الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
متى لوحوا لهم بوعد كاذب يحرك طمعهم إلى تلبية حاجتهم، وسد ضرورتهم التي أفقدتهم مشاعرهم المتزنة الواعية.
فما دامت المشكلة المعاشية قائمة دون أن يعمل المسلمون على حلها، بتطبيق النظام الإسلامي المتعلق بشؤون المال فإنهم سيغدون جميعاً طعمة في فم الذئاب العالميين، الذين يراقبون بدقة بالغة مشكلات العالم الإسلامي، التي تسهل لهم طريق العبور إلى صفوف المسلمين، والاستيلاء عليهم بسلاح الخديعة وسلاح القوة، ولكن سلاح الخديعة غالباً ما يكون هو السلاح الفعال الذي يدخل إلى القلوب، دون أن يشهر على الوجوه.
فهل إلى يقظة من سبيل؟؟!.
(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي
إن الإسلام الذي يعمل أعداؤه على هدم نظمه، وإبعاد المسلمين عن تطبيقها، يقوم نظامه المتعلق بشؤون المال على أسس أربعة كافلة عند التطبيق تحقيق التقدم الاقتصادي في أحسن صوره، والعدالة الاجتماعية في أكمل أحوالها، والجسدية الواحدة للمجتمع الإسلامي كله.
الأساس الأول: العمل الحر ضمن الخطوط المأذون بها في اللوائح التفصيلية لنظام العمل الإسلامي.
وتقع مسؤولية مباشرة العمل على كل فرد قادر عليه، غير مفرغ لصالح الأمة الإسلامية، أو لصالح سلامة الأسر وسعادتها واستقرارها.
وتقع مسؤولية تهيئة مجالات العمل ووسائله وشروطه وتكافؤ فرصه على المجتمع كله، وتمثله القيادة الحاكمة الحكيمة.
الأساس الثاني: التكافل الأسري، وتقع مسؤولية هذا التكافل على من لهم زائد على كفايتهم الفردية داخل أسرتهم، تجاه باقي أفرادها العاجزين عن
الكسب، أو الذين لم تتيسر لهم وسائل العمل، أو النساء القائمات بأعباء الخدمات المنزلية، المفرغات لها، تكريماً لهن عن التبذل.
الأساس الثالث: التعاون الاجتماعي، وتقع مسؤولية هذا التعاون على كل فرد من أفراد الأمة ذكوراً وإناثاً، إذا توفر لديه فائض يزيد عن حاجاته، وعن حاجات من ألزم بكفالته من أهله وذوي قرابته وكل تابع لأسرته.
الأساس الرابع: دواعم روابط المجتمع الإسلامي، وهي تتمثل بالمنح والعطايا والهدايا، والصدقات والوصايا، وإكرام الضيف، والمآدب والولائم المشروعة، ويلحق بهذه الدواعم نظام الميراث، وغير ذلك من كل تملك مشروع لا يأتي عن طريق جهد يبذل، ولا يدخل في نطاق الأساسين الثاني والثالث.
ويلاحظ في هذه الدواعم تمكين روابط المجتمع الإسلامي، الذي يبدأ بتمكين روابط الأسرة، ثم ينتقل إلى ما وراءها، فهي تشد أواصر التآخي والتواد والتراحم، وتقوي مفهوم الجسدية الواحدة للأمة المسلمة.
والمجتمع الإسلامي القائم على مفهوم الجسدية الواحدة، المتماسكة بروابط الإخاء والمحبة والتواد والتراحم والتكافل والتعاون، يخالف المجتمعات الرأسمالية، القائمة على ترجيح مفهوم الوحدات الفردية الأنانية، ويخالف المجتمعات الاشتراكية، القائمة على فكرة الوحدات الفردية المبعثرة، المرتبطة ارتباطاً قهرياً بقيادة واحدة.
وضمن هذه الأسس الإسلامية الأربعة، تدور دواليب نظم العيش الرغيد السمح، الذي لا كسل فيه ولا بطالة، والممتلئ بالحركة والعمل، والتفاؤل والأمل، والتآخي والتعاطف والتواد والطمأنينة القلبية والنفسية، والرضا عن الله، والبعيد عن ثورات حقد النفوس وحَسَدِها، مع حدٍّ من طمع النفوس الزائدة وجشعها، وحجز بينها وبين جميع أنواع الظلم والعدوان.
وبالدافع القلبي في كل فرد مسلم صادق الإيمان، والدافع الجماعي القائم على ركن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسلطة الحاكمة المسلمة التي تطبق شريعة الله، يتم للنظام الإسلامي التطبيق الأمثل.
وأخص العمل بمزيد من الشرح في الفقرة التالية:
شرح العمل في الإسلام
يعتبر العمل القانون الطبيعي الذي ربط الله به رزق كل دابة في الأرض، فلا محيد لكائنٍ حيٍّ عنه بوجه من الوجوه، إذن فلا غرو أن يكون هو الأساس الأول لتحصيل الرزق، ولذلك نجده هو الأساس الأول في جميع النظم الاقتصادية الربانية والإنسانية.
ويحاول أعداء الإسلام باستمرار أن يصوروه بصورة مشوهة يبدو فيها وكأنه يشجع على الكسل والبطالة والخمول، وعدم مسايرة كل تقدم حضاري.
ويتصيدون الأدلة على ما يفترون من واقع المسلمين الذي صاروا إليه، المخالف لتعاليم الإسلام، زاعمين أن هذا الواقع هو الصورة التطبيقية له، مع أن الإسلام قد أعلن أن العمل والكدح فيه هو فطرة الحياة، فقال الله تعالى في سورة (الانشقاق/84 مصحف/83 نزول) :
{
ياأَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيهِ} .
فكل إنسان كادح ومدعو إلى الكدح، ولكنه إما أن يكدح في الخير فينال خيراً، وإما أن يكدح في الشر فينال شراً، ولذلك أمره الله بأن يستقيم ويلتزم جانب التقوى فيما يكدح من أجله، فقال تعالى عقب الآية السابقة:
وربط الإسلام تحصيل القوت الذي هو مادة الحياة الأولى - بعد التنفس - بالمشي في مناكب الأرض، فقال الله تعالى في سورة (الملك/67 مصحف/77 نزول) :
وسلط الله أيدي الناس على جميع ما في الأرض ليحسنوا التصرف فيه بما هو لهم خير، فقال الله تعالى في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) :
{هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً..ز}
وقال في سورة (الجاثية/45 مصحف/65 نزول) :
وَسَخَّرَ لَكُمْ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} .
فالإسلام يحمل للإنسانية كل دوافع التقدم والازدهار، المصونين من عوامل الفساد والانهيار، ولكن أساء مسلمو عصور الانحطاط إليه، بتخلفهم الذي ساهمت في صنعه عوامل شتى، منها مكايد أعدائهم له، ومنها نفوسهم التي بطرت وانغمست بالشهوات، وأخلدت إلى الأرض، ومزقتها أيدي الخلاف والتنازع، وأخذت تغط في نوم عميق، وجهل مطبق، بعد أن بلغ حملة الإسلام الأولون شأواً عظيماً من اليقظة والعلم، والتقدم الحضاري، بتأثير الروح العظيمة التي نفختها فيهم تعاليم الإسلام، إذ فهموه على وجهه الصحيح، وتمثلوه في سلوكهم أفراداً وجماعات وقيادات.
ولما كان العالم في سباق نحو القوة، ولما كان التقدم الاقتصادي في البلاد جزءاً منها وشرطاً أساسياً لها، كان على المسلمين أن يتجهوا بشطر عظيم من طاقاتهم البشرية إلى تحسين أوضاعهم الاقتصادية متآزرين، وأن يستغلوا كل ما يمكن استغلاله من الأرض، ويدخلوا في جميع مجالات العمل من أبوابها العريصة، وفي مقدمتها مجالات الاستثمارات والاستخراجات والتصنيع والبحث العلمي. لأن التنمية الاقتصادية الواعية المنضبطة مع تعاليم الإسلام، من شأنها أن ترفع مستوى الشعوب الإسلامية، وتكبح جماح البطرين، وجشع المستغلين، وتدفع البؤس والبطالة عن الذين أقعدهم البؤس عن أن يكونوا عناصر ذات فعالية مفيدة للمسلمين، وبذلك يستطيعون أن يدخلوا في سباق القوة مع الدول المتقدمة المعاصرة، عملاً بقول الله تعالى في سورة (الأنفال/8 مصحف/88 نزول) :
{وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ
وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} .
وأنت خبير أن عصب القوة المادية في هذا العصر مرتبط بتقدم الاقتصاد وازدهاره، وبمقدار ما يضعف الاقتصاد العام في البلاد تضعف القوة المادية المطلوبة للأمة، التي يجب على المسلمين أن يعدوها لتواجه قوى أعدائهم الذين يتربصون بهم الدوائر، ويعملون لهدم كل مجدٍ لهم من داخل بلادهم وخارجها.
فلا مجال في ميادين إعداد القوة بكل صورها، واستكمال شروطها التي لا تكون إلا بها، إلى نظريات الزهد والرضا بالقليل، والبعد عن مجالات التنمية والاستثمارات المختلفة.
فالزهد الصحيح يكون في أن يبذل المسلمون كل إمكانيات القوة التي وهبهم الله إياها ويملؤوا حياتهم كدحاً وعملاً، ثم يزهدوا في لذائذ الحياة وشهواتها وترفها وحب جمع المال وكنزه، ويحسنوا ضبط نفوسهم بالتقشف، ويجعلوا ثمرات كدحهم في خدمة الاقتصاد العام للمسلمين، وفي خدمة إعداد القوة التي أمرهم الله بها لمواجهة أعدائهم وأعداء دينهم.
وليس الزهد في ترك العمل واللجوء إلى البطالة والكسل، والخمول في الزوايا والتكايا، والعيش على فضلات الناس وصدقاتهم، فهذا مما لا يرضى به الإسلام بحال من الأحوال.
أما التفرغ للتعلم والتوجيه والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فهو جزء من العمل، وهكذا عرفنا موقف الإسلام من العمل.
ولكن الإسلام جعل للعمل منهجاً يقوم على أسس واضحة تضمن جلب المنافع الحقيقية المعتبرة، ودفع المضار الحقيقية، العاجلة والآجلة ضمن نظرة شاملة عميقة.
وتتنوع طبيعة العمل طبقاً لتنوع طرق الكسب التي فيها للناس منافع ومصالح، ويمكن تصنيف العمل في مجالات خمسة:
المجال الأول: مجال الاستثمارات، ويدخل في هذا المجال كل عمل يؤدي إلى استثمار واستنتاج وحدات طبيعية جديدة، كالاستثمارات الزراعية
المختلفة، والاستنتاجات الحيوانية المتنوعة، وما يلحق بذلك.
المجال الثاني: مجال الاستخراجات، ويدخل في هذا المجال كل عمل يؤدي إلى حيازة شيءٍ مما خلق الله للناس وأودعه في مكان ما من الأرض برها وبحرها وجوها، كالصيد، وقطف ثمار الغابات العامة، والانتفاع بأشجارها، والانتفاع بنبات الأرض الطبيعي، وكاستخراج الجواهر والمعادن وأشباهها، والمواد الكيميائية والعضوية، واستخراج المياه والنفط ولحوم البحر وحليته، وهكذا إلى سائر ما هو مسخر للإنسان في الأرض وفي السماء.
المجال الثالث: مجال التصنيع، ويشمل هذا المجال كل عمل يقوم على أساس تحويل هيئة المواد الأولى، إلى أشكال وصور جديدة تركيبية أو تحليلية، تحقق للإنسان مصلحة من المصالح، أو منفعة من المنافع.
المجال الرابع: مجال الخدمات الخاصة أو العامة، الدينية والدنيوية، ويشمل هذا المجال أعمال التجارة، والإدارة والتوجيه والتربية والتعليم والحراسة والدفاع والصيانة والنقل وأشباه ذلك.
المجال الخامس: مجال البحث العلمي والفني، ويشمل هذا المجال أنواع التفرغ للبحث العلمي والفني، الذي يهيئ للأمة عوامل تقدمها وازدهارها المستمر، والذي من شأنه أن يزيد في شأو الحضارات والمدنيات السليمة زيادة مستمرة، وفق النتائج التي يتوصل إليها الباحثون، أو يصون دين الأمة وأخلاقها واستقامتها على صراط الله، وتماسك بنائها ضد عوامل الانهيار والهدم الداخلية والخارجية.
قيود العمل:
لكن حرية العمل في هذه المجالات مقيدة بقيود إسلامية، تهدف إلى منع أنواع الضرر أو الظلم والعدوان على حقوق الآخرين أفراداً أو جماعات، ومنع كل ما فيه إضرار بسياسة الدولة الإسلامية، أو توهين لقوتها وسلطانها، ومنع كل ما فيه تشجيع على مخالفة مبدأ من مبادئ الإسلام، أو حكم من أحكامه العملية التي ألزم المسلمين بها فعلاً أو تركاً.
ولذلك نلاحظ أن من العمل ما هو مأذون به شرعاً، ومنه ما هو محظور تقف دون حرية ممارسته حدود إسلامية، ونستطيع أن نجمل القواعد العامة