الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأعوان جميع هؤلاء الأعداء، وأجراؤهم، وأنصارهم، والسائرون في أفلاكهم.
ومهمة المسلمين في مضادّة خطط هؤلاء تتجلى بالحرص على وحدتهم الدينية واللغوية التي تمثلها اللغة العربية الفصحى، لغة القرآن، ولغة رسول الإسلام محمد ولغة الأمجاد الإسلامية العظيمة.
(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية
واعتبارها لغة العلم والأدب والفن
من المخططات التي أعدها الغزاة لإقامة السدود بين الشعوب الإسلامية واللغة العربية الفصحى، اتخاذ مختلف الوسائل لنشر اللهجات العامية الإقليمية، والتشجيع على أن تكون هي اللغة الرسمية في البلاد، والتشجيع على أن يكتب المسلمون بها علومهم وآدابهم وأشعارهم وقصصهم وتواريخهم وعقودهم وسائر معاملاتهم، وأن يهجروا العربية الفصحى نهائياً، بحجة أن معظم الشعب لا يحسنها، وأنه متى انطلق يكتب بلغته العامية الدارجة استطاع أن يبتكر ويبدع، ويساهم مع معظم أفراده في مختلف العلوم والفنون والآداب.
وما هذه الحجج الضعيفة إلا ذرائع كلامية لخطة تهدف إلى تجزئ الشعوب الإسلامية، والشعوب العربية، وإقامة السدود اللغوية بينها، التي ستجعل من الشعب الواحد شعوباً متعددة بمقدار تعدد أقاليمه، حتى ينتهي الأمر إلى أن ينطق سكان كلِّ إقليم منها بلغة خاصة، لا تمتُّ إلى لغة الإقليم الآخر بصلة فعلية إلا صلة الاشتقاق التاريخي من أصل واحد، وهذا سينسى خلال عدد قليل من القرون، ويمسي لكل إقليم لغته وقوميته وتقاليده الخاصة.
ودراسة كثير من اللغات المتعددة في العالم، تعطينا نماذج تطبيقية شتى، للغات مختلفة فيما بينها كل الاختلاف، مع أنها مشتقة في أصلها من لغة واحدة، يمكن أن نُسميها بالنسبة إليها اللغة الأم، ولكن انفصال اللهجات المحلية الإقليمية عن بعضها مضافاً إلى ذلك العامل الزمني الذي طالت فيه مدّة
الانفصال قد أدى إلى تكوّن لغات متباينة، لا يفهم الناطق بأحدها على الناطق بالأخرى.
وقد عرف الأعداء الغزاة هذه الحقيقة لتاريخ اللغات المختلفة بين الشعوب، فرأوا أن يُحدِثوا عزلاً صناعياً ينشأ عنه لغات متعددة لشعب واحد، مماثلاً لظروف الانعزال الطبيعي، الذي نشأ عنه في الأزمان الغابرة لغات مختلفة كل الاختلاف فيما بينها، مع أنها كانت في أصولها واحدة، ولكن انفصال أبناء الشعب الواحد عن بعضهم، وانعزالهم في أقاليمهم، واستمرارهم في تطوير لهجاتهم الإقليمية خلال حقب مديدة من الزمن، قد أدى إلى تكوين عدد كثير من القوميات المختلفة، وعدد كثير من اللغات المختلفة أيضاً.
ومثال ذلك: اللغات السامية المتفرعة عن أصل ساميٍّ واحد، واللغات اللاتينية المتفرعة عن الأصل اللاتيني، وفي الهند ما يزيد على سبعين لغة إقليمية متفرعة عن اللغة الأصلية التي كان سكان الهند الأولون ينطقون بها، ولولا ظل الدولة الإسلامية التي وحدت الهند طوال قرون على اللغة الأردية الغنية بالمفردات العربية لانفصل الهنود إلى قوميات كثيرة بعدد لغاتهم المختلفة، ونجد نظير ذلك في الشعب الأندونوسي.
وقد ظهرت الدعوة إلى العامية داخل البلاد العربية أول ما ظهرت في كتابات عدد من المستشرقين، إذ قدموها في ثياب الناصحين لسكان هذه الأقاليم العربية ليصرفوهم عن لغة القرآن، التي ينبغي أن تجمع المسلمين كلهم ضمن جامعة لغوية ودينية واحدة، فكيف بالشعوب العربية الإسلامية؟!
وقد استطاعوا أن يزينوا كلامهم بوجهين: أحدهما إيجابي في صالح العامية الدارجة على ألسنة العامة، وثانيهما سلبي ضد اللغة العربية الفصحى.
فأعطوا العامية صفة اللين والسهولة، والقدرة على تلبية رغبات جميع الأفراد في التعبير عمّا يخطر في أفكارهم ويختلج في نفوسهم، وألبسوا العربية الفصحى صفات التعقيد والشدة والصعوبة، وعدم تلبيتها لرغبات جميع الأفراد في التعبير عمّا يخطر في أفكارهم ويختلج في نفوسهم.