرون بتضليلاتهم، التعليم الإسلامي الذي يأذن للزوج بموجب سلطته في القوامة، أن يضرب زوجته إذا خاف نشوزها ضرباً غير مبرح، في آخر مراحل التأديب ذات الدرجات المتعددة، بغية إصلاحها وإعادتها إلى حظيرة الطاعة المشروعة وهذا الضرب وسيلة احتياطية لا تستعمل إلا في أشد الحالات استعصاء على الحل، وتفادياً لوقوع الطلاق، الذي هو أشد منه وأقسى على قلب الزوجة.
لقد أرشد الإسلام إلى استخدام وسائل التربية والتأديب الحكيمة، وجعلها على مراحل في مراتب بعضها أشد من بعضها.
المرتبة الأولى: الموعظة، وللموعظة درجات كثيرة، تبدأ بمعاريض القول، وبالإشارات الخفيفة، والتلويح دون التصريح، ثم ترتقي إلى لفت النظر والتنبيه والتصريح مع الرفق في الموعظة، ثم بعد ذلك ترتقي إلى التصريح المصحوب بشيء يسير من العنف، ثم ترتقي إلى الزجر والتعنيف، وأخيراً قد تصل إلى درجة التوبيخ والإنذار، فإذا لم تُجْدِ كل درجات الموعظة كان لا بد من الانتقال إلى المرتبة الثانية من مراتب التربية والتأديب.
المرتبة الثانية: الهجر في المضجع، وهذا الهجر يتضمن إشعاراً بمقدار من السخط أدى المعاقبة بالحرمان من متعة اللقاء على مودة وصفاء.
وهجر الزوج لزوجته في المضجع أبلغ أنواع الهجر، وعقاب قاس ليس بالهين على زوجة عاقلة حريصة على زوجها، حريصة على أن تكون مالكة قلبه، وتخشى أن يتجه لغيرها.
وللهجر في المضجع درجات بعضها أقسى من بعض، ويعرف هذه الدرجات العقلاء الحكماء من الرجال، الخبيرون بأدواء النساء، وبطرق معالجتهن، وليس من الحكمة في التأديب معاقبة الزوجة بأشد هذه الدرجات قبل امتحان أخفها وسيلة للإصلاح، فإذا لم تُجْدِ في تأديبها الدرجات الخفيفة انتقل إلى الدرجات العنيفة.
وقد هجر الرسول صلوات الله عليه زوجاته قرابة شهر فكان هذا عليهن أقسى تأديب تلقينه.
وقد أشار الإسلام إلى أن المدة القصوى للهجر ينبغي أن لا تزيد على أربعة أشهر، وذلك إذ جعل للذين يولون من نسائهم (أي: يحلفون أن لا يعاشروهن المعاشرة الزوجية) أن يتربصوا أربعة أشهر، فإما أن يعودوا إلى معاشرتهن، وإما أن يكون لزوجاته الحق بأن يطالبن بالفراق.
فإذا لم تُجدِ وسيلة الهجر في رد الزوجة إلى الطاعة والاستقامة، لم يكن للزوج مندوحة قبل العزم على حل عقدة الزواج بالطلاق من اللجوء إلى المرتبة الثالثة من مراتب التأديب.
المرتبة الثالثة: مرتبة الضرب غير المبرح الذي لا يصل إلى أدنى الحدود الشرعية.
وما نظن امرأة في الدنيا توجه لها أشد درجات الموعظة فلا تستقيم، ثم تهجر أبلغ أنواع الهجر وأقساها فلا تستقيم أيضاً، إلا أن تكون مبلدة الحس، سيئة العشرة، كريهة الطبع، لا تشعر بكرامة نفسها، فهي تستحق الت أديب بالضرب، أو أن تكون مكارهة تبغي الفراق، ولكنها لا تحاول أن تصرح به لغرض في نفسها.
فإذا كانت كارهة راغبة بالفراق فإن لديها من الوسائل ما يبلغها مرادها، دون أن تكاره الزوج بالنشوز والعصيان والخروج عن طاعته، وبإمكانها أن تعرب عما في نفسها منذ أن استخدم في إصلاحها المرتبة الأولى فالثانية، فهو يظنها زوجة راضية به حريصة عليه.
أما إذا لم تعلن رغبتها بمفارقته فالظاهر من أمرها أنها امرأة إما أن تكون ممن يصحلهن الضرب، أو أن يكون نصيبها الفراق، إلا أن إهانتها بالفراق ووسهما بأنها امرأة لا تصلح للمعاشرة الزوجية أقسى عليها وأشد من إهانتها بالضرب غير المبرح.
على أن في يديها حق المطالبة بالفراق، قبل أن يمارس الزوج هذه الوسيلة في إصلاحها وردها إلى الطاعة والاستقامة، وبذلك تحفظ كرامتها إذا كانت من الصنف الذي لا يتحمل الإهانة بالضرب، وهي مصرة على أن تظل معاندة غير مستجيبة لوسائل التربية.
يضاف إلى ما سق أن التجارب النفسية قد دلت أن بعض الناس مصابون بانحراف نفسي غريب المزاج، يلذ لهم معه أن يتلقوا معاملة قاسية مؤلمة، جسدية أو نفسية، فلا يطيب مزاجهم ولا يعتدلون إلا بالضرب أو ما يشبهه من مؤلمات، وأكثر ما يكون هذا اللون من الانحراف في صنف النساء، ويطلق عليه علماء النفس اسم "الماسوشزم".
وكثيراً ما سمعنا عن نساء من هذا القبيل، لا تطيب لهن الحياة الزوجية، ولا يستقمن مع أزواجهن، ولا يعتدل مزاجهن، حتى يتلقين منهم عنفاً يجري دموعهن الغزيرة، يتبعه رفق يمسح هذه الدموع.
ومهما يكن من أمر فإن استخدام هذه الوسيلة مع اللوات يفضلنا على الفراق، يشبه استخدام وسيلة جراحة العضو العليل لدى مداواته، قبل الحكم عليه بالبتر النهائي، ما بقي لدى الحكيم أمل بالإصلاح، أما إذا جزم بخبرته أنه لا سبيل إلى الإصلاح فإنه له أن ينتقل مباشرة إلى البتر النهائي، وكذلك يكون الأمر في بعض الحالات الزوجية.
على أن وجود التشريع الذي يأذن للزوج بتأديب زوجته بالضرب في آخر المراحل التي ليس وراءها إلا الطلاق، لا يعني أ، هذا السلاح الاحتياطي سيستخدمه كل زوج، فمعظم الأسر المؤدبة بآداب الإسلام لا تعرف في حياتها الهجر في المضاجع فضلاً عن الضرب، وذلك لأن التربية الإسلامية العامة للرجال والنساء، متى استوفت شروطها فلا بد أن تجعل الأسر الإسلامية في وضع من الوئام والتفاهم والود؛ لا يسمح بأكثر من استخدام الدرجات الخفيفة من درجات الموعظة التي يشترك فيها كل من الزوجين، إذ تقضي تعاليم الإسلام بإلزام كل من الزوجين بأن يأمر قرينه بالمعروف وينهاه عن المنكر، ويقدم إليه الموعظة الحسنة.
وقد علمتنا السيرة النبوية أن الرسول صلوات الله عليه لم يضرب في حياته زوجة ولا خادماً.
وأحاط الإسلام الإذن باستخدام هذه الوسيلة في تأديب بعض المسيئات من الزوجات بسياج من الوصايا الكثيرة، التي تأمر الرجال بأن يحسنوا معاملة النساء.
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن رسول الله قال:"من كان يؤمن بالله وا ليوم الآخر فلا يؤذ جاره، واستوصوا بالنساء خيراً، فإنهنّ خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيراً".
وفي رواية أخرى: "إن المرأة خلقت من ضلع، ولن تستقيم لك على طريقة، فإن استمتعت بها استمعت بها وبها عوج، وإن ذهبت تقيما كسرتها، وكسرها طلاقها".
ففي هذا تنبيه إلى اختلاف خصائصهن النفسية عن الخصائص النفسية التي يتمتع بها الرجال، ولذلك يجب مراعاتهن بما يناسب خصائصهنّ.
وروى مسلم عن أبي هريرة، أن النبي قال:"لا يَفْرَكْ مؤمن مؤمنة، إن كره منها خلقاً رضي منها آخر".
ومعنى "لا يَفْرَك": لا يبغض.
وقد ألح الرسول في خطبته في حجة الوداع موصياً بالنساء خيراً فقال: "فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهنّ بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله".
ومن غريب المفارقات، أن الذين ينتقدون بشدة تعاليم الإسلام، إذ أذنت للزوج بأن يضرب زوجته ضرب تأديب وإصلاح، ضمن منهج تربوي رائع، لا يتورعون عن إنزال أشد أنواع العذاب والاضطهاد على الرجال والنساء والفتيان والفتيات، من أجل خلاف في الرأي السياسي أو المذهب الاجتماعي، لأنهم يعتبرون ذلك خروجاً على طاعتهم، إذ فرضوا أنفسهم عليهم أولياء أمور بدون حق.
ل- المرأة والطلاق:
يحاول بعض أعداء الإسلام تلفيق انتقادٍ لنظامه في موضوع الطلاق، إذ جاء فيه الإذن بحلّ عقدة النكاح بين الزوجين به، وفي هذا إذن بهدم مؤسسة
الأسرة، وكان ذلك بيد الزوج فلا تملك المرأة حق مباشرته، وفي هذا تفضيل للرجل على المرأة، مع أنها العضو الثاني في بناء هذه المؤسسة الاجتماعية.
وفي دفع الشبهات المطروحة في هذا الموضوع، نلجأ إلى تحليل موجبات هذا النظام، وتفصيل الاحتمالات المختلفة، لكشف أن ما اختاره نظام الإسلام هو الحلّ الأفضل من سائر الحلول الممكنة، لسلامة المجتمع الإنساني.
موجبات الإذن بالطلاق:
مما لا ريب فيه، أنّ نظرة الإسلام إلى عقد الزواج بوصفه شركة اجتماعية تهدف إلى بناء أسرة من أسر المجتمع الإنساني المتكاثر، نظرة تحرص على أن يكون هذا العقد مؤبداً، ليضطلع كل من الزوجين بمسؤوليته الكاملة، تجاه أوصال هذه الحلقة من حلقات السلسلة الإنسانية الكبرى، التي يتكون منها المجتمع الكبير.
من أجل ذلك لم يرتض التوقيت لهذا العقد بمدة زمنية محدودة، مهما كانت هذه المدة، باستثناء ظروف الضرورة القصوى التي كان قد رخص فيها بالمتعة، ثم ألغى هذه الرخصة كما يرى ذلك جمهور فقهاء المسلمين.
إلا أن ضمان استمرار هذه الشركة على الوجه الذي يرافقه الخير والسعادة للزوجين، ولسائر أعضاء الأسرة، أمر لا يملكه بحال من الأحوال نظام يقضي بمنع حل هذه الشركة، إن استمرار هذه الشركة على هذا الوجه، حتى تؤدي وظائفها الاجتماعية أداء حسناً أمر لا يتم إلا ضمن شروط نفسية وخلقية ومادية، وأهم هذه الشروط ما يلي:
الشرط الأول: المودة والرحمة بين الزوجين، ومتى فقد هذا الشرط لم يكن لهذه الشركة أي معنى من المعاني، ولا يمكن أن يتم عن طريقها تلبية مطالب الشريكين التي دفعت كلاً منهما إلى الزواج، كما لا يمكن أيضاً تأدية الوظيفة الاجتماعية لأعضاء أسرتهما على الوجه الصحيح المطلوب، علماً بأن تأدية هذه الوظيفة هي الهدف الأكبر من وراء التجاذب الفطري بين الرجل والمرأة، ومن وراء ما ينعقد بينهما من مودة ورحمة.
وتحقيق هذا الشرط لا يملكه أي نظام من الأنظمة، وقد تساعد على إيجاهد ألوان التربية الخلقية التي عني بها الإسلام، ولكنها لا تملك تحقيقه دائماً، فالقضية فيه قضية عاطفة قلبية، وميل نفسي، يقومان على أساس تلاؤم فطري، ومن أصعب الصعب معالجتهما بوسائل مادية.
وكثيراً ما يبدأ الزوج بالمودة والرحمة ثم يتحول الأمر بين الزوجين إلى نقيض ذلك، فتغدو هذه الشركة منحلة في الواقع النفسي، وإن بقيت مرتبطة في الظاهر، وأنت خبير أن من الخير لشركة منحلة في الواقع النفسي، أن تمنح لها فرصة الانفكاك الشكلي ضمن حدود النظام العام، لا أن يرفض عليها استمرار في الصورة، وهي منحلة في الحقيقة، لأن هذا الوضع المتناقض لا بد أن ينجم عنه سيئات وموبات نفسية وخلقية وجسدية واجتماعية، ومن شأن هذه السيئات والموبقات أن تتزايد وتتكاثر مع الزمن.
الشرط الثاني: التلاؤم الخلقي أو الطبعي، فقد يصادف أن تكون أخلاق الزوجين أو طباعهما متنافرة تنافراً بيّناً، حتى لا يملك كل منهما تكييف نفسه بشكل يتلاءم به مع صاحبه، فلا يحسن أحدهما أو كلاهما معاشرة قرينه بالمعروف، وقد تطول تجربتهما رغبة بإيجاد التلاؤم المطلوب، ولكن يستمر حالهما على التنافر الخلقي أ، الطبيعي، وربما يشعر أحدهما أو كلاهما نحو صاحبه بالمودة الزوجية، إلا أنه لا يستطيع تحمل التنافر بينهما في الخلق أو الطبع، ومن شأن هذا التنافر إذا استمر أن ينتهي إلى مثل الحالة التي فقد فيها الشرط الأول، وعندئذ تتشابه المشكلة، وتتشابه معها طريقة الحل، ويكون حينئذ حل هذه الشركة خيراً من استمرارها على وضع يؤدي إلى فساد خطير، وسيئات اجتماعية لا تحتمل، وآلام للزوجين وأولادهما.
الشرط الثالث: تلبية مطالب كل من الزوجين المادية، التي تعتبر من العناصر الأساسية لهذه الشركة.
وقد يحدث أن لا يجد أحد الزوجين أو كلاهما عند الآخر مطالبة مادية، التي لا يكون الزواج سوياً بدونها، وفي هذه الحالة يكون الزواج مجرد صداقة، لا شركة لبناء أسرة من أسر المجتمع الكبير.
وليس من المفروض أن يلزم أحد الزوجين بأن يتنازل عن مطالبه المادية إذا تنازل الشريك الآخر عن مطالبه المادية المناظرة لها؛ فقد يكون عند أحد الشريكين قدرة يستطيع بها أن يصبر على الحرمان، في حين أن الشريك الآخر ليس لديه مثل هذه القدرة.
وليس من العدل ولا من الحكمة في التزامات الحياة القائمة على التراضي بين فريقين، أن تُفْضِي إلى إكراه لأحد الفريقي أو لكليهما، رغم اختلال شرط من الشروط الأساسية التي قام عليها ذلك التراضي.
ولدى التأمل نرى أن اختلال شرط تلبية المطالب المادية الزوجية مما يجعل الزواج منحلاً في الواقع غالباً، وإن كان قائماً في الصورة، وعندئذ يكون حل هذه الشركة خيراً من استمرارها، ما لم يكن استمرارها مقروناً برضى كل من الشريكين رضاً قلبياً وظاهراً، لمصلحة يريانها ويقدرانها.
من كل ما سبق يتيبن لنا أنه قد تدعو الضرورة الملحة الفردية والاجتماعية إلى حل عقدة النكاح بين الزوجين، وهذه الضرورة تستدعي كل نظام أن يراعيها في أحكامه.
من أجل ذلك وجدنا الإسلام المنزل من لدن عليم حكيم خبير قد راعى هذه الضرورة، فشرع الطلاق مع كراهيته له، إذ جاء في الحديث:"أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
والإذن بالطلاق شبيه بالإذن ببتر عضو من أعضاء الجسد، حينما يُخشى من بقائه ضرر أشد من فقده، وهذه الضرورة هي التي دعت معظم القوانين الوضعية الحديثة في أوربا وأمريكا أن تخرج على تعاليم الكنيسة، وتبيح الطلاق إباحة تامة، إلا أنها تجاوزت في إباحته الحدود المنطقية، فلا تلاحظ المعوقات التي وضعها الإسلام رغبة بإصلاح ذات البين قبل بت الطلاق والجزم به بشكل نهائي.
المعوقات:
ولما دعت الضرورة الاجتماعية والفردية أن تتضمن الشريعة الإسلامية في
نظام الأسرة جواز حل عقدة النكاح بين الزوجين، لدفع آلام قائمة، وفسخ المجال لإجراء تجربة أخرى ربما تصادف لكل منهما نجاحاً لم يظفرا به في التجربة الأولى الفاشلة، أحاط الله ذلك بما يعوق طريق ممارسته الفعلية، وبما يهيئ الفرص المشجعة على الرجوع عنه، حتى تهبط نسبة الطلاق الذي يمارسه الناس إلى أقل نسبة ممكنة يتم فيها الانفصال النهائي بين الزوجين، وليظل البناء لكل أسرة بناء متماسكاً، ما لم يصبح أحد هذه الأبنية عنصراً غير صالح للبقاء، وما لم تقضِ الضرورة بفسح المجال لتجديد على وجه آخر.
فمن المعوقات النصوص التي تتضمن كراهية الإسلام للطلاق. منها ما رواه أبو داود عن ابن عمر أن النبي قال: "أبغض الحلال إلى الله الطلاق".
ومنها ما رواه أحمد، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجه، والدارمي، بإسناد جيد، عن ثوبان، قال: قال رسول الله: "أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير ما بأس، فحرام عليها رائحة الجنة".
ومن المعوقات إلزام الزوج بأن لا يطلق إلا في وقت تستطيع المرأة فيه أن تباشر أيام عدتها، وذلك إنما يكون في حالة طهرها من الحيض وقبل أن يمسها في هذا الطهر، أو إذا كانت حاملاً.
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر أنه طلق امرأة له وهي حائض، فذكر عمر لرسول الله فتغيظ فيه رسول الله ثم قال:"ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض فتطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها طاهراً قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء" وفي رواية: "مُرهُ فليراجعها، ثم ليطلقها طاهراً أو حاملاً".
أما الأمور التي شرعها الإسلام لتكون مغرية الرجل بالرجوع عن طلاق زوجته، إذا كان الطلاق رجعياً، فهي أمور ثلاثة:
الأمر الأول:
أن يكون طلاق المدخول بها على ثلاث مراحل، تكون المرحلة الأولى
والمرحلة الثانية منها قابلتين للعودة إلى رباط الزوجية، وترميم ما وهن أو انشق من بناء الأسرة.
الأمر الثاني:
نهى الأزواج عن إخراج المطلقات في المرتين الأولى والثانية من بيوتهم، ونهي الزوجات عن الخروج منها، واعتبار هذه البيوت بيوتهن، ليكون بقاؤهن فيها أدعى لتحريك عوامل المودة، وتذكر الصلات الأولى، والإغراء بالعودة إلى رباط الزوجية.
الأمر الثالث:
إطالة فترة العدة، ولو حصل التأكد من الخلو من الحمل بما دونها، إذ جعلها الإسلام ثلاثة قروء (أي: حيضات أو إطهار) إذا كانت المرأة من ذوات الحيض، وهي غالباً في ثلاثة أشهر، وجعلها ثلاثة أشهر إذا كانت المرأة من اللواتي لا يحضن، وأما الحوامل فتستمر عدتهن حتى يضعن حملهن.
ونجد الدليل على ما شرعه اللهمن هذه المعوقات عن الطلاق، والمغريات بالرجوع عنه، في قول الله تعالى في سورة (الطلاق/65 مصحف/99 نزول) :
{
يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْراً * فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً} .
وقول الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{َالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحاً وَلَهُنَّ مِثْلُ
الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} .
ثم قال الله تعالى:
{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ} .
والحق أقول: إنه متى التزم الناس بهذه الحدود الربانية التي شرعها الله لهم، ضمنوا لأنفسهم أسراً محكمة البناء، تؤدي وظائفها الاجتماعية خير أداء.
والحق أقول: إنه لا يؤدي تجاوز هذه الحدود الربانية لا إلى إخلال في تماسك الأبنية التي يتألف منها المجتمع الكبير، ثم إلى فساد عريض في الأرض.
حق مباشرة الطلاق:
يحاول أعداء الإسلام إثارة المرأة المسلمة ضد تعاليم دينها إذ جعل للرجل حق مباشرة تطليق زوجته، ولم يجعل للمرأة مثل هذا الحق إلا عن طريق القضاء الشرعي.
ولا بد لرد هذه الشبهة من دراسة الاحتمالات الممكنة كلها، وبيان الأصلح منها بشكل منطقي سليم، لنقارن ذلك بما أخذ به الإسلام منها.
إن لحل هذه الشركة الاجتماعية - عندما تلجئ الضرورة إلى حلها - عدة احتمالات:
الاحتمال الأول: أن يكون حلها مثل عقدها لا يتم إلا بتطابق إرادتي الزوج والزوجة، ولكن لهذا الاحتمال سيئات، أهمها: أنه لو ألحت الضرورة على أحد الزوجين فعزم على الحل، وأصر الآخر على بقاء الشركة للإضرار بشريكه لم يستطع أن يصل إلى ما يريد، وبذلك تنمو مشكلة استمرار شركة بموجب إرادة مستمرة من طرف واحد فقط، مع أنها لم تتم إلا بتطابق إرادتين من طرفين، ومع إلزام الإنسان بما يكره أو لا يوافق مصلحته تنمو عوامل الاحتيال والمكارهة، والتهرب من الواجبات، والانحراف عن الصراط السوي، وقد تصل في آخر الأمر إلى حد الجريمة.
إذن فهذا الاحتمال احتمال مرفوض.
الاحتمال الثاني: أن يكون في يد كلٍ من الزوجين إمكان حلّها من طرفه دون أية قيود تفرض عليه، وقد كان من المقبول اللجوء إلى هذا الاحتمال في التشريع لولا ملاحظة الأمور التالية:
1-
أن تكوين مؤسسّة الأسرة ذو طابع اجتماعي، ولذلك اقتضى أن يكون لها كل ما للجماعة من مقومات، وأهمها أن بعضها ذو ولاية على الآخر، ليتمّ بذلك تماسك الجماعة، واستقامة أمرها، وبعدها عن الفوضى، فلو أنّ في سلطة كل من القيم صاحب الولاية وشريكته حل هذه الشركة بشكل مباشر، ودون أية عقبات، لكان نقضاً بيناً لمعنى الولاية، ومؤدباً إلى سلب كل قواها المادية والم عنوية. وذلك لأن صاحب الولاية وهو الزوج سيكون مهدداً بحل هذه الشركة من قبل الطرف الآخر، كلما أراد أن يوجه أمراً أو نهياً اقتضته المصلحة، وهو يخالف هوى الطرف الآخر، فتفقد الولاية بذلك كل معناها، ومتى فقدت الولاية معناها الحقيقي عاد أمر هذه المؤسسة الاجتماعية إلى الفوضى، واستقلال كل عنصر من عناصرها برأيه وأهوائه وشهواته.
2-
أن المرأة في الغالب تقع تحت تأثير عواطفها الآتية، فلو أن في يدها حل عقد النكاح مباشرة دون أية عقبة شكلية، لكانت هذه المؤسسة الاجتماعية عرضة للحل لدى أية حالة انفعالية رعناء تعتريها، والأمر في حل عقدة النكاح يخالف الأمر لدى ربطها، وذلك لأن ربطها يكون غالباً في حالة ذات استقرار عاطفي، لما يسبق ذلك من تأمل وتبصر، ولا يتم إلا عند تطابق إرادتي العاقدين، بخلاف الحل فإن أية رعونة طائشة كفيلة بالبت فيه، دون روية طويلة.
3-
أن معظم أعباء هذه المؤسسة الاجتماعية المادية والمعنوية، في بنائها أو هدمها ملقاة على عاتق الزوج في نظام الإسلام، فهو أحرى بأن يكون صاحب روية طويلة قبل أن يقدم على البت بحل هذه الشركة، وهدم هذه المؤسسة التي ستتهاوى أنقاضها عليه، وأحرى بأن لا يكون سريع الاستجابة لانفعالاته الآنية المفاجئة، التي قد تثيرها أمور طفيفة كثيراً ما
تحدث بين الزوجين، لأنه لا بد أن يقع في تقديره ما سيترتب عليه من مسؤوليات جسام مادية ومعنوية، إذا بت عبارة حله لهذه الشركة.
بخلاف الزوجة في ذلك، فإنه لو كان بيدها مباشرة حل هذه الشركة متى أرادت، فإنها ربما تتخذ الزواج سبيلاً إلى تجاربها الزوجية الكثيرة، التي لا تكلفها شيئاً بل تدر عليها فوائد مادية تجنيها عن طريق المهر وغيره، وتعطي لنفسها مجالاً واسعاً. تنقل أهواءها فيه.
كل هذه الأمور موجبة لرفض الأخذ بهذا الاحتمال.
الاحتمال الثالث: أن يكون باستطاعة كل من الزوجين حل هذه الشركة ولكن ضمن قيود.
وقد رأى الإسلام بحكمته العالية أن الأخذ بهذا الاحتمال أكثر صيانة لبناء الأسرة، من أن يكون عرضة لعوامل الهدم السريع، فأعطى الرجل بوصفه قيم هذه المؤسسة الاجتماعية وراعيها، سلطة حل الشركة بينه وبين زوجته بشكل مباشر، ولكن جعل له فرصتي روية يرجع فيهما عن رأيه، وحمله أعباء النفقات التي يستتبعها الطلاق، بعد أن حمله أعباء النفقات التي استتبعها عقد الزواج، وأعطى المرأة بجانب ذلك حق المطالبة بحل هذه الشركة عن طريق القضاء الشرعي، فإن كانت مطالبتها بذلك مستندة إلى مبررات مشروعة لم يكن للزوج أن يطالبهاب المهر ولا بأية نفقات أخرى استتبعها عقد الزواج أو الخطبة، وإن كانت مطالبتها بذلك مستندة إلى إرادة خاصة بها كان لزوجها الحق بأن يطالب برد المهر الذي ساقه إليها لدى عقد النكاح، والحكمة في ذلك أن لا تتخذ النساء من منحها الحق بأن تطالب بحل هذه الشركة، وسيلة لتحصيل المهور، واتخاذ عقد الزواج تجارة قائمة على مصلحة مادية بحتة.
وقد أذن الإسلام للزوج بأن يمارس حقه هذا بشكل مباشر، وعن غير طريق القضاء الشرعي، صيانة للمرأة من الفضيحة التي يفضي إليها بيان الأسباب الداعية إلى الطلاق، وليخفف الأعباء عن القضاء الشرعي، كما خفف الأعباء منه في سائر العقود المادية والأدبية، فجعل الناس مسؤولين عما
يبتّونه منها فيما بينهم، ولو لم يكن ذلك بإشراف جهة رسمية تمثل الدولة.
لكن للدولة الإسلامية أن تفرض على الناس ما يضمن تطبيق نظام التسجيل، إذا رأت أن النظام العام يقضي بأن تقوم الدوائر الرسمية بتسجيل عقود الزواج، وتسجيل حل هذه العقود ضماناً لحقوق الناس وأنسابهم.
والتطبيق السوي لأحكام الإسلام هو الكفيل بأن يبرز كمالها وعظمتها، وهو الكفيل بأن يسكت ألسنة أعداء الإسلام.
وقد كان المجتمع النصراني يحرم الطلاق بموجبة أحكام كنسية، ثم أثبتت لهم التجارب أنّ هذا الحكم غير صالح، وأنه قد نجم عنه مفاسد كثيرة، منها اعتبار الخيانة الزوجية أمراً عاديّاً لا غبار عليه، لأنه النافذة الوحيدة لتلبية رغبات كلّ من الزوجين اللذين ساءت العلاقة بينهما، وهما لا يستطيعان حل عقدة النكاح بموجب الحكم الكنسي.
هذا الواقع الذي جرّ إلى الفساد الخطير جعل المجتمع النصراني يلجأ إلى مبدأ إباحة الطلاق في الأنظمة المدنية، التي أخذت بعد ذلك نوعاً من الموافقة الكنسية المحدودة، في بعض البلدان.
ولكنه إذا أخذ بمبدأ إباحة الطلاق وقع في إطلاق مسرف، جرّ إلى مفاسد أخرى كثيرة، إذْ أباح لكلّ من الزوجين المطالبة بالطلاق، فانتشر الطلاق في كثير من بلاد الغرب انتشاراً واسعاً جدّاً، حتى صار من الوقائع التي تذكرها الإحصائيات أن الرجل يتزوج ويطلق في السنة الواحدة عدداً من المرّات، وكذلك المرأة، وغدا الزوج عند الكثيرين أشبه بالمعاشرة المؤقتة، كصور الزواج التي نشاهدها فيما يسمّى بالوسط الفني.
في تقرير للمكتب الرئيسي للشؤون الاجتماعية في (فيسبادن) بألمانيا، أنه ارتفع معدل الزواج في مقاطعة (هليسن) بمقدار (2) لكل ثلاثين ألف حالة في العام الماضي (1980م) بينما بلغت حالات الطلاق (8400) حالة، أي
بزيادة (25) في المئة عن السنة السابقة. وقد كان عام (1979م) عاماً حافلاً بطلبات الطلاق التي أغرقت معظم المحاكم هنا.
وقد بلغت حوالى (80) ألف معاملة معاملة طلاق كانت تمثل كثيراً من المآسي الإنسانية هنا.
والملاحظة تثبت أن النساء هنّ أصل المشكلة بسبب البحث عن مزيد من الحرية.
* * *