الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1-
كانت الامبراطوريات القديمة الرومانية والفارسية وغيرها إحدى مظاهر الاستعمار القديم، وقد انهارت هذه الإمبراطوريات بظهور الدولة الإسلامية الكبرى الفاتحة، تحمل لواء الإسلام، وتدعو إلى عبادة الله وحده، وتنادي بوحدة الأمة الإسلامية، مهما اختلفت أعراقها،ولغاتها وبلدانها ومواطنها من الأرض.
(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار
1-
كانت الامبراطوريات القديمة الرومانية والفارسية وغيرها إحدى مظاهر الاستعمار القديم، وقد انهارت هذه الإمبراطوريات بظهور الدولة الإسلامية الكبرى الفاتحة، تحمل لواء الإسلام، وتدعو إلى عبادة الله وحده، وتنادي بوحدة الأمة الإسلامية، مهما اختلفت أعراقها،ولغاتها وبلدانها ومواطنها من الأرض.
2-
ولما دب الوهن في الأمة الإسلامية، بابتعادها عن تطبيق أحكام الإسلام، ودخول الاختلافات الفكرية المذهبية الاعتقادية في كتل كبرى من المنتمين إليه، ودخول التنازل على السلطة ومطامع الحياة الدنيا في صفوف ذوي السلطان والمال والاستغراق في متاع الحياة الدنيا، توجهت مطامع الدول الصليبية الأوروبية لمحاربة المسلمين، بحجة استعادة الأرض المقدسة لدى النصارى في بلاد الشام.
3-
وبعد حروب دامت قرابة قرنين من الزمان، وخيبة الصليبيين في تحقيق أهدافهم، وطرد المسلمين لهم، وعودتهم إلى بلدانهم معتقدين أن ما خسروه في حروبهم شيء عظيم، وأنه ما كان من مصلحتهم أن يغامروا فيما غامروا فيه طوال هذه الحروب -صرفوا النظر عن القيام بمغامرات جديدة مماثلة، قبل أن يهيئوا شعوب الأمة الإسلامية لتقبل حكم الغرب، وتقل سيادته عليهم، دينياً ونفسياً واجتماعياً.
4-
عندئذ تحولت النزعة الاستعمارية لدى الغربيين لاكتشاف مواطن في العالم
غنية يمتلكونها، ولا يصارعون لامتلاكها شعوباً تنتمي إلى الإسلام، وتحميها مراكز القوة في العالم الإسلامية.
ومع بداية القرن الثالث عشر الميلادي (السادس الهجري) ظهر في الغرب ما يعرف بعهد الكشوف الجغرافية، وقد تضافرت في الغرب عدة عوامل أدت إلى ظهور حركة الكشف الجغرافي، أهمها العوامل التالية:
الأول: العامل السياسي، وقد قوي مع ظهور الدولة الوطنية الحديثة، ذات الرغبة الملحة في بسط سيطرتها على غيرها من الأمم والشعوب.
الثاني: العامل الاقتصادي، الذي دفع الغربيين للتخلص من سيطرة المسلمين على الطرق البحرية التي تصل الغرب بالشرق، والذي حرك أطماع الغربيين في الحصول على الذهب والأرض والعبيد.
الثالث: العامل الديني، الذي كان له دور كبير في دفع حركة الكشف الجغرافي، بغية نشر النصرانية، وقد برز هذا العامل بوضوح لدى البرتغاليين، والأسبانيين، منذ القرن الرابع عشر الميلادي.
فبعد إخراج المسلمين من الأندلس صار لدى نصارى شبه جزيرة إيبريا رغبة قوية في مطاردة المسلمين خارجها. وانتقل نشاطهم إلى شمال إفريقية وغربها يتعقبون المسلمين. وراودتهم الآمال بإمكان محاصرة الإسلام عن طريق البحر، وطعنه من الخلف، ولا تزال مدينتا "سبتة" و"مليلة" المغربيتان ثغراً المغرب على البحر الأبيض المتوسط مستعمرتين من قبل الإسبان منذ ستة قرون.
وكان من أهداف البرتغاليين تحويل المسلمين في غرب إفريقية وفي غيرها من البلدان الآهلة بهم إلى النصرانية، ومن المؤكد لدى المؤرخين أن الرغبة في نشر المسيحية، ومعاداة الإسلام، كانت من الحوافز التي دفعت
المغامرين من البرتغال وأسبانيا لتحمل المشقات العظمية أثناء رحلاتهم.
وظل هذا الحافز الديني يوجه جهود المكتشفين والمستعمرين الأوروبيين، وكان محل رضى عدد من البابوات، فأصدروا مراسيم متلاحقة تخول ملوك الببرتغال وأسبانيا الحق في ملكية كل إقليم جديد، وكل بحر جديد يتم اكتشافه في الحاضر والمستقبل. ووصف بعض البابوات في هذه المراسيم الإسلام بأنه "طاعون" وطالبوا ببذل أقصى الجهود لتنصير سكان المناطق التي اكتشفت أو سوف تكتشف، والحيلولة بينهم وبين الإصابة بطاعون الإسلام.
وبذل البابوات نفوذهم الديني والأدبي لإغراء البحارة على الانخراط في سلك البعثات الكشفية، وصاروا يعدون المشتركين في تلك الرحلات بالعفو يوم القيامة، وبدخول الجنة.
وصدرت الأوامر البابوية برسم الصلبان على أشرعة السفن وكان المبشرون بالنصرانية من رجال الكنيسة يرافقون الرحلات الكشفية للقيام بمهمات التبشير.
5-
وفي أواخر القرن الخامس عشر (1497-1499م) قام "فاسكوداجاما" بأول رحلاته المشهورة للوصول إلى الهند واجتاز رأس الرجاء الصالح، واستعان بالملاح المسلم "شهاب الدين أحمد بن ماجد" في الوصول إلى ساحل "مليبار".
وهذه الرحلة فتحت الطريق أمام البرتغاليين للسيطرة على البحار الشرقية، واحتكار تجارة الشرق، ونقلها إلى أوربا عن طريق رأس الرجاء الصالح، بعيداً عن الطرق الأخرى التي يسيطر عليها المسلمون.
6-
ثم رأى البرتغاليون مصلحتهم في القضاء على المسلمين في هذه البحار التي يسيطرون عليها، فقاموا بحملات تصادم مع المسلمين انتهت بسيطرتهم على هذه البحار الموصلة إلى الهند، وإقامة مستعمرات هي بمثابة مراكز تجارية على السواحل.
وساعد البرتغاليين على تحقيق أغراضهم الاستعمارية في مواطن المسلمين واقع الانقسامات بين المسلمين، والخلاف الشديد القائم بين الدولة العثمانية،والدولة المملوكية في مصر والشام، والدولة الصفوية في فارس.
7-
وفي النصف الأول من القرن السادس عشر الميلادي كان البرتغاليون قد استولوا على مجموعة من الممتلكات على طول شواطئ شرق إفريقية وغربها وفارس والخليج العربي، والمليبار وسيلان والهند الصينية وأرخبيل الملايو.
8-
ومع أوائل القرن السادس عشر الميلادي اكتشف "كولمبس" باسم مملكة أسبانيا "العالم الجديد" الذي كان يظنه جزر الهند الشرقية، ثم صار يعرف بجزر الهند الغربية، وهي في الحقيقة من أمريكا الجنوبية.
ثم اتجه بعض الأسبان صوب أمريكا الشمالية، في الوقت الذي كانوا يؤسسون فيه مستعمراتهم في أمريكا الوسطى، وأمريكا الجنوبية، ودخلوا الأقاليم المعروفة الآن باسم الولايات المتحدة الأمريكية. وظهر للأسبان مستعمرات واسعة في أمريكا.
9-
يلخص المؤرخون نظام الاستعمار الأسباني في العالم الجديد بما يلي:
"قد عمل على إخضاع جماعات كبيرة العدد من الأهالي الهادئين النشيطين لحفنة قليلة من العسكريين والتجار المخاطرين، الذين لم يكن لهم همٌُّ سوى جمع الثروة في أسرع وقت ممكن، وأصبح ملايين الهنود تحت رحمة بضعة آلاف من الغزاة الجبابرة العتاة، وفتح الأسبانيون مناجم غنية كان يعمل فهيا عشرات الألوف من الهنود حتى الموت.
أما سكان البلاد الأصليون والزنوج الذين جلبوا من الخارج عن
طريق الاسترقاق القهري، ومواليدهم، فقد سخرهم الغزاة المستعمرون عبيداً أرقاء يعملون لهم في الأرض.
وتكدَّست الثروة في أيدي عدد قليل من الناس، أما سائر الناس فهم في فقر وضنك من العيش".
10-
وفي أواخر القرن السادس العشري الميلادي بدأ الإنكليز يسيطرون على الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية، ويؤسسون فيه مستعمراتهم، بعد انتصاراتهم على الأسطول الأسباني.
وبدأ الاستعمار الإنكليزي في العالم الجديد بعام (1578م) .
ثم أخذت السفن الإنكليزية في القرن السادس عشر الميلادي تدخل البحر المتوسط، بحثاً عن السع الشرقية والاتِّجار فيها.
ومع انتهاء هذا القرن أيقن الإنكليز أنه لا توجد وسيلة للوصول إلى ثروة الشرق إلا بمزاحمة البرتغاليين مباشرة في الأسواق الشرقية.
وتحولت الملاحة البريطانية من طرق البحر المتوسط إلى طريق رأس الرجاء الصالح.
وتأسست شركة الهند الشرقية الإنكليزية سنة (1600م) ، وحصلت على براءة ملكية تمنحها حق احتكار التجارة في المنطقة الواقعة إلى الشرق من رأس الرجال الصالح، وحق شراء الأراضي في هذه المنطقة.
ونزل الإنكليز أيضاً في إفريقية الغربية، وتأسست الشركة الإفريقية عام (1618م) .
وسيطر الإنكليز على الهند عن طريق شركة الهند الشرقية البريطانية عام (1748م) حتى عام (1858م) ، ثم أخضعتها بريطانيا لإدارتها المباشرة.
11-
وشاركت فرنسا متأخرة في حملاتها الراغبة باستعمار مواطن في العالم الجديد.
وخلال القرنين السابع عشر والثامن عشر حاولت فرنسا أن تحصل على موطئ قدم في جزيرة "مدغشقر".
ثم أضحى ساحل هذه الجزيرة مكمناً مفضَّلاً للقراصنة الأوربيين، لا سيما الفرنسيون والهولنديّون والإنكليز.
ولم تنجح فرنسا في إقامة مراكز صغيرة لها على الجزيرة، رغم محاولات عديدة من جانب التجار الفرنسيين.
وحاولت فرنسا منذ عام (1601م) إقامة مستعمرات كبرى لها في هندستان، إلا أن القوة العسكرية للأباطرة المغول أحبطت كلَّ محاولاتها.
ثم انتزعت انكلترا من فرنسا أكبر مستعمراتها في الهند في صلح باريس عام (1763م) .
12-
وطعمت "هولندة" بأن يكون لها نصيب في الاستعمار، فبعثت رحلاتها إلى العالم الجديد.
وفي عام (1614م) ادَّعوا أنَّ لهم حقوقاً في استعمار وامتلاك المنطقة الساحلية في أمريكا الشمالية.
وفي عام (1626م) صارت "نيونذرلند" أو "هولندة الجديدة" مستعمرة حقيقية لهولندة. ثم استردها الإنكليز منها عام (1664م) .
وفي عام (1673م) احتل الهولنديون "نيويورك" وأعادوا إليها اسمها الهولندي، ولكن لم يلبث البريطانيون أن استردوها منهم عام (1674م) وظلَّت إنكليزية حتى قيام الثورة الأمريكية.
وفي الشرق احتل الهولنديون جزيرة "سنت هيلانة".
وأقاموا مستعمرة عند رأس الرجاء الصالح سنة (1652م) .
وأقاموا محطات لتجارة الحرير في موانئ فارس، والخليج العربي، ومحطة لتجارة البنّ في "مخا" باليمن.
لكن اهتمام الهولنديين الرئيسي قد كان موجّهاً لأرخبيل الملايو،