الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) مقدّمة
علمتني الحشرة حينما تدخل إلى باطن الثمرة فتجوفها كيف يحاول أن يصنع أعداء الإسلام به، إنهم يحاولون تفريغ الإسلام من محتواه الاعتقادي والعملي والخلقي حتى يُمسي قشرة فارغة محكوماً عليها بالطرح والفناء وهكذا يفعلون، وبالإسلام يكيدون. تكون الثمرة الجميلة في ريعان نضارتها وحيويتها، متسارعة في سلم نُموها، فتغفل عنها عينُ جنّانها، وتُهمل يده صيانتها، فتأتي إليها حشرة صغيرة دون ما يدركه النظر، فتغمز منها طرفاً متوارياً، وتحفر فيه ثغرة يسيرة لا يعبأ بها الغادون ولا الرائحون، وتعمل في مكان غير ظاهر لضوء الشمس، فتأكل على قدرها عابرة في نفق تصنعه لنفسها، وتنمو الحشرة في الظلمات، وتترعرع حتى تصل إلى النواة، وفي النواة تجد لها غرضاً لذيذاً، ومطعماً طيباً، فتأكلها، وتلتهم ما تلتهم من لب الثمرة، وتفسد ما تعجز عن التهامه، حتى إذا بقيت الثمرة قشرة ذابلة تداعت على نفسها، وسقطت وصارت إلى الفناء، كذلك يفعل المفسدون أعداء الإسلام حينما يمكرون به، وكذلك يكيدون.
وقد تداعى أعداءٌ مفسدون كثيرون على هذه الجنة العظيمة، الوارفة الظلال، ليأكلوا ثمرها، ويفسدوا شجرها، ويدعوها أرضاً قاحلة جردا، لا خضرة فيها ولا ماء، إنها جنة الإسلام، بخيراتها، وخصبها، ونمائها.
هذه الجنة التي تداعى عليها الحاقدون والحاسدون والمفسدون في الأرض هي الإسلام بعقيدته الثابتة الحقة، التي تدعمها البراهين، والآيات البينة،
والحجج الساطعة، وبعباداته الشائقة الجميلة الرشيقة الميسرة النافعة، التي يحسده على كثير منها كل الشعوب التي لا تدين به، وبنظمه المحكمة الصالحة الكفيلة بسعادة الإنسان، وهي نظم ربانية ما بلغ نظامٌ في الدنيا من وضع الناس مرتبة كماله بعد التجارب الكثيرة إلا كان مطابقاً لها، وملتقياً معها على طريق واحدة.
هذه الجنة هي الإسلام، أما الكفر فكله ملة واحدة في عدائه لهذه الجنة العظيمة، وكيده لها، وإن تفاوتت مذاهبه في مقدار حقده وحسده وكيده، وكذلك بعض الشر أشد من بعض، كما أن بعض الحشرات أكثر فتكاً بالجنات من بعض.
ولقد تعرضت معظم المجتمعات الإسلامية لهذا الغزو الكافر المفسد، فأصابها مثل ما يصيب الثمرة التي تأكل الحشرة نواتها، وتلتهم لُبَّها، ولا تبقي منها إلا قشرة متجعدة فارغة أو فاسدة المحتوى، فإذا كشف الباحث عما في جوفها لم يجد إلا غريباً عابثاً أكل لبها، وطرح فضلاته فيها، أو فساداً منتشراً يحكي للناظر إليه قصة الإهمال والتعاون، اللذين صرفا الحماة والرعاة عن الحراسة والصيانة الدائمة.
إنه لم يبق عند بعض هذه المجتمعات الإسلامية إلا الاسم وعصبية النسبة، وما قيمة الأسماء إذا لم تطابقها مسمياتها، فلو أخذنا قطعة من الفخار وموهنا ظاهرها بلون الذهب، وسميناها سبيكة من ذهب، أفيجعلها اللون والاسم ذهباً حقاً؟
وما أكثر المسلمين في هذا العصر الذين ليس عندهم من الإسلام إلا اسمه، وليس عندهم من القرآن إلا رسمه؟!
ولقد وصل المسلمون إلى هذا بإهمالٍ منهم، وكيدٍ من أعدائهم وأعداء دينهم، وأعداء تاريخهم وأمجادهم.