الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
8-
المعامل والمؤسسات التجارية والصناعية والإدارية وغيرها.
* * *
الوسيلة التاسعة العبث النفسي
ومن وسائل الغزو غير المسلح العبث النفسي، وله صورتان:
الصورة الأولى: وتكون بالتلاعب بالانفعالات الآنية والعواطف الثابتة لاستثمار ذلك في تحقيق الأهداف التي يرمي إليها الطامعون بالتسلط.
ويعتمد هذا التلاعب على دراسات نفسية واسعة يمدها علم نفس الأفراد، وعلم نفس الجماعات والأمم.
ويربط العابثون الجملة العصبية النفسية للشعوب التي يهدفون إلى التسلط عليها بمولدات حرارية قوية التأثير، وذلك حينما يريدون إثارة انفعالاتها لاستثمارها في تحقيق أهدافهم، ويربطونها في أوقات أخرى بمبردات نفسية تعمل على امتصاص درجات حرارتها وتجميدها وإزالة كل أثر انفعالي منها، لاستثمار ذلك أيضاً في تحقيق أهدافهم.
ومن أمثلة العلم على رفع درجة حرارة الانفعالات الجماعية استغلال تجمع غوغائي سليم، أو اصطناع مثل هذا التجمع الغوغائي على أمرٍ لا يدعو إلى الريبة أو الحذر منه، حتى إذا التقى أفراد الجمع أخذ العابثون ينشرون بينهم شحنة حرارية تثير فيهم عاطفة من العواطف، إما بترديد شعارات موافقة لعواطفهم تلهب حماستهم، أو بترديد شعارات مضادة لهم تلهب غضبهم، ووسائل ذلك كثيرة: منها الخطابات الحماسية، ومنها الهتافات الجماعية، ومنها الهمسات التي تصدر الأخبار الكاذبة الملفقة، وتشيعها بين الأفراد، ومنها الشتائم التي تمس أفراداً ذوي مكانة عالية موقرة، أو تمس جماعات معينة، أو عقيدة أو ديناً أو مذهباً، وقد يتبع ذلك افتعال حادثة تصادم دموي يستأجر له
بعض الأفراد، ويندس فيه المحضرون المغرضون، فتلتهب في الجمع ثورة رعناء.
ومن أمثلة العمل على رفع درجة حرارة الانفعالات الجماعية بث الدعايات الملفقة الهمسية، والصحفية، والإذاعية، لشحن نفوس الجماهير بعواطف الميل نحو أمرٍ ما، فالحب له، فالشغف به، وهكذا حتى الدرجات العظمى التي تقرب من مستوى التقديس والعبادة، أو لشحن نفوس الجماهير بعواطف النفور من أمرٍ ما فالكراهية له، فالبغض الشديد، فإعلان العداوة، وهكذا حتى درجة التصميم على الفتك وإثارة الفتن والحروب والتضحية في سبيل ذلك بالأموال والأنفس والثمرات. وحينما تصل درجة حرارة الانفعالات إلى نسبة معينة يأتي دور تنفيذ المؤامرة المدبرة التي أحكم الأعداء التخطيط لها، ولهم عند ذلك ألوان شتى من المكر، فإما أن يقذفوا الجماهير التي هاجها الانفعال إلى فخ معركة خاسرة، أو فتنة مهلكة. وإما أن يدفعوا بهم إلى التسرع في بت أمرٍ يستفيد منه إلا عدوهم، مستغلين فيهم حالة الانفعال العاطفي، التي من شأنها أن تطير صواب الجماهير، وتسلبهم الرشد والتفكير والحكمة والتدبير. وإما أن يعملوا على كشف اتفاق قيادات الجماهير مع العدو، أو إلصاق التهم الكاذبة بهذه القيادات لامتصاص القدرة على التحركات العاطفية التي يمكن أن تجتمع عليها الجماهير، فتجلب للأمة خيراً ومنفعة حسنة، إذا كانت تسيرها وتوجهها قيادة حكيمة مخلصة، ويكون امتصاص القدرة على التحركات الجماعية العاطفية في هذه الصورة بإلقاء الشك في نفوس الجماهير، ومع الشك تنعدم الثقة بالعاملين الموجهين، وتبردُ النفوس، وتجمد عن الحركة، وعندئذ تحقق المكيدة أغراضها.
ومن وسائل تبريد حرارة الانفعالات غمس معظم أفراد الأمة بالأموال والمتع والشهوات والملذات وأنواع اللهب واللعب، ومختلف مرضيات وممتعات الأنفس والحواس، لأن من شأن هذه الأمور أن تطفئ كل وقدة حرارية في النفس يمكن أن تولد عاطفة عامة، لأن السعي وراء إشباع الغرائز الذاتية والشهوات النفسية يبني في الأنفس صروح الأنانيات الفردية وما أشبهها،
ويمتص منها قوى المشاركات الوجدانية العامة، كما يُطفئ فيها شعلات العواطف الدينية والوطنية والإنسانية، وغيرها من العواطف غير الأنانية، وذلك لأن القوى النفسية كلها منصرفة إلى إمداد الجملة العصبية الغارقة في المتع واللذات الجسدية.
ومن وسائل تبريد حرارة الانفعالات الجماعة تفتيت الأمة إلى وحدات لا يثق أحدٌ منها بالآخر، وذلك لأن من شرط المشاركات العاطفية العامة وجود الجو الجماعي المتعاون، ومع تفتت الأمة وانعدام ثقة بعضها ببعض لا وجود للجو الجماعي المتعاون ولا للمشاركات العاطفية العامة.
الصورة الثانية: التلاعب بأهواء النفوس، واصطيادها بشباك الشهوات واللذات والمغريات، وتحويل ميلها عن الخير، إلى مرضيات شهواتها من الشر. ذلك لأن أصول الشر في الحياة تعتمد على تحرير النفس من الضوابط، أما أصول الخير فتعتمد على تكليف النفس جهد الصعود واجتياز العقبات.
وأهون الأمرين في يد الذين يحملون وظيفة الإغواء، والعبث بالنفوس، ونشر الشر في الأرض، وهم الشياطين وجنودهم.
أما الذين يحملون رسالة الإصلاح، وضبط النفوس، وبناء دعائم الخير في الأرض، وهم الرسل وأتباعهم، فرسالتهم رسالةٌ شاقة، وطريقهم طويلة، مملوءة بالعقبات، مشحونة بالمتاعب الكثيرة.
ولدى المحاولات التنفيذية لخطط التلاعب بأهواء النفوس تأتي كتائب الغزو غير المسلح، فتنتشر حبائلها التي تجذب إليها الحواس بمفاتنها ومغرياتها بصورة تدريجية، وذلك ضمن المجتمعات الإسلامية التي تهيمن عليها مفاهيم اجتماعية عامة، تمثل قوة الصيانة التي تملكها الجماعة، لحجز الأفراد عن الانزلاق الفردي، الذي قد يندفعون إليه تلبيةً لشهوة من شهوات نفوسهم، أو نزغة من نزغاتهم.
ويرافق ذلك دسٌ فكريٌ يهوِّن من شأن المفاهيم والتطبيقات الإسلامية السائدة.
أما الذي يحدُث من جراء نشر الحبائل التي تجذب إليها الحواس بمفاتنها
ومغرياتها مع ما يرافقها من دسائس فكرية، فهو أن موجتين من الصراع النفسي داخل المجتمع الذي يتم فيه إجراء العمليات تصطدمان في محاولة تغلُّب إحداهما على الأخرى. أما الأولى فهي الموجة التي تمثل قوة الدفاع عن الأخلاق السائدة، والتطبيقات الإسلامية الموروثة، والمفاهيم الصحيحة. وأما الثانية فهي الموجة المتخاذلة بين يدي المغريات النفسية، المنشقة عن الاتجاه العاطفي نحو الخير والفضيلة، والمنحازة إلى صف العدو المهاجم الذي نشر في المجتمع حبائله.
ويتكرر التصادم، ويزيد العدو المهاجم من إلقاء حبائله المغرية الفاتنة يوماً بعد يوم، وتدعمه القوى المؤازرة له من داخل المجتمع أو من داخل النفوس، ومهما قويت موجة الدفاع على الموجة المتخاذلة المنشقة فإنها مع تكرار حركات التصادم، والإمدادات المستمرة من جهة الباطل، وفقد الإمدادات الفعالة من جهة الآخذين بالحق، لا بد أن تتناقص شيئاً فشيئاً، وتتصاغر وتضعف، ثم يصيبها الوهن، فتعزف عن الدفاع، ومتى حل فيها الركود أخذت تنحل تدريجياً، لتضيع في غمرة الفاسد الطامي.
وقد عرف هذا الأمر الأعداء الغزاة من شياطين الجن والإنس، فأحكموا خططهم على وفقه لإفساد المجتمعات الإسلامية عن طريق التلاعب بأهواء النفوس، واصطيادها بشباك الشهوات واللذات والمغريات.
وقد كان على القادة المسلمين في مقابل ذلك أن يعملوا بصمت وروية وتدبُّر لوضع خطط الإصلاح المضادة. التي من شأنها أن تحبط خطط الإفساد، مهما تكررت عمليات الصراع، وأن يضعوا في حسابهم كل احتمالات الهجوم المفاجئ، وأن يختاروا من الخطط ما يزيد من قوى الصمود والتقدم، لا ما يعطي بثاً دعائياً فقط، أو مظاهر فارغة ليس لها ثمرة حقيقية مجدية.
وليس وضع الخطط المضادة لخطط الأعداء بالأمر العسير، وإنما العسير هو التنفيذ، لأنه يحتاج إلى جنود عمل، وإلى دأب طويل، وصبر مديد، ومتابعة مستمرة، وجهد متواصل، ومن شروطه أن لا يستعجل العاملون فيه النتائج.
والأصول الأولى للخطط المضادة على ما أرى تعتمد على توعية أكبر مقدار
ممكن من القاعدة الإسلامية بجوهر الإسلام، وتبصيرهم بالثغرات الخطيرة التي ينفذ منها أعداؤهم إلى داخل صفوفهم، ليعملوا على هدم كل مقوماتهم الفكرية والنفسية والخلقية، وليعملوا على إضعاف كل قوة فردية أو جماعية لديهم. يضاف إلى هذه التوعية تجميع الشباب في نشاطات الأعمال الإسلامية الإيجابية، وتربيتهم على السلوك الإسلامي القويم، وتحميلهم مسؤوليات الجهاد الصامت الدائب لتوسيع القاعدة الإسلامية الواعية العارفة بدين ربها، والعاملة به المطبقة لأحكامه وتعاليمه، وإعدادهم إعداداً جيداً للأخذ بزمام الأمور حين تواتي الفرصة، وحين تتسع القاعدة وتكون هي القوة الشعبية الفعلية، لا بد أن ينبغ فيها من يقفز إلى القيادة، ويتسلم زمام الأمور، وعندئذ تجد الكثرة المسلمة حكماً إسلامياً رشيداً، يبني الحضارة الإسلامية، بعيداً عن مؤثرات أعداء الإسلام.
حبائل التلاعب:
ونتساءل عن حبائل التلاعب بأهواء النفوس التي يستخدمها الأعداء الغزاة، فنرى أنها لا تكاد تحصى أشكالها وألوانها وصورها، إلا أنها قد لا تعدو الأنواع الرئيسة التالية:
النوع الأول: الأموال على اختلاف أصنافها، وتباين طرق تحصيلها.
النوع الثاني: النساء وزينتهن وما يتصل بشهوات الجنس.
النوع الثالث: الجاه والسلطان وسائر أشكال الأحكام.
النوع الرابع: المآكل والمشارب وما يتصل بشهوات البطون.
النوع الخامس: متع السمع والبصر.
النوع السادس: السياحات والرحلات والنزهات والتنقل في أرجاء الأرض.
النوع السابع: اللهو واللعب والدعة والمضحكات والمسليات.
ومن البدهي أن ميل النفوس إلى هذه الأنواع أمر فطري لا يحتاج إلى تعليم أو إقناع بالحجج والبراهين، ولا يتطلب معاكسة أو مخالفة لهوى أو غريزة، على أن درجات ميل النفوس إلى كل منها متفاوتة، كما أن أفراد الناس
مختلفون في نسبة ميول كل فرد منهم إلى كل نوع منها، أما ضوابط الحق والخير والفضيلة فإنها تحتاج إلى تعليم وإقناع وتربية على كبح جماح شهوات النفوس، ومخالفة أهوائها المرسلة.
ومن أجل ذلك تغدو مهمة المفسدين في الأرض كمهمة مطلقي الخيول من أعنتها، أو مطلقي الوحوش الضارية من أقفاصها، إذ يتركونها ترتع وتفسد في الحقول المختلفة، والرياض الغناء حسب أهوائها وعلى مقدار شراستها. أما مهمة المصلحين فإنها كمهمة سائسي الخيول. أو مروضي الوحوش الذين يكبحون جماحها، ويعقدون الأعنة في رؤوسها، ويطوعونها، ويكسرون حدة شراستها، فيطعمونها ويسقونها بحكمة على مقدار حاجتها، ولا يدعونها تفسد الحقول، وتتلف الزروع، وتسطو على ذوات الضروع، وتكسر الشجر، وتبدد الثمر.
وفرق عظيم بين المهمتين في العمل وفي الغاية، فعمل المفسدين هين لين، ولكن نتائجه فساد كثير، وشر مستطير، في حين أن عمل المصلحين كدح دائم ومشقات مستمرة، لكن نتائجه بناءٌ وتعمير، وخير وفير، وجمالٌ وزينة.
ومن الأموال والنساء والسلطات والمآكل والمشارب ومتع السمع والبصر واللهو واللعب وما يلحق بها ينصب الأعداء الغزاة حبائلهم المختلفة بين المسلمين، لاصطياد نفوسهم بها، وجذبهم إلى طرق الفتنة، ثم إلى أبواب جهنم، وبين ذلك يجد شياطين الإنس أيسر الفرص لتحقيق ما يريدون في المسلمين وفي أرضهم، من مالٍ يسلبونه، أو سلطان يبسطونه، أو تسخير بجنون ثمراته، أو دين يهدمون أركانه.
ومن أمثلة حبائل الإفساد عن طريق المال ما يدفعون من رشوات حقيرة لأصحاب نفوس كذلك، وبالرشوات التي يدفعونها إليهم يحققون عن طريقهم ما يريدون ومثل الرشوات أمور كثيرة لا تخرج عن كونها بيعاً رخيصاً للذمم، بثمن بخس دراهم معدودة. ومنها نشر وسائل كسب المال الحرام دون جهد يبذل، ويدخل في ذلك أصناف المقامرات والمغامرات المالية غير المشروعة.
ومن أمثلة حبائل الإفساد عن طريق النساء بث العاريات الفاسدات