الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فإذا وجب الوضوء على الأمة مع أنه لم يكن يفعله، فوجوب الاغتسال الذي فعله أولى.
والرواية الثانية: لا يجب. بل يستحبُّ، لأنه زوال عقل، فلم يُوجب الاغتسالَ كالنوم، ولأن الحقيقة هنا أمكن اعتبارُها، فإن المنيَّ يبقى في ثوبه وبدنه، بخلاف الحدث في النوم فإنه لا يُعلَم.
وعلى هذه الرواية، لو وجد بللًا
(1)
ولم يتيقَّنه منيًّا، فقيل: لا يجب الغسل أيضًا، بخلاف النوم، لأنه يمكن أن يكون من المرض المزيل للعقل. وقيل: يجب كالنوم، وأولى
(2)
لأنَّ هذا يُشرَع له الاغتسال بكلِّ حال بخلاف النائم، فوجوب الاغتسال عليه [مما]
(3)
يجب على النائم= أولى. ولهذا لو رأى المريض غير المبرود بللًا حكَمنا بأنه منيٌّ، بخلاف صاحب الإبْرِدة. والله أعلم.
مسألة
(4)
: (والواجب فيه: النيّة، وتعميم بدنه بالغسل، مع المضمضة والاستنشاق)
.
أما النية، فقد تقدَّم دليلُ وجوبها. والنية [126/أ] المجزئة: أن يُقصَد رفعُ حدث النجاسة، والاغتسالُ لما يُشترط له ذلك، كما قلنا في الوضوء.
فإن توضَّأ أو اغتسل بنية طهارة مسنونة، مثل أن ينوي تجديدَ الوضوء،
(1)
«بللًا» ساقط من المطبوع.
(2)
«أولى» ساقط من المطبوع.
(3)
زيادة ليستقيم المعنى.
(4)
«المستوعب» (1/ 89 - 90)، «المغني» (1/ 289 - 291)، «الشرح الكبير» (2/ 130 - 132)، «الفروع» (1/ 266).
أو الوضوءَ لقراءة القرآن، أو لذكر الله، أو للنوم، أو للجلوس في المسجد؛ أو يغتسل غسل الجمعة ونحوها من أغسال الصلوات والمناسك= ففيه روايتان:
إحداهما: يجزئه، كما لو تطهَّر لصلاة نافلة أو مسِّ المصحف.
والثانية: لا يجزئه عن الواجب، لأنه لم يقصد
(1)
الطهارة الواجبة، ولا ما وجبت له الطهارة، فلم يجزئه، كما لو تطهَّر لزيارة الصديق. وقال أبو حفص العكبري وغيره: إن نوى الطهارةَ لما يُشرع له رفعُ الحدث، كقراءة القرآن واللبث في المسجد، أجزأه. وإن نوى ما لا يُشرع معه رفعُ الحدث كالتجديد وغسل الجمعة لم يجزئه
(2)
.
فصل
وأما تعميم بدنه بالماء، فالمراد أن يغسل الظاهرَ جميعَه، وما في حكمه من الباطن، وهو ما يمكن إيصالُ الماء إليه من غير ضرر، وهو ما يُسَنُّ إيصالُ الماء إليه في الوضوء، أو يُغسَل من النجاسة، كالبشرة التي تحت الشعور الكثيفة مثل شعر الرأس واللحية، ومواضع المبالغة من باطن الفم والأنف.
هكذا ذكر بعض أصحابنا. وآخرون أوجبوا هنا ما يجب في الوضوء، لأن الصائم يُنهَى عن المبالغة، فإن بالغ دخل في النَّهي
(3)
وإن لم يبالغ لزم
(1)
في الأصل والمطبوع: «لا يقصد» .
(2)
انظر: «الإنصاف» (1/ 311).
(3)
في المطبوع: «المنهي» ، والمثبت من الأصل.
[126/ب] الإخلالُ بواجب في الغسل؛ ولأن الصائم المتطوِّع لا يبالغ، ولو كان واجبًا لما سقط بالتطوُّع. وهذه طريقة أبي حفص في الوضوء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:«تحت كلِّ شعرة جنابة، فبُلُّوا الشَّعر وأنقُوا البشرة»
(1)
.
احتجَّ به الإمام أحمد في رواية حنبل. وعن علي قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «مَنْ ترك موضعَ شَعْرة من جنابة لم يُصِبْها الماءُ فعَل الله به كذا وكذا من النار» . قال علي: فمِن ثَمَّ عاديتُ شَعري
(2)
. رواه أحمد وأبو داود
(3)
. ولأنها طهارة تتعلَّق بجميع البدن، فتعلَّقت بكلِّ ما يمكن، كطهارة الجنب.
(1)
أخرجه أبو داود (248)، والترمذي (106) وابن ماجه (597)، من حديث أبي هريرة.
إسناده ضعيف جدًّا، تفرد به الحارث بن وجيه وهو منكر الحديث، وبه ضعفه أبو داود والترمذي وأبو حاتم.
وفي الباب عن عائشة وأنس وأبي أيوب وعلي، انظر:«البدر المنير» (2/ 575 - 578).
(2)
في الأصل: «من شعري» .
(3)
أحمد (727)، وأبو داود (249)، وابن ماجه (599)، من طرق عن حماد بن سلمة، عن عطاء بن السائب، عن زاذان، عن علي به.
في إسناده علتان:
إحداهما: أن عطاء اختلط بأخرة، وحماد ممن سمع منه قبل الاختلاط وبعده، ولا يدرى حال هذا الحديث في أي السماعين كان.
والأخرى: أن جماعة من الرواة عن عطاء أوقفوه على علي كما في «العلل» للدارقطني (3/ 207 - 208)، وضعف الحديث النووي في «المجموع» (2/ 184)، وصححه الطبري في «تهذيب الآثار» (3/ 277)، ومغلطاي في «الإعلام» (3/ 9 - 11)، وابن حجر في «التلخيص الحبير» (1/ 142).