الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية
متى غرقت أمة من الأمم في الترف، وأبطرتها الرفاهية التي تجر ذيولها مستكبرة، دبت فيها عوامل الانهيار الخلقي، وبدأت تنسى الله والدار الآخرة، وتتعلق بزخرف الحياة الدنيا كأنها فيها خالدة، وتسعى وراء غرائب اللذات، وتتجدد لديها مطالب مستنكرة من متع الحياة، وأخذ مترفوها يتنافسون في ابتكار أنواع مستحدثة مما يشتهون أو به يتلهون، ويبددون فيها أموالهم، ويبذلون فيها طاقاتهم الجسدية والفكرية والنفسية، ويتفننون في تصيد المتع من كل وجه، حتى إذا ما اختبروا ما أباح الله من لذّات سئموها، ولذَّ لهم أن يتجاوزوا حدود ما أحل إلى ما حرم، وعندئذ يتسابقون إلى ارتكاب غرائب المحرمات والموبقات، حتى يفقدوا كل ذوق إنساني مقبول، ويضعوا أنفسهم في المنتنات القذرات المهلكات.
وبسبب ذلك تصاب عوامل التقدم العلمي والحضاري فيهم بالركود والخمول، وثم بالموت والفناء، لأن طاقاتهم قد اتجهت في طريق آخر طريق لذات الجسد ومتعه، مع البطر والتفاخر والتكاثر والطغيان، إذ فتحت لهم أموالهم وما أترفوا فيه كل باب من أبواب الاستمتاع بالحرام.
ثم تصاب قلوبهم بقساوة شديدة، تفقد معها كل عطف إنساني، أو رحمة بالضعفاء وذوي الحاجات، وربما يجدون لذتهم ومتعتهم في أن يشاهدوا ذل الآخرين وعذابهم بين أيديهم، ولقد شهدت بعض الامبراطوريات المنقرضة مثل ذلك، فكان سبب دمارها، ويقص علينا التاريخ من أنباء الامبراطورية الرومانية الشيء الكثير عن ذلك، وأنها حينما أترفت لذّ لمترفيها أن يستمتعوا بمشاهدة خلق من خلق الله أمثالهم تفتك بهم الوحوش الضارية، أو يتصارعون حتى يقتل بعضهم بعضاً، ويضيفون هذه المشاهدة إلى باذخ ترفهم الذي يستمتعون به.
هذا الجو المكفهر المجرد من المعاني الإنسانية الكريمة، المشحون بالأنانية
القاتلة، من أكثر الأجواء النفسية والاجتماعية ملاءمةً لموت الفضائل الخلقية والكمالات السلوكية، ولنمو الرذائل الفردية والاجتماعية، وللوصول بالأمة إلى أدنى دركات الانهيار والضعف، لأنه جو يغري بالطغيان والاستعلاء، ويسهل فيه الحصول على كل متعة محرمة، وتنعدم فيه معظم مسببات الزهد في زينة الحياة الدنيا، وتفقد فيه معظم المذكرات بالله واليوم الآخر ومع نسيان الله واليوم الآخر والسكر بمفاتن الحياة الدنيا ومغرياتها تستشري في الإنسان بهميَّته، وتنطفئ فيه مصابيح المعرفة التي تهديه إلى الصراط المستقيم، وتستحوذ عليه شياطين الإنس والجن.
ومن أجل ذلك كان المترفون في الأرض هم الذين تصدوا لمعارضة رسل الدعوة الإلهية في مواجهة وقحة. وهم الذين تسببوا بنزول عذاب الله في الأمم، قال الله تعالى في سورة (سبأ/34 مصحف/58 نزول) :
{
وَمَآ أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلَاّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ * وَقَالُواْ نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالاً وَأَوْلَاداً وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ * قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَن يَشَآءُ وَيَقْدِرُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * وَمَآ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَى إِلَاّ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ جَزَآءُ الضِّعْفِ بِمَا عَمِلُواْ وَهُمْ فِي الْغُرُفَاتِ آمِنُونَ} .
وقال الله تعالى في سورة (هود/11 مصحف/52 نزول) :
وقال تعالى في سورة (القصص/28 مصحف/49 نزول) :
وقد أدرك أعداء الإسلام أن الترف والرفاهية والانغماس في اللذات أمور تسبب البطر، وتوقف كل تقدم علمي وإنتاجي صحيح، وتصيب الأمة بانهيار خلقي وسلوكي يؤدي بها إلى الضعف والهوان، والتعلق بالقشور من