الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعرض الأزياء ، ومسابقات ملكات الجمال ، أو ملكات الأناقة ، والأصوات الجميلة ، والأجسام النسائية الفاتنة ، ومختلف المواهب البشرية القادرة على الأداء الفنّي المؤثر في الجماهير.
وتسلّل الفسق والفجور والعري والتهتك وما وراء ذلك إلى المجتمعات المنتمية إلى الإِسلام عن طريق الفنّ.
وسُخِّرت الصحف والمجلات والكتب ومختلف وسائل النشر الإعلامي والدعائي ، لتمجيد الفن ، وأهل الفنّ ، من رجال ونساء ، حتى الفجّار والعواهر ، إلى أن صارت الأخبار والدعايات الفنية تستأثر بمساحات كبرى من الدوريات ، وتستهوي الجماهير الكثيرة من القراء ، لا سيما المراهقون والمراهقات.
وعمَّ في المجتمعات الإسلامية بلاء كبير عن طريق هذه الوسيلة ، وانتشرت بسببها فتن جسام ، وفساد في الأرض عريض.
ونتج عن هذا اجتذاب أنظار الجماهير إلى تمجيد أبطال الفنّ وبطلاته ، حتى احتلّ هؤلاء قمماً اجتماعات عالية. فإذا مات منهم ميت مشى في ركب جنازته عشرات الألوف ، وأولته وسائل الإِعلام اهتماماً عظيماً ، أمَّا إذا مات عالم كبير ، أو مناضل عن قومه عظيم ، أو مخترع اكتشف ظاهرة كونية مفيدة للإنسانية ، أو قائد عسكري بارع ، أو قائد سياسيّ مخلص ، لم يخرج في جنازته إلا أهله وأصدقاؤه وأحبَّاؤه ، والذين يهُمهم استرضاء ذويه ، ولم تذكره وسائل الإعلام إلَاّ عرضاً وبأخبار موجزة أليس هذا انتكاساً شنيعاً في المفاهيم.
* * *
الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم
تكاد تكون الشهوة إلى الحكم والسلطان في نفوس بعض الناس من أقوى الشهوات الآسرة ، التي تهوِّن على صاحبها ارتكاب الجرائم الكبرى في سبيل
تلبيتها لولا الضوابط الأخلاقية الإسلامية ، والروادع والمرغبات الدينية التي تحجز الإنسان عن ذلك ، فتدفعه إلى ابتغاء مَرضاة الله والخوف من عقابه والطمع في ثوابه.
ويعرف الأعداء الغزاة هذه الحقيقة من حقائق النفوس ، لذلك فقد وضعوا في خطط كيدهم للإسلام والمسلمين استغلال عنصر الحكم والطمع به ، واستغلوه فعلاً أخبث استغلال ، فدغدغوا الشهوات العارمة إليه ، وقذفوا في النفوس الخاملة الرغبة العنيفة به ، وأفسدوا في مجاله أخلاق كثير من المسلمين أيما إفساد ، وحولوا سلوكهم فيه عن منهج الاستقامة والعدل إلى أنواع من السلوك الظالم الآثم الفاسد المفسد ، واستطاعوا بذلك أن يمزقوا جماعات المسلمين ، ويحطموا كتلتهم الواحدة ، ويجعلوها فرقاً مجزأة شتى.
لقد عرف الأعداء الغزاة كيف يتصيدون الطامحين إلى الحكم ، وكيف يحركون إليه الغافلين عنه ، وكيف يغرونهم به ويذيقونهم شيئاً من حلاوته ، دون أن يعطوهم فرصة الاطمئنان والاستقرار ، اللذين من شأنهما أن يدفعا الأكفاء إلى الإصلاح والتحسين ، وعرفوا أيضاً كيف يثيرون التنازع عليه ، والتقاتل من أجله ، وممارسة كل رذيلة وكل جريمة في سبيل الظفر به ، والاستئثار بخيراته ، والاستبداد بمقاليده ونشروا في طلاب الحكم وممتهني السياسة ما أسموه بالأخلاق السياسية ، التي لا تؤمن بفضيلة من الفضائل إلا ببلوغ الغاية مهما كانت الوسيلة ، حتى غدت رذائل الكذب والخداع ، والنفاق ، والوعود المزمع على الإخلاف بها ابتداء ، ونقض العهود والمواثيق ، والقتل بغير حق ، واستلاب الأموال بغير وجه مشروع ، وانتهاك الأعراض وغير ذلك من الأمور التي لا يستنكرها العاملون في ميادين السياسة.
ثم انتقلت عدوى هذه الرذائل إلى الشعوب التي تمنح أمثال هؤلاء السياسيين قيادة حكمها ، حتى صارت العملات الرائجة في ميادين المعاملات السياسية هي هذه الرذائل: «كذب - نفاق - تضليل - وعدٌ لا وفاء له - احتيال لبلوغ المصالح الخاصة - فسق وفجور - قتل بغير حق - اتهام بالباطل - إيقاع الغافلين في شرك الجريمة لتسويغ الانتقام منهم والتخلص من معارضتهم أو
لتسويغ سلب أموالهم ومصادرة ما تحت أيديهم - إلى غير ذلك من جرائم كثيرة» .
قد نشأ من جراء هذه الرذائل السياسية انهيار خلقي وسلوكي عام؛ حتى صارت الشعوب لا تمنح أصواتها الانتخابية ، ولا تعطي تأييدها لمتحكم مستبد إلا في مقابل أجر معلوم ، أو منافع مادية محددة. وتحول السياسيون والمتحكمون من قادة يتحملون المسؤوليات الجسام ، ويضحكون في سبيل رفع مستوى شعوبهم ، ودفع ضر الأعداء عنهم ، ويحكمون بينهم بالعدل والقسطاس المستقيم ، إلى تجار جشعين متكالبين ، يتقاتلون على الغنائم ، ويتزاحمون على الأسلاب ، ويتنافسون في تصيد الشهوات المحرمة ، والخوض في حمأة الرذيلة.
وتبعهم في ذلك المخالطون لهم والقريبون منهم ، وانغمس في مثل ذلك حماة البلاد ومن وضعت في أيديهم أثقال القوى الحربية ، وكانت هذه داهية الدواهي ، ففقد هؤلاء الحماة الروح المعنوية التي يجب أن تكون جاهزة للتضحية والفداء ، كما هو مقدر لها ، لأنهم غارقون في الرفاهية والترف واللذات المحرمة ، غير مستعدين أن يتركوها ليواجهوا كفاحاً أو قتالاً ، وينشدوا بذلك مثلاً كريمة ورضواناً من الله ، ومثل هؤلاء غير مؤهلين للصمود في مواجهة عدوهم مهما كثروا وفاقوا عدوهم عدة وعدداً ، لأن أعداد الجيوش إنما تحسب في الحقيقة بمقدار ما فيها من مقاتلين صادقين يحملون الروح المعنوية العالية ، لا بمقدار ما فيها من دمى عسكرية ، إذا سقطت إحداها تساقطت معها مئات الدمى.
وأعظم روح معنوية عرفها التاريخ في الجيوش المقاتلة إنما هي الروح المعنوية التي يحملها المسلم الصادق الشجاع ، وهي التي تفجرها فيه الغاية العظمى التي يقاتل في سبيلها ، إنه لا يقاتل من أجل الدنيا ، ولا يقاتل حمية ، ولا يقاتل عصبية ، ولا يقاتل لمجرد أن قيادته أمرته بالقتال ، ولا يقاتل ليقال عنه شجاع أو ذو بأس ، إنما يقاتل في سبيل الله ، ولإعلاء كلمة الله ، ويرجو من الله النصر أو الجنة.
ومن أجل ذلك استطاع أن يغلب عشرون صابرون مئتين بإذن الله ، وأن يغلب أي عدد من المسلمين الصادقين الصابرين عشرة أضعافه ، والله مع الصابرين.
وقد عرف أعداء الإسلام والمسلمين هذه الحقيقة بالشواهد التاريخية ،