الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أهدافهم بنشر الإلحاد والشيوعية معاً، واستدراج شعوب الأمة الإسلامية إليهما.
(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم
باستطاعتنا أن نتلمس دوافع المستشرقين وأهدافهم من أعمالهم، ومما حققوه من أهداف، ومن النظرات التاريخية إلى واقع حال الدول الغربية، قبل أن تنبت فيها نابتة الاستشراق، وإلى واقع حالها بعد ذلك،ومن النظر إلى صلة الاستشراق بالتبشير بالنصرانية، وإلى صلته بالاستعمار.
وفيما يلي خلاصة عن دوافعهم وأهدافهم مع العلم بأن الدوافع تلتقي مع الأهداف،باعتبار أن الدافع يمثل المحرض النفسي لاتخاذ الوسائل التي توصل إلى الأهداف الغائية من العمل.
الأول: الدافع الديني أو المذهبي ضد الإسلام والمسلمين
عرفنا أن الاستشراق بدأ بالرهبان والقساوسة والنصارى، ثم استمر بعد ذلك ومعظم المستشرقين من رجال الكهنوت المسيحي، وكان هؤلاء مدفوعين بدافع الانتصار للنصرانية، والرغبة بتنصير المسلمين الذين اكتسحوا امبراطوريتهم واستطاع دينهم الحق أن يغلب النصرانية المحرفة في نفوس أتباعها.
واتجه هؤلاء للطعن في الإسلام وتشويه محاسنه وتحريف حقائقه بغية إقناع جماهيرهم التي تخضع لزعاماتهم الدينية بأن الإسلام دين لا يستحق الانتشار، وبأن المسلمين قوم همج لصوص سفاكو دماء يحثهم دينهم على الملذات الجسدية ويبعدهم عن كل سمو روحي وخلقي.
ثم اشتدت حاجتهم إلى هذا الهجوم في العصر الحاضر، بعد أن رأوا الحضارة الحديثة قد زعزعت أسس العقيدة بالنصرانية عند الغربيين، وأخذ تشكُّكُهم بكل التعاليم التي كانوا يتلقونها عن رجال الدين عندهم يزداد، فلم
يجدوا وسيلة أجدى من تشديد الهجوم على الإسلام لصرف أنظار الغربيين عن نقد ما عندهم من عقيدة وكتب مقدسة. وهم يعلمون ما تركته الفتوحات الإسلامية الأولى، ثم الحروب الصليبية ثم الفتوحات الإسلامية العثمانية في أوربا بعد ذلك في نفوس الغربيين من خوف شديد من قوة الإسلام، ومن كره لأهله، فاستغلوا هذا الجو النفسي، وازدادوا نشاطاً في الدراسات الإسلامية.
وحين قامت جمعيات التبشير، ووضعت من أهدافها تحويل المسلمين عن دينهم إلى النصرانية، أو إلى اللادينية والإلحاد الكامل، كانت دوافع الاستشراق لدى المبشرين وأنصارهم ومؤيديهم هي دوافع التبشير أنفسها، وهي تتلخص بالرغبة الملحة في سلخ المسلمين عن دينهم، ومحاولة إدخالهم في النصرانية، أو إبقائهم ملاحدة لا دين لهم، حتى يكونوا أطوع للدول النصرانية الطامعة باستعمار بلاد المسلمين، واستغلال خيراتها.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: هو إخراج المسلمين عن دينهم، فإن أمكن تنصيرهم فذالك، وإلا فإبقاؤهم لا دين لهم مطلقاً هدف مرجو يحقق للنصارى منافع ومصالح سياسية واقتصادية واستعمارية وغير ذلك.
ولإخراج المسلمين عن دينهم وسائل كثيرة، منها:
1-
تنفير المسلمين من دينهم وحملهم على كراهيته.
2-
تشويه الإسلام، والتشكيك في أسسه، وتوجيه المطاعن له.
3-
تشويه التاريخ الإسلامي، وتشويه حضارة المسلمين، وكل ما يتصل بالإسلام من علم وأدب وتراث.
4-
نبش الحضارات القديمة وإحياء معارفها، وبعث الطوائف الضالة والحركات الهدامة القديمة.
5-
تزيين ما في المسيحية من تعاليم وأحكام.
6-
استدراج المسلمين للأخذ بالحضارة المادية الحديثة، وما فيها من مغريات
للنفوس، ومرضيات للأهواء، وآسرات للشهوات، وباهرات للنظر.
7-
ادعاء أن الفقه الإسلامي مقتبس من القانون الروماني.
8-
ادعاء أن أحكام الشريعة الإسلامية لا تتلاءم مع التطور الحضاري.
9-
الدعوة إلى نبذ اللغة العربية وتبديل طريقة كتابتها.
الثاني: الدافع الاستعماري
لم ييأس الصليبيون بعد هزيمتهم في الحروب الصليبية من العودة إلى احتلال بلاد العرب وسائر بلاد المسلمين، فاتجهوا لدراسة هذه البلاد، في كل شؤونها: من عقيدة وعادات وأخلاق وثروات ولغات وتاريخ وغير ذلك مما يتعلق بها من جغرافية وسكان بغية أن يتعرفوا إلى مواطن القوة فيها فيضعفوها، وإلى مواطن الضعف فيغتنموها.
ثم لما تم لهم الاستيلاء العسكري والسيطرة السياسية، كان من دوافع الدراسات الاستشراقية الرغبة بإضعاف المقاومة الروحية والمعنوية في نفوس المسلمين، وبث الوهن والارتباك في تفكيرهم، وكان لهم في ذلك وساوس كثيرة، تسللوا بها إلى نفوس أبناء المسلمين، ومن هذه الوساوس ما يلي:
1 ً- التشكيك بفائدة ما في أيدي المسلمين من تراث، وبما عندهم من عقيدة وشريعة وقيم إنسانية.
والغرض من ذلك أن يفقدوا ثقتهم بأنفسهم، ويرتموا في أحضان الغرب، يستجدون منه المقاييس الأخلاقية والمبادئ والعقائد والحلول لمشاكلهم الحياتية والعادات والتقاليد وأنواع السلوك ليتم للغرب بذلك إخضاع المسلمين لحضارته وثقافته إخضاعاً كاملاً.
2 ً- إحلال مفاهيم جديدة، أو إحياء مفاهيم ماتت منذ تمكن الإسلام من قلوب المسلمين، كالقوميات الفرعونية والفينيقية والآشورية والعربية الكردية والتركية والفارسية ونحو ذلك ليتسنى لهم تشتيت شمل الأمة الإسلامية الواحدة، التي تجمعها رابطة واحدة، هي وحدة الدين الذي يهيمن على جميع مشاعر الإنسان الداخلية وسلوكه الظاهر.
وللاستشراق الذي يقوم به الشيوعيون دافع مشابه، وهو دافع يطمع بالتسلط الكامل على بلاد المسلمين.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: هو السيطرة على بلدان العالم الإسلامي، وعلى الشعوب الإسلامية، طمعاً باستغلال الأرض واستعباد الناس والسيطرة على كل شيء وسيلة لتحقيق أهواء النفوس وشهواتها،وأن يكن لها العلو في الأرض.
الثالث: الدافع الاقتصادي
ومن الدوافع التي حرضت كثيراً من الغربيين على الدراسات الاستشراقية رغبتهم بغزو البلاد الإسلامية غزواً اقتصادياً،يهدفون فيه إلى الاستيلاء على الأسواق التجارية والمؤسسات المالية المختلفة والاستيلاء على الثروات الأرضية واستغلال الموارد الطبيعية والحصول عليها بأبخس الأثمان وإماتة الصناعات المحلية القديمة، لتكون بلاد المسلمين بلاد استهلاك لما تصدره المصانع الآلية الغربية.
وضمن هذا الدافع وجهت المؤسسات الاقتصادية الغربية، من يهتمون بالدراسات الاستشراقية، ليكونوا وسطاءهم ورسلهم ومستشاريهم والمترجمين لهم في مهماتهم ومطالبهم الاقتصادية أو أبدت استعدادها لاستخدام من يعمل لهم في هذا المجال، فاتجه فريق من الغربيين لهذه الدراسات، طمعاً بأن يجدوا أعمالاً لهم لدى المؤسسات الاقتصادية.
وظهر أيضاً فريق من الباحثين العلميين اهتم بالدراسات الاستشراقية، ليقوم نشر كتب التراث الإسلامي، والاستفادة من نشرها في تحصيل الثروات التي يحصل عليها الناشرون عادة.
وهكذا صارت الدراسات الاستشراقية وسيلة من وسائل كسب المال لكثير من المستشرقين.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: تحصيل الأموال والمطامع الاقتصادية.
الرابع: الدافع السياسي
قبل الاستعمار وبعد تحرر البلاد الإسلامية منه رأت الدوائر الاستعمارية أن حاجتها السياسية تقضي بأن يكون لها في قنصلياتها، وسفاراتها ومندوبيها في الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، من لديهم زاد جيد من الدراسات الاستشراقية، ليقوم لهم هؤلاء بمهمات سياسية متعددة مرتبطة بالشعوب الإسلامية، وبلدان العالم الإسلامي، ومنها ما يلي:
1 ً- الاتصال بالسياسيين والتفاوض معهم، لمعرفة آرائهم واتجاهاتهم.
2 ً- الاتصال برجال الفكر والصحافة للتعرف على أفكارهم وواقع بلادهم.
3 ً- بث الاتجاهات السياسية التي تريدها دولهم، فيمن يريدون بثها فيهم، وإقناعهم بها.
4 ً- الاتصال بعملائهم وأجرائهم الذين يخدمون أغراضهم السياسية داخل شعوب الأمة الإسلامية.
وكم بثَّ حاملو هذا الدافع في شعوب المسلمين من أفكار؟! وكم دسوا من دسائس؟! وكم استخدموا من أجراء لإثارة الفتن وإقامة ثورات وانقلابات عسكرية؟!.
إلى غير ذلك من أعمال.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: تحقيق غايات سياسية، تريد تحقيقها الدول الموجهة لهذا النوع من الدراسات لتسيير دول العالم الإسلامي في أفلاكها.
الخامس: الدافع العلمي النزيه
ومن المستشرقين نفر قليل جداً أقبلوا على الدراسات الاستشراقية بدافع من حب الاطلاع على حضارات الأمم وأديانها وثقافاتها ولغاتها.
وكان هؤلاء النفر من المستشرقين أقل من غيرهم خطأً في فهم الإسلام
وتراثه، لأنهم لم يكونوا يتعمدون أن يدسوا أو يحرفوا.
لذلك جاءت بحوث هؤلاء أقرب إلى الحق، وإلى المنهج العلمي السليم، من أبحاث الجمهرة الغالبة من المستشرقين، بل منهم من اهتدى بدراسته إلى الإسلام، وآمن به، وانتمى إلى الأمة الإسلامية.
على أن هؤلاء قلما يوجدون إلا حين يكون لهم من الموارد المالية الخاصة ما يمكنهم من الانصراف إلى الدراسات الاستشراقية بأمانة وإخلاص، لأن أبحاثهم المجردة عن الهوى الجانح لا تلقى رواجاً لا عند رجال الدين، ولا عند رجال السياسة، ولا عند عامة الباحثين الغربيين.
بل كثيراً ما يتعرض هؤلاء لمضايقات ومقاومات شديدة، من قبل رجال الدين ورجال السياسة في بلدانهم.
ولما كان الاستشراق النزيه الراغب بالبحث العلمي الحيادي المتجرد عن الهوى الجانح، لا يدر على مرتاديه مكاسب ومغانم، كان من الطبيعي أن يندر وجود هؤلاء المرتادين في أوساط المستشرقين.
ومن خلال معرفتنا لهذا الدافع نستطيع معرفة الهدف الغائي المرتبط به.
فهدف هذا الدافع: إشباع نهم علمي متجرد، وتحصيل معرفة صحيحة تتصل بأمة ذات علم، وحضارة أصيلة.
وهؤلاء مع إخلاصهم في البحث والدراسة لا يسلمون من الأخطاء والاستنتاجات البعيدة عن الحق، إما لجهلهم بأساليب اللغة العربية، وإما لجهلهم بالأجواء الإسلامية التاريخية على حقيقتها، فيتصورونها كما يتصورون مجتمعاتها، ناسين الفروق الطبيعية والنفسية والزمنية التي تفرق بين الأجواء التاريخية التي يدرسونها، وبين الأجواء الحاضرة التي يعيشونها.
ومن هؤلاء من يعيش بقلبه وفكره في جو البيئة التي يدرسها، فيأتي بنتائج تنطبق مع الحق والصدق والواقع، ولكن هؤلاء يلقون عنتاً من سائر المستشرقين، إذ سرعان ما يتهمون بالانحراف عن المنهج العلمي، أو الانسياق
وراء العاطفة، أو الرغبة في مجاملة المسلمين والتقرب إليهم، كما فعلوا مع "توماس أرنولد" حين أنصف المسلمين في كتابه العظيم "الدعوة إلى الإسلام"، فقد برهن فيه على تسامح المسلمين في جميع العصور مع مخالفيهم في الدين، على عكس مخالفيهم معهم. هذا الكتاب الذي يعتبر من أدق وأوثق المراجع في تاريخ التسامح الديني في الإسلام، يطعن فيه المستشرقون المتعصبون بأن مؤلفه كان مندفعاً بعاطفة قوية من الحب والعطف على المسلمين، مع أنه لم يذكر حادثة إلا أرجعها إلى مصدرها.
ومن هؤلاء من يؤدي به البحث الخالص لوجه الحق إلى اعتناق الإسلام والدفاع عنه في أوساط أقوامهم الغربيين، كما فعل المستشرق الفرنسي الفنان "دينيه" الذي عاش في الجزائر فأعجب بالإسلام وأعلن إسلامه، وتسمى باسم ناصر الدين دينيه" وألف مع عالم جزائري كتاباً عن سيرة الرسول، وله كتاب "أشعة خاصة بنور الإسلام" بيَّن فيه تحامل قومه على الإسلام ورسوله، وقد توفي هذا المستشرق المسلم في فرنسا، ونقل جثمانه إلى الجزائر ودفن فيها.
ومنهم أيضاً المستشرق "عبد الكريم جرمانوس" وهو عالم مجري اعتنق الإسلام في الهند، ولد سنة (1885) وتوفي سنة (1979م) وكان يتمنى أن يعيش مائة عام، لأن اللغة العربية في رأيه تحتاج إلى مائة سنة لفهمها. كان عضواً في المجمع اللغوي في القاهرة. أحب الإسلام واللغة العربية وخدمهما. ألف أكثر من مائة وخمسين كتاباً عن الإسلام، منها:
1-
الله أكبر.
2-
الحركات الحديثة في الإسلام.
3-
شوامخ الأدب العربي.
4-
معاني القرآن.