الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري
لدى سبر ما يمكن اتخاذه من خطط كيدٍ ضد مذهب أو فكرة أو دين له أمة من الناس تؤمن به، ولدى استقصاء هذه الخطط عن طريق التقسيم العقلي الذي يفيد الحصر، يظهر لنا ما يلي:
إن الغزاة يضعون هدفهم غزو أمرين رئيسيين لدى أعدائهم وهما:
الأمر الأول: الفكر الذي يمثّل عقائد الأمّة المغزوّة ومفاهيمها ومبادئها.
الأمر الثاني: السلوك النفسي والظاهر، الذي هو تعبير حركي عن عقيدة الإنسان ومفاهيمه ومبادئه.
ومن الظاهر في التصرفات الإنسانية أنَّ تغير العقائد والمفاهيم والمبادئ ينجم عنه تغيير في السلوك يلائم العقائد والمفاهيم والمبادئ الجديدة، ثم لا يبقى من السلوك القديم إلا ما هو متأصل عضوياً بتأثير العادة.
ويلاحظ أيضاً أن تغيير السلوك بالممارسات العملية المقترنة بالاستحسان أو الاستمتاع أو إرضاء الغرائز والشهوات، سينجم عنه ولو بعد حين تغيير في العقائد والمفاهيم والمبادئ، ولا يبقى من القديم إلا مفاهيم تجريدية عامة مقطوعة الصلة بالسلوك الذي هو الأمر القائم في الممارسة، أو مفاهيم ذات آثار شكلية لا تتعارض مع هذا السلوك.
والسبب في هذه الظاهرة الإنسانية أن الإنسان يحاول ما استطاع أن لا يكون متناقضاً مع نفسه، وأن لا يكون مزدوج الشخصية، أي: أن لا يكون سلوكه مناقضاً لمفاهيمه ومبادئه وعقائده، أو أن لا تكون مفاهيمه ومبادئه وعقائده مناقضة لسلوكه.
إن التناقض في داخل النفس الواحدة، ذاتِ التركيب الفطري المتلائم المتناسق، يحدث ازدواجاً متصارعاً،من آثاره القلق والتوتر النفسي وعدم
الارتياح الداخلي، وهي أعراض علة مرضية نفسية يحاول الإنسان أن يتخلص منها ما استطاع.
قد تحدث المصالحة التوفيقية لمدة من الزمن، عن طريق الاعتراف الداخلي بالمعصية، إرضاءً للشهوات والنزوات والأهواء، ولكن متى طال الزمن وفقدت المفاهيم والعقائد والمبادئ تغذيتها عن طريق الفكر أو عن طريق السلوك ضمرت ثم تضاءلت ثم تلاشت ثم جاءت المفاهيم والعقائد والمبادئ الأخرى الملائمة للسلوك الممارس، فاكتسحت البقايا وحلّت محلّها.
وغزو كلٍّ من الفكر والسلوك إما أن يكون عن طريق الفكر، وإما أن يكون عن طريق السلوك التطبيقي.
ووفق القسمة العقلية الحاصرة، الناتجة عن ضرب اثنين في اثنين،تظهر لنا الشعب الرئيسية الأربع لهذا المنهج، وهي الشعب المبينة في الجدول التالي:
القوة الغازية....الأمة المغزوة
1-
شعبة غزو الفكر.... للفكر
2-
شعبة غزو الفكر.... للسلوك
3-
شعبة غزو السلوك العملي.... للفكر
4-
شعبة غزو السلوك العملي.... للسلوك
هذه شعب أربع رئيسية، ويتفرع عنها سبل فرعية كثيرة، ولها وسائل متنوعة كثيرة لا تكاد تحصر.
وفيما يلي شرح هذه الشعب الأربع:
الأولى: شعبة غزو الفكر للفكر:
ويكون فيها أمران:
1-
تزيين الأفكار التي يراد الغزو بها، والإقناع بأنها صحيحة ونافعة لاعتقادها واتخاذها مبادئ للحياة ومناهجها.
2-
تشويه وتقبيح الأفكار التي يراد حربُها، ونسخُها من أذهان وقلوب الأمة المغزوة، ويراد تغيير آثارها في السلوك.
وكلٌّ من التزيين والتقبيح يعتمد على زخرف القول، وأنواع التضليلات الفكرية، والمغالطات والجدليات الباطلة.
ومن أمثلة ذلك: تزيين فكرة النظام الرأسمالي الغربي، أو النظام الشيوعي، وتشويه وتقبيح نظام الإسلام الاقتصادي.
الثانية: شعبة غزو الفكر للسلوك:
ويكون فيها أمران:
1-
تزيين السلوك الذي يراد تحويل الأمة المغزوّة إليه عن طريق الفكر، والإقناع بأنه هو السلوك الأفضل والأحسن لحياة الإنسان.
2-
تقبيح السلوك الذي يراد تحويل الأمة المغزوة عنه، عن طريق الفكر والإقناع بأنه سلوك لا يلائم مصلحة الناس، ولا يلائم ما ينفعهم، ولا يحقق لهم سعادتهم.
وكلٌّ من التزيين والتقبيح يعتمد على زخرف القول وأنواع التضليلات الفكرية والمغالطات والجدليات الباطلة.
ومن أمثلة ذلك: تزيين فكرة الاختلاط المطلق بين الذكور والإناث. وتقبيح واقع المجتمع الإسلامي الملتزم بتعاليم الإسلام، والبعيد عن مفاسد الاختلاط.
الثالثة: شعبة غزو السلوك العملي للفكر:
ويكون الغزو فيها بأمرين:
1-
بعرض أنماط السلوك النفسي أو العملي الجسدي، المعبّرة عن مفاهيم الغزاة وعقائدهم ومبادئهم بصورة مزينة محببة مغرية للتأثير غير المباشر على أفكار الأمة المغزوّة وإقناعها بصحة مفاهيم الغزاة وعقائدهم ومبادئهم.
كعرض أنماط سفور المرأة وعريها بطرق شائقة جذابة، ترغب في فكر سفور المرأة وعريها.
2-
بعرض أنماط السلوك النفسي أو العملي الجسدي المعبّرة عن مفاهيم الأمة المغزوة وعقائدها ومبادئها. وتُعرض هذه الأنماط بصورة مشوهة منفرة، للتأثير غير المباشر على أفكار الأمة المغزوة، وإقناعها بالتخلي عن مفاهيمها وعقائدها ومبادئها التي تؤمن بها.
كتشويه مظاهر حجاب المرأة المسلمة، بممارسات عملية مشوهة، مدفوعة أو مندسة للتنفير من فكرة حجاب المرأة الإسلامي والحكم الشرعي الآمر به.
الرابعة: شعبة غزو السلوك العملي للسلوك:
ويكون الغزو فيها بالاستدراج التطبيقي لأنماط السلوك النفسي والعملي الجسدي، الملائمة للأفكار والمفاهيم والعقائد والمبادئ التي يراد الغزو بها، والتي هي مظاهر لها ومعبرات عنا، بغية تحويل الأمة الإسلامية عن أنماط سلوكها القديم الملائم لمفاهيمها وعقائدها ومبادئها.
ومن أمثلة ذلك إقامة الاقتصاد عملياً في البلاد الإسلامية على النظام الربوي، وافتتاح دور الفسق والفجور باسم الفن، أو بأسماء أخرى.
وبعد اعتياد السلوك الجديد المصحوب بما يرضي المطامع، أو الأهواء والشهوات والغرائز يسهل جداً على الغزاة أن يزينوا للمستجيبين لهذا السلوك الفكرة التي يريدون غزوه بها، ويسهل عليهم إقناعهم بصحتها، كما يسهل عليهم إقناعهم بعدم صحة أفكارهم ومفاهيمهم وعقائدهم ومبادئهم القديمة، ذات المظاهر السلوكية المخالفة لما اعتادوه في سلوكهم الجديد.
يضاف إلى ذلك، أن الإنسان يحاول دائماً أن يجد الأفكار والمفاهيم والمبادئ التي تؤيّد وتبرّر أنماط سلوكه التي تأصّلت عليها عادته، واستحلتها أهواؤه وشهواته وغرائزه ومطامعه، مهما كانت فاسدة وضارة ومخالفة لقيم الحق والخير والجمال والفضيلة الخلقية، ويحاول ما استطاع أن لا يكون متناقضاً مع