الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4) خطوات العمل الحميدة
والعمل للإسلام الحق يتطلب من طلائع الوعي الإسلامية حركة فعالة متزنة تتسم بطول الصبر وسعة الصدر وعدم استعجال النتائج والتخطيط للأمد البعيد بفكر عميق مستفيد من تجارب الماضي وعظاته، لتقف بقوة وثبات بعيدين عن الثورات الانفعالية الآنية في المواجهة المضادة لأعمال الغزو وفي البناء الإيجابي الفعال للفكر الإسلامية وللأمة المسلمة الصحيحة.
ولهذه الحركة الإسلامية أن تستفيد من خطة العمل التالي:
1-
ينطلق العمل الإسلامي بالاعتماد على عنصرين رئيسين من عناصر العمل الفعالة المنتجة بهدوء واتزان ودأب:
العنصر الأول: مثقفون ثقافة إسلامية واعية متسمة بعمق التفكير وسعة الأفق ورحابة الصدر وقوة الحجة والفاعلية الدائبة.
العنصر الثاني: جمهور من الملتزمين بالإسلام عقيدة وعملاً، الغيورين عليه، المتحمسين للاضطلاع بمسؤولياتهم نحوه، أياً كانت مجالات عملهم في اكتساب الرزق، مع زاد مناسب من الثقافة الإسلامية.
2-
منهاج العمل:
لإعداد عنصري العمل السابقين يمكن رسم بعض الخطوات الرئيسة دون الدخول في التفاصيل.
الخطوة الأولى: الانطلاق إلى العمل، وتتم هذه الخطوة بإحدى وسيلتين:
أ- إما باندفاع نواة أولى صالحة للاستقطاب، مزودة بكفاءة طيبة للعمل ومعرفة إسلامية واسعة وأخلاق قيادية حكيمة.
ب- وإما بتجميع نخبة ممتازة من الباحثين الإسلاميين، ليصدر عنهم مجتمعين الانطلاق إلى العمل، مع التخفيف من مشكلات القيادات الجماعية ما أمكن.
الخطوة الثانية: وضع ميثاق إسلامي عام، يمكن أن يلتقي عليه معظم المسلمين وأن يلتزموا به، ومن طبيعة هذا الميثاق أن يكون بعيداً عن إثارة كل النقاط الخلافية الفرعية.
الخطوة الثالثة: وضع منهاج التثقيف الإسلامي العام، باختيار البحوث الإسلامية التي يحتاج إليها المسلم المعاصر.
ويتم وضع هذا المنهاج، ثم تؤخذ الموافقة عليه من قبل علماء المسلمين الموثوقين المنبثين في الأقطار الإسلامية.
الخطوة الرابعة: إعداد المصنفات الإسلامية الحديثة، أو انتقاء المناسب منها، على أن تتناول بالبحث الموضوعات المقررة للتثقيف الإسلامي العام، وتصدر هذه المصنفات بعد الموافقة على إصدارها من قبل عدد من علماء المسلمين الموثوقين في الأقطار الإسلامية.
وينبغي أن تتفادى هذه المصنفات عناصر الخلافات المذهبية العنيفة، ما لم تتصل بجوهر العقيدة الأساسية.
وينبغي أيضاً أن تكون هذه المصنفات ذات مستويين أو أكثر، مستوى ابتدائ يُعدّ لتثقيف الجماهير المسلمة بالثقافات الإسلامية المطلوبة، ومستوى متوسط ثم مستوى آخر عال، لتثقيف زمرة العنصر الأول بالثقافات الإسلامية التفصيلية، المدعمة بالحجج والبراهين المقنعة.
الخطوة الخامسة: إعداد جيش المثقفين ثقافة إسلامية راقية، مقرونة بوعي والتزام واتزان.
ويجب أن تكون دوائر التثقيف الإسلامي الراقي في حالة اتساع مستمر، ومن بين هذا الجيش المثقف بالثقافة الإسلامية الراقية تتفجر القيادة الحكيمة الرزينة، الحريصة على متابعة الجهد التثقيفي، والعمل للإسلام بغيرة وإخلاص.
الخطوة السادسة: التوعية الإسلامية العامة، بمستويات تتناسب مع حال الجماهير المختلفة، مع التربية الحكيمة على الالتزام بالتطبيق الدقيق للأحكام
والأخلاق الإسلامية، دون شدة أو عنف في بعض الفروع الشكلية البحتة.
ويدخل في هذه الخطوة تكليف كل مثقف إسلامي - سواء أكان من زمرة العنصر الأول أو من زمرة العنصر الثاني - نقل ما تزود به من معرفة إسلامية، ونقل ما التزم به من سلوك إسلامي إلى غيره، عن طريق الدعوة، أو التأثير بالقدوة الحسنة، وذلك ضمن برنامج تفصيلي محدد، يفرض على كل عامل وظيفة يومية يباشرها في ميدان التثقيف والتوعية الإسلامية.
ويجب أن يكون التثقيف بالأساليب المؤثرة، التي لا تثير عصبيات الآخرين، ولا تحرضهم على الاستمساك بالباطل والإصرار عليه، وسلوك مسلك العناد والمخالفة.
ومن أمثلة الأساليب الرفيعة المؤثرة، الاستدراج إلى الإقرار بالفكرة، بعد وضع هالة حولها من الحجج الخفية والبراهين غير المباشرة، وذلك قبل الإعلان التام عنها، فبهذا الأسلوب يظن الآخر أنه هو صاحب الفكرة ومبتكرها، فيستمسك بها، ومن الأساليب أيضاً أن يهدي حامل رسالة التوعية صديقاً أو زميلاً له كتاباً إسلامياً، يشعره بأنه اطلع عليه وأعجب به، أو يضعه بين يديه ليقرأه ويبدي فيه رأيه بعد فترة كافية لقراءته، مع متابعته برفق، واستنجازه قراءته برقة متناهية.
الخطوة السابعة: تبريد حرارة الخلافات المذهبية، والعمل على تقريب وجهات النظر بطريق لا جدال فيها ولا مشاحنات، مهما دعا الانفعال إلى ذلك.
وطريق تبريد حرارة الخلافات المذهبية البث العارض، أو الكتابات المتسمة بالاعتدال والرفق واللين، وتكريم كل جهة من جهات الخلاف، وعرض الحق مقترناً بالدليل، دون إبراز صورة التعصب له.
الخطوة الثامنة: فضح دسائس أعداء الإسلام الفكرية والعملية بين المسلمين، وإبراز الصورة الإسلامية المشرقة الحقة، بكل وسيلة من وسائل الإعلام والتنوير العام.
واتخاذ الوسائل الكفيلة بحماية أبناء المسلمين حماية تامة من المواطن التي تكثر فيها شبكات الصيد التي ينصبها الأعداء الغزاة.
الخطوة التاسعة: استغلال مختلف المشاعر الإنسانية، لإيقاف المسلمين موقف الحذر في مواجهة كل غزو فكري يمس عقائدهم وعباداتهم وأخلاقم ونظمهم الإسلامية ووحدتهم العالمية.
وضرورة هذه الخطوة تظهر حينما نلاحظ افتتان معظم النفوس بالمدنية الحديثة، التي تأتي ومعها المتفجرات السرية لهدم العقائد والأخلاق.
الخطوة العاشرة: تجنب أي صراع مباشر مع أية حركة إسلامية مهما كان نوعها، لأن هذا الصراع من ِشأنه أن يبدد طرق طاقات المسلمين تبديداً داخلياً، يسمح لأعداء الإسلام بأن يظفروا بأطراف النزاع، بينما يجب تجميع القوى الإسلامية كلها لتكون في مواجهة أعدائهم الكثيرين.
الخطوة الحادية عشر: توجيه قدر كبير من طاقات العمل إلى بلاد الغزاة، لنشر الإسلام الصحيح الصافي فيها، بمختلف وسائل النشر، مع إعطاء صورة سليمة للتطبيق الإسلامي.
* * *
خَاتِمَة
لا أزعم أنني في هذا السِفّرْ أحصيت كل أنواع المكر التي مكرتها قوى الأجنحة الثلاثة وخوافيها، ولكنني بالتأكيد قد نبهت على معظمها، ووجهت الأنظار إلى الاحتراس منها. ولجأت إلى طريقة التحليل واستخلاص العظة، وبيان ما يجب عمله تجاه القوى المختلفة للأعداء الكثيرين، وإنني واثق من أن الله سينصر أولياءه على أعداء دينه مهما كثرت أعدادهم وعظمت قواتهم، بشرط أن يصدقوا إيماناً وعملاً وجهاداً، ويحققوا في أنفسهم ما يجب عليهم للظفر بالنصر كما أمرهم الله.
وكان الفراغ من تنسيقه وتنقيحه في أواخر جمادى الثانية من العام الهجري 1395 الموافق لشهر حزيران من العام الميلادي 1975.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني