الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الجدار الغليظ بين الشعوب العربية وبين اللغة العربية الفصحى ، وبإقامة هذا الجدار يرون أنهم قد ظفروا بعزل العرب المسلمين عن المصادر الإسلامية ، التي ما تزال تجدد فيهم شباب العقيدة والنظم والتعاليم الإسلامية العظيمة.
ولكن الله تبارك وتعالى سيحفظ كتابه القرآن ، رغم مخططات أعداء الإسلام ضده ، وسيحفظ اللغة العربية التي أنزل كتابه بها ، حتى يظل نوره مشرقاً ، ويستمر تعليمه حجةً على الناس ، ويبقى صلةً دائمة بين الله ومن يريد أن يسلك سبيل الهداية من عباده ، والله متم نوره ولو كره الكافرون.
(10) طلائع المستجيبين لمكيدة إحلال العاميات محل الفصحى
أول من استجاب للكتابة بالعاميات الإقليمية دور السينما العربية والمسارح ، وكتاب الأغاني ، وبعض أصحاب المجلات الفكاهية ، والهزلية ، ومروجو الفنون الشعبية.
وعلى الرغم من انطلاق هؤلاء في هذا المضمار ، مع اختلاف الدوافع التي أملت عليهم ذلك ، ومنها دوافع تتصل بمهماتهم الفنية والتجارية البحتة ، فقد ظلت النسبة العظمى من هذه الكتابات أقوالاً تُسمع ولا تُقرأ ، وما يُقرأ منها فهو ذو طابع زمني ، ينقرض بانقراض زمانه ، شأنه كشأن معظم الأحاديث والقصص والفكاهات والأمثال العامية ، التي تدور على ألسنة العامة في أوقاتها ، دون أن يجد فيها الجيل اللاحق الأثر الذي كان يجده فيها الجيل السابق.
وهذه التجارب التي تمر بها ميادين الفنون ، ستقدم الدليل القوى على أن العاميات الإقليمية ليس من شأنها أن يكتب لها الخلود والبقاء ، إذ ستنتصر عليها العربية الفصحى ، وتثبت أنها هي الجديرة بالبقاء ، لما تتمتع به من رقي لغوي ، وضبط تامٍ يستطاع معه الطمأنينة على ضمان وسلامة المعاني ، وحفظها من الميوعة والتحريف ، والبلى مع الزمن.
وإننا ننصح لهؤلاء الذين اختاروا لأنفسهم مسالك الفنون ، أن يتحسسوا
بشيء من واجبات لغتهم وواجبات تاريخهم عليهم ، وهم من أبناء هذه الأمة ، وذلك بأن يرتقوا بلغة الفن شيئاً فشيئاً ، حتى يدنوها من العربية الفصيحة ، وحتى يساهموا بنشرها بين الجماهير الكثيرة ، التي تشاهد فنونهم أو تسمعها ، كما نهيب بهم أن يرتقوا بها في مراتب الأدب الرفيع ، والتوجيه الكريم إلى مكارم الأخلاق ، وإلى مختلف الفضائل الفكرية والنفسية والاجتماعية ، وأن لا يجعلوا الميادين الفنية سوقاً لكلّ رخيص مبتذل ، ولا مرتعاً للمباذل اللفظية والعملية.
ولا يظنوا أن الفرق واسع بين العامي والفصيح ، فالقضية ميسورة إذا بذلوا في سبيلها بعض الجهد ، وما عليهم إلا أن يعربوا الكلمة ، وأن يختاروا من المفردات السهلة الدارجة على الألسن ما يوافق الفصيح ، وما أظن هذا الأمر صعباً على من يبذل عشرات الألوف لإنتاج مشهد تمثيلي واحد للشاشة أو المسرح.
أما الأغاني فأمرها أيسر وأسهل ، وتصحيحها مطلب قريب المنال لكل قاصد والمسؤولية في هذا تقع على المؤلفين والملحنين والمغنين معاً.
وعلى كلّ من يريد لأدبه أن يكون خالداً أن يكتبه بلغة القرآن الذي تكفل الله بحفظه ، ومن حفظه حفظ العربية الفصحى التي أنزله بها ، ولَنْ يظفر الأعداء الغزاة بطائل كبير في حربهم لهذه اللغة العظيمة ، ما دام منزل القرآن قد تكفل بحفظه ، وخيرٌ لهم أن يبذلوا هذه الجهود الطائلة في أمور تنفعهم في بلادهم وتنفع أمتهم ، وما لهم ولهذا الصرع مع كتاب الله واللغة التي أنزله الله بها؟
لقد عملوا على هدم الإسلام من كلّ جانب عبر قرون ، فلم يظفروا بإلغائه ولا محوه ، ورأوا أنهم كلما زادوا المسلمين اضطهاداً ومؤامرات ومكايد ، دار الزمن دورته ، فتفجَّر حقل إسلامي جديد من جهة من جهات الأرض ، فقدم نفسه للعالم نوراً مشرقاً ، ودعوة خيرة ، وقوة ذات بأس ومنعة.