الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتصيد للمصونات - تخنث وتكسر - تبذل بزي الخنافس الأوربية - تشبه الفتيان بالفتيات وتشبه الفتيات بالفتيان - إلى غير ذلك من أمور كثيرة".
وشاع في بعض المجتمعات جنسان جديدان في صورة بشرية، جنس النساء اللواتي أخذن وظائف الرجال وتشبهن بهم، فخرجن من صنف النساء ولم يستطعن أن يكنّ ذكوراً، وجنس الرجال الذين تكسروا تكسر النساء وتشبهوا بهن وأخذوا وظائفهن، فخرجوا من صنف الرجال، ولم يستطيعوا أن يكونوا إناثاً.
فإلى أين يا أشباه الرجال ويا أشباه النساء أنتم سائرون، وإلى أي منحدر أيها الشباب والشواب تهرعون، وفي أي شرٍ تتنافسون، إنكم ومعكم أولياؤكم لمسؤولون.
* * *
الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات
ووجه الغزاة أثقال خططهم وأعمالهم لإفساد الأجيال الناشئة من بنين وبنات، باعتبارها صحائف بيضاء لها قابليات التأثر، وباعتبارها هي التي تكوّن الأمة في المستقبل، وهي التي تقود أجيالها القادمة، أما الكبار الذين جفت قابلياتهم للتأثر فقد رأى الغزاة مداراتهم، وإفساد من يمكن إفساده منهم، وعزلهم عن مراكز توجيه الأجيال الناشئة، وانتظار تصفية الزمن لهم.
واتخذ الغزاة لإفساد أخلاق الأجيال الناشئة وتحويل سلوكها عن منهج الآداب والتعاليم الإسلامية وسيلتي التضليل الفكري والتحويل السلوكي، أما التضليل الفكري فبالمفاهيم والنظريات الغازية، وأما التحويل السلوكي فبإيجاد المناخات المادية التي لها قوة التحويل بالتزيين، والتدريب، والمحاكاة، والتقليد، وإثارة الغرائز والأهواء والشهوات، وإمدادها بما تميل إليه، إلى غير ذلك من وسائل تحويلية، وكان كلُّ ذلك ضمن خطتين:
الخطة الأولى: أن تأتي كتائب الغزاة إلى بلاد المسلمين بأسماء مختلفة
علمية وفنية وصناعية وتجارية وسياحية ورياضية ونحوها، لتقوم بعمليات الإفساد عن طريق الاختلاط بالبنين والبنات، والتأثير عليهم ببهرج مظاهر الحياة وزينتها ولذاتها وبالمبتكرات من النظريات والأفكار، ومن الأزياء والفنون التي تستهوي النفوس، ويغريها بالمحاكاة والتقليد.
ومعلوم أن الأجيال الناشئة لم تحصن بعد بالمناعة بالفكرية والمناعة النفسيّة ضدّ أي غزو فكري أو نفسي يمسُّهم بجرثومته، وذلك بسبب كونهم لم يزودوا بعد بالمفاهيم الدينية الكافية لتحصين أفكارهم، ولم يزودوا بعد بالعناصر الإيمانية الكافية لتحصين نفوسهم وقلوبهم.
لذلك فإن تعرضهم للإصابة بوافدات الأوبئة الغازية أمرٌ متحتم إلا من عصمه الله بعصمته.
والخطة الثانية: أن يستدرج أبناء المسلمين وبناتهم إلى معاقل جيوش الغزاة، وهم لا حصانة لهم، ولا مناعة في أفكارهم ونفوسهم، ولا سلاح في أيديهم، وهنالك يتسنى لمعاقل الغزو من إفساد المستدرجين إليهم ما لا يتسنى للغزاة داخل بلاد المسلمين، وبسرعة فائقة تستطيع هذه المعاقل أن تصنع هؤلاء الفتيان والفتيات صناعة جديدة، تستخدم فيها كل مفاتن مدنياتهم الحديثة ومباذلها، بعيداً عن مراكز العلم الصحيح النافع، والصناعة المتقنة المفيدة، ثم يعودون بعد ذلك غرباء عن أمتهم وعاداتها وأخلاقها ودينها.
وبطريقة لا تكلف جيوش الغزو شيئاً يمسي هؤلاء الممثلين لجيوش الغزاة داخل بلاد المسلمين، إذ يحملون بين المسلمين رسالة أعدائهم، وبأسلوب أشد عنفاً، وأكثر وقاحة، وأعظم تأثيراً.
ولا يخفى علينا ما في مظاهر المدنية الحديثة الأوربية من فتنة لا يملك مقاومة إغرائها أصلب أبنائنا وبناتنا عوداً، وأقومهم سلوكاً، وأجودهم فكراً، إلا النذر اليسير، فكيف بالذين ليس لديهم أية مناعة أو حصانة ضدها؟!.
لسنا ننكر أن من هذه المظاهر ما هو حسنٌ بذاته، جدير بالمسلمين أن يستفيدوه، ولا بأس في أن يقلدوه، إذ الإسلام يدعو إليه ويشجع عليه، ومن
ذلك تنظيم المدن، وهندسة الأبنية مع بعض تعديلات تسهل تطبيق الأخلاق والآداب وسائر التعاليم الإسلامية. ومنها شق الشوارع الضخمة ورصفها وتنظيفها وإنارتها. ومنها إنشاء الحدائق الجميلة في كل حيٍّ وحِلة. ومنها الاهتمام الشديد بالنظافة العامة وشؤون الوقاية الصحية من قبل الدولة ، ومن قبل كل فرد من أفراد الأمة. ومنها التقيد بالأنظمة العامة في سير المركبات وسير المشاة ، ومراعاة الحق والنظام لدى الركوب في المركبات العامة ولدى النزول منها ، وفي كل أمر من الأمور التي يكون للناس فيها حقوق مشتركة ، وذلك باحترام حق السابق ، وعدم التزاحم بغية تناهب حق السبق. ومنها تنظيم أسواق البيع والشراء ، وحسن التعامل فيها. ومنها الحرص على الاستفادة من كل وقت يمر في عمر الأمة أفراداً وجماعات بعمل مثمر مفيد، أو براحة تدعو إليها الضرورة، أو بمتعة مباحة تتطلبها الفطرة، أو تسلية مروحة عن النفس مجددة للنشاط، إلى غير ذلك من أمور يشهد العقل بحسنها، ولا تتنافى مع الشرع.
ولكن حينما يرى أبناؤنا وبناتنا بعض هذه المظاهر الحسنة في المدنية الأوربية تستأثر بإعجابهم، وتستهويهم وتستدرجهم، فيظنون أن كل ما فيها حسن وجميل، وأنه هو الرقي الحضاري الرفيع، ويعتبرون أن ما شهدوه من مظاهر حسنة إنما هو نموذج عن تقدم أهل هذه البلاد في كل شيء، وعندئذ ينطلقون في دروب هذه البلاد ولا بصيرة لهم، قد استولى عليهم الانبهار.
ووراء الشوارع الزجاجية اللماعة، التي تتلألأ أضواؤها من كل جانب، ويجمل فيها النظام واحترام الحقوق، أقبية ذات أضواء خافتة حمر، يستدرج إليها المبهورون، فتنزلق أقدامهم إلى كُنُف اللذات المحرمة القاتلة، فيتقلبون في أكنافها، وينفقون فيها من جيوبهم مالاً كثيراً عانى آباؤهم وذووهم جهداً جهيداً حتى جمعوه لهم، أو عانت أمتهم فقراً كثيراً حتى وفروه وقدموه إليهم، وينفقون فيها من نفوسهم ذخائر الخلق الكريم الذي توارثته الأجيال المسلمة خلال قرون، لتقدمه إليهم كنزاً ثميناً، وينفقون فيها من عقولهم أكمل ما عرفته الحضارات الإنسانية من ميراث فكري، وينفقون فيها من قلوبهم جوهرة المعرفة الخالدة التي حفظتها لهم العقيدة الإسلامية المصونة من التحريف، وينفقون فيها
فوق كل ذلك قوتهم وصحتهم، حتى يخسروا شبابهم قبل أن يصبحوا شباناً، وكهولتهم قبل أن يبدأوا مرحلة الكهولة.
وكثير من شبابنا الذين تسكرهم أو تخدرهم هذه الأقبية الحمر يظلون غرقى في كنفها حتى تمتص منهم كل مال وقوة، وعندئذ ترميهم في زوايا دروب الحياة كما ترمي نعالها الباليات.
وقد يظن الأولياء المباشرون أو غير المباشرين، أنهم حينما يدفعون أبناءهم وبناتهم في هذه السبل لتحصيل العلم والمعرفة، ويزودونهم بالأموال، ويهيئون لهم سبل الرفاهية، يقدمون لهم خيراً ويجلبون لهم سعادة حاضرة ومستقبلة، ولكنهم مخطؤون في هذا الظن، إنهم يدفعون بهم إلى مزالق الفتنة والفساد.
ولا يعفي الأولياء من المسؤولية أنهم يبذلون الأموال الكثيرة لأبنائهم وبناتهم، وإنهم يقدمون لهم وسائل فسادهم إذا لم يحيطوهم بالصيانة الكافية. إن إمدادهم لهم بالمال الكثير ودفعهم إلى مخططات أعداء الإسلام، من الأمور التي تساعدهم على أن يسلكوا سبل الانحراف والشذوذ وفساد الأخلاق، والانزلاق إلى أودية الكفر، والخروج الكلي من الإسلام، فالمال الوفير في أيدي المراهقين والمراهقات، والشبان والشوابّ يفتح لهم أبواب الفساد ويسهل لهم سبل الشر، ثم إن العلم الخالي من التربية الصحيحة والدين المتين والصيانة المستمرة يزيد عندهم إمكانيات الحيلة والمكر، والتعرف على مداخل الفساد ومخارجه، التي لا يمنعهم عن الدخول فيها إلا رقابة البيئة، والخوف من انتقاد الناس أو الخوف من سخط أوليائهم.
إن هذا المزلق الخطر يتطلب من عقلاء الأمة تأملاً طويلاً، وحزماً شديداً، وتداركاً قبل فوات الأوان، وإلا دهمهم الخطر المحقق، واستفحل عليهم الأمر، ووقعت القوة كلها في أيدي المفسدين، وظفر بالمسلمين أعداؤهم، الذين يعملون دائماً لإفساد أبنائهم وبناتهم وهم في حجورهم، وجعلهم أعداء لهم ولدينهم.
ويدفع كثير من المسلمين أبناءهم إلى أيدي أعدائهم، وينصرفون إلى
شؤونهم الخاصة، وينغمسون فيها لاهين عن فلذات أكبادهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
أما الوسائل التي يمكن اتخاذها لمعالجة هذا الداء فكثيرة، منها ما هو عام ومنها ما هو خاص.
أما ما هو عام فيكون بما يلي:
أولاً: بالقبض على أجهزة التعليم بفكر إسلامي درَّاك، يحسن التخطيط، ويحسن وضع المناهج، حازم في التنفيذ، مهتم بالتربية الإسلامية التطبيقية، لا يسلم الأمر - مهما صغر - لغير أهله الموثوقين، وإن حسنت كفاءاتهم، لأن زيادة الكفاءة مع انعدام الثقة أشد خطراً من نقصانها.
ثانياً: بإنشاء المؤسسات التوجيهية التي تهدف إلى تمكين مفاهيم الإسلام النظرية والعملية في نفوس المنتسبين إليها، وتمتص فراغهم بكل نافع مفيد، وتوجه طاقاتهم إلى الخير، وترضي نفوسهم بتسلية مباحة، فيها رياضة للجسم أو الفكر أو النفس، كأندية رياضية إسلامية، ومراكز محاضرات ثقافية أو توجيهية، ومشاريع سياحات استطلاعية تفتح آفاق الفكر والنفس، إلى غير ذلك من أمور كثيرة يمكن أن تسهم بشكل إيجابي في إبعاد الأجيال المراهقة عن مزالق الفساد.
وأما ما هو خاص بالأولياء المباشرين فيكون بما يلي:
1-
بالرقابة الدائمة غير المنفّرة.
2-
بحسن التربية بالحكمة والعقل.
3-
بعدم تيسير أسباب الفساد.
4-
بربط الناشئ بمسؤوليات تمتص فراغ وقته، منها مسؤوليات علمية أو تعليمية، أو مسؤوليات أخرى يساهم فيها بإسعاد أسرته وأمته.
5-
بأخذه إلى بيئات اجتماعية صالحة.
إلى غير ذلك من وسائل كثيرة نافعة.
* * *