الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتجزئتها بأي ثمن ، وتلتقي قوتاهما _ على اختلافهما وتنازعهما _ عند خط تجزئة المجتمع الإسلامي ، تجزئة تهدم عوالم قوته وتماسكه.
(6) هدم الخلافة الإسلامية
وفي خطة تحطيم وحدة المسلمين ، وتجزئتهم إلى أجزاء متفرقة كثيرة ، عملت جيوش الغزاة بكل ما لديها من وسائل معنوية ومادية ، لهدم الخلافة الإسلامية ، لأن هذه الخلافة _ مهما كان شأنها _ تمثل الحزام الذي يجمع المسلمين في شتى أقطار الأرض ، أو الرمز السياسي الذي يجعلهم يلتقون التقاء ما تحت راية سياسية واحدة ، وهذا الأمر يقض مضاجع الأعداء ، وإن وصل به الضعف إلى أن غدا رمزاً ليس له أي سلطان فعلي.
وذلك لأن بقاء أمر الخلافة مقروناً بالدوافع والمحرضات الدينية التي قد تحيي ما مات منه ، وقد تعيده إلى بعض مراكز قوته الأصلية ، مما تخشاه جيوش الغزاة خشية كبيرة ، نظراً إلى ما للشعوب المسلمة من وزن عظيم في العالم ، تمثله أعدادهم البشرية ، ورقعة الأرض التي يملكونها وما فيها من خيرات وكنوز كثيرة ، وما لهم من تاريخ حضاري غابر ، قد يحرك فيهم بواعث نهضة حضارية جديدة ، تستطيع أن تنافس وتسابق الحضارة الغربية المادية الحديثة ، فيما لو أطلقت أيديها المغلولة ، مضافاً إليها سبقهم الحضاري العظيم في عقائدهم ، وفي مفاهيمهم الأخلاقية ، وفي أسس بناء أمتهم بناء متماسكاً متيناً ، على أصول الحق والعدل والخير ونشدان الكمال ، والبعد عن الباطل والظلم والشرب والرضى بالدنايا.
وظلت الخلافة الإسلامية رمزاً لوحدة المسلمين في أقطار الأرض ، حتى عام (1924م) وفي أوائل شهر آذار (مارس) ألغى "كمال أتاتورك" الخلافة الإسلامية العثمانية من تركيا ، وكان ذلك في ظروف سياسية هيأت له الذرائع للقيام بهذا العمل الخطير.
ومن المعلوم أن الخلافة قد تم هدم مضمونها قبل ذلك ، منذ نجحت
الثورة التي دبرت ضد السلطان عبد الحميد في عام (1908م) والتي قادها العسكريون من أعضاء "جمعية الاتحاد والترقي" الموجهون من قبل المحافل الماسونية ، التي كانت تعمل بوحي من الدسائس الاستعمارية من جهة ، والدسائس اليهودية من جهة أخرى أشد من الأولى مكراً ، وأكثر عمقاً ، وأصبح هؤلاء العسكريون هم حكام البلاد في الحقيقة ، وعلى أيديهم تمت هزيمة تركيا في الحرب العالمية الأولى ، وأمست الخلافة بعد السلطان عبد الحميد رمزاً لا مضمون له ، إذ تولاها بعده السلطان "محمد رشاد" الذي لقب بالسلطان "محمد الخامس" ثم تلاه السلطان "محمد السادس" ثم تلاه السلطان "عبد المجيد" وكان هذا آخر الخلفاء الرمزيين ، حين أعلن "كمال أتاتورك" إلغاء الخلافة.
وكان ما جرى تنفيذاً دقيقاً لما رسمته جيوش الغزاة من خطط لهدم الخلافة الإسلامية ، إذ كانت هذه الخلافة على ما وصلت إليه من ضعف بمثابة سور عظيم ، متعب لجيوش الغزاة الطامعين ، يلم الشعوب الإسلامية على اختلاف لغاتها ، وألوانها وأعراقها ، وعلى تباعد مواطنها ، في إطار سياسي واحد ، مهما كان مبلغه من الضعف والرمزية.
واستقبل العالم الإسلامي نبأ إلغاء الخلافة بحزن شديد وألم ممض ، فقد كانت لهم التاج العظيم الذي توارثوه أكثر من ألف سنة ، وكان وجود الخلافة في المسلمين يتضمن لديهم المعاني التالية:
الأول: أن بقاء الخلافة يعني وجود نظام سياسي يجمع شمل المسلمين ، مهما بلغ واقع حال هذا النظام إلى مستوى محزن من الضعف والرمزية ، بفعل الدسائس الاستعمارية.
الثاني: أن بقاء الخلافة دليل على استمرار تاريخ المسلمين ، في ظل شعار سياسي واحد.
الثالث: أن بقاء الخلافة يعني بقاء الرباط الذي يبرر للمسلمين الاشتراك والمساهمة في الدفاع الدولي عن بلاد المسلمين وحقوقهم ، وإقامة ألوان التعاون فيما بينهم.
الرابع: أن بقاء الخلافة يقضي في أدنى الحدود الرمزية بأن لا تقوم بين بلادهم حواجز مصطنعة ، وهذا يعني اشتراك الشعوب الإسلامية في ديارهم ، وتمتعهم بحريات تنقلهم وتملكهم وتجاراتهم وسائر مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية فيها.
ومع الحزن الشديد الذي تلقت به الشعوب الإسلامية نبأ إلغاء الخلافة قام فريق من أصدقاء المستعمرين ، والموالين لهم في البلاد الإسلامية ، يبردون حرارة الألم ، ويبررون ما وقع ، ويزعمون مزاعم كاذبة على المفاهيم الإسلامية ، ويضعون مفاهيم مبتدعة غريبة ، يفصلون بها بين الدين والحكم ، وينسفون بها الأسس النظرية التي تقوم عليها الخلافة الإسلامية ، ويضعون بدلها أسساً أخرى من عند أنفسهم ينسبونها إلى الإسلام زوراً وبهتاناً ، وكان من هؤلاء في مصر "الشيخ علي عبد الرزاق" فقد كتب كتاباً جعل عنوانه "الإسلام وأصول الحكم" احتوى على آراء تخالف ما أجمع عليه المسلمون ، وتهدم أسساً ضخمة من أسس بناء الأمة الإسلامية ، وتطعن في التاريخ الإسلامي ، وتنكر علاقة الخلافة في جميع عصورها بالإسلام.
وتصدى للرد عليه كثيرون ، منهم الشيخ "محمد شاكر" من كبار العلماء ، وكان وكيلاً سابقاً للأزهر ، ومنهم الشيخ السيد "محمد رشيد رضا" صاحب تفسير المنار ، وصاحب مجلة المنار ، فقد كتب هذا مقالاً بعنوان:(الإسلام وأصول الحكم _ بحث في الخلافة والحكومة في الإسلام _ بل دعوة جديدة إلى نسف بنائها وتضليل أبنائها) . وقد جاء في هذا المقال ما يلي:
"ما زال أعداء الإسلام يجاهدون بالسيف والنار ، وبالكيد والدهاء والأفكار ، وبإفساد العقائد والأخلاق ، وبالطعن في جميع مقومات هذه الأمة ، وتقطيع جميع الروابط التي ترتبط بها شعوبها وأفرادها ، ليسهل جعلها طعمة للطامعين ، وفريسة لوحوش المستعمرين.
وهذه الحرب السياسية العلمية للإسلام أضر وأنكى من الحروب الصليبية باسم الدين.. وقد كان آخر فوز لهذه الحرب على المسلمين إلغاء الترك لمنصب الخلافة من دولتهم ، وتأليفهم حكومة جمهورية غير مقيدة بالشرع