الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الملموس أصليًّا نقَضَ، وإن كان زائدًا فقد وُجِد لمسٌ لشهوة من غير الجنس. ولا ينتقض وضوء الملموس لعدم اليقين.
فإن مسَّ الرجل ذكره لشهوة، والمرأة فرجه
(1)
لشهوة، انتقض وضوءه هنا لتيقن أنه ملموس لشهوة من غير جنسه. ولو كان مسُّ أحدهما لشهوة انتقض
(2)
وضوءه فقط، دون الخنثى [واللامس الآخر. ولو كان]
(3)
مسُّهما لغير شهوة لم ينتقض وضوء الخنثى، وانتقض
(4)
وضوء أحدهما لا بعينه، وكلُّ واحد منهما يبني على يقين طهارته في المشهور. وعنه: يجب عليهما الوضوء. ولو مس الرجل فرجه والمرأة ذكره فكذلك، ولا ينتقض وضوء الخنثى إلا أن يكون مسُّهما لشهوة.
[101/أ] وجميع ذلك في اللمس مباشرة. فأما اللمسُ من وراء الحائل، فلا ينقض، لما تقدَّم.
مسألة
(5)
: (ولمسُ المرأة لشهوة)
.
ظاهر المذهب أن الرجل متى وقع شيء من بشرته على بشرة أنثى لشهوة انتقض وضوءه. وإن كان لغير شهوة، مثل أن يقبِّلها رحمةً لها، أو يعالجها
(1)
أثبت في المطبوع: «فرجها» ، والمقصود فرج الخنثى.
(2)
في المطبوع: «انتقض لشهوة» .
(3)
في الأصل: «والامس الأولوفان» ، والمثبت قراءة تخمينية، وفي المطبوع:«والامس الأول، فإن» .
(4)
في المطبوع: «وينتقض» ، والمثبت من الأصل.
(5)
«المستوعب» (1/ 77 - 78)، «المغني» (1/ 256 - 262)، «الشرح الكبير» (2/ 42 - 48)، «الفروع» (1/ 230 - 233).
وهي مريضة، أو تقع بشرته عليها سهوًا، وما أشبه ذلك= لم ينقض. وعنه: ينقض اللمسُ مطلقًا لعموم قوله {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] وقراءة حمزة والكسائي: {أَوْ لَمَسْتُمُ النِّسَاءَ}
(1)
. وحقيقة الملامسة التقاء البشرتين، لا سيما اللمس فإنه باليد أغلب، كما قال:
لمستُ بكفِّي كفَّه أطلبُ الغنى
(2)
ولهذا قال عمر وابن مسعود
(3)
: القُبلة من اللمس، وفيها الوضوء
(4)
.
وقال عبد الله بن عمر: قُبلة الرجل امرأته وجَسُّها بيده من الملامسة
(5)
.
ولأنه مسٌّ ينقُض، فلم تعتبر فيه الشهوة كمسِّ الذكر، ولأن مسَّ النساء في الجملة مظنة خروج الخارج، وأسبابُ الطهارة مما نيط الحكمُ فيها بالمظانّ بدليل الإيلاج والنوم ومسِّ الذكر.
وعنه: أنَّ مسَّ النساء لا ينقض بحال
(6)
، لما روى حبيب بن أبي ثابت
(1)
انظر: «الإقناع» لابن الباذش (2/ 630).
(2)
عجز البيت: ولم أدرِ أنَّ الجُودَ من كفِّه يُعْدي.
وهو لابن الخياط من قصيدة يمدح بها المهدي. انظر: «مقطّعات مراثٍ عن ابن الأعرابي» (ص 51) و «الأغاني» (19/ 273) و «الموازنة» للآمدي (1/ 70). وينسب إلى بشار بن برد. انظر: «الأغاني» (3/ 144). ولعل أول من استدل بالبيت الإمام الشافعي في «الأم» (1/ 30).
(3)
في الأصل: «عمر بن مسعود» . وزاد في المطبوع: «رضي الله عنهما» .
(4)
أخرجهما الدارقطني (1/ 144 - 145) وصححهما.
(5)
أخرجه مالك (106)، والدارقطني (1/ 144) وصححه.
(6)
وهذا هو اختيار المصنف. انظر: «مجموع الفتاوى» (21/ 233 - 242)، (25/ 238)، و «الفروع» (1/ 181) و «اختيارات» البرهان ابن القيم (رقم 81) وابن اللحام (ص 16).
عن عروة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبِّل بعض نسائه، ثم يصلِّي، ولا يتوضأ. رواه أبو داود والترمذي وابن ماجه
(1)
. ورواه إبراهيم التيمي عن عائشة، أخرجه أبو داود والنسائي
(2)
،
وقد احتج به أحمد في رواية حنبل
(3)
. وقد تكلَّم هو [101/ب] وغيره في الطريق الأولى بأن عروة المذكور هو عروة المزني، كذلك قال سفيان الثوري:[ما]
(4)
حدثنا حبيب
(1)
أبو داود (179) والترمذي (86) وابن ماجه (502)، وأحمد (25766)، من طرق عن حبيب بن أبي ثابت، عن عروة، عن عائشة به.
واختلف في صحته للنزاع في سماع حبيب من عروة بن الزبير، وللخلاف قبل ذلك في عروة أهو ابن الزبير أم المزني؟ وقد ضعَّفه جماهير النقاد: يحيى القطان والبخاري وأحمد وابن معين في آخرين، وقال ابن عبد البر في «الاستذكار» (3/ 52):«صححه الكوفيون، وثبتوه؛ لرواية الثقات أئمة الحديث له، وحبيب بن أبي ثابت لا ينكر لقاؤه عروة؛ لروايته عمن هو أكبر من عروة، وأجل وأقدم موتًا، وهو إمام من أئمة العلماء الجلة» .
انظر: «الإمام» (2/ 242 - 245)، «الإعلام» (2/ 80 - 91).
(2)
أبو داود (178)، والنسائي (170)، من طرق عن أبي روق، عن إبراهيم التيمي، عن عائشة به.
إسناده ضعيف، أبو روق فيه مقال، وإبراهيم لم يسمع من عائشة، قال النسائي:«ليس في هذا الباب حديث أحسن من هذا الحديث، وإن كان مرسلًا» .
انظر: «الخلافيات» (2/ 171 - 173)، «الاستذكار» (3/ 53).
(3)
انظر: «الانتصار» لأبي الخطاب (1/ 323).
(4)
ما بين المعقوفين ساقط من الأصل. انظر: «سنن أبي داود» (180).
إلا عن عروة المزني، وعروة هذا لم يدرك عائشة. وإن
(1)
كان عروةَ بن الزبير فإن حبيبًا لم يدركه. قال إسحاق بن راهويه: لا تظنُّوا
(2)
أن حبيبًا لقي عروة. وفي الثاني: بأنّ إبراهيم التيمي
(3)
لا يصحُّ سماعه من عائشة.
وجواب هذا: أنَّ عامّة ما في الإسناد نوع إرسال، وإذا أُرسل الحديث من وجهين مختلفين اعتضد أحدهما بالآخر، لا سيّما وقد رواه البزَّار
(4)
بإسناد جيِّد عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها مثله. ورواه الإمام أحمد عن عمرو بن شعيب عن زينب السهمية عن عائشة
(5)
.
ولأنه مسٌّ فلم ينقُض
(6)
(1)
في الأصل: «وانه» زاد هاء، وقد سبق نحوه.
(2)
في الأصل: «لا يظنُّون» ، والتصحيح من «المغني» (1/ 258) والظاهر أن المصنف صادر عنه.
(3)
في الأصل: «التميمي» ، تحريف.
(4)
لم أقف عليه في القطعة المطبوعة من مسند عائشة، وأورده الإشبيلي في «الأحكام الكبرى» (1/ 430 - 431) بإسناد البزار من حديث عبد الكريم الجزري، عن عطاء، عن عائشة بمثله.
قال البزار: «إسناده حسن» ، وقال ابن حجر في «الدراية» (1/ 45):«رجاله ثقات» ، غير أن في رواية عبد الكريم، عن عطاء مقالًا، وقد عد ابن معين هذا الحديث من مناكيره، وصوب الدارقطني في «السنن» (1/ 137) رواية عبد الكريم، عن عطاء قوله، وأعل بها المرفوع. انظر:«الإمام» (2/ 254 - 260)، «الإعلام» (2/ 85 - 87).
(5)
برقم (24329)، وابن ماجه (503)، من طرق عن الحجاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيب، عن زينب السهمية، عن عائشة به.
إسناده ضعيف، الحجاج مدلس وقد عنعنه، وفي زينب جهالة، وبذلك ضعفه أبو حاتم وأبو زرعة كما في «العلل» لابن أبي حاتم (1/ 566)، والدارقطني في «السنن» (1/ 142).
(6)
في المطبوع: «ينتقض» ، والمثبت من الأصل.
كمسِّ البهيمة. والملامسة في الآية، المراد بها الجماع. كذلك قد فسَّرها علي
(1)
وابن عباس
(2)
. قال سعيد بن جبير: اختلف الموالي والعرب في الملامسة في الآية، فقال عبيد بن عمير
(3)
والعرب: هي الجماع. وقال عطاء والموالي: هي ما دون الجماع. فدخلتُ على ابن عباس، فذكرتُ ذلك، فقال:[من]
(4)
أيهما كنتَ؟ قلتُ: من
(5)
الموالي: قال: غُلِبَت الموالي، إن الله حييٌّ كريم، يكني عما شاء
(6)
بما شاء، وإنه كنى بالملامسة عن الجماع. وفي لفظ عنه قال: اللمس والمباشرة والإفضاء والرفث في كتاب الله: الجماع
(7)
.
ولأن اللمس كالمسِّ، وقد أريد به الجماع في قوله:{وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 237]. والملامسة لا تكون إلا من اثنين، فيجب حملُها على الجماع.
والصحيح: الأول، لأن الله تعالى أطلق ذكر [102/أ] مسِّ النساء،
(1)
أخرجه ابن أبي شيبة (1771).
(2)
أخرجه ابن أبي شيبة (1768، 1769).
(3)
في الأصل: «عبيد الله بن عمرو» وهو غلط.
(4)
زيادة يقتضيها السياق. وانظر: «تفسير الطبري» (7/ 63).
(5)
في الأصل: «في» .
(6)
في المطبوع: «يشاء» ، والمثبت من الأصل.
(7)
أخرجه بلفظيه ابن أبي شيبة مختصرًا (1779، 1781)، وبتمامه سعيد بن منصور في التفسير من «السنن» (4/ 1262 - 1263، 1265)، والطبري في «جامع البيان» (7/ 63 - 67).
والمفهوم من هذا في عُرف أهل اللغة والشرع هو المسُّ المقصود من النساء، وهو اللمسُ للتلذّذ وقضاء الشهوة، فإنّ اللمس لغرض آخر لا يُفهم
(1)
من تخصيص النساء بالمسِّ، إذ لا فرق بينهن وبين غيرهن في ذلك المسِّ واللّمس، وإن كان عامدًا؛ لكن نسبته إلى النساء أوحت تخصيصه بالمقصود من مسِّهن، كما خصَّ في الطفلة وذوات المحارم.
ويدلّ على ذلك أنّ كلَّ مسٍّ ومباشرةٍ وإفضاءٍ ذُكِر في القرآن، فالمراد به ما كان مع الشهوة. وجميعُ الأحكام بمسِّهن مثل تحريم ذلك على المُحرِم والمعتكف، ووجوب الفدية في الإحرام، وانتشار حرمة المصاهرة، وحصول الرجعة عند من يقول بذلك= إنما تثبت في مسِّ الشهوة.
ولا يقال: مسُّ النساء في الجملة هو مظنة أن يكون لشهوة، فأقيم مقامه؛ لأنَّا
(2)
نقول: إنَّ الحكمة إذا كانت ظاهرةً منضبطةً نيط الحكمُ بها دون مظنتها، وهي هنا كذلك، بدليل سائر الأحكام. ولأنَّ اللمس مع الشهوة هو المظنة لخروج المذي والمني، فيقام مقامه، كالنوم مع الريح؛ بخلاف الخالي من الشهوة، فإنه كنوم الجالس يسيرًا.
ولو كان المراد به الجماع خاصّةً لاكتفي بذكره في قوله {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]، أو
(3)
أعيد باسمه الخاصِّ، وهو الجنابة، ليتميَّز به عن غيره، وليعُمَّ الجنابة بالوطء وبالاحتلام
(4)
.
(1)
في الأصل: «فلا يفهم» . وأخشى أن يكون «فإن اللمس» صوابه: «فأمّا اللمس» .
(2)
في المطبوع: «لأننا» ، والمثبت من الأصل.
(3)
في الأصل: «لو» ، تحريف. وفي المطبوع:«ولو» .
(4)
في الأصل والمطبوع: «وبالاختلاف» والظاهر أنه تصحيف ما أثبتنا.
وجميع المواضع المذكورة في القرآن، فإن المراد بها: المسُّ لشهوة مطلقًا من الجماع وما دونه، كقوله:{وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187]، وقوله:{أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ} [البقرة: 187]، وقوله:{فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ} [البقرة: 197]، [102/ب] وقوله:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [البقرة: 236]، وقوله:{ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ}
(1)
[الأحزاب: 49].
وحينئذ فيكون قوله: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 6] يعمُّ نوعَي الحدث الأكبر والأصغر، كما قال ابن عمر، ويفيد التيمُّم لها.
ويدل على الوضوء مع الشهوة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامعَ إذا لم يُمْنِ أن يتوضأ كما يتوضأ للصلاة، ويغسل ذكره، حين كان «لا ماءَ إلَّا من الماء»
(2)
، فلو
(3)
لم يكن المسُّ ينقض الوضوء لَمَا أمرَ بذلك. ثم بعد ذلك فُرِض الغسلُ، وذلك زيادةٌ على ما وجب أولًا، لا رفعٌ له.
وروى معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله، ما تقول في رجلٍ أصاب من امرأة لا تحِلُّ له، فلم يدع شيئًا يصيب الرجل من المرأة إلا قد أصابه منها، إلا أنه لم يجامعها؟ فقال:«توضَّأْ وضوءًا حسنًا، ثم قُمْ فصَلِّ» . قال: فأنزل الله هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ
(1)
في المطبوع أثبت مكانها الآية (237) من سورة البقرة.
(2)
انظر: «صحيح البخاري» (292، 293) و «صحيح مسلم» (343 - 350).
(3)
«فلو» ساقط من المطبوع.
اللَّيْلِ} [هود: 114] فقال معاذ: أهي له
(1)
خاصَّةً أم للمسلمين عامَّةً؟ قال: «بل هي للمسلمين عامةً» رواه أحمد والدارقطني
(2)
. فأمر بالوضوء مع المباشرة دون الفرج.
وحديث عائشة المتقدِّم ــ إن صحَّ ــ محمولٌ على أن اللمس كان بِرًّا وإكرامًا
(3)
ورحمةً وعطفًا، أو أنه قبل أن يؤمر بالوضوء من مسِّ النساء، كما قلنا في مسِّ الذكر.
ويدل على أنّ مجرَّد اللمس لا ينقض: ما روت عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنام بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجلاي في قِبلته، فإذا أراد أن يسجد غمَزَ رجلي، فقبضتُها، وإذا قام بسطتُها، والبيوت [103/أ] يومئذ ليس فيها مصابيح. رواه البخاري وأبو داود والنسائي
(4)
. [وفي لفظ للنسائي]
(5)
: إنْ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لَيُوتر، وإنِّي لَمعترضة بين يديه اعتراضَ الجنازة، حتّى إذا أراد أن يوتر مسَّني برجله.
وروى الحسن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسًا في مسجده في الصلاة،
(1)
«له» ساقط من المطبوع.
(2)
أحمد (22112)، والترمذي (3113)، والدارقطني (1/ 134)، من طرق عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن معاذ به.
قال الترمذي: «هذا حديث ليس إسناده بمتصل، عبد الرحمن بن أبي ليلى لم يسمع من معاذ» ، وكذا أعله البيهقي في «السنن الكبرى» (1/ 125)، وصححه الدارقطني بعد إخراجه إياه.
(3)
في المطبوع: «كان يراد إكرامًا» ، تحريف.
(4)
البخاري (382)، ومسلم (512)، وأبو داود (713)، والنسائي (168).
(5)
الزيادة من المطبوع. والحديث في «سنن النسائي» برقم (166)، ورجاله ثقات.