الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعلى الرغم من أن الإسلام يمثل النظام الوسط الحق بين المذهبين المتباينين، نجد أنصار كلٍّ منهما يغمضون أعينهم عنه إغماضاً كلياً، ولا يريدون أن ينظروا إليه ولا أن يفسحوا المجال للشعوب حتى تراه فتستمسك به، وكلما قامت حركة توعية تكشف للجماهير محاسن نظام الإسلام، أو حركة تطبيق تعمل على إبراز هذا النظام بشكل واقعي، ولو في جانب من جوانبه، تضافرت قوى الشرق والغرب لإحباط ذلك، وعرقلة سبيله، وتشويه مقاصده، ثم لا تسمح لأي تطبيق سليم أن يظهر، وإذا ظهر عملت بسرعة على إلغائه، وجمعت ما يلزم من طاقات سياسية وغير سياسية لتفشيله، ودبرت له المكايد الكثيرة.
وتتآزر في ذلك قوى أجنحة المكر الثلاثة، والقوى التي تسير في ركابها مع قوى المذاهب الاشتراكية التي تخضع لنظمها دول شرقية معروف، فالإسلام هو الهدف الرئيس المقصود بالمحاربة من كل هذه القوى، مهما تصارعت وتعادت فيما بينها، مع أنه لا يحمل الناس جميعاً إلا الخير وابتغاء السعادة والنجاح، ولا يدعوهم إلا إلى الحق والهدى.
(2) بين اتجاهين متباينين
بين اتجاهين متباينين بعيدين عن منهج الوسط الإسلامي، أراد أعداء الإسلام الواقفون في أقصى الاتجاهين، أن يحتالوا على المسلمين ليزحزحوهم عن الوسط الحق، فالمفرطون في اتجاه اليمين من أعداء الإسلام يريدون أن يجذبوا المسلمين إليهم، والمفرطون في اتجاه اليسار يعملون بطاقات كبرى كي يجذبوا المسلمين إلى يسارهم، ومن المؤسف أنه ليس للإسلام في هذا العصر قوة مادية كبرى قائمة، ذات كيان فعال في العالم، تستطيع أن تثبت المسلمين في منهج الوسط تثبيتاً تطبيقياً، فضلاً عن أن تجذب إليه من هم في مفرط اليمين، أو من هم في مفرط اليسار.
هذا هو واقع الإسلام بين نظامين اقتصاديين قائمين في العالم، وهذا هو واقع المسلمين بين أنصار هذين النظامين.
وقد وقفت أسس نظام الإسلام الاقتصادية كالطود المنيع بفلسفتها المحكمة الفذة في العالم، الكفيلة بتحقيق مصلحة الفرد، ومصلحة الجماعة، والكفيلة بدعم قوة الدولة المسلمة، دون أن تمس كيانها بأذى، والمنسجمة مع مبادئ العقيدة والعبادة والأخلاق الإسلامية وأهدافها، والمنسجمة مع نظم الإسلام الأخرى.
وهذه الأسس تقع في دائرة الوسط بين أطراف تبعد كل البعد أو بعضه عن المصالح العظمى التي يهدف إليها الإسلام.
وأعداء الإسلام يحاربون تطبيق نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال حرباً لا هوادة فيها، وحربهم هذه هي جزء من حربهم العامة للإسلام، وجزء من أعمالهم الكبرى التي يريدون منها إبعاد المسلمين عن تطبيق نظم الإسلام الكفيلة بتحقيق أفضل صور العدالة الممكنة في الواقع الإنساني، والتي من شأنها أن تجذب شعوب العالم إلى الإسلام، وتضيف إلى صروح المسلمين الأولى صروح مجد جديد، وتعيد إليهم قوتهم ودولتهم الكبرى.
وقد غدت أسلحة النظم الاقتصادية لأعداء الإسلام شرقيين وغربيين، هي الوسيلة الهامة في هذا العصر للغزو الفكري والمادي الذي يغزون به المسلمين.
وسبب ذلك أن معظم المسلمين يجهلون حقيقة نظام الإسلام المتعلق بشؤون المال، ولا يهتمون بتطبيقه، وقد غزت النظم الأخرى المناهضة لنظام الإسلام ميادين النشاط الاقتصادي في بلادهم، فهم يعيشون في وضع قلق ملفق مرقع بين الأنظمة المختلفة، فلا هو نظام إسلامي، ولا هو نظام غربي، ولا هو نظام شرقي، وهذه المرحلة التي وصل إليها المسلمون في واقعهم التطبيقي مرحلة مساعدة جداً لتحقيق أهداف أعدائهم فيهم. إنها المرحلة التمهيدية التي تهيئ للغزاة فرصة الغزو الكاسح، لأن المنافذ الاقتصادية من