المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات - أجنحة المكر الثلاثة

[عبد الرحمن حبنكة الميداني]

فهرس الكتاب

- ‌ترجمة المؤلف [ووالده]

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: أيمن بن أحمد ذو الغنى

- ‌الشيخ حسن حبنكة الميداني [والد المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌1ـ مولده ونسبه:

- ‌2ـ نشأته وطلبه للعلم:

- ‌3ـ مرحلة الدعوة والتعليم:

- ‌4ـ أسلوبه في التعليم:

- ‌5ـ مشاركاته العلمية:

- ‌6ـ اهتمامه بالمجتمع والأعمال الخيرية:

- ‌7ـ مواقفه الإسلامية الشجاعة:

- ‌8 ـ صفاته الشخصية ومشاركاته الأدبية ومختارات من شعره:

- ‌9 ـ صفاته التربوية:

- ‌10 ـ وفاته:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم د: يحيى الغوثاني

- ‌مولده وتعليمه:

- ‌من مؤلفاته:

- ‌من آرائه ومواقفه التاريخية:

- ‌الشيخ عبد الرحمن حبنكة الميداني [المؤلف]بقلم: وصفي عاشور أبو زيد

- ‌دعاء

- ‌القِسمُ الأول الغَزوُ بالحِيَل وَوَسَائل المَكْرِ غَيْر المبَاشِرَة

- ‌الفصل الأوّل من القسم الأول مقَدِّمَات عَامَّة

- ‌(1) الحروب الصليبية وخيبتها وتحول اتجاهها

- ‌(2) الغزو الفكري وخطره

- ‌(3) تاريخ ظاهرة الغزو الفكري

- ‌(4) المهمات الرئيسية لأعداء الإسلام

- ‌(5) المنهج الرئيسي للغزو الفكري

- ‌(6) الوسائل الرئيسية للغزو الفكري

- ‌(7) تعريفات للأجنحة الثلاثة

- ‌(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية

- ‌الفصْل الثاني المبشِّرون وأعمالهمْ

- ‌1- عرض موجز لتاريخ التبشير وأعمال المبشرين

- ‌(2) مؤتمرات المبشرين

- ‌(3) مجالات أنشطة المبشرين

- ‌(4) التآزر بين المبشرين والمستعمرين

- ‌الفصْل الثالث المستَشرقون وَأعمَالهمْ

- ‌(1) تعريف عام بالاستشراق والمستشرقين

- ‌(2) موجز تاريخ الاستشراق

- ‌(3) مدارس الاستشراق

- ‌(4) دوافع المستشرقين وأهدافهم

- ‌(5) مجالات أنشطة المستشرقين

- ‌(6) أخطر وسائل المستشرقين الفكرية

- ‌(7) موازين البحث عند المستشرقين

- ‌(8) الجامعات الغربية وأثر المستشرقين فيها على المسلمين

- ‌(9) مقارنة بين التبشير والاستشراق وأعمالها

- ‌(10) المستشرقون يدركون قدرة الإسلام الذاتية

- ‌الفصْل الرابع الاسْتِعْمَار وَالمُسْتَعْمِرُون

- ‌(1) فكرة عامة عن بدء الاستعمار

- ‌(2) الاستعمار الغربي للبلاد الإسلامية العربية

- ‌(3) الاستعمار البريطاني للهند وآثاره

- ‌(4) أبرز أعمال الكيد التي قام بها الاستعمار في بلاد المسلمين

- ‌(5) وثيقة من دولة استعمارية لنصارى وطنيين

- ‌الفصل الخامس عناصر التلاقي والأهداف والأعمال المشتركة

- ‌(1) الالتقاء على الكراهية والحقد

- ‌(2) الالتقاء على كسب المغانم

- ‌(3) الالتقاء على محاربة الإسلام وتطبيقاته

- ‌(4) محاولات الفصل الكلي بين الإسلام والمسلمين

- ‌(5) محاولات الفصل الجزئي بين الإسلام والمسلمين

- ‌الفصل السادس وسائل الغزاة وحيلهم

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) وسائل الغزو غير المسلح

- ‌(3) شرح الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: الوجوه المستعارة

- ‌الوسيلة الثانية الخداع السياسي

- ‌الوسيلة الثالثة: الضغط السياسي

- ‌الوسيلة الرابعة: الحصار الاقتصادي

- ‌الوسيلة الخامسة: الحصار العلمي والثقافي

- ‌الوسيلة السادسة: التمييز الطائفي

- ‌الوسيلة السابعة: التمييز العنصري والقومي

- ‌الوسيلة الثامنة: التضليل الفكري

- ‌الوسيلة التاسعة العبث النفسي

- ‌الوسيلة العاشرة: حيل السلب المالي

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: الإفساد الاجتماعي

- ‌الوسيلة الثانية عشرة الإفساد الخلقي والسلوكي

- ‌الفصْل السّابع منْ وَسَائل الغزو الفكري: التفريغ وَالملء

- ‌(1) مقدّمة

- ‌(2) عناصر الخطة

- ‌(3) وسائل التفريغ

- ‌(4) عمليات ملء الفراغ

- ‌(5) تسخير الجيش الجديد من أبناء الأمة

- ‌الفصْل الثامِن خطط العَدُوّ لغزو الإسْلام

- ‌(1) خطة وغرض

- ‌(2) التحريف في مفهوم التوكل على الله

- ‌(3) سوء فهم معنى الرضى بالقضاء والقدر

- ‌(4) محاولات الغزاة إلغاء ركن الجهاد في سبيل الله

- ‌الخطة الأولى: خطَّة استغلال ردود الأفعال الناتجة عن توجيه الاتهام

- ‌الخطة الثانية: خطَّة تفريغ الجهاد في سبيل

- ‌الخطة الثالثة: اتخاذ حيلة الربط الدوري بين ركن الجهاد في سبيل الله بالقتال وبين إقامة الحكم الإسلامي

- ‌الخطة الرابعة: اصطناع الفرق العميلة الأجيرة

- ‌الخطة الخامسة: خطَّة استغلال المنظمات الدولية المندسة في الشعوب المسلمة

- ‌الخطة السادسة: خطة التوريط والإحباط، لإقناع جماهير المسلمين بالعجز

- ‌(5) محاولات الغزاة تفريغ الإسلام من أحكام المعاملات وسائر شؤون الحياة

- ‌(6) محاولة إلغاء تطبيق أحكام الأحوال الشخصية الإسلامية

- ‌(7) التلاعب بالأحكام الإسلامية بحيلة المرونة في الشريعة

- ‌(8) حيلة خلط معنى التمسك المحمود بالحق بمعنى التعصب الجاهلي المذموم

- ‌(9) التلاعب بعبارات التقدمية والرجعية والتمدن والتخلف ونحوها

- ‌(10) حيلة التحسر على افتقار الأمة العربية إلى فلسفة ترفع من شأنها

- ‌(11) حيلة التمجيد بعبقرية محمد لتفريغ دعوته من كونها رسالة ربانية

- ‌الفصْل التاسِع الغزاة وأعمالهم في هدم وحدة المسلمين

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) التجزئة باستغلال الخلافات السياسية

- ‌(3) تفتيت وحدة المسلمين هدف مشترك لدى أجنحة المكر

- ‌(4) دسائس وألاعيب استعمارية لتمزيق وحدة المسلمين

- ‌(5) التقسيم الطبقي

- ‌(6) هدم الخلافة الإسلامية

- ‌(7) مكيدة تحديد النسل

- ‌الفصْل العاشر الغزو بفكرة القوميّة

- ‌(1) خطة وأهداف

- ‌(2) مغالطة جدلية

- ‌(3) موقع الشعب العربي بين الشعوب الإسلامية الأخرى

- ‌(4) تقبّل المبادئ الأخرى بعد التفريغ بفكرة القومية

- ‌(5) الأمة العربية بعد الإسلام وقبله

- ‌الفصْل الحَادي عشر أعمال الغزَاة ضِدّ اللغةِ العربيَّة

- ‌(1) مقدمة عامة حول أهمية اللّغة

- ‌(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى

- ‌(3) الدعوة إلى نشر العاميات واللهجات الإقليمية

- ‌(4) نظرة تاريخية إلى حركة التحويل عن الفصحى

- ‌(5) ردود على مزاعم خصوم الفصحى

- ‌(6) دغدغة العواطف القومية القديمة للتحويل عن العربية الفصحى

- ‌(7) مزاعم إصلاح رسم الخط العربي

- ‌(8) غزو الفصحى عن طريق العبث بقواعدها

- ‌(9) غزو اللغة العربية بالمفردات الأجنبية الدخيلة

- ‌(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى

- ‌(11) نحن والغزاة

- ‌الفصْل الثاني عشر الغزاة وتفصيل أعمالهم في الإفساد

- ‌(1) تكسير معاقد الترابط الاجتماعي وتقطيع أوصاله

- ‌(2) العبث بجذور الأخلاق

- ‌(3) طريقا التضليل الفكري والاستدراج إلى الانحراف السلوكي

- ‌(4) الوسائل

- ‌الوسيلة الأولى: استخدام عنصر المال

- ‌الوسيلة الثانية: استخدام عنصر النساء

- ‌الوسيلة الثالثة: الاهتمام بالمرأة في مجالات العلم والثقافة والفن

- ‌الوسيلة الرابعة: فتنة الاختلاط وسفور المرأة

- ‌الوسيلة الخامسة: استخدام الآداب والفنون

- ‌الوسيلة السادسة: استخدام عنصر الحكم

- ‌الوسيلة السابعة: استخدام المسكرات والمخدرات

- ‌الوسيلة الثامنة: استخدام وسائل اللهو واللعب

- ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

- ‌الوسيلة العاشرة: استخدام وسائل الترف والرفاهية

- ‌الوسيلة الحادية عشرة: سياسة المستعمرين غير الأخلاقية

- ‌الوسيلة الثانية عشرة: استخدام الفكر الإلحادي

- ‌الفصْل الثالث عشر الغزو بالمذاهِبِ الاقتصَادية

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) بين اتجاهين متباينين

- ‌(3) وسائل إيقاف نشاط غزو المذاهب المخالفة للإسلام

- ‌(4) نظام الإسلام على قمة وعن يمينها ويسارها منحدران

- ‌(5) قدوم المذاهب الاقتصادية المخالفة لنظام الإسلام

- ‌(6) لا تكفي الكلمة وحدها

- ‌(7) الأسس العامة لنظام الإسلام الاقتصادي

- ‌(8) مقارنة بين الأسس العامة للنظام الاقتصادي في الإِسلام والنظم الأخرى

- ‌(9) فرية ربط التخلف الصناعي بنظام الإسلام

- ‌(10) اصطناع المناخات المناسبة لتقبل الأفكار والمذاهب الغازية

- ‌(11) التعلُّل بعدم وجود دولة تطبق نظم الإسلام وتحميها

- ‌الفصْل الرابع عشر مَا تُعانيه الحَركات وَالمؤسَّسّاتُ الإسْلَاميَّة

- ‌(1) مقدمة عامة

- ‌(2) الكمين والإثارة

- ‌(3) الفقر الذي تعاني منه المؤسسات والحركات الإسلامية

- ‌القِسمُ الثَّاني الغَزْو بالهُجُوم المبَاشِر عَلى الإسْلَام

- ‌الفصْل الأوّل شُبهَاتٌ حَوْلَ المثَاليّةِ وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثاني شُبهَاتٌ حَوْلَ الرُّوحيَّة وَالمادّيَّةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثالث شُبهَاتٌ حَوْلَ بَعْض العبَادات في الإسْلَام

- ‌الفصْل الرابع شُبهَاتٌ حَوْلَ الزَّكَاةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الخامس شُبهَاتٌ حَوْلَ العُقوبَات في الإسْلَام

- ‌الفصْل السادس شُبهَاتٌ حَوْلَ الرِّقِّ في الإسْلَام

- ‌الفصْل السّابع شُبهَاتٌ حَوْلَ حُقُوق المَرأةِ في الإسْلَام

- ‌الفصْل الثامِن أجوبَة أسئِلة تَشكيكيَّة

- ‌القِسمُ الثالِث نَظَراتٌ عَامَّة حَوْل دَوافِع الغزو في الناسِ

- ‌الفصْل الأوّل دَوافع الغزو

- ‌(1) ربانية أو عدوانية

- ‌(2) الجهاد المقدس

- ‌(3) أهداف محاولات التسلط المادي المرتبط بالدوافع العدوانية

- ‌(4) تآزر الغزاة لتحقيق الأهداف المشتركة

- ‌الفصْل الثاني خلَاصَة وتوجيه لِلمسْلمين

- ‌(1) مقدمة

- ‌(2) العناصر الغازية

- ‌(3) نتائج حققها الغزاة

- ‌(4) خطوات العمل الحميدة

الفصل: ‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

وتصيد للمصونات - تخنث وتكسر - تبذل بزي الخنافس الأوربية - تشبه الفتيان بالفتيات وتشبه الفتيات بالفتيان - إلى غير ذلك من أمور كثيرة".

وشاع في بعض المجتمعات جنسان جديدان في صورة بشرية، جنس النساء اللواتي أخذن وظائف الرجال وتشبهن بهم، فخرجن من صنف النساء ولم يستطعن أن يكنّ ذكوراً، وجنس الرجال الذين تكسروا تكسر النساء وتشبهوا بهن وأخذوا وظائفهن، فخرجوا من صنف الرجال، ولم يستطيعوا أن يكونوا إناثاً.

فإلى أين يا أشباه الرجال ويا أشباه النساء أنتم سائرون، وإلى أي منحدر أيها الشباب والشواب تهرعون، وفي أي شرٍ تتنافسون، إنكم ومعكم أولياؤكم لمسؤولون.

* * *

‌الوسيلة التاسعة: اهتمام الغزاة بإفساد الفتيان والفتيات

ووجه الغزاة أثقال خططهم وأعمالهم لإفساد الأجيال الناشئة من بنين وبنات، باعتبارها صحائف بيضاء لها قابليات التأثر، وباعتبارها هي التي تكوّن الأمة في المستقبل، وهي التي تقود أجيالها القادمة، أما الكبار الذين جفت قابلياتهم للتأثر فقد رأى الغزاة مداراتهم، وإفساد من يمكن إفساده منهم، وعزلهم عن مراكز توجيه الأجيال الناشئة، وانتظار تصفية الزمن لهم.

واتخذ الغزاة لإفساد أخلاق الأجيال الناشئة وتحويل سلوكها عن منهج الآداب والتعاليم الإسلامية وسيلتي التضليل الفكري والتحويل السلوكي، أما التضليل الفكري فبالمفاهيم والنظريات الغازية، وأما التحويل السلوكي فبإيجاد المناخات المادية التي لها قوة التحويل بالتزيين، والتدريب، والمحاكاة، والتقليد، وإثارة الغرائز والأهواء والشهوات، وإمدادها بما تميل إليه، إلى غير ذلك من وسائل تحويلية، وكان كلُّ ذلك ضمن خطتين:

الخطة الأولى: أن تأتي كتائب الغزاة إلى بلاد المسلمين بأسماء مختلفة

ص: 431

علمية وفنية وصناعية وتجارية وسياحية ورياضية ونحوها، لتقوم بعمليات الإفساد عن طريق الاختلاط بالبنين والبنات، والتأثير عليهم ببهرج مظاهر الحياة وزينتها ولذاتها وبالمبتكرات من النظريات والأفكار، ومن الأزياء والفنون التي تستهوي النفوس، ويغريها بالمحاكاة والتقليد.

ومعلوم أن الأجيال الناشئة لم تحصن بعد بالمناعة بالفكرية والمناعة النفسيّة ضدّ أي غزو فكري أو نفسي يمسُّهم بجرثومته، وذلك بسبب كونهم لم يزودوا بعد بالمفاهيم الدينية الكافية لتحصين أفكارهم، ولم يزودوا بعد بالعناصر الإيمانية الكافية لتحصين نفوسهم وقلوبهم.

لذلك فإن تعرضهم للإصابة بوافدات الأوبئة الغازية أمرٌ متحتم إلا من عصمه الله بعصمته.

والخطة الثانية: أن يستدرج أبناء المسلمين وبناتهم إلى معاقل جيوش الغزاة، وهم لا حصانة لهم، ولا مناعة في أفكارهم ونفوسهم، ولا سلاح في أيديهم، وهنالك يتسنى لمعاقل الغزو من إفساد المستدرجين إليهم ما لا يتسنى للغزاة داخل بلاد المسلمين، وبسرعة فائقة تستطيع هذه المعاقل أن تصنع هؤلاء الفتيان والفتيات صناعة جديدة، تستخدم فيها كل مفاتن مدنياتهم الحديثة ومباذلها، بعيداً عن مراكز العلم الصحيح النافع، والصناعة المتقنة المفيدة، ثم يعودون بعد ذلك غرباء عن أمتهم وعاداتها وأخلاقها ودينها.

وبطريقة لا تكلف جيوش الغزو شيئاً يمسي هؤلاء الممثلين لجيوش الغزاة داخل بلاد المسلمين، إذ يحملون بين المسلمين رسالة أعدائهم، وبأسلوب أشد عنفاً، وأكثر وقاحة، وأعظم تأثيراً.

ولا يخفى علينا ما في مظاهر المدنية الحديثة الأوربية من فتنة لا يملك مقاومة إغرائها أصلب أبنائنا وبناتنا عوداً، وأقومهم سلوكاً، وأجودهم فكراً، إلا النذر اليسير، فكيف بالذين ليس لديهم أية مناعة أو حصانة ضدها؟!.

لسنا ننكر أن من هذه المظاهر ما هو حسنٌ بذاته، جدير بالمسلمين أن يستفيدوه، ولا بأس في أن يقلدوه، إذ الإسلام يدعو إليه ويشجع عليه، ومن

ص: 432

ذلك تنظيم المدن، وهندسة الأبنية مع بعض تعديلات تسهل تطبيق الأخلاق والآداب وسائر التعاليم الإسلامية. ومنها شق الشوارع الضخمة ورصفها وتنظيفها وإنارتها. ومنها إنشاء الحدائق الجميلة في كل حيٍّ وحِلة. ومنها الاهتمام الشديد بالنظافة العامة وشؤون الوقاية الصحية من قبل الدولة ، ومن قبل كل فرد من أفراد الأمة. ومنها التقيد بالأنظمة العامة في سير المركبات وسير المشاة ، ومراعاة الحق والنظام لدى الركوب في المركبات العامة ولدى النزول منها ، وفي كل أمر من الأمور التي يكون للناس فيها حقوق مشتركة ، وذلك باحترام حق السابق ، وعدم التزاحم بغية تناهب حق السبق. ومنها تنظيم أسواق البيع والشراء ، وحسن التعامل فيها. ومنها الحرص على الاستفادة من كل وقت يمر في عمر الأمة أفراداً وجماعات بعمل مثمر مفيد، أو براحة تدعو إليها الضرورة، أو بمتعة مباحة تتطلبها الفطرة، أو تسلية مروحة عن النفس مجددة للنشاط، إلى غير ذلك من أمور يشهد العقل بحسنها، ولا تتنافى مع الشرع.

ولكن حينما يرى أبناؤنا وبناتنا بعض هذه المظاهر الحسنة في المدنية الأوربية تستأثر بإعجابهم، وتستهويهم وتستدرجهم، فيظنون أن كل ما فيها حسن وجميل، وأنه هو الرقي الحضاري الرفيع، ويعتبرون أن ما شهدوه من مظاهر حسنة إنما هو نموذج عن تقدم أهل هذه البلاد في كل شيء، وعندئذ ينطلقون في دروب هذه البلاد ولا بصيرة لهم، قد استولى عليهم الانبهار.

ووراء الشوارع الزجاجية اللماعة، التي تتلألأ أضواؤها من كل جانب، ويجمل فيها النظام واحترام الحقوق، أقبية ذات أضواء خافتة حمر، يستدرج إليها المبهورون، فتنزلق أقدامهم إلى كُنُف اللذات المحرمة القاتلة، فيتقلبون في أكنافها، وينفقون فيها من جيوبهم مالاً كثيراً عانى آباؤهم وذووهم جهداً جهيداً حتى جمعوه لهم، أو عانت أمتهم فقراً كثيراً حتى وفروه وقدموه إليهم، وينفقون فيها من نفوسهم ذخائر الخلق الكريم الذي توارثته الأجيال المسلمة خلال قرون، لتقدمه إليهم كنزاً ثميناً، وينفقون فيها من عقولهم أكمل ما عرفته الحضارات الإنسانية من ميراث فكري، وينفقون فيها من قلوبهم جوهرة المعرفة الخالدة التي حفظتها لهم العقيدة الإسلامية المصونة من التحريف، وينفقون فيها

ص: 433

فوق كل ذلك قوتهم وصحتهم، حتى يخسروا شبابهم قبل أن يصبحوا شباناً، وكهولتهم قبل أن يبدأوا مرحلة الكهولة.

وكثير من شبابنا الذين تسكرهم أو تخدرهم هذه الأقبية الحمر يظلون غرقى في كنفها حتى تمتص منهم كل مال وقوة، وعندئذ ترميهم في زوايا دروب الحياة كما ترمي نعالها الباليات.

وقد يظن الأولياء المباشرون أو غير المباشرين، أنهم حينما يدفعون أبناءهم وبناتهم في هذه السبل لتحصيل العلم والمعرفة، ويزودونهم بالأموال، ويهيئون لهم سبل الرفاهية، يقدمون لهم خيراً ويجلبون لهم سعادة حاضرة ومستقبلة، ولكنهم مخطؤون في هذا الظن، إنهم يدفعون بهم إلى مزالق الفتنة والفساد.

ولا يعفي الأولياء من المسؤولية أنهم يبذلون الأموال الكثيرة لأبنائهم وبناتهم، وإنهم يقدمون لهم وسائل فسادهم إذا لم يحيطوهم بالصيانة الكافية. إن إمدادهم لهم بالمال الكثير ودفعهم إلى مخططات أعداء الإسلام، من الأمور التي تساعدهم على أن يسلكوا سبل الانحراف والشذوذ وفساد الأخلاق، والانزلاق إلى أودية الكفر، والخروج الكلي من الإسلام، فالمال الوفير في أيدي المراهقين والمراهقات، والشبان والشوابّ يفتح لهم أبواب الفساد ويسهل لهم سبل الشر، ثم إن العلم الخالي من التربية الصحيحة والدين المتين والصيانة المستمرة يزيد عندهم إمكانيات الحيلة والمكر، والتعرف على مداخل الفساد ومخارجه، التي لا يمنعهم عن الدخول فيها إلا رقابة البيئة، والخوف من انتقاد الناس أو الخوف من سخط أوليائهم.

إن هذا المزلق الخطر يتطلب من عقلاء الأمة تأملاً طويلاً، وحزماً شديداً، وتداركاً قبل فوات الأوان، وإلا دهمهم الخطر المحقق، واستفحل عليهم الأمر، ووقعت القوة كلها في أيدي المفسدين، وظفر بالمسلمين أعداؤهم، الذين يعملون دائماً لإفساد أبنائهم وبناتهم وهم في حجورهم، وجعلهم أعداء لهم ولدينهم.

ويدفع كثير من المسلمين أبناءهم إلى أيدي أعدائهم، وينصرفون إلى

ص: 434

شؤونهم الخاصة، وينغمسون فيها لاهين عن فلذات أكبادهم، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

أما الوسائل التي يمكن اتخاذها لمعالجة هذا الداء فكثيرة، منها ما هو عام ومنها ما هو خاص.

أما ما هو عام فيكون بما يلي:

أولاً: بالقبض على أجهزة التعليم بفكر إسلامي درَّاك، يحسن التخطيط، ويحسن وضع المناهج، حازم في التنفيذ، مهتم بالتربية الإسلامية التطبيقية، لا يسلم الأمر - مهما صغر - لغير أهله الموثوقين، وإن حسنت كفاءاتهم، لأن زيادة الكفاءة مع انعدام الثقة أشد خطراً من نقصانها.

ثانياً: بإنشاء المؤسسات التوجيهية التي تهدف إلى تمكين مفاهيم الإسلام النظرية والعملية في نفوس المنتسبين إليها، وتمتص فراغهم بكل نافع مفيد، وتوجه طاقاتهم إلى الخير، وترضي نفوسهم بتسلية مباحة، فيها رياضة للجسم أو الفكر أو النفس، كأندية رياضية إسلامية، ومراكز محاضرات ثقافية أو توجيهية، ومشاريع سياحات استطلاعية تفتح آفاق الفكر والنفس، إلى غير ذلك من أمور كثيرة يمكن أن تسهم بشكل إيجابي في إبعاد الأجيال المراهقة عن مزالق الفساد.

وأما ما هو خاص بالأولياء المباشرين فيكون بما يلي:

1-

بالرقابة الدائمة غير المنفّرة.

2-

بحسن التربية بالحكمة والعقل.

3-

بعدم تيسير أسباب الفساد.

4-

بربط الناشئ بمسؤوليات تمتص فراغ وقته، منها مسؤوليات علمية أو تعليمية، أو مسؤوليات أخرى يساهم فيها بإسعاد أسرته وأمته.

5-

بأخذه إلى بيئات اجتماعية صالحة.

إلى غير ذلك من وسائل كثيرة نافعة.

* * *

ص: 435