الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالتقوى أو عمل صالح، وأن الناس كلهم على اختلاف أعراقهم وألوانهم ولغاتهم في الحقوق الإنسانية سواء، وأن كل واحد منهم أهل لأن يرتقي بكفاءاته وأهليته أعظم منصب سياسي أو ديني في الإسلام، فقد جاء في كلام الرسول قوله: "اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة) .
وبهذا نرى أن التمييز العنصري الذي يباشره المستعمرون لتفريق صفوف المسلمين بإثارة عوامل الحقد والكراهة، والذي يحاولون أن يفتعلوه بالدسائس التي يدسونها بين المسلمين، وبالتشويهات التي يحاولون أن يشوهوا بها حقيقة الإسلام الناصعة المخالفة لما يفترون عليه، لا يراه الناس إلا عند الشعوب المستعمرة فنسها، والشعوب التي تدَّعي السبق المدني والحضاري في القرن العشرين، أما في الإسلام وعند المسلمين الفاهمين لإسلامهم والملتزمين به فإن التمييز العنصري والتمييز القومي لا وجود له مطلقاً.
* * *
الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري
ومن وسائل الغزو غير المسلح التضليل الفكري، ببث المفاهيم الفاسدة عن الدين والحياة والوجود وعن الاجتماع والأخلاق والسلوك، وعن شروط التقدم ووسائله، وعن النفس والوجدان والضمير، وغير ذلك.
وقد دخلت كتائب الغزاة بين المسلمين في مختلف حقولهم الاجتماعية والفكرية لبث ما تريد بثه من أفكارٍ مضللة لهم، ومؤثرة في سلوكهم الفردي والجماعي، بالميل به عن المنهج القويم على مقدار ما فيها من فساد، وذلك لأن معظم أعمال الناس في حياتهم إنما هي آثار من آثار المفاهيم المسيطرة على قلوبهم وعواطفهم، فحينما تكون هذه المفاهيم سليمة قويمة يكون السلوك في غالب أحواله سليماً قويماً، إلا في عاطفة آسرة، أو شهوة قاسرة، أو رغبة نفسية
جامحة، أو عادة مستحكمة جانحة. وحينما تكون المفاهيم منحرفة عن منهج الحق فإن السلوك في غالب أحواله يكون منحرفا عن الصراط المستقيم، إذ يحلو للإنسان عندئذ أن ينطلق ويتفلت من الضوابط الدينية والخلقية، والروابط الاجتماعية، والقيود الحادة من حرية أهوائه وشهواته فيشذ وينحرف، وتقوده الشياطين والطواغيت إلى مواطن هلاكه.
وقد تناول هذا البثُّ التضليلي التحويل عن معظم الأسس التي تتكون عنها عناصر الشخصية الإسلامية الفذة، وعناصر الأمة الإسلامية الكبرى ذات الوحدة العالمية، التي ليس لها حدود قومية ولا عرقية ولا لغوية ولا إقليمية، وإنما لها حدود فكرية يدخل الحق في إطارها ويخرج الباطل عنه، ولها حدود خلقية وعملية تضم أنواع الخير في داخلها، وتمنع أنواع الشر والرذيلة من أن تقرب منها.
وهذه التضليلات الفكرية التي تبثها الأجهزة الاستعمارية والتبشيرية والاستشراقية والإلحادية كثيرة جداً، ربما يملأ الحديث عنها مجموعة من مجلدات البحث العلمي الهادئ، الخالي من الثورات الانفعالية، والجمل الخطابية الجوفاء.
فمن هذه التضليلات ما يكون الغرض منه النفوذ إلى أسس العقائد والتشريعات الإسلامية الربانية الحقة، بغية اقتلاعها من عقول فريق من أبناء المسلمين وقلوبهم، وبذلك يتكون منهم فيلقٌ مرتدٌٌ عن الإسلام، خارج عن الملة، معادٍ للمسلمين، مهمته تحويل الأجيال الناشئة عن دينها، وتجنيدها في جيوش الردة.
ومن هذه التضليلات ما يكون الغرض منه إيجاد فريق من المسلمين يتحلون باسم الإسلام، ويتعصبون له تعصباً شديداً، ولكن المفاهيم التي يستمسكون بها على أنها جزءٌ من الإسلام مفاهيم فاسدة مدسوسة، ليست من الإسلام في شيء، فلا يشهد لصحتها نص ولا إجماع ولا قياس صحيح، وقد تشهد هذه المصادر على عكسها، ويمثل هذا الفرق قوة الصد عن الإسلام
والتنفير منه.
وبالفريقين المرتد والمخطئ في فهم الإسلام المتعصب للخطأ يجتمع على الأجيال الناشئة قوتان: قوةٌ من خارج الحدود الإسلامية، تقوم بهمة بناء المجاري التحويلية عن الإسلام، وإجراء الأجيال الناشئة فيها، وقوة أخرى من داخل الحدود الإسلامية بحسب الظاهر، وهي تقوم بمهمة الصد عن الإسلام والتنفير منه كمهمة الكتل الصخرية التي تقف في الأنهر عند مواطن التحويل، لتمنع الينابيع عن أن تجري في مجاريها الطبيعة، وبذلك يتسنى لبناة المجاري التحويلية أخذ أكبر قدر منها إلى مجاريها المصطنعة.
ويرافق كلا من التضليلات الأولى والتضليلات الثانية تضليلات تعتمد على عنصر الإغراء المادي، ومن أمثلة ذلك الأفكار الدعائية التي توهم المسلمين أن التقدم المادي في شؤون المدنية الحديثة رهنٌ بترك الاستمساك بتعاليم الإسلام، وأن الإسلام عقبة في طريق التقدم، ويتغابى الذين يبثون هذه التضليلات عن الحقيقة الناصعة التي عليها الإسلام الحق، وهي أن الإسلام يدفع المسلمين بقوة إلى كل تقدم حضاري ومدني سليم من الآفات الفكرية والنفسية والخلقية والاجتماعية، ويقدم الذين يبثون التضليلات مزاعم كثيرة خالية من كل سندٍ واقعي، لدعم الأفكار الدعائية التي يضللون بها، على أن البحث الحر الهادئ كفيل بأن يقدم لطالبي الحق الحقيقة الناصعة عن الإسلام.
أما الحقول الاجتماعية والفكرية التي دخلت كتائب الغزاة فيها لبث تضليلاتهم الفكرية بين المسلمين فكثيرة، منها الحقول التالية:
1-
المدارس والمعاهد والكليات على اختلاف مستوياتها واختصاصاتها.
2-
الأندية وقاعات المحاضرات وسائر مراكز التوجيه الثقافي الخاصة أو العامة.
3-
الجمعيات العلمية والثقافية والأدبية والفنية ونحوها.
4-
الكتب والمجلات والصحف الدورية.
5-
وسائل الإعلام المختلفة (كالراديو والتلفزيون والفديو) .
6-
الأحزاب والهيئات السياسية والاجتماعية.
7-
المراكز الصحية على اختلاف مستوياتها.