الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) المؤازرون من الداخل لقوى المكر الخارجية
يمكن حصر القوى المؤازرة من داخل صفوف المسلمين لكتائب الجيوش الغازية لبلاد المسلمين غزواً فكرياً، بغية هدم الإسلام وتجزئة المسلمين في أربعة أصناف منبثة داخل الشعوب الإسلامية. وقد تكون مؤازرتهم لهم بقصد وقد تكون بغير قصد، وربما تكون في صورة مقارعة كتائب هذا الجيش الغازي ومحاربتها لتضليل الجماهير عن حقيقة المؤازرة. وبعض هؤلاء المؤازرين من هذه الأصناف يسيئون إلى الإسلام والمسلمين بحسن نية، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وذلك بالانتصار للإسلام وفق الصور الخاطئة التي يفهمونها عنه.
والأصناف المؤازرة لكتائب جيوش أعداء الإسلام هي الأصناف الأربعة التالية:
الصنف الأول: الأجراء، وهم الذين باعوا نفوسهم لأعداء دينهم وأمتهم بثمن بخس دراهم معدودة أو منافع محدودة أو مناصب موعودة أو شهوات مبذولة ومتع مرذولة.
وكم سَّلم صنف الأجراء لأعداء الإسلام مفاتيح مادية ومعنوية لكنوز عظيمة داخل الحصون الإسلامية، فمن صنف الأجراء زمر سياسيون يطبقون خطط أعداء الإسلام عن طريق السياسة، ومنهم زمر عسكريون يفعلون مثل ذلك في الميادين العسكرية، ومن صنف الأجراء أيضاً زمر ضعفاء النفوس من المتعلمين وذوي المكانة الدينية يصطنعون لأعداء الإسلام المبررات، ويسهلون لهم المهمات، ويبردون حماسة الناس ضدهم. وقد يستخرجون لهم الفتاوى والتأويلات، وقد يتصيدون لهم من بطون الكتب الإسلامية الآراء الضعيفة المردودة، التي اقتضت الحركة العلمية الحية المتقدمة في عصور ازدهار الثقافات الإسلامية عرضها ومناقشتها وردها بالحجج والبراهين، ولكن هؤلاء
الأجراء يتعمدون التقاطها وعرضها من جديد، وربما يكونون متطوعين يغفلون عن أثرها السيء الذي تفعله في نفوس الأجيال الناشئة، بما تعطيه من مفاهيم خاطئة عن الإسلام. أما هدف أعداء الإسلام منها فيتلخص في أمرين:
الأمر الأول: تشجيع فريق من المسلمين للأخذ بها واعتناقاها، إبعاداً لهم عن حقيقة الإسلام النقية الصافية.
الأمر الثاني: إبراز صورة مشوهة عن الإسلام للأجيال التي يريدون أن يسبوها سبياً فكرياً ونفسياً من أحضان أسرتها وبيآتها الإسلامية، وبها يستطيعون أن يهدموا الإسلام من أفكار هؤلاء الناشئين، وأن ينفروهم من طريقة آبائهم وأسرهم، الملتزمين بالصورة المشوهة التي ساهم الأجراء باستخراجها وبثها، أو تحويرها والتلاعب فيها.
الصنف الثاني: الخارجون. وهم الذين خرجوا عن دينهم وأمتهم خروجاً كلياً أو جزئياً. وأخطر هؤلاء الخارجين الخارجون من طبقة المثقفين بالثقافات الحديثة، وهم في الحقيقة جنود من جنود العدو في أثواب وطنية، ولا تعدو مهمتهم أن تكون صورة تامة لمهمة المستشرقين والمبشرين والمستعمرين، إلا أنهم يستعلنون بوجه وطني، لأنهم من الأمة أعراقاً وأنساباً، وهذا الوجه الوطني لا يستطيع أن يلبسه العدو الأصلي، لذلك فإن تأثيره يظل أقل وأضعف حينما يباشر مكيدته بنفسه بصورة علنية.
وهؤلاء الخارجون يستوردون المبادئ والمذاهب الفكرية البعيدة عن مجال التقدم المادي للحياة الإنسانية، مما تصنعه الخطط الأجنبية المعادية للإسلام والمسلمين، ويعرضونها بأقلامهم بين الأجيال الناشئة من أبناء المسلمين، ويرفعون من شأنها، ويمجدون أصحابها، ويغرسون في قلوب هذه الأجيال حبَّها والتعلق بها، واعتبارها حقاً وفتحاً عظيماً في ميادين المعرفة، ثم يتعهدون غراسها بالسقي والحضانة والتغذية المستمرة، حتى يثمر في أفكارهم وقلوبهم إلحاداً بالله وكفراً وتنكراً وازدراء لدينهم وأمتهم، وكراهية لكل ما يتصل
بالإسلام من حقائق، ولكل ما يتصل بتاريخ المسلمين من عزٍّ وطيد، ومجدٍ تليد.
الصنف الثالث: المتهاونون، وهم الذين لا يبالون الأحداث ولا يكترثون بالأمور، ولا هم لهم في الحياة إلا أكل وشربٌ ومسكن ونكاح،وتكاثر وتفاخر بأعراض من الحياة الدنيا، ويبذلون في ميادين هذه الأمور كل ما وهبهم الله من قوى فكرية وجسدية ونفسية، فكل وقدة حرارية تتدفق بها حياتهم لا يرون لها سبيلاً إلا هذه الميادين، ولا ينظرون إلى أمور دينهم وأمتهم إلا بمقدار ما يكون لهذه الأمور من تأثير على الميادين التي فتنوا بها فتنة سلبتهم كل تفكير بغيرها.
وقد نجد فريقاً من هؤلاء سليم العقيدة الشخصية ظاهر التدين، وهو مع ذلك يروى مانعاً مثلاً من ترويج كتب الإلحاد والكفر بالله، وكتب إفساد الأخلاق ونشر الرذيلة، إذا كان له منها ربح كثير، ولا يرى مانعاً من ترويج سلع الفحش والرذيلة والتجارة بالمحرمات الشرعية حينما يكون الربح الكثير مرتبطاً بذلك، ولا يرى مانعاً من الرضى بحكم أعداء الإسلام حينما تكون مصالحه التجارية أو الوظيفية ميسرة عن طريقهم. ولا يرى مانعاً من تسليم أبنائه وبناته إلى أيدي المبشرين والمستعمرين، يربونهم تربيةً معادية للإسلام والمسلمين، رغبة بأن يتقنوا لغة أجنبية إتقاناً حسناً، ليساعدوهم على تسهيل مصالح الاستيراد والتصدير. ولا يرون مانعاً أيضاً من استيراد الخمور ونحوها رغبة بزيادة موارد خزينة الدولة، عن طريق الضرائب على ما يستورد منها، إلى غير ذلك من أمثلة كثيرة.
وهؤلاء المتهاونون الذين لا يبالون الدين، ولا يكترثون بما يهدمه ولا بما يبنيه، هم السواد الأعظم داخل الشعوب الإسلامية، وهم في الحقيقة حقول العمل والاستغلال، التي تنتشر فيها قوى أعداء الإسلام.
ولئن لم يكن لهؤلاء أعمال إيجابية ظاهرة تساهم مع الأعداء في هدم الإسلام وتوهين المسلمين، فإن استكانتهم واستخذاءهم وتهاونهم مساهمة سلبية خطيرة تعطي كل الفرص الملائمة للأعمال الإيجابية المضادة، وخطر
هذا التهاون من أبلغ الخطر. إنه أشد خطراً من الفرار في المعارك الحاسمة مع العدو إذ هو مساهمة صامتة.
الصنف الرابع: المنفرون من الدعاة، وهم بعض القائمين بالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبيان أحكام الدين، وهم جهلة بحقيقة الإسلام أو بطرق الدعوة إليه، مع تعصبهم لما يرون من فكر غير صحيح عن الإسلام، أو عن طريق الدعوة إليه والعمل له.
ونجد هذا القسم أحياناً متصدراً مراكز إسلامية مرموقة.
وعناصر هذا القسم يقدمون بما يقولون وبما يعملون صورة للإسلام مشوهة منفرة، ويكون ضررهم أشد وأبلغ حينما لا يرى الناس الإسلام إلا من خلال الصورة المشوهة المنفرة التي يقدمونها.
وجهل هؤلاء يساعد أعداء الإسلام على بث أفكارهم بين أبناء المسلمين، فهم في الحقيقة قوة مؤازرة مساعدة وهم لا يعلمون، ويحسبون أنهم يحسنون صنعاً وهم لا يشعرون.
وكثيراً ما يكون هؤلاء بمثابة عقبات صادة، تصد من لديهم استعدادات حسنة لالتزام الإسلام عقيدة وعملاً.
* * *