الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) مقدمة
بعد امتحان الغزو المادي المسلح الخائب الذي قام به الغزاة ضد الإسلام والمسلمين، استطاعوا أن يصلوا إلى خطة غزو جديدة ذات شطرين
الشطر الأول منهما: خطة غزو هدفها امتلاك نفوس أبناء المسلمين وأجيالهم الناشئة بالشهوات ومرضيات الأهواء والنزعات. وقد وضع الغزاة تفصيلات واسعة جداً لتنفيذ هذه الخطة وصيد أبناء المسلمين وبناتهم بها داخل البلاد الإسلامية وخارجها حينما يذهب هؤلاء إلى بلاد الغزاة زائرين أو دارسين أو أصحاب مصالح.
الشطر الثاني منهما: خطة غزوٍ هدفها السيطرة على عقول أبناء المسلمين وأجيالهم الناشئة بالأفكار وأنواع الثقافات التي يراد لها أن تحل محل المفاهيم الإسلامية الأصيلة. ولا بد أن تكون هذه الأفكار وأنواع الثقافات بعيدة عن العلوم المادية البحتة والتكنولوجيا، لأن هذه العلوم لا بد أن تخضع للتجربة المادية ولا بد أن تمتحن بنتائجها. فإذا كانت مزيفة فلا بد أن يظهر زيفها بسرعة لدى فشلها في تقديم نتائجها المرجوة منها، على أن هذه لا تمس المفاهيم الإسلامية الصحيحة.
إذن فالأفكار والثقافات الغازية ينبغي أن تكون مما يمس المفاهيم الإسلامية التي هي الحصن الأعظم الجامع للشعوب الإسلامية والحامي لها. وينبغي أيضاً أن تهيأ لها الظروف الملائمة والوسائل الكافية لتزاحم المفاهيم الإسلامية ثم تبعدها وتحل محلها. وعندئذٍ يظفر العدو بتحقيق كامل خطته
بسهولة ويسر. فإن لم يتيسر له ذلك، فلا أقل من أن تسلك الأفكار والثقافات الغازية طريقاً ولو طويلاً ومتعرجاً يمكن أن ينتهي في آخر مسيرة الغزو إلى مزاحمة المفاهيم الإسلامية وإبعادها واحتلال محلها.
فماذا عسى أن تكون ميادين هذه الأفكار والثقافات الغازية؟
إنها لا بد أن تكون ميادين لقسمين من العلوم:
القسم الأول: العلوم المتصلة بفلسفة الوجود ونشأته والغاية منه ومصير الحياة ومصير الإنسان بعد هذه الحياة. لأن هذه العلوم أو بالأ؛ رى ما يسمى علوماً من أفكار لا سند لها من علم أو تجربة هي التي يمكن أن تمس كبريات العقائد الإسلامية. إذ معظم المفاهيم الإسلامية النظرية الجذرية تدور في هذا الفلك.
وفي هذا القسم تدخل علوم الفلسفة ونشأة الكون ونشأة الحياة وأصل الإنسان والتطور وما إلى ذلك من بحوث.
القسم الثاني: العلوم المتصلة بسلوك الإنسان في هذه الحياة، فرداً كان أو جماعة، لأن معظم المفاهيم الإسلامية العملية تدور في هذا الفلك.
وفي هذا القسم تدخل جملة من العلوم كعلم النفس وعلم الاجتماع وعلم الأخلاق وعلم الاقتصاد وعلم السياسة والفنون الجمالية المختلفة وبعض النظريات التي ليس لها نتائج عملية من نظريات العلوم المادية البحتة. فمن شأن هذه العلوم - إذا صيغت ضمن نظريات مزخرفة وأحيطت بهالة من التقديس العلمي المزور - أن تكون قادرة على غزو عقول الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين وبناتهم، لا سيما إذا جاءت مقترنة ببعض الحقائق الظاهرة الخاضعة للتجربة والملاحظة، والتي ليس في إمكان الإنسان أن يزورها، والتي تقدم برهان صدقها من نتائجها المادية الظاهرة.
إذن فليكن عبور خطة الغزو الفكري أو الغزو الثقافي ضمن هذين الفلكين الثقافيين.