الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لهلاكها، ومثلها في نظره كمثل القنبلة الموقوتة، يضعها واضعها لتنفجر في وقت معلوم، فتخرب من أهداف العدو على مقدار طاقتها، وأول حساب العدو بالنسبة إليها هو أن يخسرها ليربح المعركة، ويظفر بغايته.
على أن العدو ربما يعمل على الخلاص من هؤلاء الأدوات، متى أصبحوا غير صالحين للاستعمال، أو غدوا عبئاً متاعبه أكبر من منافعه، وبهذه الخطة الماكرة يستغفل أعداء الإسلام ويكيدون القسمين معاً، قسم الأدوات المستأجرين، وقسم الضحايا الغافلين.
والمستأجرون من أدوات الخيانة قد لا يكلفون أعداء الإسلام إلا أن يقدموا لهم المطامع والوعود، أو أدنى الأجور النقدية، أو بعض الشهوات المبذولة لكل روادها، وكذلك يفعلون.
(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة
حينما تتناول الشريعة الإسلامية أحكام العبادات تتسم باليسر والسماحة، وحينما تتناول بيان حقوق الناس تتسم بالدقة والحيطة والتحديد، وحينما تتناول بيان الحدود والعقوبات تتسم بالاحتياط في وسائل إثبات موجب العقوبة، بالعنف الرادع في إقامتها.
أما حينما تتناول الشريعة الإسلامية بيان النظم التي تكفل للناس الحياة الأفضل فإنها تتسم بالمرونة، وقد راقب أعداء الإسلام جانب النظم فوجدوا أن فريقاً من المسلمين لم يحسنوا الاستفادة من المرونة في الأصول الشرعية التي تتناول هذا الجانب؛ إذ لبثوا جامدين عند الصور التطبيقية التي اقتضتها ظروف العصور الإسلامية الأولى، فأخذوا يهاجمون الإسلام بأن نظمه لا تساير العصور التي تتطور فيها ظروف الحياة الإنسانية الفردية والاجتماعية، وأمام هذا الهجوم قامت فئة من الباحثين المسلمين، وفريق منهم حسن النية، فقذفوا حبل المرونة في الشريعة إلى أقصى اليمين أو إلى أقصى اليسار، وزعموا أن نظم الشريعة
الإسلامية مرتبطة بالمصالح التي يقدرونها، فحيثما وجدت المصلحة التي يقدرونها هم فثم شرع الله، وهذا الاتجاه الخطر يؤدي بالشريعة الإسلامية إلى أن تكون وحي الآراء والأفكار، ومستجيبة لمطالب كل الأهواء والشهوات، ويجعلها قابلة لأن تدخل في إطار نظمها كل نظام من أنظمة العالم، ولو كانت أسسه أو تطبيقاته غير إسلامية، ولا يأذن بها الإسلام، ولو كانت المصالح المتوخاة فيه لا تعتبرها الشريعة الإسلامية من المصالح.
وفي كلا التجاهين الجامد المفرط، والمرن المتجاوز حدود المرونة المقبولة شرعاً كان الرابح في المعركة أعداء الإسلام، لأن الجمود على تطبيقات معينة اقتضتها الظروف الاجتماعية السائدة في العصور الأولى، يجعل الأجيال المسلمة المعاصرة تنفر من الإسلام، وتقذف بأنفسها في أحضان النظم العالمية الأخرى، وعندئذ تجد نفسها في أحضان أعداء الإسلام، وهذا ما يبتغيه أعداء الإسلام الذين ركزوا خطة هجومهم عليه. أما الاتجاه الأخير المتجاوز حدود المرونة المقبولة شرعاً فما هو إلا صورة من صور التحلل من ربقة الأحكام الإسلامية، تحت ستار المرونة التي تتمتع بها أصول الشريعة الإسلامية، وذلك لأن المصلحة التي يهدف إليها المقننون من البشر تختلف اختلافاً كبيراً من شخصٍ لآخر، ومن هيئة لأخرى. فبينما ترى فئة من الناس المصلحة في جهة ترى فئة أخرى المصلحة في جهة مضادة لها تماماً، ذلك لأن كل إنسان ينظر إلى المصالح من زاوية وجهة نظر معينة متأثرة بأهوائه وأغراضه، أو أهواء وأغراض الفئة التي ينتمي هو إليها، ومن الصعب عليه جداً أن ينظر نظرة شاملة عامة متجردة، تستوعب مصالح جميع الناس الذين يوضع لهم ذلك النظام.
وسلوك هذا السبيل تحوير في مفهوم مرونة الشريعة الإسلامية، وسير بها في طرق النظم الوضعية الإنسانية، التي لا تضع في حسابها الأسس الربانية، التي يجب أن تبنى عليها نظم الناس، ومتى وصل المسلمون إلى السير في هذا الطريق فقد ظفر أعداء الإسلام بما عملوا له، وأخرجوا المسلمين عن دائرة إسلامهم في جانب من جوانب أحكام شريعتهم، وهو جانب النظم، وهي خطة بالغة الكيد للإسلام، والمكر بالمسلمين.