الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) خطة وغرض
في خطة من خطط الغزو الفكري للمسلمين الذي يبيّته أعداء الإسلام تصيُّد المفاهيم الفاسدة الموجودة عند بعض المسلمين، الداخلة عليهم عن طريق الأخطاء الفكرية، أو بفعل كيد مدّبر، من قبل عدو من أعداء الإسلام والمسلمين، ثم العمل على دعم هذه المفاهيم ونشرها، وتوسيع رقعتها بكل وسيلة، والوقوف دون أية حركة إصلاحية تصحح هذه المفاهيم الفاسدة، وتعيد الآخذين بها إلى الفهم الإسلامي الصحيح.
والغرض من التصيُّد هذه المفاهيم ودعمها ونشرها والوقوف دون أية حركة إصلاحية لتقويمها التمهيدُ لطعن الإسلام بها، والتشهير به على زعم أنها من تعاليمه الأساسية، واستغلالُها لتوهين قوة المسلمين ضد أعدائهم، وصرفهم عن مفاهيم الإسلام الحقة.
وبطريقة ماكرة يوحون إلى الأجيال الناشئة في البيئات الإسلامية أن الإسلام غير صالح للحياة، وأنه مشكوك بكونه من التعاليم الربانية الصحيحة، ويستشهدون على ذلك بهذه المفاهيم غير الصحيحة، مدعين أنها من صلب الإسلام، بدليل تمسك فريق من المسلمين بها.
(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله
دخل المستعمرون بلاد المسلمين ضمن دوامة من المؤامرات الدولية أدّت إلى إضعاف الدول الإسلامية، ووجدوا المقاومة العنيفة لهم من الشعوب المسلمة،
وهي تعلن الجهاد ضد قوى الاحتلال الكافرة الغاشمة الظالمة، ولم يتركوا سبيلاً من سبل العنف العسكري إلا استخدموه ضد مقاومة المسلمين المستمرة لهم، دون أن يظفروا بثمرة الاستقرار فيما احتلوه من بلاد، فاتجهوا إلى تصيد الأفكار التي يمكن أن تُخمد نار المقاومة المتأججة ضدهم، إذا تمكنوا من بثها في أفكار الشعوب المسلمة.
وقد عثروا على فكرة التوكل على الله. وأدركوا أن من الممكن التحريف فيها، والتلاعب بمضمونها، حتى تغدو سلاحاً ضد المسلمين، وبعد أن كانت سلاحاً خطيراً جداً في أيديهم ضد أعدائهم، وهذا التحريف لا يكلفهم أكثر من عملية تعميم في المضمون، يتجاوز حدود مواقع التوكل المطلوب في الإسلام.
إن التوكل على الله كما قرره الإسلام، وفهمه المسلمون الأوائل وطبقوه، وظيفة من وظائف الجانب القلبي الاعتقادي في الفرد المسلم والجماعة الإسلامية، وليس وظيفة من وظائف الطاقات المادية، والقدرات الجسدية، والأعمال التخطيطية والتنفيذية في المسلم، ومتى صح إدراك هذا الفرق لدى الأفراد والجماعات، كان التوكل على الله في الجانب القلبي الإيماني ممداً بقوة معنوية عظيمة، تضاعف القوى المادية العاملة أضعافاً كثيرة، حتى يغلب عشرون مؤمنون صابرون مئتين بإذن الله، والله مع الصابرين. ومن الملاحظ أن أهم عوامل الخذلان التي تمنى بها القوى المادية على كثرتها في الجيوش المحاربة، إنما هي تناقص القوى المعنوية القلبية، التي أثبتت التجارب التاريخية أن في مقدمتها قوة التوكل على الله، فهي أثقل القوى المعنوية على الإطلاق. فالذي يعد العدة، ويستخدم الأسباب، متوكلاً على حدود ما أعد من قوى يظل قلبه قلقاً حذراً جباناً خائفاً من أن تكون قوة عدوه زائدة على قوته ولو بمقدار يسير، وبذلك فقد تنهار قوته، وتفقد أسلحته وأسبابه مضاءها المقدَّر لها، لفقدان الروح المعنوية في قلبه، وأما الذي يعد العدة الكاملة، ويتخذ ما يستطيع من أسباب ويباشر العمل وهو موقن بأن قوة قادرة على كل شيء تدعمه من وراء الحجب المادية، وتشد أزره، فإنه يستطيع أن يستعمل في نضاله وجهاده كل قوته مع حضور القلب وسرعة بديهة، نظراً إلى أنه لم يسمه الخوف الذي يقلق
القلوب ويفسد الرؤية الصحيحة للعقول. وما يقال في أعمال القتال يقال نظيره في كل أعمال الحياة.
والتحريف الذي أدخل على معنى التوكل على الله هو تعميم مضمونه، حتى امتد فكان في أفكار بعض المسلمين وظيفة أيضاً من وظائف الطاقات المادية، والقدرات الجسدية، والأعمال التخطيطية والتنفيذية، واستطاع الأعداء أن يستغلوا هذا التحريف لتثبيط المسلمين عن إعداد ما يجب عليهم إعداده من قوى مادية، وصرفهم عن اتخاذ الأسباب الواجبة، وعن مباشرة كل ما من شأنه أن يحقق النتائج وفق سنن الله في كونه، تخدر التصورات الفاسدة لمعنى التوكل طاقات العمل والسعي والتكفير فيهم، وتجعلهم يعيشون في أحلام تحقيق غاياتهم بمعجزات خارقة خارجة عن سنن الحياة المستمرة.
ولا شك أن هذا المفهوم الفاسد لمعنى التوكل على الله يعطل حركة السعي الواجب، لاتخاذ كل الوسائل المادية والمعنوية المستطاعة، التي من شأنها أن تظفر الساعي بالنتيجة المطلوبة وفق سنن الله في كونه، وكانت مكيدة العدو في استخدام هذا التحريف مكيدة خطيرة جداً، أخطر من مكيدة الأفيون الذي نشره المستعمرون في الصين، وقد تضمنت هذه المكيدة سلاحاً ماضياً لصالح العدو.
بينما فهم المسلمون الأولون معنى التوكل على الله فهماً صحيحاً، مقروناً بفهمهم لما يجب عليهم من عمل وجهاد وكفاح، وما يجب عليهم من اتخاذ أتم الوسائل المستطاعة لبلوغ الغايات، ومقروناً بفهمهم لسنن الله في كونه، القائمة على الأسباب، ثم تأتي المعونة الإلهية من وراء اتخاذ الأسباب المأمور بها، ولذلك لم يترك المسلمون الأولون سبيلاً من سبل العمل المستطاعة لهم إلا أخذوا به، ولا سبباً من الأسباب التي أمكنهم الظفر بها إلا استخدموه، وبذلك حقق لهم المجد والنصر المبين. وهكذا كانت تربية رسول الله لهم في حياته كلها، وفي دعوته إلى دين الله، هكذا كان صلوات الله عليه في دعوته، وفي جهاده، وفي غزواته، وفي سعيه لاكتساب الرزق، وفي عباداته، وفي شؤونه الخاصة، وفي شؤون المسلمين العامة، وفي حثه المسلمين على السعي والعمل والجهاد والصبر والمصابرة.