الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن أجل ذلك أخذ أعداء الإسلام يوجهون مختلف القوى، ويتابعون ألوان الجهود، ويتخذون شتى الوسائل الممكنة لهم، لصد الشعوب الإسلامية عن اللغة العربية، وصرف الشعوب العربية عن اللغة العربية الفصحى، وتغذية اللهجات الإقليمية المحلية، وتشجيع أبناء الشعوب الإسلامية على أن تكون لغاتها المحلية ولهجاتها الإقليمية العامية البعيدة كل البعد عن اللغة العربية الفصحى هي اللغات المستعملة في كتاباتها المتنوعة، في العلوم والفنون والآداب والمعاملات وسائر ما يحتاج فيه إلى الكتابة والتسجيل، وتشجيعها أيضاً على هجر رسم الكتابة العربية، ووضع الحروف اللاتينية موضعها، أو إحداث رسم جديد بعيد عن الرسم العربي، الذي يضم نفائس الثروات العربية الإسلامية في شكله المختصر الجميل، وإن كان فيه بعض الصعوبة التي لم تكن في يوم من الأيام عائقاً عن الانطلاق في ميادين المعرفة، على أن هذه الصعوبة أقل من الصعوبات التي يعانيها مثلاً متعلم اللغة الإنكليزية ذات الرسم الحفظي، الذي لا تطابق فيه بين الرسم والنطق في كثير من مفرداتها.
ولكن الخطة المدبرة تهدف إلى محاربة الإسلام عن طريق تقليص ظل اللغة العربية الفصحى عن المسلمين، فهل يكون المسلمون على بصيرة مما يدبّر ضدهم، فيحذرون من خطط أعدائهم وأعداء دينهم.
(2) الاستعمار ومحاربته للعربية الفصحى
منذ دخلت القوات الاستعمارية عدداً كبيراً من البلاد الإسلامية، والدوائر الاستعمارية على اختلاف اتجاهاتها السياسية، وتباين مصالحها، ما فتئت تعمل على محاربة اللغة العربية الفصحى بمختلف الوسائل، بغية إبعاد شعوب هذه البلاد عن مصادر الشريعة الإسلامية، وفي مقدمتها القرآن الكريم والسنة المطهرة، ثم كتب التفسير والفقه، ومن ورائها سائر كتب العلوم الإسلامية والعربية، وذلك في خطتها لمحاربة الإسلام وهدم وحدة المسلمين.
ويقوم اليهود في إسرائيل وأجراؤهم في غيرها بالدور نفسه الذي قامت به الدول الاستعمارية.
فمن الوسائل التي اتخذوها لمحاربة العربية الفصحى محاولة صهر الشعوب الإسلامية المغلوبة بالشعوب الغالبة، وذلك بفرض لغة الغازين على أفراد الشعب المغلوب، وقد أخذ فرض لغة الغازين عدة أشكال وصور.
فمن ذلك جعل لغة المستعمرين لغة إجبارية في المدارس منذ المرحلة الابتدائية حتى المرحلة الجامعية فما فوق ذلك، واعتبارها هي اللغة الأولى في البلاد، مع إهمال اللغة العربية، بدعوى أنها لغة وطنية لا تحتاج إلى تعليم واسع، وهم يخلطون في هذا الكلام بين اللغة العامية المنتشرة وبين اللغة العربية الفصحى، لغة القرآن والسنة، ولغة العلوم العربية على اختلافها، لتنطلي الحيلة على أفراد الشعب، فلا يمر على الشعب المغلوب عقود من السنين حتى ينشأ فيه جيل ينطق بلغة المستعمرين، مثلما ينطق بها أهلها، وأما لغته العربية الأساسية فتصبح لغة منسية أو شبه منسية، حتى إذا أراد أن يتكلم بها أخذ يرطن فيها كما ترطن الأعاجم، متعثراً بالحرف والكلمة وبالصياغة والتركيب، بَلْه قواعد النحو والصرف.
ثم يتبع ذلك الإلزام بأن تكون لغة المستعمرين هل لغة دوائر الحكومة، ودواوين الدولة، وهذه الصورة لون من ألوان الإلزام القهري للشعب المغلوب على أمره أن ينسى لغته الأساسية، ويحل محلها لغة الغزاة المستعمرين، ويرافق ذلك حرمان طالب العمل أو الوظيفة مما يطلبه ما لم يكن متقناً للغة الغزاة المستعمرين إتقاناً جيداً، وفي هذا أيضاً لون من ألوان الإكراه على صهر الشعب المغلوب صهراً تاماً، باللغة التي يفرضها عليه غالبوه ومستعمروه.
وهذا ما حصل في بعض البلاد الإسلامية العربية، التي غدت زمرة كبيرة من أجيالها لا تحسن النطق إلا باللغة الأجنبية التي فرضتها عليها الدوائر الاستعمارية، بوسائلها التي تتسم بطابع الإكراه المباشر أو غير المباشر.
ونجم عن ذلك ابتعاد هذه الأجيال ابتعاداً كبيراً عن مصادر الشريعة الإسلامية، حتى صار أحدهم وهو العربي الأصيل لا يحسن تلاوة سورة من سور القرآن الكريم، ولا يحسن قراءة حديث من أحاديث الرسول العظيم، أو قصيدة من الشعر العربي، أو كتاب قد كتب باللغة العربية، مهما كانت عباراته
ومفرداته سهلة لينة مستساغة.
ولولا أن الله أنقذ بعض هذه البلاد بقيام حركات تحويرية ذات طابع إسلامي موصول بالقرآن الكريم، لاستمرت في الخط الموغل في البعد عن الدائرتين الإسلامية والعربية، حتى تكون في يوم من الأيام جزءاً لا يتجزأ من جسم الشعب الغازي، المستعمر بأسلحته ولغته ودينه، ومن أمثلة ذلك ما حاولته فرنسا في الجزائر....
ويمكن تلخيص خطة صهر الشعوب المغلوبة بالشعوب الغالبة بما يلي:
1-
جعل التعليم بلغة الشعب الغالب المستعمر إجبارياً في مختلف مراحل التعليم، ولجميع الموالد التعليمية.
2-
إهمال اللغة العربية التي هي اللغة الأساسية للبلاد إهمالاً كلياً أو شبيهاً به، أو جعلها في المراحل الأولى للخطة لغة ثانية لا لغة أولى، ثم التخفيف من شأنها شيئاً فشيئاً، حتى تصل إلى مرحلة الإهمال الكلي.
3-
التنفير من اللغة العربية، بإثارة عبارات الاستهزاء منها، ومن قواعدها، والاستهانة بها، مع الترغيب بلغة المستعمرين، عن طريق تزيينها في النفوس، وتوجيه الدعايات المختلفة لعلومها وفنونها وآدابها، وربط المنافع الاقتصادية والعلمية والسياسية والصلات العالمية بها.
4-
جعل لغة المستعمرين هي اللغة الرسمية لدوائر الدولة المغلوبة ولدواوينها، وكذلك يفعل اليهود في إسرائيل.
5-
حصر الوظائف والأعمال بالذين يتقنون لغة المستعمرين، وتتبع دولة إسرائيل هذه الخطة مع الشعب العربي في فلسطين.
إلى غير ذلك من وسائل أخرى تستخدمها الدوائر الاستعمارية، لصهر ما يريدون صهره من الشعوب بهم صهراً كليَّاً، حتى يفقدوا بذلك كل كيانهم الأصلي الشامل لكيانهم الديني واللغوي والتاريخي.
ويتفق مع الدوائر الاستعمارية في محاربة العربية الفصحى جناحا التبشير والاستشراق، وتؤازر الأجنحة الثلاثة الدوائر الصهيونية والدوائر الماركسية،