الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) مؤتمرات المبشرين
مرت أعمال المبشرين في مراحل تكاملت فيها خططهم وبرامجهم وأعمالهم الرامية إلى تحقيق أهدافهم، وأخذوا خلال هذه المراحل يعدّلون فيها ويحسِّنون، فيحذفون أشياء ويضيفون أخرى، وجعلوا يطورون وسائلهم، ويبتكرون فيها أشياء جديدة، توصل إليها حيل الذكاء، والتجارب والاختبارات ورصد نتائج الأعمال، أو ترشد إليها مداولات الآراء في المؤتمرات التي يعقدونها لهذه الغاية.
ولما كانت مؤتمراتهم تمثّل جانباً مهماً من تاريخ التبشير والمبشرين، اقتضى البحث في تاريخ التبشير عرض أمثلة موجزة منها، وفيما يلي طائفة من ذلك:
1-
المؤتمر التبشيري الذي انعقد في القاهرة سنة (1906م)
كان "زويمر" رئيس إرسالية التبشير في البحرين أول من ابتكر فكرة عقد مؤتمر عام يجمع إرساليات التبشير البروتستانتية للتفكير في مسألة التبشير بين المسلمين.
وفي سنة (1906م) أذاع اقتراحه، وأبان الكيفية التي يكون بها، فوضعت هذه الفكرة على بساط البحث في "ميسور" من ولاية "كرناكا" في الهند، نظراً إلى أن هذه الولاية كانت ذات أهمية كبرى عند المبشرين، فيما يتعلق بالمسائل الإسلامية، لوجود مدرسة "عليكرا" هناك.
ثم عرض الاقتراح على مؤتمر التبشير الذي كان ينعقد في مدينة "مرداس" الهندية كل عشر سنوات، فأقر المؤتمرون عقد المؤتمر الذي قدم "زومير" الاقتراح بشأنه.
ولما تقرر عقد المؤتمر شرع المبشر "زويمر" مع زميل له يعدان ما يلزم لتأليف لجنة مؤقتة تضع جدول أعماله، وتدعو المبشرين المنتشرين في كل البلاد للاشتراك فيه.
وفي اليوم الرابع من شهر نيسان "إبريل" من سنة (1906م) تم انعقاد المؤتمر في القاهرة، وحضر فيه ممثلون عن إرساليات التبشير الأمريكية، والإنكليزية والإسكتلندية والألمانية والهولندية والسويسرية وعن إرسالية التبشير الدانمركية الموجودة في الغرب.
وانتخب "زويمر" رئيساً للمؤتمر، وقد تناول جدول أعمال المؤتمر مداولة المسائل التالية:
1-
ملخص إحصائي عن عدد المسلمين في العالم.
2-
الإسلام في إفريقية.
3-
الإسلام في السلطنة العثمانية.
4-
الإسلام في الهند.
5-
الإسلام في فارس.
6-
الإسلام في الملايو.
7-
الإسلام في الصين.
8-
النشرات التي ينبغي إذاعتها بين المسلمين المتنورين والمسلمين العوام.
9-
الارتداد.
10-
وسائل إسعاف الذين يضطهدون بسبب تركهم للإسلام.
11-
شؤون نسائية إسلامية.
12-
موضوعات تتعلق بتربية المبشرين والعلاقات بينهم وكيفية التعليم في الإسلام.
ومن البحوث التفصيلية التي دارت في المؤتمر الصعوبات التي تحول دون تبشير المسلمين العوام، والوسائل التي يمكن استجلابهم بها، وتحبب المبشرين إليهم، وقد وجه المؤتمرون لضرورة استخدام الوسائل التالية في التبشير:
أ- استخدام وسيلة العزف بالموسيقى الذي يميل إليه الشرقيون كثيراً.
ب- عرض مناظر الفانوس السحري على المسلمين.
جـ- تأسيس الإرساليات الطبية التي يجب أن ينبث بينهم.
د- ضرورة تعلم المبشرين لهجات المسلمين العامية، واصطلاحاتها نظرياً
وعملياً وضرورة دراستهم للقرآن حتى يقفوا على ما يحتويه.
هـ- أن يخاطب المبشرون عوام المسلمين على قدر عقولهم ومستوى علمهم.
و ينبغي أن يلقي المبشرون الخطب على عوام المسلمين بأصوات رخيمة، وبفصاحة. وينبغي أن يخطب المبشر وهو جالس ليكون تأثيره أشد على السامعين. وأن لا تتخلل خطاباته كلمات أجنبية عنهم، وأن يبذل عنايته في اختيار الموضوعات، وأن يكون بصيراً بآيات القرآن والإنجيل، عارفاً بمحل المناقشة. وأن يستعمل التشبيه والتمثيل أكثر مما يستعمل القواعد المنطقية.
ز- ضرورة كون المبشر خبيراً بالنفس الشرقية.
وناقش المؤتمر الصعوبات التي يلاقيها المبشرون لدى تبشير المتنورين من المسلمين، وهذه الصعوبات هي التي جعلت المؤتمر يبحث في الوسائل التي يكون لها تأثير ما على عقيدة الأجيال الناشئة الإسلامية المتنورة.
وهنا قال أمين سر المؤتمر: إن الخطة العدائية التي انتهجها الشبان المسلمون المتعلمون ضد المبشرين؛ اضطرت المبشرين في القطر المصري إلى محاولة إعادة ثقة الشبان المسلمين بهم. فصار هؤلاء المبشرون يلقون محاضراتهم في موضوعات اجتماعية وخلقية وتاريخية، ولا يستطردون فيها إلى مباحث دينية، رغبة في جلب قلوب المسلمين إليهم.
وأنشأوا بعد ذلك في القاهرة مجلة أسبوعية اسمها: "الشرق والغرب" افتتحوا فيها باباً غير ديني، وأخذوا يبحثون فيه أموراً تتعلق بالشؤون الاجتماعية التاريخية. وأسسوا أيضاً مكتبة لبيع الكتب بأثمان قليلة. والغرض من ذلك اجتلاب الزبائن ومحادثتهم أثناء البيع.
وبعد ثلاث سنوات فقط تسنى للمبشرين أن يتوصلوا إلى النتائج التالية:
الأولى: أنهم عرفوا أحوال البلاد، وأفكار المسلمين وشعورهم وعواطفهم وميولهم.
الثانية: أنهم حصلوا على ثقة عدد من المسلمين بهم.
الثالثة: أن المبشرين تحققوا أنهم بتظاهرهم في وداد المسلمين وميلهم إلى ما تطمح إليه نفوسهم من الاستقلال السياسي والاجتماعي والنشأة القومية يمكنهم أن يدخلوا إلى قلوبهم.
ثم عرض أمين سر المؤتمر اقتراحاً بتأسيس مدرسة جامعة تشترك فيها المؤسسات التبشيرية كلها؛ على اختلاف مذاهبها، لتتمكن من مزاحمة الجامع الأزهر بسهولة. وتتكفل هذه المدرسة الجامعة بإتقان تعليم اللغة العربية،وقال: إن في الإمكان مباشرة هذا العمل في دوائر صغيرة.
ثم اقترح أحد المندوبين في المؤتمر أن تراجع المؤلفات التي قدم عليها العهد لإصلاحها، واستخدامها في تبشير المسلمين المتنورين، الذين اقتبسوا علومهم في المعاهد العصرية مثل مدرسة أكفسورد وبرلين وأشار إلى وجوب تخفيف اللهجة في المجادلات الدينية.
ثم بحث المؤتمر بعد ذلك في مسألة إرساليات التبشير الطبية، فقام المستر "هاريس" وأبان عن وجوب الإكثار من الإرساليات الطبية، لأن رجالها يحتكون دائماً بالجماهير، ويكون لهم تأثير على المسلمين أكثر مما للمبشرين الآخرين.
ثم قام الدكتور "ارهارس" طبيب إرسالية التبشير في طرابلس الشام، فقال: إنه قد مر عليه اثنان وثلاثون عاماً، وهو في مهنته التبشيرية عن طريق الطب، فلم يفشل إلا مرتين وذلك عقب منع الحكومة العثمانية أو أحد الشيوخ لاثنين من زبائنه من الحضور إليه.
وأورد إحصاء لزبائنه فقال: إن (68) في المائة منهم مسلمون، ونصف هؤلاء من النساء، ثم قال: يجب على طبيب إرساليات التبشير أن لا ينسى ولا في لحظة واحد أنه مبشر قبل كل شيء، ثم هو طبيب بعد ذلك.
ثم تكلم المبشر الطبيب الدكتور "تمباني" وذكر الصعوبات التي يلقاها الطبيب في التوفيق بين مهنتي التبشير والطب، كما حدث معه هو، إلا أن ما بذله من المجهودات قد أعانه على النجاح، حتى تمكن من تأسيس مستشفى
التبشير عن طريق التبرعات، وكان أول متبرع لهذا المستشفى رجلاً من المسلمين.
وخطب الأستاذ "ممبسون" بعد ذلك فتحدث عن فضل الإرساليات الطبية، ومما قاله: إن المرضى والذين ينازعون الموت بوجه خاص لا بد لهم من مراجعة الطبيب، وحسن أن يكون هذا الطبيب في جانب المريض حينما يكون في حالة الاحتضار، التي لا بد أن يبلغها كل واحد من أفراد البشر.
ثم خطبت المبشرة "أناوستون" فتحدثت عن إرسالية التبشير الطبية في مدينة طنطا قائلة: إن ثلاثين في المئة من الذين يعالجون في مستشفى هذه الإرسالية هم من الفلاحين المسلمين وأكثرهم من النساء.
وتحدث المؤتمر عن ألأعمال النسائية في التبشير، وكان لهذا الأمر اهتمام كبير من قبل الأعضاء لأنه خاص كما قالوا بنصف مسلمي العالم.
فقالت المبشرة "ولسون": إن النساء المبشرات يستعنَّ في الهند بالمدارس وبالعيادات الطبية، وزيارة قرى الفلاحين لينشرن أفكارهن بين طبقات الناس.
ثم حثت المبشرة "هلداي" على الرفق بالمرأة المسلمة ز
ثم تناوب الحديث عدد من المبشرات، فتحدثن عن نجاحهن في المناطق التي انتدبن للتبشير فيها، وقالت إحداهن: إن المسلمات الفارسيات يظهرن ميلاً شديداً للعلم، بالرغم من جهلهن باتساع نطاقه. وهن يعتقدن أن الذي يعرف جغرافية البلاد نابغة.
ثم انتقل المؤتمر إلى بحث موضوع تربية النساء اللاتي يتطوعن للتبشير.
وناقش المؤتمر بعد ذلك بعض وسائل التبشير الحكيم، فعرض المبشر القسيس "هاريك" على المؤتمر نتائج أبحاثه التي أجراها في بلاد السلطنة العثمانية، فكان مما عرضه أنه لا فائدة ترجى من استخدام وسيلة المناظرة والجدل، التي وضعها المبشر الدكتور "فاندر" وذكر أن نشر الكتب التبشيرية بدون مناقشة أو جدل أكثر فائدة وأعم نفعاً. وقال: إن الجدل والمناظرة يبعدان
المحبة التي لها وقع كبير على قلوب الأغيار.... فالمحبة والمجاملة هما آلة المبشر، لأن طريق الاعتقاد غايته دائماً هي قلب الإنسان.
وأكد المبشر "هاريك" على أنه يجب على المبشر أن يتحلى بمبادئ الدعوة التي يبشر بها قبل أن يُعنى بالأمور النظرية.
ثم عرض المبشر القسيس "ثرونتن" على المؤتمر بعض النظريات الأولية في أساليب التبشير بين المسلمين، واستنتج منها القواعد التالية:
القاعدة الأولى: يجب على المبشر ألا يثير نزاعاً مع مسلم.
القاعدة الثانية: يجب على المبشر ألا يحرض المسلم على الموافقة التسليم بالمبادئ التي تخالف دينه إلا عرضاً، وبعد أن يشعر المبشر بأن الشروط الطبيعية والعقلية والروحية قد توافرت في ذلك المسلم.
القاعدة الثالثة: إذا حدث سوء تفاهم حول المبادئ التي يُدعى المسلم إلى الاعتقاد بها، فيجب أن يزال في الحال، ولو أفضى الأمر إلى ترك المناقشة.
ثم أكد الأسقف لاهور ضرورة استخدام الوسائل اللينة في التبشير، فكان مما رآه ما يلي:
1-
إن المبشر الذي يُعدّ نفسه لمجادلة المسلمين في أمور الدين يجب أن تتفوق فيه الصفات الخلقية والاستقامة التامة على المزايا العقلية.
2-
أن يكون صحيح المجاملة. وأن يضع الأمل بالفوز على خصمه نُصب عينيه.
ثم أبدى استنكاره لقسوة التعاليم القديمة، وأنها كانت ترمي إلى التغلب على العدو، لا إلى اكتساب مودته.
ثم قال: ويظهر لي أن كثيراً من إخواننا المبشرين يريدون أن يبشروا الناس برشقهم بالحجارة.
وختم كلامه بقوله: يجب على المبشر أن يتذرع بالصبر السكينة، وأن
يكون حاكماً على عواطفه إلى الغاية القصوى، وأن لا يخالج نفسه أقل ريب في أنه هو الذي سيفوز.
ثم انتهى المؤتمر، وختمه رئيسه المبشر "زويمر" فقال:
"إن انعقاد هذا المؤتمر كان بالتقريب نتيجة لأعمال "شبان التبشير المتطوعين" أما البحث في أحوال العالم الإسلامي وتبشيره فقد سبق الخوض فيه في مؤتمر "كلفلند"، وهذه الخريطة التي نراها أمامنا الآن موسومة باسم "خريطة تنصير العالم الإسلامي في هذا العصر" قد بعثت الأمل في قلوب ألوف من الطلبة في مؤتمر "ناشفيل" الذي انعقد في شهر فبراير (شباط) الماضي (أي من سنة 1906م) ، والتبشير متوقف على وجود زمرة من المبشرين المتطوعين الذين يقفون حياتهم ويضحونها في هذا السبيل. ثم ختم كلامه راجياً أن يكون لندائه صدىً في المدارس والجامعات في أوربا وأمريكا.
2-
مؤتمر "ادنبرج" التبشيري
في شهر أيلول (سبتمبر) من سنة (1910م) انعقد مؤتمر ادنبرج التبشيري وكان للمسائل الإسلامية حظ كبير من مداولات أعضائه. وقد تفرغت فيه لجنتان من أهم لجانه للبحث في أمر الإسلام والمسلمين، وكيفية القيام بمهام التبشير بينهم.
وقد نشرت أعمال هذا المؤتمر في تسع مجلدات، وتحدثت ثلاث مجلدات تبشيرية عن بعض ما جرى فيه من بحوث، وهي:
1-
"مجلة الشرق المسيحي" التابعة لجمعية التبشير الشرقية الألمانية.
2-
"مجلة العالم الإسلامي" التبشيرية الإنكليزية.
3-
"مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية" التابعة لجمعية التبشير في بال بسويسرا.
وقد جاء في مجلة "العالم الإسلامي" الفرنسية التبشيرية لدى حديثها عن هذا المؤتمر: وأعمال مؤتمر إدنبرج لم تكن حبراً على ورق، بدليل أن المؤتمر الاستعماري الألماني الذي عقد عقب مؤتمر إدنبرج التبشيري اهتمّ بأمر
إرساليات التبشير الجرمانية، حتى خُيّل إلى الناس أن هذا المؤتمر الاستعماري السياسي تحول إلى مؤتمر تبشيري ديني.
ونشرت "مجلة الشرق المسيحي" التابعة لجمعية التبشير الشرقية الألمانية مقالة بقلم المبشر الألماني "فون لبسيوس" تحت عنوان "دخول التبشير العام في طور جديد" ذكر فيها أهمية مؤتمر إدنبرج الذي أبان عن ارتقاء في أعمال المبشرين. وقد حضر هذا المؤتمر (1200) مئتان وألف مندوب، منهم بعض كبار السياسيين في دول عالمية كبرى. واقتبس صاحب هذه المقالة من مستندات مؤتمر (إدنبرج) أن عدد جيش المبشرين البروتستانت قد بلغ (98388) ثمانية وتسعين ألفاً وثلاثمائة وثمانية وثمانين، تعضدهم لجان يبلغ عدد أعضائها خمسة ملايين ونصف المليون. يضاف إلى ذلك أعداد كثيرة أخرى من رجال ونساء وطلاب وأساتذة وأطباء وممرضات وغيرهم. وقد كان هذا كله في سنة (1902م) ، ومن يقارن بينه وبين ما وصل إليه إحصاء العاملين في مهمات التبشير سنة (1911م) يلاحظ ارتقاء باهراً، لأن عدد إرساليات التبشير العامة في هذه السنة قد بلغ (3838) ، وأما الإرساليات التي هي في الدرجة الثانية فقد بلغ عددها (34719) ، وعدد الأساتذة والتلاميذ قد بلغ مليوناً ونصف المليون تقريباً. ووصل عدد الجامعات والكليات إلى ثمانية وثمانين، وصار لدى المبشرين خمسمائة واثنتان وعشرون مدرسة دينية لتخريج المبشرين. هذا إلى جانب حشد كبير من المدارس العليا والابتدائية والمستشفيات والصيدليات. ويشرف على إرساليات التبشير نحو ألف جمعية ما بين جمعيات عمومية عاملة، وجمعيات لإعانتها وجمعيات أخرى.
وجاء في "مجلة العالم الإسلامي" الإنكليزية التبشيرية التابعة لإرسالية البحرين ما يلي: ومجلتنا تستحسن الاهتمام الشديد الذي أبداه مؤتمر "إدنبرج" وستجتهد في متابعة البحث والمداولة في المسائل التي بحث المؤتمر فيها.
وقد نشرت هذه المجلة مقالة بقلم المبشر المستر "تشارلس وطسون" تحت عنوان "العالم الإسلامي" قال فيها: إن من الخطأ الحكم على مؤتمر (إدنبرج) بأنه لم يهتم بالمسائل الإسلامية.... فقد كان المؤتمر مؤلفاً من ثمان لجان،
اختصت الأولى والرابعة منها بالتوسع في بحث المسألة الإسلامية، أما مهمة اللجنة الأولى فهي أن تبحث في المسائل الإسلامية من الوجهة الخارجية، وفي إيجاد ميدان عام مشترك لأعمال المبشرين واختيار خطة الهجوم والغارة وتقرير هذه اللجنة يتضمن إحصاءً متعلقاً بالمسلمين وعددهم ومبلغ ارتقائهم في كل قطر. ثم تناولت اللجنة البحث في الأمور الاجتماعية الإسلامية التي تمهد السبيل لتحويل المسلمين عن دينهم، فحضّت جمعيات التبشير على توسيع نطاق التعليم الذي يشرف عليه المبشرون، وحصرت قراراتها بجملتين اثنتين:
وقد جاء في الجملة الثانية منهما ما يلي: "إن المسائل الإسلامية في الشرق على الخصوص صار لها مكان هام في أعمال المبشرين، عقب الانقلابات التي حدثت في بلاد الدولة العثمانية وفارس. ولذلك أصبح من مقتضيات الظروف أن تقوم إرساليات التبشير بعمل ينطبق على المسائل الإسلامية".
وقالت اللجنة الثالثة في تقريرها: "اتفقت آراء سفراء الدول الكبرى في عاصمة السلطنة العثمانية على أن معاهد التعليم الثانوية التي أسسها الأوروبيون كان لها تأثير في حل المسألة الشرقية، يرجح على تأثير العمل المشترك الذي قامت به دول أوربا كلها".
وتداولت اللجنة الخامسة في كيفية تعليم المبشرين وتربيتهم، وألحت على ضرورة تعليم الذين يقومون بالتبشير في البلاد الإسلامية دين الإسلام، ولغة البلاد.
وجاء في تقرير اللجنة الثامنة قولها: "الأمر الذي لا مرية فيه أن المهمة الصعبة التي يقوم بها المبشرون في البلاد الإسلامية لم تظهر في غاية الصعوبة إلا لأنه يعسر على جمعية تبشير واحدة أن تقوم بها، ولكن وحدة العمل ستكون أحسن وأسرع لهذه المعضلة في إكمال مهمة التبشير".
وتحدثت "مجلة إرساليات التبشير البروتستانتية" التابعة لجمعية التبشير في مدينة بال بسويسرا عن مؤتمر "إدنبرج" في سلسلة مقالات، ومنها مقالة بقلم المبشر "شلاثار" وجاء فيها ما يلي:"ولما انتهت اللجنة السابعة من أعمالها قال
"اللورد بلفور" رئيس الشرف: "إن المبشرين هم ساعد لكل الحكومات في أمور هامة، ولولاهم لتعذر عليها أن تقاوم كثيراً من العقبات. وعلى هذا فنحن في حاجة إلى لجنة دائمة يناط بها التوسط والعمل لما فيه مصلحة المبشرين" فأجيب "اللورد بلفور" إلى اقتراحه، وتألّفت لجنة مختلطة، ولجنة لمواصلة العمل.
نتائج مؤتمر إدنبرج
وعلى إثر انتهاء أعمال مؤتمر "إدنبرج" تألَّفت لجنة لمواصلة الأعمال التي بدأ بها، وانبثق عن هذه اللجنة فروع كثيرة، بعضها للإحصائيات، وبعضها للنشر والمطبوعات، وبعضها للتربة والتعليم، وآخر لحسم المشكلات بين المبشرين، وفرع خاصٌ لدراسة علاقات المبشرين بالحكومات (أي: الاستعمارية) كما خُصّص أحد الفروع لدراسة العقبات التي تحول دون التبشير بين المسلمين.
وفي شهر أيار (مايو) من سنة (1911م) اجتمعت لجنة مواصلة أعمال المؤتمر، وبحثت في طرائق التربية والتعليم التي ينبغي للذين يقومون بمهمة التبشير بين المسلمين أن يتَّبعوها. وقررت أن تنتهز الفرص وتنتفع بالظروف السانحة، وأن تنشر مجلة مشتركة تصدر سنة (1912م) مرة في كل ثلاثة أشهر.
وتقول "مجلة العالم الإسلامي" الإنكليزية التبشيرية: إن أول ما ينفذ من قرارات مؤتمر "إدنبرج" إنشاء مدرسة تبشير مشتركة بين كل الفرق البروتستانتية، وتكون خاصة بتعليم مبشري الأقطار الإسلامية. وهذه المدرسة يحتفل بافتتاحها في خريف سنة (1911م) وتقبل النساء والرجال، وتُعلم فيها اللغة العربية والعلوم الإسلامية، وتاريخ الأوضاع الإسلامية والأمور الاجتماعية التي اقتبسها المبشرون من بلاد الإسلام. وسيكون لهذه المدرسة مكتبة تحتوي على أمهات الكتب العربية وغير العربية المتعلقة بالإسلام.
3-
مؤتمر "لكنو" التبشيري
في مطلع سنة (1911م) انعقد في الهند مؤتمر "لكنو" التبشيري. وتداول
المؤتمرون أموراً كثيرة تتعلق بالعالم الإسلامي، وكيفية إحكام الخناق عليه، وتفكيك أواصر وحدة المسلمين.
فكان ممن تكلم فيه المبشر القسيس "سيمون" فتحدث عن فكرة الجامعة الإسلامية التي تهيمن على الشعوب المسلمة في مختلف بلاد الإسلام، ثم قال:"ولكن عبثاً يبني هؤلاء آمالهم على الجامعة الإسلامية، لأن التربية غير الإسلامية قد انبثت في دمائهم بفضل مدارس التبشير".
وتحدث في المؤتمر المبشر الأستاذ "مينهُف" فكان مما قاله: "ينبغي لإرساليات التبشير أن تحتك بالمسلمين، وتتسلح بالمعدات الكافية لقتالهم. وأن لا تخشى ذلك كما كانت تفعل حتى الآن. وينبغي لهم أن لا تكون أعمالهم لاهوتية فقط، بل ينبغي أن يطرقوا أبواب الطب والصناعة وكل الأعمال التي يتفوق فيها الأوربي على الشرقي".
أما المبشر الأستاذ "استِوَرد كروفورد" فقد علق في المؤتمر المذكور أهمية كبرى لدى تبشير المسلمين على أسلوب التدرج والصبر، ثم قال: "إن المسلمين يقتبسون من حيث لا يشعرون شطراً من المدنية المسيحية، ويدخلونها في ارتقائهم الاجتماعي. وما دامت الشعوب الإسلامية تتدرج إلى غايات ونزعات ذات علاقة بالإنجيل؛ فإن الاستعداد لاقتباس المسيحية يتولد فيها من غير قصد منها..
وفي تقرير المبشر القسيس "ويسلون" ما يفصح عن أن "ويلسون" هذا لا يشك في أن التربية الغربية هي بمثابة قوة تنحل بها عرى الروابط الإسلامية.
وقال المبشر القسيس "جون تكل" في تقريره: "إن الوقوف على أسباب نمو الإسلام يمهد للحصول على وسائل توقيف تياره" ثم أورد بعض مقترحات تتعلق بالاحتياطات التي يجدر بالمبشرين اتخاذها، وأهمها ضرورة زيادة القوى البشرية الاختصاصية.
أما القرارات التي دونها هذا المؤتمر التبشيري في محضر جلساته فقد كان منها ما يلي:
1-
يعقد المؤتمر مرة أخرى في القاهرة سنة (1916م) وإذا طرأت أمور سياسية، أو أمور أخرى تحول دون اجتماعه في هذه المدينة، فيعقد في لندن.
2-
مؤتمر "لنكو" يوافق مؤتمر إرساليات التبشير الذي عقد سنة (1910م) على ضرورة حصر الجهود في القارة الإفريقية، دون أن تمس الجهود التي تبذل في البلاد الأخرى.
ولذلك فهو يرى أنه يجدر بالجمعيات التبشيرية، أن تتكاتف وتتعاضد لكي تؤلف سلسلة قوية من إرساليات التبشير تطوف كل إفريقية، وتؤسس مراكز قوية في الأماكن التي هي موطن الخطر.
ويجب أن يكون إخراج هذه الفكرة إلى حيز الفعل موضع بحثٍ أهم وأوسع مما كان في السابق، سواء من جهة تربية المبشرين، أو من جهة حسن اختيارهم. الأمر الذي يحتم اتخاذ التدابير بلا تأخير لإتمام المشروعات التي بوشر بها.
3-
ويرى المؤتمر أنه من الضروري العاجل تأسيس مدرسة في مصر خاصة بالتبشير، تكون عامة لكل الفرق البروتستانتية. ويشدد بلزوم التدقيق التام في انتقاء المبشرين الأكفاء الممتازين بصفاتهم ومواهبهم العقلية، وبلزوم تعليمهم اللغة العربية بوجه خاص.
4-
مؤتمر القدس التبشيري
كان القسيس الدكتور "صموئيل زويمر" رئيس إرسالية التبشير في البحرين منذ مقدمه إلى الشرق في أوائل القرن العشرين، إلا أن نشاطه التبشيري الزائد، وسعيه لعقد مختلف المؤتمرات التبشيرية، جعله يرتقي في المراتب بين المبشرين حتى صار رئيس المبشرين في الشرق.وحتى صاروا يلقبونه بالرسول المختار إلى العالم الإسلامي، أي: حامل رسالة تحويل المسلمين عن دينهم.
فمن المؤتمرات التبشيرية التي دعا إليها هذا القس مؤتمر القدس الذي
تم انعقاده برئاسته في نيسان سنة (1935م) إبان الاحتلال البريطاني لفلسطين.
وبعد أن شرح أعضاء المؤتمر العقبات الكثيرة التي اعترضت سبيل المبشرين، والتي لم تسمح لهم بأن يخرجوا المسلمين عن دينهم، ويدخلوهم في المسيحية، وبعد أن خطب كثير منهم خطبهم اليائسة، قام "زويمر" رئيس المؤتمر، وألقى على المؤتمرين الخطبة التالية:
"أيها الإخوان الأبطال، والزملاء الذين كتب الله لهم الجهاد في سبيل المسيحية، واستعمارهم لبلاد الإسلام، فأحاطتكم عناية الرب بالتوفيق الجليل المقدّس، لقد أدّيتم الرسالة التي نيطت بكم أحسن أداء، ووفقتم لها أسمى توفيق. وإن كان ليخيل إليَّ أنه مع إتمامكم العمل على أكمل الوجوه لم يفطن بعضكم إلى الغاية الأساسية منه. إنني أقركم على أن الذين دخلوا من المسلمين في حظيرة المسيحية لم يكونوا مسلمين حقيقيين، لقد كانوا كما قلتم أحد ثلاثة:
* إما صغير لم يكن له من أهله من يعرّفه ما هو الإسلام.
* أو رجلٌ مستخف بالأديان لا يبغي غير الحصول على قوته، وقد اشتدّ به الفقر، وعزت عليه لقمة العيش.
* وآخر يبغي الوصول إلى غاية من الغايات الشخصية.
ولكن مهمة التبشير التي ندبتكم دول المسيحية للقيام بها في البلاد المحمّدية ليست هي إدخال المسلمين في المسيحية، فإنَّ في هذا هداية لهم وتكريماً، وإنما مهمتكم أن تخرجوا المسلم من الإسلام، ليصبح مخلوقاً لا صلة له بالله، وبالتالي فلا صلة تربطه بالأخلاق التي تعتمد عليها الأمم في حياتها، وبذلك تكونون أنتم بعملكم هذا طليعة الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية. وهذا ما قمتم به خلال الأعوام المائة السالفة خير قيام، وهذا ما أهنئكم عليه، وتهنئكم الدول المسيحية والمسيحيون جميعاً عليه كل التهنئة.
لقد قبضنا أيها الإخوان في هذه الحقبة من الدهر من ثلث القرن التاسع عشر إلى يومنا هذا على جميع برامج التعليم في الممالك الإسلامية، ونشرنا في تلك الربوع مكامن التبشير والكنائس والجمعيات والمدارس المسيحية الكثيرة التي تهيمن عليها الدول الأوربية والأمريكية، والفضل إليكم وحدكم أيها الزملاء. إنكم أعددتم له بوسائلكم جميع العقول في الممالك الإسلامية إلى قبول السير في الطريق الذي مهدتم له كل التمهيد.
إنكم أعددتم شباباً في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله،ولا يريد أن يعرفها، وأخرجتم المسلم من الإسلام، ولم تدخلوه في المسيحية، وبالتالي جاء النشء الإسلامي طبقاً لما أراده له الاستعمار، لا يهتم للعظائم ويحب الراحة والكسل. ولا يصرف همه في دنياه إلا في الشهوات فإذا تعلم فللشهوات، وإذا جمع المال فللشهوات، وإن تبوأ أسمى المراكز فللشهوات، ففي سبيل الشهوات يجود بكل شيء.
إن مهمتكم تمت على أكمل الوجوه، وانتهيتم إلى خير النتائج، وباركتم المسيحية،ورضي عنكم الاستعمار، فاستمروا في أداء رسالتكم فقد أصبحتم بفضل جهادكم المبارك موضع بركات الرب".
وبهذه الكلمات انتهى خطابه، وما أحسب هذا الخطاب بحاجة إلى أي تعليق عليه، ولكنني لست أدري ما هو هذا الرب الذي تُلتمس بركاته ثواباً على تضليل الناس، وإخراجهم من دينهم وعقائدهم بالله وبرسالاته، وغمسهم بالشهوات والموبقات والرذائل؟!.
ويكفيني عن أي تعليق قول الله تعالى في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
وقد بلغ القسيس زويمر الخامسة والثمانين ومات سنة (1952م) دون أن يظفر بما كان يصبو إليه، إلا أنه قد لقي عند ربه جهنم وبئس المصير، إذ كرّس حياته لتضليل أهل الإيمان، وتحويلهم عن صراط الله.
5-
مؤتمرات أخرى
وما يزال المبشرون يعقدون المؤتمرات لتطوير وتحسين وسائلهم لتنصير العالم الإسلامي.
ومن هذه المؤتمرات مؤتمر كنسي عقد في ولاية "كولارادو" بأمريكا في عام (1977م) .وموضوع هذا المؤتمر هو ما يلي:
"العمل على اكتشاف وتحديد المسؤوليات المسيحية في أمريكا الشمالية تجاه تنصير المسلمين".
وهذا المؤتمر امتداد لمؤتمرات أخرى عقدت لهذا الغرض في "لوزان" عام (1974م) بهدف تنصير شعوب العالم.
وتم اختيار المرشحين لهذا المؤتمر من المبشرين المهتمين بتنصير المسلمين.
وكان الإحساس السائد بين المشاركين في المؤتمر أنه يجب تغيير طريقة العمل الرئيسية وفقاً لوضع العالم الإسلام المعاصر. وأنه يجب قبول مبدأ قدرة الله وسيطرته وتحكمه، لإزالة الشك الذي لدى المسلمين الذي يرى أن العالم المسيحي يشجع بقوة عملية توجيه العالم الإسلامي إلى العلمانية.
ووافق المشتركون في المؤتمر على أن الموقف المتشدد تجاه العالم الإسلامي لن يعين في عملية تنصير العالم الإسلامي، لذلك فهي يعتقدون أنه يجب العمل على إيجاد جوّ ودّي بينهما.
ومن مقررات هذا المؤتمر ما يلي:
1-
يجب بذل الاهتمام الكافي والتركيز بقوة على زرع جاليات مسيحية في قلب العالم الإسلامي، وهم سيحاولون بدورهم تطويل وإيجاد وسائل منهجية جديدة أكثر ملاءمة عند تقديم الإنجيل للمسلمين.
ويجب الاهتمام الشديد باستخدام الآيات القرآنية ذات الصلة بهذه الموضوعات، وخاصة في المراحل الأولية لعملية التنصير.