الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها
وكذلك تلاعب أعداء الإسلام وأجراؤهم بعبارات التقدمية والرجعية، والتمدن والتخلف، والسبق الحضاري والبدائية، والتطور الجمود، ونحو ذلك من عبارات، فيضعونها في غير مواضعها، أخذوا يطلقون على كل فضيلة خلقية، وكمال أدبي، ومعاملة شريفة، واستمساك بالدين وبالعادات الحسنة، عبارات الرجعية والتخلف والبدائية والجمود، لتنفير المسلمين منها، وتضليلهم، وصرفهم عن الحق الذي هم عليه. ويطلقون على الرذائل الخلقية والسلوكية، وعلى التحلل من كل كمال أدبي، وعادة حسنة، وعمل ديني، عبارات التقدمية، والتمدن، ومقتضيات الحضارة، ومقتضيات التطور، ونحو ذلك من عبارات، لتبرير هذه القبائح، والتشجيع عليها، وتحبيب الأجيال الناشئة بها، التي تستهويها مغربات التجديد، وتستدرجها بوارق الطموح، ويحلو لها أن تثبت شخصياتها بالتحرر من القيود، وأن ترضي نفوسها بالانطلاق فيما تشتهي دون حدود.
وبهذه الحيلة الخطيرة استطاع أعداء الإسلام والمسلمين، أن يجندوا من أبناء المسلمين وبناتهم أجيالاً تقف في المقدمة من جيوش الغزاة الطامعين، العاملين على هدم الإسلام، وتفتيت وحدة المسلمين وتوهين قوتهم، واستغلال طاقاتهم وخيراتهم، والتسلط على بلادهم، وما فيها من كنوز وثروات مادية ومعنوية.
(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها
تصدَّر فريق من أبناء المسلمين الذين أثرت فيهم دسائس أعداء الإسلام، مع فريق آخر من أعداء الإسلام المداهنين، وانتحلوا لأنفسهم اسم
الطليعة المثقفة، وانطلقوا يطعنون أمجاد المسلمين وتاريخهم، وكل مقدمات وجودهم في ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم، ويحسب الفريق من أبناء المسلمين أنهم يحسنون صنعاً، ويجهلون أنهم يساقون بالخديعة كالقطعان البله إلى مذابح القرِمين إلى لحوم الأمة الإسلامية، الباغين بها وبمبادئها وعقائدها وبلادها شراً مستطيراً.
ولما شعر هؤلاء المتصدرون باسم الطليعة المثقفة بالفراغ الفكري والنفسي بعد أن ارتدوا عن الإسلام، أخذوا يطلقون عبارات التحسر على الأمة العربية، زاعمين أن العرب ليس لهم فلسفة ذاتية تحيي مشاعرهم القومية، وتكون هي قوامهم الفكري الذي يصعد بهم إلى المجد بين الأمم، لذلك فهم بحاجة إلى فيلسوف فذ يوجد لهم هذه الفلسفة القومية، ويمثلون لذلك بمثل "فتخة" الفيلسوف الألماني الذي وضع للألمان فلسفتهم القومية.
والهدف من هذا الكلام تحقيق غرضين:
الغرض الأول: إيجاد القناعة عند الأجيال الحديثة بأن العرب ليس لهم فلسفة قومية، تؤهلهم لمجد طارف، وأن الإسلام لا يصلح لأن يكون فلسفة تقيم لهم كياناً، وتعبد طريقهم إلى التقدم والمجد بين الأمم.
الغرض الثاني: التمهيد لقبول الفلسفات الحديثة، التي تضع للأمة العربية فلسفتها القومية، والتبشير برجل ممتلئ بالحقد على الإسلام، والضغينة للمسلمين يطلقون عليه اسم فيلسوف القومية العربية، الذي يهيئونه لتحل أفكاره ودسائسه محل جميع العقائد والأخلاق والسلوك التي تدين بها الكثرة الكاثرة من الأمة العربية، والتي كان بها عزهم التالد، ومجدهم الخالد، وليحل هذا الفيلسوف المنتظر محل رسول الإسلام محمد صلوات الله عليه، وليحل أتباعه وجنوده محل أصحاب رسول الله، في زعامة الأمة العربية الحديثة، والانعطاف بها إلى مواقع الكفر، ونشر الأفكار التي توضع في حجرات الدوائر الاستعمارية والتبشيرية العالمية، الطامعة في بلاد المسلمين، والعريقة في معاداتها للرسالة الإسلامية الخالدة.
وقد استطاعوا أن يشحنوا عقول دفعات من الأجيال الناشئة بأفكارهم
هذه، وأن يستميلوا معظم عواطفهم إليها، وذلك بترديدها عليهم في دور العلم، على اختلاف مستوياتها، وبعد أن احتلوا في هذه الدور مراكز تعليمية ذات أهمية في التربية والتوجيه عملوا على حجب طلابهم عن التزود من أي مصدر علمي آخر، بمختلف الوسائل الما كرة الصارفة عن قيادات التوجيه الحق، والصادة عن مبلغي الشريعة الربانية، والثقافة الإسلامية، تؤازرهم في ذلك جميع القوى المعادية للإسلام، والغازية لبلاد المسلمين بشكل سافر أو مقنع.
وهكذا تطوع هذا الفريق المرتد من أبناء المسلمين في جيش الغزاة، الذين وضعوا خطتهم الحديثة لغزو المسلمين غزواً ماكراً، لا يحملون فيه سلاحاً من حديد أو نار أو أية قوة مادية قاتلة، وإنما يحملون فيه أسلحة أفعل وأدهى وأمر، إنها أسلحة العلم، والثقافة، والفن، والاقتصاد، واللهو واللعب، ومغريات التقدم المادي، وملحقاتها.
ومع الفراغ الفكري والنفسي من كل القيم الموروثة في طائفة من الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين، تعطشت عقولهم ونفوسهم إلى ملء الفراغ الذي أصابهم بالكيد الذي تعرضوا له.
ومع ما غرس في عقولهم ونفوسهم من أن أمتهم ليس لها فلسفة قومية حتى يرجعوا إليها، لا بد أن يتهالكوا على ما يصدره إليهم أعداء الإسلام، من فلسفات فكرية، ومبادئ، وعقائد، ونظم مضادة للإسلام، هادمة لكل أسسه وعقائده ومبادئه ونظمه والأخلاق التي يدعو إليها، وأحكام السلوك التي يأمر بها.
واصطرعت الأخلاط الفاسدة من الواردات الحديثة في نفوسهم وأفكارهم، فساروا في الدروب المتعارضة على غير هدى، منطلقين بسرعات جنونية، كثرت معها حوادث التصادم المريع، التي تساقطت فيها طاقات كثيرة من طاقات الأمة، وتناثرت أشلاءً هامدة تدب فيها عوامل الفساد، ولا تجد من يواريها في الأرض.
والسرعات المتعارضة مستمرة، يقودها سكارى المذاهب الوافدة، أما