الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نفسه، بين مفاهيمه وسلوكه، وأن لا يكون مزدوج الشخصية يعاني من صراع داخلي، كما سبقت الإشارة إليه في مقدمة هذا البحث.
ومع الاستدراج التطبيقي لأنماط السلوك الغازي يكون الاستدراج التزييني للتخلي عن أنماط السلوك النفسي العملي الجسدي، الملائمة للمفاهيم والعقائد والمبادئ التي يراد مكافحتها وتحويل الأمة المغزوة عنها.
ومتى تخلّى الإنسان عن السلوك المعبر عن مفاهيمه وعقائده ومبادئه، وطال عليه الأمد، ضمرت في عمقه مفاهيمه القديمة وعقائده ومبادئه، ثم تستمر في الضمور حتى تضمحل وتتلاشى، وعندئذ تحل محلها المفاهيم والعقائد والمبادئ الملائمة لأنماط سلوكه الجديد، الذي غدا هو المسيطر على ممارساته وأعماله وعاداته. وفي هذه الحالة يسهل على الغزاة الإقناع بالتخلي عنها كلياً.
* * *
(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري
اشتملت الفقرة السابقة على شرح المنهج الرئيسي للغزو الفكري، بشعبه الأربع.
ولكن يتفرع عن هذا المنهج الرئيسي سُبُل فرعية كثيرة يستخدم الغزاة فيها عدة وسائل لتحقيق أهدافهم.
وبنظرة سريعة تنكشف للباحث الوسائل الرئيسية التالية:
الوسيلة الأولى:
تشويه عقائد المسلمين ومفاهيمهم الفكرية، وتشويه النظم الإسلامية، وسائر أحكام الإسلام وشرائعه وأخلاقه وكل ما يتعلق بالتراث الإسلامي وتاريخ المسلمين.
وقد اهتمّ أعداء الإسلام باستخدام هذه الوسيلة اهتماماً عظيماً، لصدّ الناس عن الإسلام، وتنفير أبناء المسلمين منه، وتقبيح صورة الإسلام في أفكارهم ونفوسهم.
والسبب في ذلك أن أعداء الإسلام قد عرفوا حقاً قوة الإسلام، وقدرته على الانتشار والاتساع وما فيه من حق غلاب، ذي سطوة على الأفكار والنفوس، وما فيه من ملاءمة للفطرة الإنسانية، وملاءمة للمصالح البشرية التي تكشفها التجربة الطويلة.
ويستخدم الغزاة للوصول إلى هذا التشويه ما يلي:
أ- التشكيك بالحق، عن طريق زخرف القول.
ب- إلقاء الشبهات، وتوجيه المطاعن افتراءً وزوراً.
جـ- المغالطات الجدلية التي تعتمد على الأكاذيب والتزييفات وحيل التحريف والإيهام وكتم الحق وتلبيس الحق بالباطل وحيل إظهار بعض الأمر وإخفاء بعضه.
إلى غير ذلك من أمور.
الوسيلة الثانية:
محاربة اللغة العربية الفصحى واللغات الإسلامية الأخرى ومحاولة طمس علومها وآدابها بمختلف الوسائل بغية صرف المسلمين عن مصادر التشريع الإسلامي وسائر التراث الإسلامي وبغية تجزئة المسلمين.
وقد اتخذت هذه المحاربة صوراً ماكرة متعددة، استخدم فيها أسلوب النصيحة حيناً والتسلل بما يُسمّى "علم اللغات العامة" حيناً آخر، وهذا التسلل دخل إلى الدراسات الجامعية.
وظهرت هذه المحاربة في الدعوة إلى إحلال اللهجات العامية محل العربية الفصحى، أو التعديل في قواعدها وقوانينها، أو تبديل كتابتها إلى الحرف اللاتيني، أو التعديل في طريقة كتابتها.
وظهرت أيضاً بتشييع الآداب الشعبية، والفنون الشعبية (الفولكلور) والتبعية لأساليب الآداب الغربية كنظام ما يسمى بالشعر الحر.
الوسيلة الثالثة:
إحياء القوميات القديمة، وتراثها وتاريخها الجاهلي، وآثارها وآدابها الجاهلية، لمزاحمة الإسلام من جهة ولتفتيت الشعوب الإسلامية من جهة ثانية، وذلك بربطها بجاهلياتها القديمة ونعراتها القومية وعصبياتها العرقية.
الوسيلة الرابعة:
استخدم الأجراء أو المندسين واستغلال المغفلين والجهلة وأصحاب الأهواء والمنحرفين في سلوكهم من الفساق وعصاة المسلمين لتحريف عقائد المسلمين ومفاهيمهم الفكرية مقدمة للإقناع بفساد العقائد والمفاهيم والشرائع الإسلامية، وضرورة نبذها والتخلي عنها. واستخدام هؤلاء أيضاً لتشويه التطبيقات الإسلامية وتحويلها إلى بدع وخرافات ليكون ذلك ذريعة لمحاربة الإسلام تحت ستار أن هذه التطبيقات المشوهة هي تطبيقات إسلامية.
الوسيلة الخامسة:
الاستدراج البطيء إلى ممارسة السلوك الذي يراد الغزو به، وترك السلوك الذي يراد التحويل عنه، ويكون ذلك:
أ- بالرفقة والمصاحبة.
ب- بإغراء الأهواء والشهوات والمطامع.
جـ- بشراء الضمائر.
د- بالغمس بالبيئات الفاسدة، استدراجاً إليها وهي في بلاد الغزاة أو إنشاءً لها بالتدرج داخل بلاد المسلمين.
هـ - بعرض نماذج هذا السلوك مزيناً محبباً للنفوس، والتأثير عليها بطرق غير مباشرة، كالقصص والتمثيليات والمسرحيات.
الوسيلة السادسة:
استخدام النفاق والمنافقين والأقنعة المزوّرة، ويكون ذلك بما يلي:
أ- بإدخال الكفرة في صفوف المسلمين متظاهرين بالإسلام، لإفساد حال المسلمين فكراً وسلوكاً، والإضرار بهم وهم داخل صفوفهم.
ب- بإخراج بعض أبناء المسلمين من دينهم إخراجاً فكرياً وقلبيّاً، وتوصيتهم بأن يظلّوا متظاهرين بالإسلام نفاقاً، ليقوموا بما يريده الغزاة من غزوٍ فكري وسلوكي داخل أمتهم التي هم من سلالتها، وينتمون إليها في الظاهر.
الوسيلة السابعة:
استغلال ردود الأفعال بعد أحداث طارئة أو أحداث مفتعلة أو بعد هجوم فكري منظم.
كاستغلال حالة انفعال المسلمين تجاه هجوم طارئ أو تجاه هجوم مفتعل عليهم، لإشعال نيران فتنة بينهم وبين غيرهم، واستدراجهم إلى مذابح تقضي على قسم كبير منه، أو إلى ثورات واضطرابات تبدّد طاقاتهم وتجزّئ صفوفهم.
ومن أمثلة استغلال رد الفعل غير الواعي ما فعله المستشرقون من الهجوم الفكري على الإسلام بأنه لم ينتشر في العالم عن طريق الإقناع، وإنما انتشر عن طريق الإكراه بالسيف، فكان رد الفعل لدى بعض المسلمين مقالتهم بأن الإسلام ليس فيه إلا قتال الدفاع فقط، وهذا هو ما يريده أصحاب الهجوم أنفسهم.
الوسيلة الثامنة:
استخدام الخطوات المتدرجة للنقل من موقع فكري إلى موقع فكري آخر.
وذلك لأنَّ النقل المفاجئ السريع أمرٌ تأباه النفوس، وتقابله تلقائياً بالعناد والرفض.
ومن الخطوات المتدرجة التحريف في مفاهيم الإسلام شيئاً فشيئاً، على فترات زمنية متباعدة.
وهذه الوسيلة هي من وسائل الشيطان التي حذرنا الله منها، في أربعة مواضع من القرآن الكريم.
الموضع الأول: في سورة (الأنعام/6 مصحف/55 نزول) المكية، وفي سياق التحذير من تحريم ما أحل الله من بهيمة ألأنعام، فقال الله تعالى فيها خطاباً للناس عامة:
وفي هذا دلالة على أن للشيطان خطوات يبدأ فيها بتزيين تحريم بعض ما أحلَّ الله، ثم ينتقل إلى تزيين تحريم أمر آخر، ثم إلى تزيين إباحة ما حرم الله، وتستمرّ الخطوات تتتابع حتى يكون الشيطان هو معبود الناس، ويتخذه الناس شريكاً لله.
الموضع الثاني: في سورة (البقرة/2 مصحف/87 نزول) أول سورة مدنية، وقد أتبع الله النهي عن اتباع خطوات الشيطان ببيان أن الشيطان يأمر بالسوء والفحشاء والافتراء على الله، فيبدأ بالمعاصي الصغرى على اختلاف دركاتها، وعنوانها (السوء) ، ثم ينتقل إلى المعاصي الكبرى على اختلاف دركاتها، وعنوانها (الفحشاء) ، ثم ينتقل إلى أكبر الكبائر ومشاركة الله في إلهيته، وعنوان ذلك (الافتراء على الله) .
فقال الله عز وجل فيها خطاباً للناس أجمعين:
الموضع الثالث: في سورة (البقرة) أيضاً، وفي سياق التعريف بقسم من الناس يعجب السامع قوله في الحياة الدنيا، ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألدّ الخصام.
ولعل هذا السياق يشعر بالتحذير من ذوي الأقوال المزخرفة المعجبة، التي تستدرج إلى مواقع الضلال الفكري أو الانحراف السلوكي.